يقال أن استعمال الخطاب الحاد واللسان الخشن في الدعوة إلى الله تعالى غالبًا ما تستلزم التنفير، والخشونة في الدعوة أمرٌ ممنوع ولا تحبذه الشريعة.
• نحن إذ عرضنا ما كان من عمار بن ياسر في صفين وقد قلنا أنه كان يدعو إلى الجنة كما ذكر ذلك الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فإنا نقول أن دعوته إلى الجنة لم تكن تخلو من خشونة في الألفاظ.
• فهل أفضى سب عمّار وخشونة ألفاظه في دعوته إلى الجنة إلى الحيلولة دون اهتداء بعض من أهل الشام أم لا؟ لأن الإشكالية في مقصدها تقول بأننا لو استعملنا هذه الخشونة فإن ذلك يؤدي بأن لا يقبل على دعوتنا، ويؤدي إلى تنفيرهم كما يزعم الزاعمون.
• نحن من جانبنا نقول أولًا إن الدعوة إلى الجنة تجتمع معها خشونة اللفظ بحسب المقتضيات وموارد الحكمة، وثانيًا، أن من ذا قال لكم أن استعمال الخشونة في مواردها الراجحة شرعًا وعقلًا سينفّر من شاء الله هدايته؟ إن أمامكم نموذجا واقعي قد وقع في صفين وهو أن عمارا كان حاد اللسان ومع ذلك فقد اهتدى بعض من أهل الشام.
• في كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 343: وفي حديث عمرو بن شمر قال: حمل عمار بن ياسر ذلك اليوم وهو يقول:
كلا ورب البيت لا أبرح أجي
حتى أموت أو أرى ما أشتهي
أنا مع الحق أحامي عن علي
صهر النبي ذي الأمانات الوفي
نقتل أعداه وينصرنا العلي
ونقطع الهام بحد المشرفي
والله ينصرنا على من يبتغي
ظلما علينا جاهدا ما يأتلي
• قال: فضربوا أهل الشام حتى اضطروهم إلى الفرار. قال: ومشى عبد الله بن سويد الحميري سيد جرش إلى ذي الكلاع فقال له: لم جمعت بين الرجلين؟ قال: لحديث سمعته من عمرو وذكر أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وهو يقول لعمار بن ياسر: يقتلك الفئة الباغية. فخرج عبد الله بن عمر العنسي، وكان من عباد أهل زمانه، ليلا فأصبح في عسكر علي، فحدث الناس بقول عمرو في عمار.
• وقال الجرشى:
ما زلت يا عمرو قبل اليوم مبتدئا
تبغي الخصوم جهارا غير إسرار
حتى لقيت أبا اليقظان منتصبا
لله در أبي اليقظان عمار
ما زال يقرع منك العظم منتقيا
مخ العظام بنزع غير مكثار
حتى رمى بك في بحر له حدب
تهوي بك الموج ها فاذهب إلى النار
• وقال العنسي:
والراقصات بركب عامدين له
إن الذي جاء من عمرو لمأثورُ
قد كنت أسمع والأنباء شائعة
هذا الحديث فقلت الكذب والزورُ
حتى تلقيته عن أهل عيبته
فاليوم أرجع والمغرور مغرورُ
واليوم أبرأ من عمرو وشيعته
ومن معاوية المحدو به العيرُ
• هذان إثنان لم ينفرهما كلام عمار وشتائمه، فقد اهتديا واستبصرا وتابا من توليهما للبغاة ورؤوسهم كمعاوية وعمرو وذهبا ودخلا في صفوف عسكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ونستفيد من هذا نقطة جدا مهمة وهي أن خشونة اللسان إذا ما اقترنت بقوة الدليل والبرهان فإنها لن تكون حائلًا أمام من شاء الله تعالى هدايته
• إن قوة الحجة تقطع الطريق على المؤلبين؛ الذين يؤلبون الناس على الداعي إلى الله تعالى بحجة أنه حاد اللسان وشتام وطعان