قال الشيخ الأعظم في المكاسب: هذا ولكن الأقوى هو الأول لعموم دليل نفي الإكراه لجميع المحرمات حتى الإضرار بالغير ما لم يبلغ الدم وعموم نفي الحرج فإن إلزام الغير تحمل الضرر وترك ما أكره عليه حرج. وقوله عليه السلام: "إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقية"، حيث إنه دل على أن حد التقية بلوغ الدم، فتشرع لما عداه.
قال الشيخ الحبيب: وفيه: ١- أن الإضرار بالغير لا يدخل في عموم دليل نفي الإكراه والحرج، كيف وقد قال الشيخ الأعظم نفسه في الفرائد: وكذلك الإضرار بمسلم لدفع الضرر عنه نفسه لا يدخل في عموم ما اضطروا إليه. إذ لا امتنان في رفع الأثر عن الفاعل بإضرار الغير فليس الإضرار بالغير نظير سائر المحرمات الإلهية المسوغة لدفع الضرر.
٢- أن الخبر ساكت عن حكم الإضرار بالغير بما دون الدم مطلقا ولم ينطق إلا بتقييد إطلاقات مشروعية التقية بأن لا تبلغ الدم لأنها إنما شرعت لأجله فأي دلالةٍ فيه على مشروعيتها في كل ما عداه؟!
لا يقال ذلك لقوله عليه السلام (فإذا بلغت) الدال على الحدية ومفهومه أن إذا لم تتجاوز هذا الحد فهي مشروعة، إذ يقال فقد قال عليه السلام في صدر الخبر (إنما) الدالة على الحصر ومعلومٌ أن التقية لا تنحصر مشروعيتها بدفع ما يخاف به على النفس وسفك الدم فإنها مشروعة في دفع غير ذلك من أضرار، وعليه فالخبر ليس في مقام بيان حدود التقية في كل الفروض والموارد المشروعة، بل في مقام بيان حدها في مورد الخوف على النفس وسفك الدم حصرا وهو المورد الأهم.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.