7 ذو القعدة 1441
إن الدارس لأي حركة تغيير اجتماعي على امتداد التاريخ، لا بد أن يجد منظومتها الفكرية تتقوم بعناصر ثلاثة: شعار ودثار وجوهر. أما الشعار فللعوام، وهو ما يشكل مظاهر الخطاب العام للحركة، التي منها تعرف وبها تميز. وأما الدثار فللعلماء، وهو التأصيل النظري لمنهج الحركة ونظامها. وأما الجوهر فللأولياء، وهو روح الحركة التي من حلت فيه صار قادراً على توجيه الحركة وتولي زمامها وفق مبادئها الأساسية وقيمها العليا، حتى في الموارد التي يقصر عنها التنظير. وسواءً كانت الحركة ذات صبغة دينية أم غير ذلك، فلو اختل أحد العناصر الثلاثة لوجدت خللاً ملحوظاً فاعليتها. فهكذا كان الإسلام منذ مبدئه شعارات يلهج بها المنتمون، ونظاماً عقدياً وتشريعياً يسير وفقه المؤمنون، وحقيقة نورانية في قلب المعصوم ينضح منها بقدر إلى قلوب أوليائه. وهكذا هي كل الحركات الفكرية، الأدنى فالأدنى.
ولا شك أن حركة الرفض المعاصرة، التي حمل رايتها الشيخ الحبيب طيلة سنوات جهاده، تملك من الشعارات ما يمكن أن يأخذ سريعاً بمجامع قلوب المؤمنين. فمن من المؤمنين لا يهفو لشعارات نصرة العترة الطاهرة والبراءة من أعدائهم؟ ولا غرو أن ترى الناس تنجذب إلى منهج أو تتعاطف معه إعجاباً بشيء من شعاراته، فهذه إحدى الفوائد المرجوة للشعار. إلا أن المشكلة تكمن في من يتبنى المنهج ويتغلغل في أوساطه مكتفياً ببعض ما يسمع ويرى من شعارات، فتراه في أول أيامه مندفعاً، ثم لا تلبث أن تراه متزلزلاً لا قرار له، يعبث به كل طارئ وتميل به كل شبهة. وهكذا فمن دخل المنهج بالشعارات كادت تخرجه الشعارات، ومن دخل بالعلم زالت الجبال ولم يزل.
وهكذا تجد للأسف بعضاً من المنتمين لهذا التيار، لا يكاد جهازه المركزي يعلو جبلاً ولا يهبط وادياً إلا وجدتهم حولهم معترضين. ولا أعني باعتراضهم بطبيعة الحال أنهم يوردون إشكالات علمية يناقشون بها منهجية التيار، بل تراهم لا يزالون ولو بعد سنين من التحاقهم بالركب يحاكمونه وفق ما فهموه من شعاراته، سواء صح فهمهم أم لم يصح. فمن ذلك اللومُ المستمر للحبيب في مواقفه من الشخصيات المعاصرة، لماذا أسقط فلاناً الذي يحبون ولماذا أغضى عن فلان وهم يرجون إسقاطه، رغم أن منهج الشيخ في ذلك مبثوث في كتبه ومحاضراته وبياناته. ومن ذلك النصوص الشرعية الظاهرة في خلاف شيء من أسس المنهج، التي لا يزال يعاد الإشكال بها على الشيخ رغم أنه حرص على معالجة إشكالاتها منذ أوائل حركته. أما إعلان تشيع أخينا مطرب الشمري فرج الله كربه فلا أكاد أفهم ماذا أشكل فيه على بعض المنتسبين، فلا هم بالذين ناقشوا المباني والأسس العلمية لمنهج اتحاد خدام المهدي عليه السلام، ولا هم بالذين اعترضوا على شيء من شعاراته التي تصب كلها بوضوح في دعم مثل تحرك الشمري.
إن مثل هذه الاعتراضات تنم عن حالة من الانتماء أدنى حتى من التلبس بالشعارات بغير علم، فلعل في المنتمين لهذا التيار من لم يطلع حتى على شعاراته! ويا قوم لا أسألكم في هذا المقام قراءة كتب الشيخ الحبيب أو متابعة محاضراته، بل اكتفوا فقط بقراءة بعض عناوينها. أينكم عن "تحرير الإنسان الشيعي"، و"دماؤنا قربان لإظهار الحق والبراءة"، و"نحن كالمفيد.. نجاهر بالرفض وسط الدماء"؟ ألا تفهمون من بعض ذلك أن هذا المنهج يندب لخصال الفتوة وبذل الأنفس في سبيل إعلاء كلمة الحق والدعوة إليه؟ فإن لم يناسبكم ذلك عملياً فلا زال هذا المنهج يضع هامشاً للتقية في مواردها الشرعية، لا يُخرج العامل بها من ربقة الإيمان، بل لا يصنفه حتى خارج عالمه "الأول". وإن لم يرق ذلك لكم حتى نظرياً، فما لكم ولهذا المنهج، ألا ترون كثرة الخطوط والتيارات من حولكم؟ ولعمري إن من يطلب السلامة والدعة فيها أكثر ممن يطلب الحق إن شق على نفسه.
وإني لأدرك أن لا بد في كل تيار من فئة تنتسب له عاطفةً دون تفقه في أدبيات منهجه، وإني قد أعذرهم في ذلك لعدم تخصصهم وبعدهم عن الجو العلمي، إلا أني لا أجد لهم عذراً في إفراطهم في المعارضة وحرصهم على فرض رأيهم. فماذا عليهم إذ رأوا ما ينكرون من قيادة التيار لو سلموا لهم فيما يصنعون لخبرتهم ورسوخ قدمهم فيه، أما كان ذلك خيراً من سعيهم في إضعاف الكلمة وخلخلة صفوف الجماعة؟ وماذا كان ضرهم لو درسوا تصرف الشمري بموضوعية وفق منهجية اتحاد خدام المهدي ثم قدّموا نتائجهم إلى إدارة فدك وصوت العترة مستوضحين، أو قل ناصحين، لعل شيئاً ما غاب عن أحد الطرفين كفيل بإصلاح نظرته تجاه موقف الآخر؟
إذا كتب الله لهذا المنهج فتحاً قريباً بإذنه، فإن أخطر ما يكون عليه عناصره المعتّدون بأنفسهم وهمّتهم لا تتجاوز سطح المنهج وقشوره. وإن أحوج ما يكون إليه عناصر تشربوا روح المنهج فامتزجت بأرواحهم، حتى صار سلوكه طبعهم وسليقتهم، لا يتصنّعونه ولا يزيغهم عنه تكالب الناس ضده. أما الطائفة الأولى فرأينا منهم الكثير عبر السنين، ممن انضموا للاتحاد فما زادوا أعضاءه إلا خبالاً، يَضلّون ويُضلّون مَن خلفهم ويفسدون في الأرض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وأما الطائفة الثانية فتفقهوا في دينهم حتى اختاروا منهجهم على علم ودراية، وتقدّموا في ذلك حتى خالطهم وصار جزءاً من صبغتهم، بهم ترفع رايات الحق ويوطّأ له في الأرض. وهم الكبريت الأحمر في ندرتهم، فإن كنت تبحث عنهم فلعلك تجد منهم في المتشيعين الصادقين، الذين لا يستحبون شيئاً على نصرة الحق ولو كان راحتهم وسلامة أنفسهم، كالذي لمسناه من أخينا الشمري، فرج الله عنه وأجزل له بصدق نيته المثوبة.
بقلم: عدنان