تقرير محاضرة: كيف زيّف الإسلام - (9) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تقرير محاضرة: كيف زيّف الإسلام - (9) 

تقرير لمحاضرة الشيخ الحبيب بعنوان: (كيف زُيِّفَ الإسلام؟) - (9)


الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق أجمعين سيدنا المصطفى أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , ثم اللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين آمين.

هل صدرت من أبي بكر وعمر تصريحات بأنهما قد أقدما على جريمة قلب الدين الإسلامي؟
هل صدرت تصريحات منهما بأنهما أزاحا عليا ً عن الخلافة ؟
 
روى ابن عساكرعن ابن عباس قال: (مشيت مع عمر ابن الخطاب في أزقّة المدينة , فقال لي عمر: إنّ القوم استصغروا صاحبكم  إذ لم يولوه أموركم).

تعليق: يقول عمر إنّ معشر السقيفة لم يولوا علي ابن أبي طالب الحكم لأنهم استصغروه, أي ( لصغر عمره) . فبماذا أجابه ابن عباس؟
هذا ما يبينه الجزء القادم من الرواية..

فقلت: (والله ما استصغره الله إذ اختاره لسورة براءة ـ مع عزل أبي بكرـ يبلغها أهل مكة.)

تعليق: هنا يقول ابن عباس لعمر إن كان القوم أزاحوا عليا عن حقه في الخلافة لأنهم استصغروه فإنّ الله لم يستصغرعلي بن ابي طالب حين بعث به ليبلغ سورة براءة وعزَل أبا بكر وحرمه من تبليغ سورة براءة رغم كون أبي بكر أكبر من علي سناً.  فلنرَ بماذا أجاب عمر على ابن عباس؟.

فقال لي ـ أي عمرـ : (الصواب تقول, والله لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي بن أبي طالب : من أحبك أحبني ومن أحبني أحب الله ومن أحب الله أدخله الجنة مدلّاً)

تعليق: هنا قد اعترف عمر بأحقية علي عليه السلام بالخلافة فقال لابن عباس (الصواب تقول), بل ويروي أنّ رسول الله قال من أحبّ عليا فقد أحبني.
ما الذي تفهمونه من هذه الكلمة؟ أي أنّ علي بن ابي طالب باب موصل لرسول الله صلى الله عليه وآله. فمن أراد الهدى ومن أراد رسول الله صلى الله عليه وآله بدأ بعلي عليه الصلاة والسلام فهو نفس رسول الله بنص آية المباهلة في القرآن الكريم. وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أنا مدينة العلم وعلي بابها, فمن أراد المدينة فليأتها من بابها)
 
ورد ذلك الحديث في( تاريخ دمشق لابن عساكر الجزء 14 الصفحة 4).
 
رواية أخرى..

 روى الراغب الأصفهاني عن ابن عباس قال: كنت أسير مع عمر ابن الخطاب في ليلة, وعمر ابن الخطاب على بغل وأنا على فرس فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب.

تعليق:  إنّ ثلث القرآن نزل في فضائل أهل البيت عليهم السلام ولكن الآن لا يمكننا أن نجد إلا عددا من الآيات التي بينت الأحاديث نزولها في آل رسول الله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, كآية التطهير مثلا
( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

آية الولاية
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )

 وغيرها من الآيات التي رغم كل محاولات التعتيم والتزييف وطمس الحقائق التي قامت بها حكومة السقيفة ومن بعدها حكومة بني أمية والعباس إلا أنّ فضائل علي عليه السلام و أولاده الأطهار سطعت رغما عنهم.
كما قال مهدي السماوي: ( ماذا أقول في رجل, كتم أعداؤه فضائله حسدا له، وكتم أحباؤه فضائله خوفا على أنفسهم ، وظهر ما بين ذين وذين ما ملأ الخافقين )

أجل لقد أخفى المحبون لآل رسول الله وشيعتهم كما هائلا من الأحاديث التي تبين الآيات النازلة في آل رسول الله الأطهار خوفا من بطش حكومات الجور, بينما كتمها أعداؤهم حسدا وبغضا , ورغم ذلك وصلنا من تلك الأحاديث ماحوى فضائلا الواحدة منها لا يسعها ما بين الخافقين.

واحدة من تلك الآيات كما تبين هذه الرواية قد  ذكرها عمر ابن الخطاب.

نتم الرواية..

قال عمر : (أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان عليٌ فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر)

تعليق: قوله (الأمر) يعني الحكم والخلافة. أي عمر يقول بأنّ عليا عليه السلام كان أولى منه ومن أبي بكر بالخلافة. فلنرَ بماذا أجابه ابن عباس؟

فقلت في نفسي: (لا أقالني الله إن أقلته)

تعليق: أي إنّ ابن عباس يقول لا أترك عمر بعد هذه المقالة منه بدون أن أرد عليه. وهذا ينبي عن مستوى وقاحة عمر التي لم يتحملها ابن عباس! يغصب الخلافة ويعترف بكل وقاحة أنّ عليا أولى بها منه!
 
فقلت له ـ أي ابن عباس قال لعمرـ : (أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين؟ , أنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما الأمر منا دون الناس)

تعليق: يقول ابن عباس لعمر لعنه الله, أنت تقول هذا الكلام؟ إذاً من سواك أنت وصاحبك انتزع الخلافة وأخرج أهل البيت منها؟ أنت وصاحبك من انقضضتما على الخلافة و وثبتما على حق علي عليه السلام وأخرجتما أهل البيت وقعدتما مقعدهم.
 تلاحظون هنا أنّ ابن عباس يتكلم وكأنه ناطق رسمي عن أهل البيت وحريص عليهم وهو ليس كذلك, ولكن تأخذه العصبية والحمية لبني عمومته لا أكثر. وللأسف كثير من الشيعة بل حتى المعممون منهم يعتقدون بعدالة هذا الرجل المتلون المنافق المتأكل بآل رسول الله عن جهل منهم وقلة اطلاع.
 
جيد الإطلاع على هذه الإجابة وتجدونها على موقع القطرة الإلكتروني.

والتحقيق الدقيق يؤكد ما ذهبنا إليه من أنه من المنحرفين عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) والمتأكّلين بهم، أي ممن يرغب أن يجعل من أهل البيت جسرا لبلوغ أمانيه الدنيوية ليس إلا.
وتنقيح الكلام في شأنه يكون إن شاء الله تعالى ببيان أمور هي:
أنه مذموم في الروايات ومنعوت بالخائن والخاسر والحائر والمدّعي والمنتحل وغير ذلك. ومن تلكم الروايات ما عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) أنه قال: "أتى رجل أبي (عليه السلام) فقال: إن فلانا - يعني عبد الله بن العباس - يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيم نزلت! قال: فسله في من نزلت: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)؟ وفيم نزلت: (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم)؟ وفيم نزلت: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟ فأتاه الرجل، وقال: وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فاسائله! ولكن سله ما العرش ومتى خلق وكيف هو؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال، فقال: وهل أجابك في الآيات؟ قال: لا! قال: ولكني أجيبك فيها بنور وعلم غير المدعى والمنتحل، أما الأوليان فنزلتا في أبيه، وأما الأخيرة فنزلت في أبي وفينا، وذكر الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط. فأما ما سألك عنه فما العرش؟ فإن الله عزوجل جعله أرباعا لم يخلق قبله شيئا إلا ثلاثة أشياء؛ الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من ألوان مختلفة من ذلك النور الأخضر الذي منه اخضرت الخضرة، ومن نور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار، ومنه ضوء النهار، ثم جعله سبعين ألف طبق غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، وليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمده ويقدسه بأصوات مختلفة والسنة غير مشتبهة، ولو سمع واحدا منها شئ مما تحته لا نهدم الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار ولهلك ما دونه. له ثمانية أركان ويحمل كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم إلا الله يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو أحس شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين، بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم (القلم) العلم، وليس وراء هذا مقال. لقد طمع الخائن في غير مطمع! أما إن في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه، وستصبغ الارض بدماء الفراخ من فراخ آل محمد، تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير ما تدرك، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون لما يرون حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين". (انظر تفسير القمي ج2 ص23 والاختصاص ص71 والتوحيد للصدوق ص238 وكذا راجع كل تراجم الرجال ومنها رجال الكشي ج1 ص273 وتفسير العياشي ج2 ص305 وعنهم نقل العلامة المجلسي في البحار ج58 ص24، واختلاف النعوت من اختلاف ألفاظ الرواية).
والمعنى المستفاد من هذه الرواية، أن ابن عباس ادّعى منزلة فوق منزلته وطمع أن يكون إماما يستغني الناس بعلمه دون الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم)، وهو ليس سوى مدّعٍ زاعم، ومنتحل لولاية أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، وخائن خاسر أو حائر.
وقد ناقش بعض الرجاليين في سند هذه الرواية، وضعّفوها من جهة بعض الرواة أملا في إسقاطها، والحال أن بعض من ضعّفوه – كإبراهيم بن عمر اليماني – موثق عند آخرين كالنجاشي وغيره. كما أن الرواية مروية بطرق مختلفة تنتهي إلى الباقر (صلوات الله عليه)، وليس في رواتها مذموم، بل مجهول أو مسكوت عنه أو ضعيف، وتعدد الأسناد يجبرها مع وجود النظائر، ويُطمأن إلى صدورها عن المعصوم (عليه السلام)، ولذا تجد المحقق الداماد يقول عنها: "وبالجملة هذا الحديث الشريف طريقه صحيح على الأصح، ومسائله الغامضة من الحكمة منطوية في متنه". (اختيار معرفة الرجال – أو رجال الكشي - ج1 ص274).
ونحن كما سبق وبيّنا لا نميل إلى إعمال الشدة في فحص السند في أمثال هذه الروايات التي لا يترتّب عليها حكم تكليفي خاص أو عام، فذلك غير ملزَم وبعيد عما انتهى إليه الرأي العلمي في الاستنتاج التاريخي الذي ينبني على حصول الاطمئنان بالقرائن والشواهد التاريخية أكثر، إلا من باب الترجيح حال التعارض بلا مرجّح أوّلي كقول معصوم، ولذا نناقش ههنا السند لحصول هذا التعارض كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ومن روايات ذمّه أيضا ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) عن الحسن بن عباس بن حريش، عن أبي جعفر الجواد (عليه السلام) عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: "بينا أبي – الباقر عليه السلام - جالس وعنده نفر إذ استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعا، ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ فقالوا: لا، قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا! فقلت له: هل رأيت الملائكة يابن عباس تخبرك بولائها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة) وقد دخل في هذا جميع الأمة!
فاستضحكت! ثم قلت: صدقت يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف؟ فقال: لا، فقلت: ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت ثم ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفه فأتى به إليك وأنت قاض؛ كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت وابعث به إلى ذوي عدل! قلت: جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره ونقضت القول الأول! أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقة شيئا من الحدود وليس تفسيره في الأرض، اقطع قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الأصابع، هكذا حكم الله ليلة تنزل فيها أمره، إن جحدتها بعدما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن ابي طالب! قال: فلذلك عَمِيَ بصري! وما علمك بذلك فوالله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك!
ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله، ثم لقيته فقلت يابن عباس ما تكلمت بصدق بمثل أمس، قال لك علي بن أبي طالب: إن ليلة القدر في كل سنة وأنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وأن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلت: من هم؟ فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدَّثون، فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فتبدّى لك الملك الذي يحدثه، فقال: كذبت يا عبد الله رأت عيناي الذي حدثك به علي (عليه السلام) ولم تره عيناه ولكن وعي قلبه ووقر في سمعه، ثم صفقك بجناحه فعميت! فقال ابن عباس: ما اختلفنا في شيء فحكمه إلى الله تعالى! فقلت له: فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين؟ قال: لا، قلت: ههنا هلكت وأهلكت"! (الكافي ج1 ص247).
فهنا ترى كيف أن ابن عباس زعم أنه من المستقيمين والإمام الباقر (صلوات الله عليه) يثبت العكس، فيبيّن جهله ويصفه بسخافة العقل ويكشف أن ملكا من الملائكة أعماه يوم ردّ على المولى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وأنكر نزول الأوامر الإلهية على أهل البيت في ليلة القدر بعد مضي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم ينبئه الإمام بأنه هالك في النار، وسيهلك معه خلقا أيضا، ولهذا تجد العامة قد أخذوا منه كثيرا حتى أسموه (حبر الأمة) وتركوا أهل البيت صلوات الله عليهم، وكل من أخذ العلم من غير أهل البيت هلك. وههنا تمايز ينبغي أن تكون ملتفتا له، بين خط أهل البيت (عليهم السلام) وخط ابن عباس وأشباهه – كالحسن البصري – الذين طالما ادّعوا موالاة أهل البيت ليصعدوا في الأمة، غير أنك إذا تفحّصت ما جاءوا به وجدته مغايرا لتعاليم الأئمة (صلوات الله عليهم) ومتمايزا عنها، ومجرّد قبول العامة بهم كل هذا القبول وتقديسهم كل هذا التقديس يجعل ذا اللبّ والخبرة يرتاب في شأنهم، فإن المخالفين كانوا يبتعدون عن كل من ينتسب إلى أهل البيت (صلوات الله عليهم) ويتلقّى العلم منهم، ولهذا صنعوا لأنفسهم فقهاء بديلين، كان من أوائلهم ابن عباس وأمثاله، ومن أواخرهم أبو حنيفة وأضرابه. فتأمل.
وقد ناقش بعض الرجاليين في سند هذه الرواية أيضا من جهة تضعيف الحسن بن العباس بن حريش مع أن الراوي ليس بمتّهم في شيء، ومع ذا نقول أنها مشمولة بالاعتبار لورودها في الكافي الشريف الذي هو عندنا الأصل في رواياته الصحة لمدحه وتوثيقه الإجمالي من إمام العصر (صلوات الله عليه) إلا أن يقوم الدليل القطعي القوي على طرح بعضها، ويبقى المطروح أيضا تحت إمكان التوجيه والحمل لردّ الاعتبار.
وأما محاولة بعضهم إسقاط هذه الرواية من باب أن الباقر (صلوات الله عليه) لم يكن عمره آنذاك يتجاوز الحادية عشرة فكيف يتخاطب وابن عباس المسن ويجتمع إليه الناس والحال أنه لم يكن إلا صغير السن حينها وقبل إمامته؟ فأقول: إن المحاولة هذه واهية إذ كيف خفي على المحاول أن الأئمة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) كان الناس يجتمعون إليهم والمسنّون يختلفون عليهم وهم في أقل من هذا السن كالجواد (صلوات الله عليه) في الثامنة؟! فالعمر بالنسبة إلى المعصومين لم يكن يوما من الأيام بحاجب الناس عنهم، بل الجميع كان يتعامل معهم على أنهم كبار بل عمالقة لا أطفال أو صبيان – معاذ الله – كما أن التاريخ حدّثنا عن اختلاف بعض الناس ومحاورات بعض الأئمة مع رموز المخالفين قبل امتلاكهم زمام الإمامة – كما وقع بين الكاظم (عليه السلام) وأبي حنيفة (لعنه الله) والكاظم كان حينها صغيرا أيضا وقد أبهره بعلمه - وعليه فلا يستبعد صدور هذا الحديث سيما وأنه من جنس ذلك الحديث إذ الغرض فيه تبيان علم الإمام – ولو كان صغيرا وقبل إمامته – في مقابل علم غير الإمام ولو كان كهلا أو شيخا مسنّا. كما أنه لا مانع من التحقيق في أشباه هذا الحديث فلعلّ الغلط وقع من النسّاخ وكان المقصود بلفظة (أبي) السجّاد لا الباقر صلوات الله عليهما. ومن هذا القبيل كثير في مصادرنا كما لا يخفى.
ومما ورد في ذمّه ما رواه الكشي عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "اللهم العن ابني فلان – أي العباس - وأعمِ أبصارهما، كما أعميت قلوبهما، الآجلين (الآكلين) في رقبتي واجعل عمى أبصارهما دليلا على عمى قلوبهما". غير أني لا أعتمد على هذا الحديث كثيرا إذ قد نسلّم بأن اللعنة تشمل عبد الله ابن عباس بعد حادثة سرقته لبيت مال البصرة وهروبه إلى الحجاز – كما سيأتي إن شاء الله – بيْد أنه كيف يمكن التسليم بلعنه (عليه السلام) لعبيد الله بن عباس وقد استعمله الحسن (عليه السلام) في ما بعد على الجيش ولم يكن قد صدر منه شيء بعد حال توليّه اليمن؟ ولو كان ملعونا على لسان الأمير علنا لما استعمله المجتبى أبدا، إلا أن يوجّه أحد الرواية بتوجيه آخر لم يصل إليه نظري القاصر.
كما قد وردت روايات أخرى في ذمّه منها رواية (الجراد) التي يقول فيها الحسن (صلوات الله عليه) لابن عباس: "أما والله لولا ما نعلم لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو، وستعلمه، ثم إنك بقولك هذا مستنقص في بدنك، ويكون الجرموز من ولدك، ولو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه". (اختيار معرفة الرجال – أو رجال الكشي – ج1 ص276). والجرموز على الظاهر هو أحد طغاة بني العباس، وفي الجزء الأخير من الرواية ما يدلّ على تعاظم شعبيته في أوساط المخالفين حتى أنه لو قال الإمام الحسن (صلوات الله عليه) فيه القول الحق وعرّفهم حقيقته لجحدوا قوله وأنكروه. وفي هذا مزيد دلالة على أن الرجل إنما هو صاحبهم لا صاحبنا، وعلى هذا تدل السيرة ومجريات التاريخ.
أما سرقته لبيت مال البصرة عندما كان واليا عليها بأمر أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وهروبه بالمال إلى الحجاز فشهير ومعروف، فقد نقل التاريخ لنا كتاب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الذي عنّفه وتوعّده فيه بالعذاب العظيم من الله تعالى. وفيه: "من عبد الله علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي، ولم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي ومؤازرتي وأداء الامانة إلي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو عليه قد حرب، وأمانة الناس قد عزت، وهذه الأمور قد فشت، قلّبت لابن عمك ظهر المجن، وفارقته مع المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين، فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد أمة محمد (صلى الله عليه وآله) على دنياهم، وتنوي غرّتهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة أمة محمد أسرعت الوثبة وعجّلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الازل دامية المعزى الكسيرة. كأنك - لا أبا لك - إنما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك! سبحان الله! أما تؤمن بالمعاد؟! أو ما تخاف من سوء الحساب؟! أو ما يكبر عليك أن تشتري الإماء وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد؟! فاتّقِ الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم فإن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرنَّ الله فيك، ولأضربنّك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار! ووالله لو أن حسنا وحسينا فعلا مثل الذي فعلت لما كانت لهما عندي في ذلك هوادة، ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة، حتى آخذ الحق وأزيح الجور عن مظلومها، والسلام".
فكتب إليه عبد الله بن عباس: "أما بعد، فقد أتاني كتابك تعظم علي إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة ولعمري إن لي في بيت مال الله أكثر مما أخذت! والسلام"!
فكتب إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه: "أما بعد، فالعجب كل العجب من تزيين نفسك أن لك في بيت مال الله أكثر مما أخذت وأكثر مما لرجل من المسلمين! فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل، وادعاؤك مالا يكون ينجيك من الإثم، ويحل لك ما حرم الله عليك. عمرك الله إنك لأنت العبد المهتدي إذن! فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري مولدات مكة والطائف، تختارهن على عينك، وتعطي فيهن مال غيرك! واني لأقسم بالله ربي وربك، رب العزة، ما يسرّني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثا، فلا غرو أشد باغتباطك تأكله رويدا رويدا، فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة، ويتمنى المضيّع الرجعة، ولات حين مناص، والسلام".
فكتب إليه عبد الله بن عباس: "أما بعد فقد أكثرت عليّ، فوالله لئن ألقى الله بجميع ما في الأرض من ذهبها وعقيانها أحبّ إلي من أن ألقى الله بدم رجل مسلم"! (راجع نهج البلاغة ج3 ص65 واختيار معرفة الرجال – أو رجال الكشي – ج1 ص280 وشرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص168 وغيرهما).
وقد رُوي أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عندما بلغته سرقته صعد المنبر وبكى وقال: "هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله في علمه وقدره يفعل مثل هذا! فكيف يؤمن من كان دونه؟! اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول". (المصدر السابق).
وقد حاول بعضهم التشكيك في هذا الخبر من جهة أنه مروي عن طريق الشعبي المنحرف، غير أنّا نقول أن الخبر يُطمأن لصدوره لاشتهاره حتى أدرجه الشريف الرضي في النهج، وكونه واردا من طرق أهل الخلاف مع جلالة قدر ابن عباس عندهم يساعد على هذا الاطمئنان، والمحدّثون من أصحابنا لم يشككوا فيه لاشتهاره، ولذا تراهم عبّروا عن التوقّف فيه والحيرة ولم يقدروا على دفعه لأن من أوضح الواضحات أن الكتاب يفصح عن لسان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لا لسان غيره. وحتى المحدّث الخبير الشيخ عباس القمي (رحمه الله) رغم أنه اعتبر ابن عبّاس من جملة أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا أنه عبّر عن حيرته وتوقّفه في شأن سرقته لبيت مال البصرة، إذ قال: "أما قصة حمله المال من بيت مال البصرة وذهابه إلى مكة، وكتابة أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه بهذا الخصوص، وجوابه له، وبهذه العبارات الجسورة، فأمر حيّر المحقّقين". (منتهى الآمال ج1 ص288).
وقد حاول بعضهم أيضا ادعاء أن هذا الكتاب من الأمير (عليه السلام) إنما وجهه إلى عبيد الله بن عباس، لا عبد الله، وهو قول غير دقيق لأن عبيد الله إنما كان على اليمن واليا لا البصرة، كما أنه لو كان كذلك لما أمّره الحسن المجتبى (صلوات الله عليه) على الجيش كما أسلفنا إذ تكون جريمته ظاهرة.
فهذه جملة من روايات ذمّه وإظهار فساده وانحرافه بل وارتداده وهلاكه. وتقابلها بضع روايات في مدحه، ولو سلّمنا بوقوع التعارض؛ فنقول: إن روايات مدحه كلها غير صحيحة، وقد أقرّ بذلك السيد الخوئي في المعجم رغم ميلانه إلى حفظ ابن عباس من الخدش والجرح، فقال: "ونحن وإن لم نظفر برواية صحيحة مادحة، وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف، إلا أن استفاضتها أغنتنا عن النظر في إسنادها، فمن المطمأن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالا. وبازاء هذه الروايات روايات قادحة.." (معجم رجال الحديث ج11 ص250).
ونحن إنما نتمسّك بالطائفة الأولى من الروايات حتى وإن لم تعدّ عندهم صحيحة سندا، ونغض النظر في أسنادها اعتمادا على ما قرّروه من الاطمئنان بصدورها إجمالا عن المعصومين بعد الاستفاضة، وهذا متحقق فيها. وأما ترجيحنا لها على الطائفة الثانية فمن واقع ملاحظة السيرة ومجريات التاريخ حيث لا نجد لابن عباس موقعا حقيقيا في التشيع بل نرى موقعه عند أهل الخلاف أعظم، وخدمته لابن الخطّاب (لعنة الله عليه) حتى كان مستشاره الأوّل تثير الريب أكثر، ولا يُقال أن ذلك كان كأمر سلمان (عليه السلام) في قبوله الاستعمال فإن الفرْق بيّنٌ بين المثاليْن، فسلمان كان مجازا من الأمير (عليه السلام) على الأظهر وقد خدم الإسلام لا ابن الخطاب، في حين أن ابن عباس لم يُجَز ونراه قد أضحى له خير ظهير ومعاون يخدمه ويمتدحه ويترحّم عليه. هذا ولا نجد له ذكرا في الدفاع عن الزهراء البتول (صلوات الله عليها) يوم أن تعرّضت للهجوم، وحتى إن قيل أنه كان يومذاك في مقتبل الفتوّة فكيف يُرجى منه مثل ذلك؟ فنقول: وما كان يمنعه أن يصنع كما صنع أسامة بن زيد وهو يقاربه في العمر؟ ولو أدرنا الوجه عن ذلك سألنا عن سبب كثرة رواياته عن طرق أهل الخلاف ومحدوديتها عن طرقنا، وهذا وحده كافٍ لتبيان موقعه وعلى أي الطرفين هو محسوب، إذ لو كان من رجال التشيّع حقا لطغت رواياته من طرقنا على التي من طرقهم، إلا أن الواقع يكشف عن أنه من رجالهم وأصحابهم، ويزيدك يقينا في هذا أن الروايات المادحة له عندنا والتي عرفت أنها ضعيفة، إنما هي واردة من طرقهم وفي مصادرهم، كزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا له بالعلم ومعرفة التأويل وما أشبه ذلك، فكون هذه الروايات واردة من طرقهم وفي مصادرهم يكفي في طرحها مقابل روايات الذم الواردة من طرقنا وفي مصادرنا بملاك جلالة قدره عندهم، وذلك لما قُرر في محلّه في علم الرواية والدراية أن من مسوّغات الطرح وجود النظير في كتب أهل الخلاف فيكون الأمر مشمولا بقاعدة "دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم" كما ورد عن المعصوم عليه السلام.
ويزيدك أنه لم يطلق عليه أحد من الأئمة (صلوات الله عليه) ألقابه المشتهرة عند أهل الخلاف كحبر الأمة أو ترجمان الوحي وما أشبه، بل ليس له أدنى مقام عندهم ولاحظ في هذا الشأن روايات الأئمة اللاحقين (صلوات الله عليهم) وقارنها مثلا بما تحدّثوا به عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) لتقف على الفرق. وبالمثال نفسه لاحظ أنه لم يرد إلينا خبر تردّده على الأئمة المعصومين كالحسن والحسين والسجّاد والباقر (صلوات الله عليهم) بالمستوى الذي نرى فيه جابرا يتردّد عليهم، وكلاهما كانا مكفوفيْن، فما بال جابر يصل في خدمة السجّاد والباقر (صلوات الله عليهما) ويتمسح بأعتابهما طلبا للنجاة ورغبة في العلم مع قدمه وصحبته، ثم هو يتحمّل المشقة لزيارة قبر أبي عبد الله (صلوات الله عليه) في كربلاء، ويحدّث عن الأئمة بما لا يسع المرء إلا اعتباره من أعلام التشيّع، فيما ابن عباس غائب عن ذلك كلّه وكأنه يرى نفسه أعظم شأنا من الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) فيفسّر القرآن برأيه ويفتي بهواه ويدخل الأمة في مهالك الظنون؟!
أما عن القول بأنه قد لازم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وكان يختلف عليه طلبا للعلم، فلا شأن له بما نحن بصدده إذ إن جمعا عظيما كان يأخذ من الأمير ومن الأئمة (صلوات الله عليهم) ما ينفعهم وحتى الحسن البصري كان يأخذ ما يساعده على ترويج نفسه واكتساب الشهرة حتى وُصف على لسان الإمام (عليه السلام) بأنه سامريّ هذه الأمة، وحتى أبو حنيفة كان يصنع ذلك، فمن هم من هذا الصنف تراهم يخالطون أهل بيت الوحي (عليهم السلام) للاستفادة والتأكّل ليس إلا، وليكتسبوا شيئا من العلم يكون لهم زادا في باطلهم عندما يضيفون إليه آراءهم وظنونهم ويكيّفونه بأهوائهم.
فمن هذه القرائن وغيرها مما يثبت أن الرجل إنما كان أقرب إليهم ولم نرَ في تاريخه انسجاما مع رجال التشيّع وأعلامه في التواصي والتواصل والمخالطة كما لمسناه في ما بينهم، وحيث قد بان لنا أنه في طريق يغاير الطريق العام لأهل البيت (صلوات الله عليهم) فإننا نرجّح روايات الذم ونجدها أقرب إلى العقل وتصديق الواقع.
وعلى فرض التنزّل فإن التعارض وحده كاف لإعمال التساقط، فلا تكون له جلالة ويُتوقّف على الأقل في أمره. وعليك أن تكون نبيها في أن اشتباه بعض الأعلام في مدحه وتوثيقه وتجليله إنما جاء مما ورد من بعض مواقفه التي يُستشف منها نصرة أهل البيت (عليهم السلام) كموقفه مع عائشة (عليها لعائن الله) بعد حرب الجمل، وموقفه معها يوم جنازة الحسن (عليه صلوات الله) وبعض مواقفه مع معاوية (لعنه الله) وما أشبه، لكنك إذ عرفت أنه من المتأكّلين فليس بالوسع استبعاد أنه إنما صنعها تزلّفا لأهل البيت (عليهم السلام) حتى ينال منهم ما ينفعه في الدنيا وما يتزيّن به في أعين الناس. وحتى لو سلّمنا أن مواقفه تلك كانت صادقة فلا يبعد أن يكون حاله حال الزبير (لعنه الله) الذي ساءت عاقبته بعد الاستقامة وبعد أن كان "سيفا طالما كشف الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله" كما ورد. فإن قيل أن الأمير (عليه السلام) اختاره بدوا لمناظرة عمرو بن العاص (عليهما اللعنة) في التحكيم بعد صفّين وهو ما يشهد على جلالته ووثاقته؛ قلنا: إن ترتيب هذا على ذاك غير صحيح وإلا لكان اختيار الحسن (صلوات الله عليه) لعبيد الله بن عباس وتأميره إياه على الجيش شاهدا على جلالته ووثقاته، ولا يقول بهذا قائل. وإنما كان اختيار الأمير (عليه السلام) لابن عباس للمناظرة لما رآه فيه من فطنة وكياسة في كسر الخصم، والاستعانة بذوي الفطنة حتى وإن لم يكونوا من أهل الإيمان الخالص جائز من أجل تحقيق المصلحة الإسلامية العليا، ولذا استعان النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ببعضهم مع الإجماع على كونهم منافقين أو منحرفين.
وابن عباس مشمول بحديث الارتداد الشهير الذي فيه أن الناس بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارتدّوا وكفروا إلا ثلاثة ليس ابن عباس من بينهم. فعن أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) أنه قال: "ارتدّ الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ثلاثة نفر؛ المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي. ثم إن الناس عرفوا ولحقوا بعدُ". (الاختصاص للمفيد ص6). وملاحظة تاريخ الرجل في ما بعد توجب استبعاده عن المعرفة واللحوق، فإنما كان يلتصق بالسلطان لينال منه نصيبا من الدنيا، ولمّا أن عادت الخلافة إلى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) التصق به أيضا، حال حال الخوارج الذين عظّموا أبا بكر وعمر (عليهما اللعنة) ولما أصبحت السلطنة بيد علي (صلوات الله عليه) والوه ثم لما وجدوه يناقض تطلعاتهم عادوه. فهم ليسوا إلا متأكّلين. فإن قيل أن له مواقف وملاسنات مع عمر (لعنه الله) مما ينبئ عن اعتقاده بالولاية وإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأحقيّته بالخلافة؛ قلنا: إن عمر نفسه وفي نفس تلك المحاورات أو الملاسنات كان يعترف بحقّ الأمير ولا ينكره، بل وحتى أبو سفيان وأمثاله (عليهم اللعنة) فكيف يدفع الحق ابن عبّاس مع أنه ابن عمّه ومن أوائل المستفيدين من إثباته؟! وهذا الإقرار منه بمجرّده ليس كافيا لتعديله أو توثيقه أو مدح شأنه، فلطالما أقرّ أعداء أهل البيت (عليهم السلام) بحقّهم حتى كأمثال معاوية عليه لعائن الله. أضف إلى هذا أن العصبية الجاهلية كانت آنذاك سائدة لا تزال في المجتمع الإسلامي، فعندما يحين موعد الانتصار للقوم والعشيرة كان عرق التعصب ينبض، وإنما كان أمثال ابن عباس من بني هاشم يجرّونها إلى أنفسهم كما رفع بنو العباس أنفسهم في ما بعد شعار الولاية لآل محمد وآل علي (صلوات الله عليهم) وإنما كانوا يجرّونها إلى أنفسهم.
والحصيلة أنه بملاحظة هذه السيرة وهذا التاريخ، وبالتمعّن في القرائن والشواهد، نستبعد تماما كونه من الأجلاء اعتمادا على روايات غير صحيحة ومنحولة وأصلها من طريق أهل الخلاف، ونأخذ بما صحّ معنى واستفاض رواية في ذمّه على لسان أهل بيت الوحي (صلوات الله عليهم) فيكون ابن عباس منحرفا وخائنا.
نكمل الرواية التي كنا بصدد الحديث عنها..

فقال عمر: (إليكم يا بني عبد المطلب, أما إنّكم أصحاب عمر ابن الخطاب).

تعليق: يرد ابن صهاك الذي يخال نفسه يساوي عفطة عنز قائلا: هونوا عليكم يابني عبد المطلب. أنتم أصحاب عمر, ألا يكفيكم هذا؟! 
كما نقول في تعبيرنا الدارج (مصدق حاله ولد صهوكه!)
المهم أنّ كلامه ذاك لم يعجب ابن عباس

تقول الرواية عن ابن عباس : ( فتأخرت فتقدّم هنيئة)

تعليق: وقعت مشاحنة ومشادة بينهما فتأخر ابن عباس وتقدم عمر شيئا يسيرا.

فقال(عمر): سر لا سرت , وقال: أعد علي كلامك

تعليق: عمر كعادته لا يترك وقاحته وقلة أدبه. يقول لابن عباس كما في تعبيرنا الدارج ( تحرك , إمش جعلك ما تمشي) ثم يقول له بنبرة تهديد وقحة (أعد علي كلامك)؟!
 نتم الرواية..

فقلت ـ أي ابن عباس قال لعمرـ : (إنما قلتَ شيئا فرددت عليه جوابه ولو سكتّ لسكتنا)

تعليق: هنا أجابه ابن عباس قائلا: إنك أنت الباديء ومن طرق الباب أتاه الجواب.
أنت قلت كلاما وأنا أجبت عليه ولو أنك سكت ولم تتحدث ولم تفتح هذا الموضوع لسكتنا.

فقال(عمر): (إنّا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة ولكن استصغرناه وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها)

تعليق: عمر ابن صهاك هنا يبرر مخالفته لأمر الله تعالى ورسوله وتنحيته علياً عليه السلام عن الخلافة ويقول بأنه لم يكن ناتجا عن بغض أو عداوة لعلي عليه السلام !
إذاً العداوة والبغضاء يا ابن صهاك ماهو شكلها؟ من يحب رجلا يظلمه ويسلبه حقه؟!
وعلى فكره عمر ابن صهاك دائما هكذا فهو ينقض أقواله بأفعاله. وهذا ما صنعه مع سيدة النساء عليها السلام
خاطب الزهراء عليها السلام قائلا : (يا بنت رسول الله ، والله ما أحد أحب إلينا من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يُحرق عليهم البيت) (المصنف لابن أبي شيبة 7 / 432)

يقول للزهراء مامن أحد أحب الي منك ومن أبيك ولكن لن يمنعني ذلك عن حرق دارك بمن فيها!
لا يرعى للزهراء جنابا ولا حرمة.
 سود الله وجهك يا ابن صهاك.

هذا كاشف عن أنه منافق. المنافق هكذا دائما أفعاله تضرب أقوله

يعطيك من طرف اللسان حلاوةً ** ويروغُ منكَ كما يروغُ الثعلبُ

منافق ابن صهاك وهو مصداق لقوله تعالى :
(يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون)

هنا ايضا نجد عمر يبرر بسبب آخر لإزاحتهم عليا عليه السلام عن الخلافة فيقول أنّ عليا قتل العرب وهم موتورون منه.
علي عليه السلام قتل كفرة العرب على الحق في الحروب والمعارك التي خاضها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول عمر ابن صهاك:  نحن أزحناه عن الخلافة لأننا خشينا أن لا ترضى به العرب حميّة لقتلاهم الذين أوردهم علي الموت بسيفه في الحروب.

 عمر ابن صهاك دائما يخالف أوامر الله تعالى ورسوله ويقدم تبريرات وكأنه أعلم من الله تعالى.
رسول الله حين نصّب علياً عليه السلام خليفة من بعده بأمر الله تعالى كأنه فاتته هذه النقطة ولم يتنبه لها و نسي أنّ عليا قد وتر العرب وناوش ذؤبانهم وصرع أبطالهم, فأتى ابن صهاك وتنبه لها!
لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فلنتم الرواية..

 يقول ابن عباس : فأردت أن أقول كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره, أفتستصغره انت وصاحبك؟

تعليق:  يقول ابن عباس: كنت أريد أن أقول لعمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستصغر سِنَ علي عليه السلام حينما كان يبعث به في الحروب فينطح الأبطال ويصرع الفرسان الأشاوس , فكيف تستصغره أنت وصاحبك؟. أراد ابن عباس أن يقول لعمر ذلك ولكنه لم يفعل لأنكم طبعا تعرفون همجية عمر ابن صهاك وغلظته.

فقال عمر: (لا جرم , فكيف ترى؟ , والله ما نقطع أمراً دونه, ولا نعمل شيئا حتى نستأذنه).

تعليق: عن الفراء: أنّ «لا جرم» في الأصل بمعنى لا بد و لا محالة ثم كثرت فحُولت إلى معنى القسم و صارت بمعنى «حقا» و لهذا تجاب باللام نحو لا جرم لأفعلن كذا.

هنا ابن صهاك يقول أنّ ما ذكره بالفعل هو كان سبب تنحية علي عن الخلافة,  فهل ترى انت يا ابن عباس شيئا غير هذا؟ هل عندك شك في صحة ما قلت؟
ثم يريد أن يبرهن على صحة كلامه بقول اتضح أنه يدينه وسيكون حجة عليه عند الله يوم القيامه.
يقول عمر ابن صهاك نحن للأسباب التي بينتها لك يا ابن عباس قد نحّينا علي ابن ابي طالب عن الخلافة صحيح, ولكننا لا نقطع أمرا أو نتخذ قرارا إلا بإذنه.
طبعا هذا محض هراء وهو غير صحيح, ولكنّ عمر يقصد بذلك هروعه إلى علي عليه السلام في المواقف التي تفضح جهله, فهو عندما يقع في ورطة ومأزق في مسألة من مسائل القضاء أو أمر من الأمور يتجه لعلي عليه السلام لأنه يعلم جيدا أنه ليس لتلك المعضلات سوى أبي الحسن عليه السلام
قال صلى الله عليه وآله وسلم ( أقضاكم علي).

بل ذلك الأحمق ابن صهاك نفسه اعترف بذلك
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنّ عمر قال : ( أقضانا علي )

ورد ذلك في صحيح البخاري (كتاب التفسير, باب قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها)

لذا وجدنا عمر ابن صهاك في أكثر من حادثة استنجد بعلي عليه السلام ليقضي في مسألة استعصت عليه فكان يقول (لولا علي لهلك عمر).

وهذا سيكون حجة عليه يوم القيامة لأنه يعرف ومتيقن أنّ عليا أعلم وأفقه الناس و قوله الصواب وكلامه الفصل وهو بحق باب مدينة علم رسول الله , لذا يتوجه لعلي بن ابي طالب بالمسألة, ومع ذلك تقدّم على علي بن أبي طالب ونقض بيعة الغدير.
كما أنّ ما يكل هارت الكافر صاحب كتاب أعظم مائة شخصية رغما عن أنفه يضع اسم نبينا محمد بن عبدالله الأول بين أعظم رجالات التاريخ.
وهذا الرجل أيضا سيكون كتابه هذا حجة عليه عند الله فهو يعلم عظمة رسول الله ومع ذلك يجحد رسالته ويخالف أمر الله باتباعه.
 
 وردت تلك الرواية في (محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني الجزء 7 الصفحة 213)

رواية ثالثة:
روى بن أبي الحديد المعتزلي عن ابن عباس أنّ عمر قال له : ( يا ابن عباس أما والله إنّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله, إلا أنّا خفناه على اثنين, فقال(ابن عباس): فجاء بكلام لم أجد بدا ً من مسألته عنه, فقلت: ماهما يا أمير المؤمنين؟ـ أي ما هما الأمران اللذان خفتهما من علي؟, فقال(عمر):خفناه لحداثة سنة وحبه بني عبد المطلب)

تعليق: هنا أيضا يقر عمر ابن الخطاب أنّ عليا عليه السلام أولى الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول عمر (أما والله إنّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله)
ولكنه يعود ليبرر مخالفته لوصية رسول الله و تنحيته لعلي عليه السلام عن الخلافة فيقول مرة أخرى أنّ سبب تنحيتنا لعلي هو أننا استصغرناه, والسبب الآخر هو أنّه يدعي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام يحب قومه ويؤثرهم فخشي انحيازعلي بن أبي طالب لقومه !
وهذا يقوله بحق من؟ بحق علي عليه السلام الذي في زمن حكومته عليه السلام أتاه أخوه عقيل شاكيا الفقر والحاجة فما آثر أو خصّ أمير المؤمنين عليه السلام أخاه عقيل بدرهم واحد من بيت مال المسلمين.
 كل ما يقوله عمر ابن صهاك كذب و محض هراء ..علي هو شمس العدالة وقلّبوا صفحات التاريخ لتروا علياً حينما تولى الحكم في أي حال عاش؟
 
 ورد ذلك في (شرح النهج الجزء 2 الصفحة 20)
 
رواية رابعة:
 
روى ابن أبي الحديد عن ابن عباس قال: (خرجت مع عمر إلى الشام في إحدى خرجاته, فانفرد يوماً يسير مع بعيره فقال لي(عمر): يا ابن عباس أشكو إليك ابن عمك (علي) سألته أن يخرج معي فلم يفعل ولم أزل أراه واجدا , فيمَ تظن موجدته؟)

تعليق: خرج ابن عباس في سفرة للشام وذات يوم كان عمر يسير ببعيره منفردا, فقال عمر مخاطبا ابن عباس: عندي شكوى أرفعها إليك على ابن عمك علي بن أبي طالب(عليه السلام). لقد طلبت من علي ابن أبي طالب أن يخرج معي فرفض ذلك, وأنا على الدوام أراه واجدا (أي غاضبا), فما هو سبب غضبه في ظنك يا ابن عباس؟
 
لنرَ جواب ابن عباس..

قلت ـ أي ابن عباس ـ : ( يا أمير المؤمنين إنك لتعلم). ـ أي أنت تعرف سبب غضب علي.

قال(عمر): أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة

تعليق: يقول عمر ابن الخطاب لعنه الله أنا أظن علي بن أبي طالب كئيب بسبب انتزاع الخلافة منه.

قال ابن عباس: (هو ذاك ,  إنه يزعم أنّ رسول الله أراد الأمر له)

تعليق: أجاب ابن عباس عمر قائلا: نعم ما ذكرته هو السبب, فإنّ عليا يقول أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بالخلافة له.

فقال عمر: (يا ابن عباس وأراد رسول الله الأمر له؟ , فكان ماذا إذا لم يرد الله له ذلك؟ , إنّ رسول الله أراد أمراً , وأراد الله غيره , فنفذ مراد الله ولم ينفَذ مراد رسول الله , أوَ كُلّما أراد رسول الله كان ؟ , إنه أراد إسلام عمه ولم يرده الله فلم يسلم)
 
تعليق: هنا عمر لعنه الله ينطق بالكفر البواح. أولا يتحدث باستخفاف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وبنبرة فوقية ولهذا تجدون أنّ مشايخ الوهابية هكذا بنفس منطق عمر ابن صهاك يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. حتى قال قائلهم والعياذ بالله. ناقل الكفر ليس بكافر.
 يقول ذلك النجس :(عصاي هذه أفضل من رسول الله فعصاي تضر وتنفع ورسول الله ميت لا يضر ولا ينفع)!

عمر هنا يقول:  (يا ابن عباس, وأراد رسول الله الأمر له؟ , فكان ماذا إذا لم يرد الله له ذلك؟)
أي كما نقول في تعبيرنا الدارج ( و قال فلان يبغى هالشي؟ وخير يعني؟ وإذا قال؟ وش يصير إذا ما بغينا هالشي؟)

في عبارته الأخيرة يقول ( وماذا يجري إن كان الله لم يُرد ما أراده رسول الله؟)
يدعي أنّ عزل علي عن الخلافة هو بإرادة الله أي يقصد بالجبر!
من مفرخة عمر وبني أمية وأمثالهم خرجت الطائفة الجبرية ونسبة الظلم لله تعالى.
وهنا لاحظوا كي

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp