والبيان أنها - التقية - شرعت فيه لأجل حقن الدم (فإذا بلغت الدم فلا تقية) لأنه نقض للغرض. ولو لا أن يكون الحصر لهذا المقام لكانت النتيجة الالتزام بأن التقية غير مشروعةٍ في دفع سائر الأضرار غير الخوف على النفس وسفك الدم، وهو مقطوع الفساد.
لا يقال فقد ورد ما هو صريحٌ في جواز التقة في كل ما عدا الدم من شيء مطلقا، وذلك خبر الصادق عليه السلام (لو قلتُ إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا) و (التقية في كل شيء حتى يبلغ الدم فإذا بلغ الدم فلا تقية).
إذ يقال قد جاء هذا في كتاب الهداية للصدوق ولا حجة فيه إذ الشطر الأخير ليس من لفظ الصادق عليه السلام وإنها من لفظ الصدوق رحمه الله، وهو ترجمةٌ أو نقلٌ بالمعنى لموثقة أبي حمزة الثمالي - محل البحث - فعاد الكلام إلى حيث بدأ.
يدلك على ذلك اقتصار رواية الصدوق على الشطر الأول في الفقيه وكذا في صفات الشيعة عن كتاب التقية للعياشي رحمه الله، وهكذا ورد هذا الشطر في جواب الهادي عليه السلام لداود الصرمي:
قال: (قال لي يا داود لو قلت أن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا). وإنما اشتبه الأمر وتوهمَّ أن الكلام كله رواية، والحال أن الصدوق كان بصدد تحرير القول في التقية فخرج الكلام على التداعي والاسترسال، لاحظ قوله: باب التقية: التقية فريضة واجبة علينا في دولة الظالمين فمن تركها خالف دين الإمامية وفارقه وقال الصادق عليه السلام (لو قلت أن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا) والتقية في كل شيء حتى يبلغ الدم فإذا بلغ الدم فلا تقية، وقد أطلق الله جل اسمه إظهار موالاة الكافرين في حال التقية فقال جل من قائل: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) . وروي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) قال: أعملكم بالتقية.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.