تقرير لمحاضرة الشيخ الحبيب بعنوان: (كيف زُيِّفَ الإسلام؟) - (6)
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق أجمعين سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, ثم اللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين آمين.
إنتهينا في المحاضرة السابقة إلى إثبات حقيقة كون عمر بن الخطاب أسلم متأخراً جداً، وأنّ إسلامه كان عن طمع ولم يكن عن إيمان حقيقي وذكرنا أنه كان تلميذاً بارزاً لليهود في مدارسهم الرسمية يوم السبت وأوردنا الأدلة من كتب ومصادر أهل الخلاف على ذلك.
اليوم نذكر دليلاً آخر يُعضّد تلك الحقيقة ويؤكِّدها، حيث سنثبت أنّ عمر لم يكن مسلماً حقيقياً إطلاقاً, وإنما كان كافراً في الباطن, أي كان منافقا.
بعد ذلك سنُعرِّج على أكذوبة يطرحها المخالفون و يرددونها دائماً, ومضمونها أنّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم كان قد دعا ربه أنْ يُسلم عمر. هذه الفرية سنتوقَّف عندها في الجنبة الثانية من البحث ونسقطها بالأدلة القاطعة أيضاً إن شاء الله تعالى.
أولا نشرع في تناول زيف إسلام عمر ونثبت ذلك ونبرهن عليه.
الدليل على أنّ عمر لم يكن مسلماً حقيقياً هو ما وقع منه في صلح الحديبية وما قاله هو مقرا و معترفا به على نفسه؟
ما هو صلح الحديبية أوﻻً؟
تأمَّلوا إخواني..
صلح الحديبية قصته بشكل موجز هي هذه:
كان النبي الأعظم في حروب متواصلة مع قريش حينما كان في المدينة, وكانت مكة لم تسقط في يده ولم تُفتح بعد, و طوال هذه الفترة من السنة الأولى إلى السنة السادسة كانت الحروب متواصلة دائماً وقد أنهكت الطرفين.
المشكلة الأساسية التي كان يعاني منها النبي والمجتمع الإسلامي هي أنّ هذه الحروب لم تدع أو تتح لرسول الله فرصة لنشر الإسلام في الجزيرة العربية والتقاط انفاسه صلوات الله وسلامه عليه. لكن بخطة سماوية نبوية حكيمة استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استدراج قريش من دون أن تشعر ومن تلقاء نفسها إلى الصلح والهدنة.
بموجب هذه الهدنة انتزع منهم اعترافا بوجود كيان إسلامي قائم في الجزيرة العربية لأنهم كانوا إلى تلك اللحظة لا يعترفون بشيء اسمه رسول الله ومجتمع المسلمين. كانوا يقولون هؤﻻء خوارج قد تمردوا علينا وانشقواعن قريش , ولذلك يجب قتالهم, ولكن بمجرد وقوع الهدنة فقد انتزع منهم الإعتراف بالكيان الإسلامي لأنهم بذلك قد أقروا بوجود المجتمع الإسلامي وكفوّا بأسهم وأيديهم عن المسلمين ، وامتدت فترة الهدنة وفقا للقرار والمعاهدة الموقعة إلى عشر سنوات , وهي مدة كفيلة بأن ينطلق المبلِّغون الإسلاميون في أرجاء الجزيرة العربية لنشر الإسلام.
حينما جاء النبي لكي يستدرج قريشا ويحملها على توقيع هذه المعاهدة (معاهدة الهدنة) لم يعلن أنه قادم لهدنة بل على العكس قد جاءهم بجيش المسلمين ولكن بعنوان العزم على دخول مكة للعمرة. أي إننا نريد العمرة وليس لكم يا معاشر قريش بمكة أن تمنعونا بيت الله.
الذي حصل هو انه بمجرد تقدُّم هذه الكتيبة او هذا الجيش من مجتمع المسلمين نحو مكة فزع زعماء قريش فجاءوا للنبي وقالوا له نمنعك من دخول مكة. وبعد مفاوضات عديدة وطويلة واخيرا لئلا تُجبر قريش على حرب تكرهها مع المسلمين خصوصا بعد ما عاينوه من بأس الحروب معهم اضطروا إلى توقيع هذه المعاهدة.
الحديث في معاهدة هدنة الحديبية طويل جداً لكن ما يهمنا هو هذا الموجز المركز، ومضمونه أنّ تلك الهدنة كانت عبارة عن سياسة حكيمة من قبل النبي صلى الله عليه وآله لصرف المجتمع الإسلامي عن الحروب والتفرُّغ للمهمة الأكبر، وبالفعل لم تمضِ أكثر من سنة او اثنتين إلا وقد صارت غالبية الجزيرة العربية تدين بدين الإسلام وسقطت مكة في السنة التي تلتها.
صلح الحديبية تم في السنة السادسة للهجرة وفتح مكة وقع في السنة الثامنة من الهجرة. فتحقُق ما أراده رسول الله من تلك الهدنة لم يتطلب أكثر من سنتين.
بعض المسلمين أو قلة من المسلمين في باديء الأمر قد اعترضوا على هذا الصلح واعتبروه مذلة لهم وأججوا الساحة وهيجوها ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاولوا إحباط وقوع ذلك الصلح بأي وسيلة.
كان من أبرز المحرضين على رسول الله وعلى التمرد عليه ورفض الصلح عمر ابن الخطاب عليه لعائن الله.
فهو قد حاول في تلك الفترة أن يحبط قرار رسول رب العالمين ويحرِّض عليه بل وكان يعد العدة في سبيل أن لا تتم هذه المعاهدة وهذا الصلح.
دعونا هنا ننقل ماذا يقول عمر بن الخطاب عما كان من أمره حينها, وما فعله في ذلك اليوم، بماذا يعترف على نفسه؟ ومن مصادر أهل الخلاف.
جملة من الإعترافات الخطيرة التي لم تصدر على لسان أحد من المسلمين منذ ألف وأربع مائة سنة إلى اليوم.
إعترافات خطيرة, وفق تعبيرنا الدارج ( توديه بداهية) بمعنى الكلمة وهذا ثابت مستفيض في مصادرنا ومصادرهم وفي كل كتب التاريخ والحديث المتفق عليها.
لنرَ ماذا يقول عمر بن الخطاب لعنه الله.
عن عمر بن الخطاب أنه قال: ( والله - أولاً يقسم - والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ -أي الحديبية- , فأتيت النبي فقلت: ألست نبي الله؟ قال: بلى، فقلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ )
تعليق : أول اعتراف خطير. عمر بنفسه يقول ما شككت في الإسلام وفي نبوة رسول الله إلا يومئذ (أي يوم الحديبية)
هو بنفسه يصرح و يقول أنه شك !!
شكَّ في الإسلام, شكَّ في نبوة رسول الله.
لماذا ؟ لأن رسول الله أقدم على تلك المعاهدة مع قريش و هذا التصرف على ما يبدو لم يعجب عمر ابن صهاك حكيم عصره فشكَّ في نبوة رسول الله!!
بصرف النظر عن كون ذلك التصرف بدى له وفق تفكيره المحدود خلاف المصلحة ولم يعجبه فإنّ المؤمن الحقيقي لا يشك , المؤمن الحقيقي لا يدخل قلبه مثقال ذرة من الشك في النبي صلى الله عليه وآله. مهما فعل رسول الله أو حجة الله أو الإمام المنصوب من الله فإن المؤمن لا يشك فيه. وإن صدر منه تصرف يبدو ظاهرا خلاف المصلحة. لأنك ليس بالضرورة أن تعرف كل حكمة أو مصلحة من وراء فعل معين للنبي صلى الله عليه وآله، وانما بما انك آمنت بنبوة رسول الله وأنّ جميع أفعاله بأمر الله تعالى فإنك تسلم بصحة وسداد أفعاله وقراراته وإن بدت لك ظاهرا خلاف المصلحة.
فهذا عمر يصرِّح بأنّه شك في ذلك اليوم وذلك دليل على أنّ عمر لم يدخل الايمان قلبه قط.
وهو ايضا يقسم على أنه قد شك في ذلك اليوم ، ثم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسأله هذا السؤال العجيب والغريب: ألست نبي الله؟
كأنه يقول وفق تعبيرنا الدارج(مو تقول انك نبي؟)
قال رسول الله : بلى، قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال عمر : فلمَ نعطي الدنية في ديننا اذاً؟
تعليق: اي عمر يقول لرسول الله فلماذا نقدم على هذه المعاهدة الخسيسة الحقيرة المهينة المذلة لنا؟
بمعنى آخر اعتبر فعل رسول الله مذلة! كما فعل جمع من غير المؤمنين المتلبسين بالإسلام حينما ذهبوا إلى مولانا الإمام الحسن عليه السلام وقالوا له : السلام عليك يا مذل المؤمنين! , لأنه عقد هدنة مع معاوية لعنه الله وخفيت عليهم حكمة ذلك الفعل من الإمام الحسن عليه السلام فانكشفت سرائرهم كما انكشفت سريرة عمر المنطوية على النفاق والكفر في صلح الحديبية. لأنّ المؤمن الحقيقي يسلِّم لأمر الله, يسلِّم لأمر رسول الله , يسلِّم ﻷمر حُجَة الله.
إذاً ليس مؤمناً حقيقياً هذا الذي يصف تصرف رسول الله بأنه تصرف يورث المذلة والصغار للإسلام والمسلمين و يصفه بأنّه دنيّة!
الدَّنِيَّةُ : النَّقيصة وهي مخفَّفة من الدَّنيئَة.-: مذ الدَّنِيُّ، الخسيسةُ الحَقيرةُ.
(معجم المحيط)
فهذا تصريح خطير جداً وتجاسر على مقام النبوة.
طبعا القوم يحاولون التخفيف من الخطب فيقولون عمر لم يشك بنبوة محمد بل شك في المصلحة من فعله واقدامه على معاهدة الحديبية!
النتيجة واحدة فهو لو كان يؤمن بنبوة رسول الله لآمن بأنّ افعاله كلها حكيمة تنطوي على المصلحة والخير لانها بأمر من الله تعالى. ثمّ أصلا هو اول سؤال توجه به لرسول الله بعد شكه كان هذا, (ألست نبي الله؟)
والعجيب أنّ القوم يعتبرون هذا الموقف من عمر وتمرده على صلح الحديبية منقبة للرجل ويقولون أنه شديد غيور على الاسلام!
بل هو يا حمقى سيء الظن بالله ورسوله فلو كان يحسن الظن بالله ورسوله لما شك في أنّ تلك المعاهدة هي خير للإسلام والمسلمين وفي صالحهم. فهو أساء الظن بالله ورسوله وتلك من صفات المنافقين!
بسم الله لرحمن الرحيم
(ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا)
فوفقا لهذه الآية المباركة يكون عمر ملعونا وفي نار جهنم.
لنتم الرواية وننظر بماذا ردّ عليه رسول الله حين قال: ( فلمَ نعطي الدنية في ديننا إذاً)؟
قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري
قال عمر: أوَ ليس كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بلى, أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟
قال عمر :ﻻ
قال النبي: فإنك آتيه ومطوّفٌ به.
تعليق: النبي اﻷعظم صلى الله عليه وآله وسلم عند توجهه الى مكة أشاع في أوساط المسلمين أننا سنذهب إلى مكة وسنعتمر ونطوف بالبيت و لكنه لم يحدِّد الوقت، و كانت أيضاً عبارة تنطوي على كنوز الحكمة فساهمت في دفع المسلمين الى المسير رغبة في العمرة التي سيكون الصلح في ذلك العام فاتحة ومقدمة لها وقد تحقق ذلك بالفعل في عام الفتح. فكان صلح ذلك العام عمرة بمعنى انه مقدمة وفاتحة للعمرة.
فكان عمر ابن الخطاب لعنه الله يسأل رسول الله ويقول له: أنت بشرتنا بأننا سنطوف حول البيت فأين تلك البشارة؟ الآن نرانا سنرجع و قد مُنعنا من مكة و وقّعنا الصلح و سنعود أدراجنا للمدينة.
فأجابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: نعم أنا قلت لكم انكم ستعتمرون وتطوفون بالبيت ولكن حدَّدتُ لكم العام؟ هل قلت انكم هذه السنة ستطوفون حول البيت؟
فقال عمر: لا
فاجابه النبي قائلا : فإنك آتيه . أي اصبر قليلا وما أخبرتك به واقع إن شاء الله.
ولكن رغم ذلك الجواب الواضح الكافي الشافي من رسول الله إلا أنّ عمر ابن صهاك لم يعجبه هذا الجواب فانطلق للآخرين يحرضهم على التمرد والعصيان.
أول من انطلق عمر إليه محرضا إياه هو صاحبه وصديقه أبو بكر, وراح يحاول أن يطعن في رسول الله عند أبي بكر.
فلنتم الرواية..
يقول عمر: (فأتيت ابابكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ؟, قال : بلى, قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ , قال : بلى, قلت : فلمَ نعطي الدنية في ديننا إذاً؟)
تعليق : ساعد الله قلب رسول الله على حماقة وخبث عمر في نفس الوقت.
للتو طرح ذات السؤال على رسول الله فأجابه بجواب شافٍ وافٍ.
من يجيبه رسول الله أيحتاج بعد هذا أن يسال أحدا غيره؟
اصلا هذا بحد ذاته كاشف عن عدم إيمانه بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أيضا انظروا كيف يكرر ذات العبارة؟ (نعطي الدنية) وهذا الأسلوب يستفز العرب لما عُرف عنهم من عصبية واعتداد بالنفس. فعمر بلا شك بلا شك بمثل تلك العبارات كان يحرك فيهم تلك النزعة ويهيجها. فذلك الرجل بالفعل جمع الى حماقته خبثا تنهد منه الجبال.
سنرى بماذا أجابه صاحبه الداهية الآخر والذي كان أكثر ذكاءا ومكرا من صاحبه الاحمق عمر, وكان يجيد كتمان كفره ونفاقه وتجميل عباراته, ولا شك أنّ أبا بكر قد سبق صاحبه إلى الاعتراض فأتاه ذات الجواب الذي أتى عمر فلزم الصمت وضبط توازنه وأعصابه فهو كما سبق وبينا داهية لذا في مثل هذه المواقف التي تكشف الكفر ينسحب عن المعارضة ويبدي من القول ما يدفع الشكوك عنه بينما صاحبه الآخر كان منافقا أحمقا.
نكمل الرواية..
قال: أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه تفز حتى تموت. فو الله انه لعلى الحق.
تعليق: إذاً كما ترون فإنّ أبا بكر أكثر ذكاءا من صاحبه ويحجم في المواقف التي تفضح الكفر ويضبط أعصابه ويحفظ توازنه.
بينما عمر ابن صهاك يستمر في المعارضة وفي إيذاء رسول الله كما سنعرف لاحقا.
فلنتم الرواية ونرى ماذا كان جواب عمر لعنه الله..
قال عمر لأبي بكر : أو ليس كان يحدثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟
قال أبو بكر: بلى ، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟
قال عمر: لا
قال أبو بكر: فإنك آتيه ومطوف به.
تعليق: لاحظوا جواب أبي بكر.هو عين جواب رسول الله لعمر, فهذا كما بينا كاشف عن أنّ أبا بكر قد سبق صاحبه للاعتراض وأتاه ذات الجواب من رسول الله فانسحب من المعارضة وضبط أعصابه, فهو كما بينا داهية يجيد كتمان كفره أكثر من صاحبه الأهوج عمر لعنه الله.
فلنرَ بعدها ما كان من أمر عمر لعنه الله..
قال عمر: فعملت لذلك أعمالا.
تعليق : اي لم يعجبنِ ذلك الكلام ولم أقبل ذلك التصرف من رسول الله. أي كما نقول وفق تعبيرنا الدارج(سويت الهوايل)
لكن ماهي هذه الأعمال؟
كانت أعمالا يهدف بها إلى التحريض على التمرد والعصيان. وسنكشف
عنها في الروايات التالية..
عمر لعنه الله يبين بنفسه ماذا فعل..
تقول الرواية: (فلما فرغ من الكتاب ـ أي رسول الله فرغ من كتابة المعاهدةـ قال رسول الله لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا)
تعليق: كان المسلمون يتأملون أنهم سيعتمرون في ذلك العام و قد أخذوا معهم البُدن (الذبائح) , فحينما صُدوا عن البيت الحرام وجب عليهم أن يحلقوا ويذبحوا ويرجعوا إلى ديارهم وهذا حكم فقهي في الشريعة الإسلامية ضمن أحكام الحج والعمرة.
لقد خرجوا بقصد العمرة ثم صُدوا بالإكراه لذا كما ورد في الرواية
قال لهم رسول الله: قوموا فانحروا ثم احلقوا.
تقول الرواية: فوالله ما قام رجل منهم , حتى قال ذلك ثلاث مرات.
تعليق : ثلاث مرات يأمرهم رسول الله بحلق الرؤوس وﻻ يأتمرون وﻻ ينفذون أوامر رسول الله , و هذا كاشف عن أنّ أعمال عمر التي قام بها
قد أثرت في الناس وحملتهم على التمرد والعصيان. جعلتهم يبدون امتعاضهم وسخطهم والعياذ بالله على تصرف رسول الله ويعبرون عن استيائهم بعصيان أمره صلى الله عليه وآله بالنحر والحلق.
جعلتهم أعمال التحريض المستمرة من قبل عمر يمتعنون عن موافقة رسول الله والقبول بأوامره وابداء العصيان.
طبعا عندما لم يقم أحد منهم غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
تقول الرواية: ( قام فدخل على أم سلمة ـ زوجه عليها السلام ـ فذكر لها ما لقي من الناس , فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك؟, قال نعم, قالت فاخرج ثم ﻻ تكلم أحدا منهم حتى تنحر بُدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فقام النبي فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة فنحر بُدنته ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما).
تعليق : أي إنهم كانوا مغتمين من تصرف رسول الله وقاموا على مضض منهم وكراهة راغمين وما أقامهم إلا الحرج من رسول الله لأنه قام بنفسه فدته روحي فنحر وحلق مُعرضاً عنهم. بل وهم يحلقون رؤوس بعضهم يكاد واحدهم يقتل الآخر من شدة الغيظ.
كل ذلك كان بسبب أعمال عمر التحريضية فلعنة الله تعالى عليه.
ورد ذلك في (الدر المنثور للسيوطي الجزء 6 الصفحة 76 , صحيح ابن حبان الجزء 11 الصفحة 224 , تاريخ الطبري الجزء 2 الصفحة 280 , ومصادر شتى)
رواية ثانية ايضا ً توضح جوانب أخرى من حقائق تلك الحادثة.
عن ابن عباس قال : قال لي عمر بن الخطاب في خلافته
تعليق : أي فيما بعد حينما تولى عمر الخلافة صرح واعترف بهذه الحقيقة بعد أن صار في مأمن من المحاسبة والمقاصصة لكونه بات هو الحاكم.
نتم الرواية..
قال عمر: (ارتبت ارتيابا ً ما ارتبته منذ أسلمت إلا يومئذٍ ـ أي يوم الحديبية ـ
ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة من القضية لخرجت)
تعليق : الله اكبر!
اوﻻً: يصرح بأنه كان مرتابا ً ارتيابا لم يرتب مثله! أي انه كان على طول الطريق وعلى الدوام مرتابا من الدعوة الاسلامية ولكنّ تلك المرة كانت هي الأشد. ومرتاب في ماذا؟ مرتاب في حقيقة هذا الدين, هل أنه دين حقيقي جاء من عند الله أم أنه دين مختلق خرافي أتى به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم. فعقلية عمر ابن الخطاب العبقرية لم تستطع أن تستوعب إطلاقا أنّ الأمر بالهدنة صادر من إله متصف بالحكمة.
الأمر الثاني : ارتاب في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي كونه نبيا حقيقيا صادقا أم كاذبا؟! والعياذ بالله.
الأمر الثالث: يقول بكل وقاحة أنّه لو وجد ذلك اليوم شيعة أي (انصارا ً) وأتباعا ًيوافقونه الرأي ويطيعونه على التمرد والعصيان والانشقاق عن جماعة المسلمين لخرج على رسول الله وثار عليه, أي لأصبح خارجيا.
فكم عدد هؤوﻻء الأتباع الذين كان يتمنى عمر ابن الخطاب اللئيم الوقح أن يلتحقوا به؟
هذا ما تكشفه الرواية التالية..
عن أبي سعيد الخدري قال : قال عمر : (والله لقد دخلني يومئذٍ من الشك حتى قلت في نفسي لو كنا مائة رجل على مثل رأيي ما دخلنا فيه أبدا ً)
تعليق : يقول عمر لعنه الله لو كان في يوم صلح الحديبية مائة رجل فقط رأيهم موافق لي لما دخلنا في ذلك الصلح! وانظروا كيف يؤكد؟ يقول (أبدا).
أي لما كنا نرضى بذلك الصلح وندخل فيه إطلاقا بل حتما حتما كنا ننشق عن رسول الله ونتمرد عليه ونعلن العصيان ونثور ضد رسول الله صلى الله عليه وآله!
انظروا ذلك الرجل القذر إلى أي مدى كان رسول الله والإسلام والمسلمون رخيصون عنده؟ كان على استعداد لأن يبيعهم ويخرج عليهم مقابل مائة رجل من الشيعة والأنصار له! فكيف لا ينقض بيعة غدير خم ويحرق دار الزهراء من أجل الوصول للسلطة وتوليها بعد التوطيد لصاحبه!
رسول الله أعظم الخلق لو وجد عمر مائة رجل يناصرونه عليه ما كان ليرعوي عن الخروج عليه, فكيف به وقد وجد عصابة قذرة من بني أسلم تأتمر بأمره بعد رحيل رسول الله و بعد أن تفرق الناس عن علي عليه السلام بخديعة منهم في السقيفة؟ كيف لا ينقلب على بيعة الغدير وينقض عهده وميثاقه؟!
ورد ذلك في (مغازي الواقدي الجزء 2 الصفحة 607)
رواية أخرى وردت في سنن البيهقي ولكنه حذف المقطع الأول وهو قول عمر(ارتبت أي شككت) و أثبت الباقي و أضاف إليه هذه النقطة المهمة.
تقول الرواية في سنن البيهقي:
(فانطلق ابن الخطاب ولم يصبر متغيظاً حتى أتى أبا بكر)
تعليق : تبين الرواية أنه كان متغيظا من رسول الله ومن عزمه على الصلح وغير راضٍ بمعاهدة الصلح مع قريش ويكاد يتمايز من الغيظ.
ورد ذلك في (سنن البيهقي الجزء 9 الصفحة 222)
فمن خلال الرواية السابقة إلى ماذا نخلص؟
نخلص إلى أننا أمام رجل كان شاكا مرتابا في الإسلام وفي رسول الله وكان يحرض على رسول الله ويعمل أعمالا لإحباط قرار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعقد صلح مع قريش.
كان يتمنى أن يوافقه الرأي مائة شخص فقط ويكونون أتباعا وشيعة له لكي يخرج على رسول الله ويعلن التمرد والعصيان والانقلاب والثورة على نبي الإسلام.
كان متغيظاً من رسول الله لأنه أقدم على صلح الحديبية.
هذه الصفات وتلك الاعترافات من مثل هذا الشخص هل ترونها من الاسلام في شيء؟ وهل ترون صاحبها مسلما حقيقيا؟
هل وجدتم مسلماً حقيقياً قد فعل ذلك في صلح الحديبية أو في غيره؟
من فعل ذلك؟
أخبرونا إن كان أحد غير عمر يدعي الإسلام الحقيقي قد صنع ذلك وألّب على رسول الله وأبدى العصيان والتمرد عليه , بل وتمنى أن يكون له من الشيعة والأنصار مائة رجل ليثور على رسول الله ويخرج عليه.
مثل هذه الصفات والأفعال والاعترافات التي تصدر من عمر تُنبينا بشكل حقيقي أنّ هذا الرجل لم يكن على الإسلام بل كان منافقا, وأيّ مسلم منصف ينظر بعينين متعقلتين يدرك ذلك. عمر كان بلا شك منافقاً فالمسلم لا يمكن أن يحرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يمكن أن يصف تصرفا من تصرفاته بأنّه دنية ولا يمكن أن يشك طرفة عين في نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أصلا كيف يشك, وبعد متى؟
بعد ست سنوات من دخوله في الإسلام! لأنه كما بينا قد أسلم في الأيام الاخيرة التي سبقت الهجرة بقليل.
عمر لعنه الله يشك في نبوة رسول الله بعد تسع عشرة سنة من البعثة النبوية الشريفة!
تسع عشرة سنة و أنت ترى رسول الله صلى الله عليه وآله وتشهد دلائل عظمته ومعجزاته التي تؤكد نبوته وعلى رأسها القرآن الحكيم.
بعد كل هذا تشك في أنه رسول الله وترتاب ؟
وكان من بين تلك المعاجز واحدة وقعت في نفس صلح الحديبية.
في ذلك الموقع قد حُصروا و نضب ما عندهم من الماء فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشتكون العطش ويخشون الهلاك من شدته حيث نفذ الماء من قربهم ولم تتبقَّ بحوزتهم سوى قربة صغيرة تحوي القليل من الماء , فأمرهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يُحضروا إليه تلك القربة فيصبوها على يديه الشريفتين وبين أصابعه الطاهرة الكريمة أخذ الماء يتدفق كأنه عين جارية فشرب منه المسلمون حتى ارتووا وسقوا أنعامهم.
ثم ايضاً وجدوا بئرا قد نضب ماؤها فانتزع النبي سهما من كنانته
وجلس على حافة البئر ثم دعا بإناء فتوضأ ودعا الله، ثم صبه فيها، فإذا بالماء يتدفق منها فشرب المسلمون حتى ارتووا جميعا.
فمثل هذه المعاجز يراها عمر ابن الخطاب لعنه الله في نفس مكان وزمان صلح الحديبية ومع ذلك يشك ويرتاب! معنى ذلك أنّ الكفر متأصل في نفس الرجل.
لذلك عندنا في روايات أهل البيت عليهم السلام انه رغم كل ما كان يراه من معاجز فإنه لم يؤمن و كان متيقنا في باطنه أنها من سحر بني هاشم! أي كان يعتبرها ضربا من السحر لا أكثر.
وقد صدرت منه تلك العبارة في أحد المواطن بالفعل. قال (هذا سحر بني هاشم)
يعني بذلك أنّ بني هاشم معروفون بالسحر.
أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ايضاً كانت لهم معاجز وذلك لانهم مرتبطون بالله تعالى فقد كانوا انبياء و أوصياء.
ورد في مصادرنا نحن الشيعة أنّ عليا(صلوات الله عليه) صحب أبا بكر بعد أن استولى أبو بكرعلى الخلافة إلى مسجد قبا, فوجد الرسول (صلى الله عليه وآله) هناك يصلي، فأخبره (صلى الله عليه وآله) بأنّ الخلافة حق علي (عليه السلام) فعاهده أبو بكر على أن يردها عليه، ولكنه نكث بعد أنْ قابل عمر فخاطبه عمر قائلا:
(هذا من سحر بني هاشم).
على كل حال, في الحديبية وبسبب تصرفات عمر فقد عمد النبي إلى التعريض بعمر بعد أن امتثل المسلمون لأمر رسول الله وندم قسم منهم على تأخره عن الامتثال لأمر رسول الله بسبب ما ألقاه الشيطان الرجيم عمر ابن الخطاب في قلوبهم من استياء تجاه المعاهدة نتيجة تحريضه المستمر.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتهاء مراسم النحر والحلق: اللهم اغفر للمحلقين.
قال رجل: وللمقصرين؟ (اي الذين اكتفوا بالتقصير عوضا عن الحلق)
قال رسول الله : اللهم اغفر للمحلقين
قال : وللمقصرين؟
الى أن وصل رسول الله للمرة الثالثة فقال : (اللهم اغفر للمقصرين) وحين سُئل لماذا دعا للمحلقين ثلاثا و للمقصرين مرة قال (لأنهم لم يشكّوا)
ورد ذلك في( الدر المنثور الجزء 6 الصفحة77)
تعليق : قوله صلى الله عليه وآله وسلم (لأنهم لم يشكوا) هو تعريض بعمر لعنه الله, أي إنه من بين المقصرين من شك.
وطبعا المخالفون يوجدون لهذا الحديث مخارج وتبريرات لا تصمد أمام النقد العلمي ولا متسع هنا لذكرها.
ولكنّ اي منصف عاقل يعرف أن ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو تعريض بعمر لعنه الله فهو الذي يصرح بأنه قد شك وارتاب.
قد يقول القائل إنّ رسول الله رغم ذلك ترحم على عمر! نقول إنّ ذلك استغفار يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه لا ينفع عمر لعنه الله فهو منافق وقد قال تعالى في شأن المنافقين : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين)
رسول الله يُجري الأمور حسب الظاهر فقد صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جنازة أبي ابن سلول المنافق لحكمة خاصة ولن تنفعه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه وسيصير الى نار جهنم وبئس المصير.
ورد ذلك في( الدر المنثور الجزء 6 الصفحة77)
بسبب ذلك التصرف من قبل عمر فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يذكر المخالفون في كتبهم قاطع عمر, وذلك ما يعترف به عمر نفسه في هذه الرواية..
عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ رسول الله كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا (أي في الليل), فسأله عمر ابن الخطاب عن شيء فلم يجبه.
تعليق : لاحظوا, أعرض رسول الله عنه.
تقول الرواية..
ثم سأله فلم يجبه, ثم سأله فلم يجبه.
فقال عمر (بينه وبين نفسه) : ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله ثلاث مرات كل ذلك ﻻ يجيبك.
تعليق : عمر يحدث نفسه ويقول انك ياعمرالححت على رسول الله بالمسألة ثلاث مرات ورسول الله معرض عنك لا يجيبك.
قال عمر: فحركت بعيري فتقدمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل فيّ قرآن.
تعليق : أي إنّ عمر يقول خشيت بسبب ما عاينته من شدة اعراض رسول الله عني أن تنزل آيات تذمني.
في الواقع عمر كان يخشى أن تنزل آية تفضح نفاقه وذلك هاجس لطالما كان يكدر صفو عيش المنافقين.
قال تعالى :(يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم)
أيضا هنا إعراض رسول الله عن عمر لعنه الله كاشف عن نفاقه فرسول الله مأمور بالإعراض عن المنافقين
قال جل وعلا : (اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا)
يقول عمر : فما نشبت أن سمعت صارخا ً يصرخ
تعليق: يقول عمر ما نشبت أي ما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي.
قال عمر: فقلت لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن. وجئت رسول الله فسلمت.
فقال : لقد أُنزل علي هذه الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا)
تعليق : هذه السورة المباركة يذكر المفسرون أنها نزلت في طريق عودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلح الحديبية إلى المدينة.
رغم أنه كان صلحا إلا أنّ الله تعالى وصفه بأنه فتح, وهو بالفعل كذلك لأنه كان البوابة والمقدمة لفتح مكة بعد عامين من الصلح. فالله تعالى يقول أنّ هذا الصلح هو فتح و أنتم يا معاشر المسلمين ستعرفون ذلك فيما بعد.
ورد ذلك في (البخاري الجزء 5 الصفحة 66)
ـ فانظروا أيها المسلمون كيف قاطع رسول الله صلى الله عليه وآله عمر وأعرض عنه وامتنع عن اجابته, وكان حقيقا أن ينزل فيه قرآن باعترافه من شدة ما ألحقه من أذى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أمثل هذا الرجل يستحق التقديس ؟
ارجوكم يا معاشر المخالفين ولو لمرة واحدة تعاملوا مع الأحداث بواقعية, فرسول الله ليس شخصا عاديا.
الآن يضحك عليكم مشايخكم فيهونون القضية ويقولون ماكان من رسول الله مع عمر هو عتاب بين الأحباب!
وهذا هو دأبهم على طول الخط , تهوين الخطوب وتحجيم الوقائع.
عندما تريد أن تعرف حقيقة شخص ما وتكشف عن صدق دعواه أيا كانت فإنك تفتش في سيرته لترَ هل هي موافقة لمدعاه أم لا.
لو أنّ احد المرشحين للانتخابات قدّم وعودا بالاصلاحات في عدد من الملفات فإنكم تذهبون وتراجعون تاريخه السياسي لتروا هل يصلح أن تعطوه اصواتكم أم لا.
ما بالكم تعطون صوتكم في أعظم أمر وهو الدين لكل أحد دون التفتيش في سيرته!
يجب أن يعرف الانسان عمّن يأخذ دينه عن بينه.
أنتم تزعمون أنّ عمر هو رمز من رموز الدين المبجلين ولكننا عند التفتيش في سيرته نكتشف أنه منافق دُيّثت سيرته بالصغار والقماءة ولا يمكن أن يكون مثله رجلا آمن بالله طرفة عين.
مثل هذا الرجل هل يُرتجى منه أن يكون مؤمنا حقا فضلاً عن أن يكون أمير المؤمنين ؟ اوﻻً أثبتوا إيمانه هو ثم أثبتوا دعوى أنه أمير المؤمنين!
إنها معضلة ومصيبة بحق. ماذا يقول أهل الخلاف في هذه الروايات وما هو تبريرهم لعمر؟ بماذا يمكن أن يعتذروا لعمر الرجل الذي يؤذي رسول الله ويشك فيه ويرتاب بسبب تصرف من رسول الله لم يعجبه؟ أمثل هذا يكون مؤمنا؟!!
الآن أي مسلم اليوم إذا جاءه رسول الله وتصرف تصرفا معينا و قد خفيت عليه الحكمة والمصلحة من ذلك الفعل والعمل الصادر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , هل يمكن أو يُعقل أن يذهب و يتجاسر على رسول الله
او يشك في نبوته أو يتغيظ منه ويتمنى لو أنّ له أنصارا ولو بعدد مائة رجل ليثور وينقلب على رسول الله؟!!! هذا يستحيل. اليس هذا كفرا؟
قد تقولون عمر كفر ثم آمن ونقول لكم هو بعد هذه الحادثة أيضا كفر كفرا اعظم من هذا فقال(إنّ النبي ليهجر) وفي هذا بحث مفصل ليس هاهنا محله.
(إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا)
عمر ادعى أول مرة الايمان في دار الأرقم كما بينا ثم كفر ثم ادعى الايمان ثانية قبل الهجرة وهاجر ثم كفر كما في صلح الحديبية ثم ازداد كفرا وذلك قبل استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله والتحاقه بالرفيق الأعلى حين قال (إنّ الرجل ليهجر)
وهي كلمة مهما حاول المخالفون بشتى الأساليب تبرئة عمر من قولها لا يتمكنون.
الآ ن لو كان النبي حيا يعيش بيننا و جاء لأحدنا وقال له يا عبد الله اذهب
وألقِ بنفسك في البحر. او اقتل نفسك مثلاً
من منا سيرفض ؟ من منا سيعترض ؟
نتحدث عن المؤمن, أي المسلم الحقيقي.
ﻻيمكن أن يعترض بل يقول لرسول الله سمعا وطاعة و يحدث نفسه قائلا: حتماً مصلحتي في ذلك.
كالذي ينقله لنا التاريخ الإسلامي في موقعه الجمل مثلا.
أمير المؤمنين علي عليه السلام قبل خوض المعركة والشروع في القتال بين جيشه و جيش عائشة وطلحة والزبير لعنهم الله. نادى أمير المؤمنين عليه السلام و وجه دعوة مضمونها أني لدي رسالة أريد أن يبلغها رجل منكم لجيش عائشة ولكن فليعلم أنّه مقتول لا محاله.
أي أنّ من سيذهب إلى معسكر العدو ليبلغه رسالتي سوف يُقتل ويستشهد وأنا ضامن له على الله الجنة. فمن منكم يتقدم؟
عندما وجه نداءه الأول لم يجبه أحد.
أعاد النداء ثانية فلم يتقدم إليه أحد من عسكره
في النداء الثالث تقدم إليه شاب مؤمن فقال: أنا أبلغ رسالتك يا أمير المؤمنين. تقدم وهو يعلم أنه مقتول لا محاله.
أمير المؤمنين عليه السلام أشفق عليه فأكد عليه أنه إن ذهب سوف يُقتل ولكنّ ذلك الشاب المؤمن مضى مسلما أمره لله تعالى ممتثلا لأمر خليفة رسول الله وحجة الله على أرضه علي عليه السلام.
توجه ذلك المؤمن الموالي بحق إلى معسكر عائشة لعنها الله وبلغ الرسالة التي كانت رسالة وعظ وتذكير يوصيهم فيها بالرجوع عن غيهم وتقوى الله تعالى فأجابوه بالسهام وخر صريعا شهيدا الى جنان الفردوس بشفاعة محمد وآله الطاهرين .
مثل هذا الرجل يصدق عليه وصف مؤمن بحق. اليس كذلك؟
رغم أنه مأمور أن يواجه مصير القتل عند تبليغه للرسالة إلا أنه قدّم نفسه للموت طاعة لحجة الله على أرضه الإمام المعصوم.
تعريض النفس للموت بدون مسوغ شرعي حرام ولكن إذا كان هناك مسوغ شرعي فهو واجب ومستحب.
وعندما يأمر النبي أو خليفته وهو الإمام المعصوم بشيء وإن كان تعريض النفس للموت فإنه يصبح واجبا وتكليفا شرعيا.
عمر ابن الخطاب لم يأمره النبي بتسليم نفسه للموت المحتم!
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبرم معاهدة صلح مع قريش فما شأنه هو؟ هل هو قائد الدولة الاسلامية أم عينه رسول الله المستشار الأول؟!
لو كان مؤمنا ً لسلم لرسول الله ولما اعترض أصلا فضلاً عن أن يشك ويرتاب ويهيج الأجواء ويثير القلاقل ويحرض ضد رسول الله بل ويضمر في نفسه نية الخروج على رسول الله والثورة ضده لو ظفر بمائة رجل يوافقونه الرأي ويشايعونه!
هذه مسألة خطيرة جدا جدا.
فنستخلص من مجموع تلك الروايات أدلة وبراهينَ واضحة على أنّ عمر لم يدخل قلبه الإسلام قط.
هنا قبل الانتقال من هذه النقطة لأخرى تجدر بنا الإشارة إلى مسألة مهمة..
طبعا كعادة المخالفين يحاولون إلصاق كل منقصة ومخالفة صدرت من أئمتهم دائما بعلي عليه السلام وإشراكه معهم, فيقولون أنّ عليا كان من بين المتمردين والعياذ بالله على ذلك الصلح!
من جملة ما يستدلون به هذا النص: ( فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قاله ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس قالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك"
فهذا حسب دعواهم يدل على أنّ الصحابة كلهم قد تمردوا في ذلك اليوم ومنهم علي بن أبي طالب عليه السلام والعياذ بالله!
نجيب على ذلك الإدعاء السخيف في نقاط:
أولا: الرواية تقول (فذكر لها ما لقي من الناس). علي عليه السلام لا يُعبر عنه بلفظ (الناس). الرواية لم تقل مالقي من الناس ومن أهل بيته.
علي عليه السلام من أهل بيت النبي بل سيد أهل بيته بعده صلى الله عليه وآله وسلم. ثم الرواية تقول (فلما فرغ من الكتاب قال لأصحابه). ومعلوم عندنا أنّ عليا عليه السلام كان هو من كتب وثيقة صلح الحديبية, فإذاً بالتأكيد هو مع رسول الله ومطيع له وراضٍ بحكمه. فالذين توجه الخطاب اليهم ولم يقم أحد منهم هم سائر الأصحاب الذين كان عمر منشغلا بتحريضهم أثناء كتابة علي عليه السلام لوثيقة الصلح بإملاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. علي عليه السلام هو من كتب وثيقة الصلح وكان جنبا إلى جنب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فهو بهذه القرينة خارج من مجموع الأصحاب الذين رفضوا الانصياع لأمر رسول الله و إدخاله معهم هو الذي يحتاج دليلا وليس العكس.
مثلا في قصة أصحاب الجنة, الله تعالى يقول (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ)
إنّ الله تعلى يشملهم كلهم بهذا الكلام ولا يستثني أحدا منهم بينما في الواقع كان أحد أصحاب الجنة ينصح إخوته. فهو هنا وإن كان داخلا معهم في عموم هذه الآية تحت عنوان (أصحاب الجنة) إلا أنه خارج بدليل الأولوية من الاشتراك معهم في القسم بدليل قوله تعالى (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون)
القرآن لم يقل بالنص أنّ ذلك الاخ الناصح لم يكن من بين الذين أقسموا. ولكنّ القرآن بيّن و ذكر أنّ أوسطهم كان ينصحهم. فمن ينتقد عملهم ويُقدم النصح لهم من باب أولى أن يكون لم يُقدم على القسم معهم. فالقول بأنّه قد أقسم معهم هو الذي يحتاج إلى دليل وليس إخراجه من تهمة الاشتراك في القسم معهم هو الذي يحتاج دليلا.
أيضا أمير المؤمنين علي عليه السلام كان هو من كتب الوثيقة بنفسه فمن باب أولى أن لا يكون من بين من عصوه صلى الله ع