أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام، فيما أسروا وما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم وما لم يبلغني)
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق أجمعين سيدنا المصطفى أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ثم اللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم وجاحدي إمامتهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين آمين..
قال الله تبارك وتعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) الشورى، آية 13
هذه الآية الكريمة تبين لنا أنّ المهمة الأساسية والوظيفة الرئيسية لأنبياء الله العظام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولاسيما نبينا الخاتم صلى الله عليه وآله بدلالة قوله تعالى (والذي أوحينا إليك) ـ أي اليك يارسول الله ـ إنما هي هذه الوظيفة وهي إقامة الدين (أن أقيموا الدين)، ولاشك أنّ كل من يلجُ في سلك التبليغ الديني ويطلع بمهمة الدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى، سواءاً كان عالما أو خطيبا أو كاتبا أو من أشبه، ل اشك أنه إنما يطلع بتلك المهمة لأجل هذا الهدف وهذه المهمة (إقامة الدين) . العلماء يعتبرون أنفسهم خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنّ هنالك أحاديث وردت في ذلك الشأن،وكذلك الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر يُعتبرون خلفاء أيضا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ولاشك أنّ خليفة رسول الله في هذا الشأن يجب أن يكون هدفه هو هدف رسول الله المتمثل في (إقامة الدين). لو سُئل أي خطيب (لماذا تخطب؟) لقال: هدفي من الخطابة هو إقامة الدين. أخطب كي يتوعى الناس فيُقام دين الله تبارك وتعالى على أكمل وجه في الأرض..
هنا لابد من التركيز على نقطة وهي أنّ إقامة الدين أمر له شرائط أساسية. ليس لكل أحد أن يسعى لإقامة الدين، ولا يتأتى لكل أحد ذلك، هنالك شرائط وصفات إذا ما تحققت في هذا الساعي لإقامة الدين أو هذا المبلغ، هذا العالم ،هذا العامل، هذا الناشط الديني فإن هدفه يتحقق أو على الأقل يضمن تحقق الصدق وخلوص النية في مسعاه. أما إذا لم يلتزم بهذه الشروط فهو إما أنّه رجل يخدع نفسه فيتوهم ويظن في نفسه بأنه يقيم الدين ويدعو له، وإما أنه يخدع الناس ويُلبّس عليهم..
هذه مسألة يجب أن تكونوا جميعا مدركين لها تمام الإدراك. لماذا؟ حتى لا تقعوا ـ لا سمح الله ـ في هذا الفخ.
حتى لايتوهم أحدكم إذا ما تصدى لمهمة التبليغ أنه يقيم دين الله تعالى لكنه واقعا لايقيمه لأنه يفتقد الشرائط التي تجعل دعوته مصداقا لإقامة الدين، وحتى لاتُخدعوا بمن يزعم بأنه يسعى لإقامة الدين وما هو كذلك.
ماهي تلك الشرائط؟
(الشرائط) تجدونها في كلمة درية، متلألئة من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في حكمه القصار وكل كلماته مضيئة.. تلك الكلمة الدُريّة تجدونها في أواخرنهج البلاغة.
هناك يقول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتّبع المطامع)
هنا يبين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنّ من يقيم دين الله تعالى لابد أن تتوفر فيه ثلاث خلال وشرائط
الصفة الأولى: رجل لا (يصانع) أي لا يجامل، لا يداهن، لا يداري على حساب الحق ويجعله سلعة يساوم ويصانع عليها.
هذا الذي تجده يجامل ويزعم بأنه يسعى لإقامة دين الله فقل له أنت كاذب فالذي يسعى لإقامة دين الله لا يصانع ولا يجامل. هكذا يقول أمير المؤمنين سلام الله عليه.
الصفة الثانية: رجل (لا يضارع) فما معنى ذلك؟
الجذر اللغوي للمفردة هو ضرعَ يضرع ضراعةً أي ذلّ وخضع ، ومنه ضارعَ: أي شابه وماثل.
فنخلص الى أنّ الفعل ضارعَ ومنه المضارعة يعني الخضوع على نحو(المشاكلة والمشابهة) للاخرين والمحاكاة لباطلهم ومسايرتهم.
أنت حين تقول أنا أتضرع لله أي أتخضع و أذل نفسي لله..
فالمؤمن الحقيقي لا( يضرَعُ) ولا (يُضارع)
الرجل الذي لا يَضرع هو ذلك الذي لا يخضع لأحد، هو ذلك الذي يمد رقبته للسيف في سبيل الحق ، هو ذلك الذي حمل روحه على كفه ومضى داعيا الى سبيل ربه لا يخشى في الله لومة لائم.. فلا تصدق من يدّعي أنه يسعى لإقامة الدين إذا ما وجدته رجلا يضرع و يخضع لحاكم أو لسلطان أو لثري ، وما أكثر المعممين الذي يخضعون للأثرياء.
هذا الخضوع ليس لصاحب سيف حتى يُقال تقية مثلا بل للدينار والدرهم.
المؤمن ايضا (لا يضارع) فهو لا يخضع للاخرين فيركب موجة تياراتهم ويسعى لالغاء الفروق بينه وبينهم ليكون متجانسا ومنسجما معهم وغير مختلف عنهم فيكون بهذا مشابها ومشاكلا لهم! فتضيع هويته ويصبح هجينا..
بعض العمائم الانبطاحية المنهزمة تخضع للمزاج العام للتيار السائد و للطائفة المتسيدة لكي تحفظ مركزها ومصالحها ومكانتها الاجتماعية، فهذا الصنف ممن يدّعون السعي لإقامة الدين هم أيضا صنف كاذب بنص أمير المؤمنين عليه السلام.
الصفة الثالثة: رجل (لا يتّبع المطامع).
أي أنّه رجل لاطمع له بمال أو منصب أو جاه أو شيء من حطام الدنيا ولا يسعى وراء الشهرة كأن يطمع بالمرجعية سعيا لإرضاء الأنا والذات أو طلبا للشهرة.
في الآونة الاخيرة قد شهدتم في هذا الزمن البائس نموذجا حيا لشخص هو مصداق للرجل الطامع بالمرجعية حيث أنّ منطقه تفوح منه رائحة طغيان الأنا والذات..
أنا من أمتلك كاريزما لا يتمتع بها أحد غيري، أنا الأعلم، أنا المرجع الذي يستحق أن يرجع إليّ الناس لا تلك المرجعيات البائسة المقصورة على الفقه والاصول و التي تعلن مرجعيتها إذاعة البي بي سي و إذاعة المونت كارلو.
أنا وأنا وأنا ..
وفق المروي عن مولانا علي عليهم السلام : (حسبك من العلم أن تخشى الله، وحسبك من الجهل أن تُعجب
بعلمك).. فإذاً هذا طامع بالمرجعية، وقد قلنا سابقا أنّ المراجع العدول تأتيهم المرجعية لا هم من يسعون إليها ويركضون خلفها، وهذه سيرة العلماء الأبرارالعدول الاتقياء فهم لا يخططون لنيل المرجعية بل هي تأتيهم وتطلبهم وتُفرض عليهم فرضا، ولا تجد الواحد منهم هو من يخطط للوصول الى المرجعية وتبوّئها، فمن تجد في نبرته و سلوكه سلوك الطامع بهذا المقام فهو ليس صادقا في زعمه أنه يسعى لإقامة دين الله عز وجل حسب شرط أمير المؤمنين عليه السلام ( ولا يتّبع المطامع). أي لا يلهث وراء شيء من عرض الدنيا ..
هذه الكلمة العلوية المقدسة اجعلها نبراسا وميزانا لك أيها المؤمن و زِن بها كل المدعين.
إذا وجدت احدا ممن يتصدى للدعوة ويدعى السعي لإقامة دين الله كان على خلاف شرائط وموازين هذه الكلمة في سلوكه وعمله فاعزله وأسقطه عن الاعتبار. أما إذا انطبقت على رجل فاجعله على رأسك لأنه بالفعل صادق يسعى لإقامة دين الله..
دعوني أُقلّب بعض صفحات التاريخ لنستعرضَ نماذج من كلتا الطائفتين (الرافضة، البكرية) ونتعرف على مواقف لرجالات حملوا شرائط إقامة الدين وكانوا أجلى وأصدق نموذج لها وفي المقابل سنعرض مواقف لرجال كانوا على خلاف ذلك تماما ..
هنا أنتخب بعضا من الاجلاء عند الطائفة البكرية كمثال على نقض شرائط إقامة الدين ..
كان هنالك رجل هو تلميذ وصاحب أبي حنيفة، يسمى : أبو يوسف، وكان زعيما دينيا للطائفة البكرية في زمانه و قاضي القضاة في عصر هارون، وله قبر مُلحق حتى اليوم بمرقدي الجوادين وهو ملاصق للحرم .
يقع مدفنه شرقي الصحن الكاظمي المقدس ، وهو جليل القدر عندهم ومعظم لذا ترونهم قد أقاموا له حرما وعظموا قبره ورفعوا شأنه..
حينما تقرأ تاريخه وسيرته تنبعث روائح الفساد والانحراف والضلال والكفر والقذارة. رجل وسخ قذركان يتلاعب بدين الله كما يشاء لكي يرضي الحاكم. كان يصانع على دين الله.. طالعوا مثلا كتاب (تاريخ الخلفاء) للسيوطي الذي كان يؤرخ فيه لخلفائهم. هناك في ص ٢٣١ أخرج السلفي في الطيوريات بسنده عن ابن المبارك ـ وهو أيضا فقيه ومحدث جليل القدر عندهم ـ قال: لما أفضت الخلافة إلى الرشيد ـ أي لهارون ـ وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي ـ أي هارن هوى جارية لأبيه محمد الملقب بالمهدي وهي لاتجوز له لانّ والده قد وطئها ولكنّ خليفة القوم مصر على رغبته بتلك الجارية..
تقول الرواية: فراودها عن نفسها
ـ لاعجب! أليس خليفة بكريا؟ فهذا هو شغله الشاغل مراودة الجواري عن أنفسهن ..
فقالت الجارية: لا أصلح لك، إنّ أباك قد طاف بي
ـ اي لا يجوز لك أن تأتيني فقد أتاني والدك ..
تقول الرواية: فشُغف بها فأرسل إلى أبي يوسف فسأله أعندك في هذا شيء؟
ـ اي هل عندك حيلة ومخرج ؟
فقال أبو يوسف: يا أمير المؤمنين أكُلما دَعَت أمة شيء يجب أن تُصدق؟
ـ أي هل يتحتم علينا أن نصدق شيئا تدعيه اي جارية ونُسلم بصحة إخبارها؟
نعيد جواب أبي يوسف القاضي:
يا أمير المؤمنين أكُلما دَعَت أمة شيئا يجب أن تُصدق؟
لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة.
ـ أي لا تأخذ بقولها ولا تصدقها فإنها ليست بمأمونة ولا صادقة..
بناءا على قول أبي يوسف هذا ما الذي حصل؟
بفتوى أبي يوسف ذهب هارون و وطأ جارية أبيه! .. فانظروا إلى الخسة والدناءة والقذارة !
قال ابن المبارك: فلم أدرِ ممن أعجب؟ من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج عن حرمة أبيه؟
ـ أي هل أتعجب من هارون الذي تجرأ على دماء المسلمين التي هي أفظع جرما عند الله تبارك وتعالى وقد راح يسفكها دون أن يرف له طرف ثم يتورع في أمر وطء الجارية!!
يقول ابن المبارك: فلم أدرِ ممن أعجب؟ من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج عن حرمة أبيه أم من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين ؟
ـ أي أم أعجب من الجارية التي أعرضت بنفسها عن هذا الحاكم او الخليفة كما يسمونه ولم تهب نفسها له، وتلك لم تكُ عادة الجواري في ذاك الزمان فقد كنّ يتسابقن على الحظوة بقلب الخليفة أو الحاكم ويسارعن في هبة أنفسهن إليه ولم يكن يهمهن من الشرع حلال أو حرام..
يقول ابن المبارك: فلم أدرِ ممن أعجب؟ من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج عن حرمة أبيه؟! أم من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين ؟ أو أعجب من هذا فقيه الأرض وقاضيها، قال له اهتك حرمة أبيك واقض شهوتك وصيره في رقبتي! ..
ـ هذا أبو يوسف الذي يزوره أهل بغداد من المخالفين ولا يعرفون تاريخه الاسود القذر ..على ماذا تعظمونه وتزورونه؟
فلندع المخالفين المساكين جانبا فهم يحبون خداع أنفسهم دائما ..
لكن انتم الشيعة لماذا لازلتم ساكتين على بقاء قبره النجس؟
لماذا لا زلتم تسمحون أن يبقى له مقام وحضرة ومسجد ملاصق لحرم وليّي الله الامامين الجوادين عليهما السلام؟ ..
هل هذا النجس يستحق مقاما كهذا؟
إذهبوا واهدموه و وسعوا الحضرة الكاظمية ، واعمدوا إلى تصيير قبره مداسا للأقدام بل مراحيض عمومية.
هذا كان يتلاعب بدين الله ، فعلى ماذا يبقى له مقام؟ والحمد لله الوهابية يأيدونكم في هدم القبور فهم ضد ذلك. قولوا لهم: هذه هدية من عندنا لكم.
أما بقاء مقامات أعداء الله الذين يصانعون على دين الله ويتخذونه سلعة يتاجرون بها فهو أمر تأباه الضمائر الحرة المؤمنة. رجل كهذا لا يستحق أن يبقى له مقام في بغداد.
نقولها بكل صراحة ..
فلينتفض شيعة العراق ضد بقاء هذا المقام وغيره من المقامات التي شُيدت لأعداء الدين من الأنجاس والمنحرفين كأبي حنيفة..
فلينتفض الشيعة وليهدموا تلك المقامات التي تمثل تعظيما لرموز الضلال والانحراف
هل يستحق أبو حنيفة هذا المقام بالأعظمية؟
قد نقلت لكم سابقا بعض فضائحه..
نقلت لكم خزيه وفضائحه، فهو الرجل الذي فتح طريق نكاح المحارم.. فليس على من أراد أن ينكح أمه او أيا من محارمه وهو في مأمن من إقامة الحد عليه سوى أن يعقد على أمه!
وقد نقلت لكم ذلك بالمصادر..
ـ (البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار) ، أحمد ابن يحيى ابن المرتضى ، تعليق: محمد محمد تامر.
المجلد السادس (كتاب الحدود) ص217
ـ (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع)،علاء الدين أبي بكر ابن مسعود الكاساني الحنفي ، منشورات محمد علي بيضون ، دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان
الجزء التاسع (كتاب الحدود) ، ص 190
ورد ما نصه : (وكذلك إذا نكح محارمه أو الخامسة أو أخت امرأته فوطئها لا حدّ عليه عند أبي حنيفة وإن علمَ بالحُرمة)
ـ كتاب (تأسيس النظر) ، أبي زيد عبيد الله عمر ابن عيسى الدبوسي الحنفي، ص148
جاء ما نصه: (إذا استأجر امرأة ليزني بها لا للخدمة، فزنى بها لاحدّ عليه عند أبي حنيفة، لأنّ صورة المُبيح قد وُجدت وهو العقد وإن لم يَبح)
(إذا تزوج ذات رحم مَحرم منه فوطئها وهو يعلم أو لا يعلم لا حدّ عليه لأنّ صورة المُبيح قد وُجدت وهو النكاح وإن لم يَبح وهو قول أبي حنيفة)
ـ المحلى لابن حزم ، تحقيق: محمد منير الدمشقي..
الجزء 11 ، ص253
ورد ما نصه:( وقال أبو حنيفة: لا حدّ عليه في ذلك كله، ولا حدّ على من تزوج أمه التي ولدته وابنته وأخته وجدته وعمته وخالته وبنت أخيه وبنت أخته عالما بقرابتهن منه عالما بتحريمهن عليه و وطئهن كلهن)
أمثل هذا يستحق أن يكون له مقام؟ هذا من المنكر..
أن تبقى مقامات لأمثال هؤلاء يُعظمون بها، يُشرفون بها ، هذا منكر تنبغي إزالته ، بل يجب أن يُزال..
صورة أخرى من صور المتاجرة بدين الله والمصانعة على شرع الله تعالى في نفس المصدر السابق (تاريخ الخلفاء)..
وأخرج أيضا ـ أي السلفي ـ قال الرشيد لأبي يوسف: إني اشتريت جارية وأريد أن أطأها الآن قبل الاستبراء
ـ بعد أن تنتقل الجارية لمالك جديد يجب أن تبقى الجارية فترة لاستبراء رحمها منعا لاختلاط الانساب كما في العِدة للمطلقة والأرملة.. لكنّ الرشيد متعجل ولا يهمه حلال وحرام فالمهم عنده هو إشباع رغباته وأهوائه، فيذهب ليستفتي رجل الملمات والمواقف الصعبة القاضي أبا يوسف
قال الرشيد لأبي يوسف : إني اشتريت جارية وأريد أن أطأها الآن قبل الاستبراء، فهل عندك حيلة؟
ـ كان لسان حال العباسي الملقب زورا وبهتانا بالرشيد: أنت أيها القاضي أبو يوسف رجلٌ محتال ، أنت صاحب أبي حنيفة الذي كان رأس الحيلة، فهل عندك في هذه القضية حيلة أم لا؟
قال القاضي أبو يوسف: هبها لبعض وُلدك ثم تزوجها..
ـ أي هبها لأحد أبنائك ومن ثمّ تزوجها وطأها!
ـ رجل يصانع على دين الله بشكل واضح وصريح ويقبض المال!
طبعا هارون كان معجبا بأبي يوسف هذا لذا جعله قاضي القضاة اي المرجع الأعلى للطائفة البكرية ، وهذا طبيعي فالرجل كان يفتي لهارون بما يرضي أهواءه وما يعجبه ويقبض ثمن فتواه..
في نفس المصدر جاء التالي . و أخرج عن اسحاق ابن راهويه قال: دعى الرشيد أبا يوسف بالليل فأفتاه
ـ إستدعى هارون قاضي القضاة ليلا، واستجلابه لأبي يوسف في هذا الوقت لاشك لقضية متعلقة بأمور الفراش، فأفتاه القاضي بما يريح باله ..
يقول ابن راهويه : دعى الرشيد أبا يوسف بالليل فأفتاه، فأمر له بمائة ألف درهم.
ـ هذا مبلغ ضخم بالتأكيد، وهو ينبيكَ عن مدى إعجاب هارون بما أفتاه به أبو يوسف فأمر له فورا بذلك المبلغ..
و كما سترون فإنّ أبا يوسف هذا كان شديد الزهد والورع ومحتاطا جدا فيما يختص بأموال بيت المسلمين لدرجة أنه لم يقبل أن يتأخر الدفع حتى الصباح!!
كان مستعجلا جدا ولم يستطع أن يصبر الى أن يطلع الصباح فيتسلم نقوده من خازن بيت مال المسلمين الذي يباشر عمله صباحا ، و قد كان في تلك الساعة من الليل نائما في بيته..
إلا أنّ الورع الزاهد قاضي القضاة أبى إلا أن يقبض ثمن فتواه حالا قبل الصبح..
يقول ابن راهويه : فقال أبو يوسف: إن رأى أمير المؤمنين أمر بتعجيلها قبل الصبح، فقال هارون: عجّلوها ـ أي ادفعوا إليه المال على الفورـ ، فقال بعض من عنده: إنّ الخازن في بيته، والأبواب مغلقة.
فقال أبو يوسف: فقد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت.
ـ أي يقول أبو يوسف: عندما دعاني هارون الى قصره في هذه الساعة من الليل كانت الأبواب مغلقة فَفُتحت من أجل عيني هارون، فمن أجل عيني هارون وعينيّ أنا افتحوا أيضا أبواب بيت مال المسلمين. المهم أن أقبض المائة ألف. هل بعت ديني بدون مقابل؟ أعطيت هارون الجواب الذي أعجبه وأراح باله وبعتُ ديني ولا بد أن أقبض الثمن فورا..
هذا نموذج و مثال على من يصانع في دين الله تعالى.
(لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع)
ذلك القاضي لم يصنع ذلك تقيةً! فالسيف لم يكن مسلطا على رقبته لكي يفتي بخلاف الشرع تقية. بل حتى لو كان السيف على رقبته لما جاز له العمل بالتقية، لأنه إذا أدى العمل بالتقية إلى اختلاط الحق بالباطل وإلى العبث في دين الله تعالى بما يفضي إلى إضلال الأمة فإنّ التقية تحرم في هذه الحالة وإن كانَ الصدع بالحق يودي برقبة العالم..
ما صنعه ذلك الرجل لم يكن تقية وانما هو من سعى للسلطان لكي يرضيه وكان يقبض ثمن الإفتاء بالباطل..
ذات الأمر ينطبق على واحد من أجلاء علماء أهل الخلاف وهو الشافعي
الشافعي: محمد ابن إدريس الشافعي، إمام المذهب الشافعي. هذا الرجل الذي دوخنا بعض خطباء المنابر سامحهم الله بمدحه لأنه قال:
إن كان رفضا حب آل محمد** فليشهد الثقلان أنّي رافضي
لذلك يمتدحونه ويسمونه الإمام الشافعي ويشيعون أنّه كان محبا لأهل البيت ولم يكن يبالي بأن يُرمى بالرفض في سبيل حب آل محمد عليهم السلام ، ويحاولون تصويره على أنّه قال هذه الكلمة او ذلك البيت من الشعر معتقدا!
كلا بل قاله مصانعةً و مجاملة..
الخطباء بحاجة إلى رفع مستواهم العلمي وهذا يتطلب منهم أن يحققوا ويغوصوا في المصادر ليعرفوا دقائق الأمور ويقرؤوا ما بين السطور..
انت ايها الباحث، الكاتب، الخطيب عليك مسؤولية تجاه الناس فينبغي أن تكون محققا.
هذه الشخصية السوداوية لايجوز لك أن تلمع صورتها وتضفي عليها هالة من النور والقداسة. إبحث وحقق في مناسبة قوله ذاك، وماهي الأجواء التي خرج فيها ذلك البيت على لسانه، وماهو الظرف الذي ألقى فيه ذلك البيت..
هنالك كتاب يؤرخ لحياة الشافعي. إسم الكتاب (مناقب الامام الشافعي) للبيهقي ، ص٧٢. هنالك يذكر أنّ الشافعي قال ذلك البيت حينما رحل إلى اليمن حيث كانت ولا تزال بلادا يطغى على أهلها المذهب الزيدي الذي كان أهل الخلاف ولا يزالون يرمونه وأهله بالرفض . وبالأخص زيدية ذلك الزمان، فقد كانوا ينسبون أنفسهم للتشيع لذا راح أتباع المذاهب الأخرى كالشافعية وغيرهم ينادونهم بالروافض.
الشافعي حين كان في بلادهم يعيش وسط أجوائهم فإنّه لكي يصانعهم ويجاملهم قال هذه الأبيات فانجذبوا إليه فحوّل كثيرا منهم إلى مذهبه .
فهو قال ذلك البيت مصانعةً وليس عن اعتقاد حقيقي، وليس لأنه يعتقد أنّ الرفض هو حب آل محمد والبراءة من أعدائهم وأنّه بالفعل ليس بمكترث أو عابيء أن يُرمى بالرفض في سبيلهم..
لأنّ البيهقي في نفس المصدر في تلك الصفحة بعد أن يذكر هذه الأبيات و أنّ الشافعي قالها في اليمن، يقول البيهقي: وقد روينا عن يونس ابن الأعلى: أنّ الشافعي كان إذا ذُكر الرافضة عابهم أشد العيب ويقول شر عصابة..
ـ إذاً كان الشافعي عدوا لدودا للرافضة ويسمي الرافضة شيعة أهل البيت عليهم السلام شر عصابة، وهذه حقيقة موقفه من الرافضة وحقيقة اعتقاده . ذلك البيت قاله فترة وجوده في اليمن مداهنة ومصانعة لمن حوله، لذا نجده بعد أن خرج من اليمن واستقر في أكثر من بلدة (المدينة ، بغداد، مصر) كانت عنده تصريحات كثيرة ضد الرافضة بل كان يكفرهم ..
إذاً لا يصح أن ننخدع بشخصيات زائفة ونمضي في تقديس بعض الشخصيات وهي غير جديرة بالاحترام
مع بالغ الاسف كثير من الخطباء يقعون في هذه الاخطاء.. بعضهم يمتدحون الشافعي وأمثاله ، وبعضهم يترحمون عليه، فنسأل الله أن يحشرهم معه إن كانوا يفعلون ذلك عن عمد لا عن جهل ..
وبعض الخطباء يمتدحون عمر ابن عبدالعزيز الاموي ويترحمون عليه باعتبار أنّه رفع السب عن أمير المؤمنين عليه السلام!..
هذا منهج غير صحيح في تقييم الرجال. أنت عليك أن تعرف الأجواء والظروف التي دفعت هؤلاء المنحرفين عن أل رسول صلوات الله وسلامه عليهم لمثل هذه المواقف..
إن أردت أن تعرف الشافعي على صورته الحقيقة، فلن يسعك إلا أن تصفه بأنه كان رجلا يصانع ويجامل على دين الله.
كان هارون العباسي لعنه الله يحب الشافعي ويقربه لأنه كان يفتي بأنّ من لا يعتقد بإمامة هارون العباسي السفاح الجزار الباطش المجرم يستحق القتل!
يروي أبو نعيم في حلية الأوليلاء، ج٩ ص 82
هناك يقول أنّ بشر المريسي المعتزلي قال للشافعي في محضر الرشيد: إدعيت الإجماع فهل تعرف شيئا أجمع الناس عليه؟
ـ في هذا المجلس كان هؤلاء الثلاثة وهم المريسي المعتزلي والشافعي وهارون العباسي مجتمعين، فسأل المريسي وهو من رجال المعتزلة الشافعي قائلا له: أنت تدعي أنّ الإجماع حجة، فهل تعرف مسألة أجمع كل الناس عليها؟..
قال الشافعي: نعم أجمعوا على أنّ هذا الحاضر أمير المؤمنين..
ـ يقصد بذلك هارون العباسي. أي يقول الشافعي أنّ الناس كلهم أجمعوا على أنّ هارون أمير المؤمنين.
الشافعي يقول هذه العبارة وهو يعلم في قرارة نفسه أنه كاذب.
هل كان الإمام الصادق مع هؤلاء المجمعين؟ الإمام الكاظم وأئمة اهل البيت عليهم السلام أكانوا مع هؤلاء المجمعين؟
الذين خرجوا على هارون وما أكثرهم ، هل كانوا من المجمعين على خلافة هارون لعنه الله؟ خسيء هارون..
الشافعي يعلم في قرارة نفسه أنّ ما يقوله كذب ولكنه يصانع ويداهن هارون لكي يقبض الثمن..
قال الشافعي: نعم أجمعوا على أنّ هذا الحاضر أمير المؤمنين فمن خالفه قُتل..
ـ فتوى من الشافعي اللعين بإهدار دم من لا يرضى بخلافة هارون العباسي لعنه الله.
فما كانت جائزته على تلك الفتوى؟
تقول الرواية: فضحك الرشيد وقربه وأكرمه..
ـ الرشيد السفاح ابتهج لهذه المقولة وضحك وانفرجت أساريره فكانت النتيجة أن كافأ الشافعي فقرّبه وأكرمه أي دفع له ثمن تلك الفتوى..
المخالفون يسمعون كلامي وأسأل الله تعالى أن يصلهم ما نلقيه. وهذا ننقله يا معاشر المخالفين من تواريخكم ومصادركم.
بالله عليكم أمثل هذا يستحق الاحترام ؟ إلى متى تعيشون في الوهم؟ كثير منكم ألى اليوم يتبع الشافعي ويقلده.
أيستحق رجل يتحدث بهذا المنطق الاحترام؟
الشافعي له مواقف تنم عن حقارة بالغة ونذالة تفوق الوصف.
واحد من مواقفه الخسيسة المخزية أنه ذات مرة حين أُخذَ العلويون أُسارى مقرنين بالأصفاد إلى مجلس هارون العباسي لعنه الله ،وقيل أنّ الشافعي لعنه الله يميل إلى العلويين فإنّ الشافعي لكي يدرأَ تلك التهمة عن نفسه قالَ كلاما جارح في حق العلويين دفع هارون اللعين إلى قتلهم فارتفع مقامه عند هارون العباسي لعنه الله وقرّبه إليه.
من علماء وفقهاء الطائفة البكرية هنالك الكثير من الأمثلة والنماذج المتناهية في الفظاعة على هذه الصفة القبيحة وهي صفة المصانعة على دين الله.
هنالك كتاب اسمه الحوادث الجامعة لأحد مؤرخي أهل الخلاف و اسمه ابن الفوطي يؤرخ لهجموم المغول بقيادة هولاكو على بغداد، هناك يتحدث عن رجل اسمه أبو بكر فخر الدين عبدالله ابن عبد الجليل القاضي المحدث ببغداد. فيتضح من لقبه (فخر الدين) انه جليل القدر عندهم وقد كان قاضيا ومحدثا في بغداد فهو من أعلامهم وأجلائهم.
الكلام في الكتاب مفصل ومفاده أنّه بعدما استتب لهولاكو المُلك كان يتتبع الفقهاء الذين يعارضونه ويأبونَ حكمه. فذهب هذا الرجل فخر الدين أبو بكر القاضي لهولاكوا وقال له: أنا مستعد أن أدلك عليهم فردا فردا شريطة أن ترفع مقامي وشأني وتجعلني سيدا، وبالفعل استخرجهم من بيوتهم وسراديبهم وضرب أعناقهم جميعا ببركات وشاية ابن عبدالجليل القاضي المسمى عندهم بفخر الدين!
أذا كان فخر دين أهل الخلاف هكذا فكيف بغيره؟..
ثمّ تعالوا لننظر كيف يتعاطى أهل الخلاف مع غيرهم بمبدأ الكيل بمكياليين!
تجدهم يهاجمون نصير الدين الطوسي والعلمقي بدعوى أنهما مهدا الطريق لهولاكوا لاستباحة بغداد. هذا بالطبع كله كذب وغير صحيح..
كل مافي الأمر أنهما اتقيا فحفظا كثيرا من الآثار، و كثيرا من العلماء حتى من الطائفة البكرية. لولا نصير الدين الطوسي لكانت جماعة من علماء الطائفة البكرية قُتلت على يد هولاكو.
نصير الدين هو الذي درأ عنهم القتل فقد استطاع بأسلوب ذكي أن يقنع هولاكوا باستبقاء هؤلاء وجعله يميل إلى كفة العلم، لأنّ هولاكوا كان مهتما بالطالع والنجوم فأوهمه الطوسي أنهم محيطون بمثل هذه المسائل فبنى مرصدا لذلك الغرض، الى غيره من القضايا المفصلة في التاريخ حول الدور الإيجابي للطوسي في تلك الفترة الحرجة من التاريخ..
لكنّ دافعهم للتحامل على هؤلاء والافتراء عليهم، ماهو؟
دافعهم أنّ هؤلاء شيعة على ما يُدعى..
بينما تجدهم في المقابل يتعامون عن عشرات النماذج من أعلام الطائفة البكرية الذين صيّرهم هولاكو وزراء له ، بل من رجال طائفتهم من دعوا هولاكو ومن أولائك أخ صلاح الدين الأيوبي حيث تحالف مع هولاكوا وفتح له المدن لكي يستبيحها. كان هو حاكم الشام وقد كاتبَ هولاكو أن أقدِم لتستبيح هذه المدن ونحن طوع أمرك . كل هؤلاء يسكتون عنهم ويتعامون عنهم..
هذا فقيههم الذي يسمونه فخر الدين القاضي المحدث أصلا لا يأتون على ذكره، ولا يقولون أنّه كان من جملة العملاء لهولاكو. لكنك تجدهم يذهبون لمن يشمون فيه رائحة التشيع أو يشكون فقط مجرد شك في نسبته للتشيع فيهاجمونه ويكذبون ويفترون عليه، و يغضون الطرف عن مخازي رجال طائفتهم ، وهذه هي العصبية الممقوته التي تجعل المرء يكيل بمكيالين ويتلاعب بالتاريخ ويقلب الصفحات البيضاء إلى سوداء والعكس صحيح.
كن متوازنا ومنصفا وهاجم الطرفين. لماذا تسكتون عن القاضي فخر الدين ولا تأتون على ذكره البته؟.لماذا تسكتون عن الخونة والمنحرفين من رجال طائفتكم؟
الذين فتحوا الطريق لهولاكو لدخول البلاد الإسلامية واستباحة بغداد لم يكونوا إلا من أهل الخلاف، ومن لديه استعداد للتحدي في هذا فنحن على استعداد لمواجهته.. وحينها فلنستعرض التاريخ الذي كتبه أهل الخلاف بأيديهم ولنرَ كم رمزا من رموزهم داهن وصانع و تعامل مع هولاكو لكي يرتفع مقامه عند هولاكو ويتحصل على شيء من حطام هذه الدنيا على أشلاء و دماء الناس كفخر دينكم القاضي أبو بكر.
تلك كانت نماذج لرجال من الطائفة البكرية زعموا أنهم يسعون لإقامة أمر الله وهم يضارعون ويصانعون الحكام والسلاطيين ، وهذا النموذج من علماء الطائفة البكرية حي إلى يومنا.
من أبرز علماء أهل الخلاف المصانعين في دين الله القرضاوي الخاضع لحكم أمير قطر. وفق توجهات أمير قطر يفتي القرضاوي.
ومن قبله الطنطاوي كان خاضعا لحكم فرعون مصر المخلوع حسني مبارك.
الآن هذا المدعو الطيب وما هو بطيب، كان هو الآخر خاضا للمخلوع حسني مبارك.
المضحك المبكي أنه حتى ليلة إعلان حسني مبارك التنحي كان يفتي بحرمة الاستمرار في المظاهرات. في الصباح ولّى حسني مبارك إلى غير رجعة إن شاء الله فخرج ذلك المتملق المتلون ليلا يقول: الرحمة على شهدائنا الابرار!
كيف يكونون شهداءا وقد كنتَ تفتي بحرمة خروجهم؟!
كل يوم يلبسون قناعا وكلها تتغير وفقا لاهواء وتوجهات الحاكم..
لذا أيها الاخوة أقول لكم أنّنا حينما نحكم إن شاء الله مكة والمدينة قريبا بحول الله تعالى، ستجدون أعضاء ما يسمى هيئة كبار العلماء متمثلة في آل الشيخ والعبيكان وبقية أصحابهم كلهم يفتون حسبما نريد..
لا تستغربوا فقد فعلها أسلافهم فيما مضى حينما حكمت الدولة البويهية التي كانت تدعي التشيع في العراق، فكان فقهاء الطائفة البكرية وعلماؤهم يفتون بما يُعجب آل بويه ويوافق رغباتهم رغم كون تلك الفتاوى تنقض أسس عقيدتهم، ولكنهم مصانعة للحكام يفتون بها..
فلا تستبعد أن ترى يوما من الأيام آل الشيخ و أمثاله يفتون بأنّه لا إشكال في أن يعتقد الفرد بأنّ عائشة في النار ولا مانع أن يقول بذلك، وعلينا بالألفة والوحدة وهذا مجرد اجتهاد، ومن يقول به اجتهد فأخطأ.
من يقول عائشة زانية اجتهد فأخطأ..
لأنه ما دامت هذه الروحية متأصلة في ذاته واعتاد أن يصانع ويضارع ويتبع المطامع فاعلم أنّ كل أمر يمكن أن يصدر منه، وأنه مستعد لفعل أي شيء..
عرضنا مواقفا لبعض علماء الطائفة البكرية كنماذج على المصانعة في دين الله تعالى..
أخيرا نعرض موقفا لفقيه منّا كنموذج على الإخلاص و القوة في دين الله تعالى والصدق في السعي لإ قامة الدين..
هنا تجد النور يشع من هذه السيرة العطرة لأحد تلامذة و أصحاب أئمتنا عليهم السلام. تلميذ أئمتنا الكاظم و الرضا والجواد عليهم السلام.
إنه محمد ابن أبي عمير رضوان الله تعالى عليه. رجل ثقة ثقة ، لدرجة أنه حتى رواياته المرسلة معتبرة عندنا لكونه لا يروي إلا عن ثقة. إنّه رجل جليل القدر ثقة عليه المدار..
هذا الرجل ذات مرة اعتُقل في زمان المأمون لعنه الله، بعد شهادة الإمام الرضا لكي يدلهم على أسماء رؤوس الشيعة في العراق ليقوموا بقتلهم وتصفيتهم..
أخذوا هذا الرجل وعذّبوه عذابا شديدا لا يطيقه بشر، واستخدموا معه كل أساليب الترغيب والترهيب فلم يتمكنوا من ثنيه عن عزمه وثبّته الله تعالى فكان أثناء تعذيبهم له و ضغطهم عليه ليعترف بأسماء أولائك الشيعة المطلوبين من قبل السلطة يقول : والله لو كان أحدهم تحت رجلي ما رفعتها حتى تُقطع.
ـ أي لو كان أحد هؤلاء الذين تطلبونهم من الشيعة تحت رجلي ما رفعتها عنه ولو قطعتموها.
الرواية عن محمد ابن يونس ابن عبد الرحمن قال:
مررت على محمد بن أبي عمير وهو تحت التعذيب، فقلت: لا يصبر على مثل هذا بشر، وخشيت أن يضعف وهم يصرخون عليه: أخبرنا بأسماء رؤوس الشيعة في بغداد، وبرؤوس الشيعة في الجيش، يقول: فخشيت أن يضعف محمد بن أبي عمير فيخبر بكل أسمائنا، فدنوت منه وأسررت في أذنه: يا ابن أبي عمير اذكُر أن وراءك لعذاباً أشد من هذا العذاب، ومضيت عنه.
ـ أي لا تبلّغ ، لا تعمل بالتقية. التقية هنا طبعا في مثل هذا المورد لا تجوز.
يقول الراوي : فربط الله على قلبه وقال: لو كان أحدهم تحت رجلي ما رفعتها حتى تقطع.
ـ هذا الذي لا يُصانع، لا يُضارع. هؤلاء هم صفوة القوم..
أيها الإخوة إنّ مرض أهل الخلاف الذي جعلهم يصارعون ويضارغون ويطمعون قد بدأ ينتقل إلينا ويتفشى بيننا فدقوا ناقوس الخطر. كونوا يقظين على الدوام وإياكم أن تصدقوا على الفور كل من قال أنه يدعوا إلى دين الله تعالى.
إجعلوا هذه القاعدة الذهبية لأمير المؤمنين عليه السلام نصب أعينكم و زنوا بها الرجال، فمن تجدونه منهم يصانع أو يجامل في دين الله تعالى فقولوا له : إما أنّك كاذب وتعلم جيدا أنك كاذب، أو أنّك تتوهم في نفسك أنّك تدعو إلى دين الله وأنت لست كذلك..
إن كنت تريد أن تتصدى للتبليغ والدعوة والجهاد وإقامة الدين فلا يحق لك أن تجامل.
لا تجامل أهل الخلاف فتصف عائشة الملعونة بأنها أم المؤمنين وتترضى عليها! أمّا إن قلت أنك لا تستطيع ولا تجد بدا من مجاملتهم، فلا تتصدى للتبليغ. لم يجبرك أحد على التصدي للتبليغ، فاجلس في بيتك و دَع ذلك الشجاع الذي لا يصانع ولا يضارع ولا يخضع لأحد وليس عنده طمع في شيء هو من يتصدى لأمر الدعوة لدين الله تعالى، أما أنت أيها المضارع المصانع لا يحق لك ذلك..
إلتفتوا أيها الإخوة لكي لا يخدعكم هؤلاء ولئلا يمعنوا هم أيضا في خداع أنفسهم ..
هذا وصلى الله على محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين..