تقرير محاضرة: محمد وعلي رائدا الإنسانية.. أبو بكر وعمر رائدا التعذيب

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تقرير محاضرة: محمد وعلي رائدا الإنسانية.. أبو بكر وعمر رائدا التعذيب

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد (عليهم السلام) فيما أسرّوا وفيما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وما لم يبلغني
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمةً للخلائق أجمعين سيدنا المصطفى أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطّهرهم تطهيرا ولعنة الله على أعدائهم وقتلتهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم وجاحدي إمامتهم وطاعتهم من الآن إلى قيام يوم الدين.. آمين.

محمد (صلى الله عليه وآله) رسول الرحمة
نبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تعرف البشرية له نظيراً في أخلاقه وسجاياه وفي رحمته الواسعة. تكفينا شهادة الوحي في حقه، إذ قال عزّ من قال: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{. هو نبي الرحمة، والرحمة المهداة إلى العالمين ]جمع العوالم, جمع الأقوام، جمع أصناف البشر [. لم تقتصر رحمته (صلى الله عليه وآله) على قومٍ دون قوم، على فئة من البشر دون فئة أخرى، لم تقتصر رحمته - مثلاً - على المعتقدين بنبوته، كلّا، حتى أولئك الذين جحدوا نبوّته وأنكروه وكذّبوه، بل أولئك الذين حاربوه وأشهروا سيوفهم في وجهه فإنه قد رحمهم وشملهم بعطفه وحنانه، وهذا ممّا شهد به المؤالف والمخالف، والصديق والعدو، المحب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والرافض لرسول الله كالكفرة واليهود والنصارى ومن أشبه. أهل الإنصاف منهم قالوا - وهاكم اقرؤوا كتب المستشرقين الغربيين مثلاً - قالوا هذا النبي الإنصاف أنه كان ذا رحمة واسعة.

أين وجد في التاريخ نموذجاً لزعيم من زعماء البشر يظل طوال ليله ساهراً - لا ينام -؟ تعلمون بهذه الحقيقة؟
ذات مرة أيها الأخوة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) في صباح إحدى الأيام شوهد وقد بانت على عينه ووجهه آثار أنه كان قد ظل طول الليل يقظا ]لم ينام[، عينه كانت حمراء، ]واضح أنه ما نام طول الليل[ سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما الخبر؟ أشيء أهمّك؟ أشيء أغمّك؟ ]ما الذي جعلك طوال الليل سهران[, أي ليلة هذه كانت؟ ]كانت الليلة التي أعقبت يوم بدر - معركة بدر -. اصطف المشركون من جهة والمسلمون من جهة أخرى، وكان البادئ بالظلم المشركون، البادئ بالحرب المشركون؛ مع ذلك الله (تبارك وتعالى) رغم أنّ المشركين كان عددهم أضعاف عدد المسلمين الذين ما كانوا يتجاوز عددهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجل، فإن الله نصر المسلمين عليهم في قصةٍ كلكم تعرفونها, حيث انتصر المسلمون فقتلوا في أرض المعركة بعضاً من المشركين وأسروا البعض الآخر, كانوا أسارى فأوثقوهم - أوثقوا أياديهم - وحبسوهم في تلك الليلة - حبسوا المشركين الذين كانوا للتو يحاربون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويريدون الإجهاز عليه وقتله - رسول الله في تلك الليلة ما استطاع أن ينام لأنّ هناك مشركين أسارى يأنّون[ أعدائك يا رسول الله هكذا تتحسر عليهم تتألم لأجلهم أنهم أسارى نعم، قال ما قدرت أنام طول الليل أنه يوجد أسارى موثقين ويأنّون أنينا، أنا ما قدرت أنام بسبب هذا.
هل وجدت البشرية نموذجاً في الرحمة أعلى وأسمى وأعظم من هذا النموذج؟ إنسان يتألم ولا ينام طوال الليل. يتألم على من؟ على أعدائه، على محاربيه، المسلمين هَم لمّا رأوا النبي (صلى الله عليه وآله) على هذه الحال؛ أطلقوا الأسارى اليوم الثاني, أطلقوهم وفكّوا سراحهم. هذا النموذج أين الإنسان يحصل عليه؟ هذا معنى }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{, أعدائه شملهم برحمته وعطفه، فكيف بأوليائه؟
محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) رسول العفو
اليهود الذين حاربوا النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وحاكوا المؤامرات ضده كما تعلمون وخانوا العهود والمواثيق التي أبرموها معه, رسول الله (صلى الله عليه وآله) في إحدى حروبه معهم، حرب خيبر، انتصر عليهم، انتصر المسلمون على هؤلاء فأُسِرَت صفية بنت حُيَي بن أَخُطب، حيي بن أخطب هذا كان زعيم من زعماء اليهود، بل كان زعيمهم آنذاك، هذه ابنته أسرت, بعد انتهاء المعركة أسرت هي ومجموعة من النساء، بلال بن رباح (رضوان الله تعالى عليه) مؤذن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أخذ هؤلاء النسوة وساقهنّ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتى ينظر في شأنهم. بلال كان يسوق هؤلاء النسوة أو يأخذ بأياديهن إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فمرّ على ماذا؟ مرّ على قتلاهن. هذه أبوها رأته أنه مقتول، هذه رأت أخوها، هذه رأت ابنها فبكين من هذا المنظر، مع أنّ هؤلاء الرجال كانوا هم المعتدين هم المجرمين، فلمّا وصلنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، رسول الله نظر إليهن رئآهن يبكين فسأل لماذا؟ فقلن أنّه قد مررنا ورأينا قتلانا فلم نتحمل بكينَ. فرسول الله (صلى الله عليه وآله) امتلئ الدم في عروقه وقال لبلال أنزعت منك الرحمة يا بلال؟ تمر بهؤلاء النسوة على قتلاهن من الرجال؟ أنزعت منك الرحمة؟ لماذا صنعت هكذا؟ ما كان ينبغي أن تصنع هكذا. حتى هذه الأمور البسيطة كان النبي (صلى الله عليه وآله) يهتم بها، كان يراعي مشاعر الناس اليهودية التي حاولت أن تقتله، أن تسمه حينما سمت ذراع شاة أو كتف شاة وقدمته للنبيّ (صلى الله عليه وآله) على وليمة حتى يأكل واكتشف النبيّ (صلى الله عليه وآله) هذا الأمر بمعجزة من الله تعالى، حيث نطقت تلك الكتف أو ذلك الذراع، الأكل نفسه نطق وقال يا رسول الله لا تأكلني إنّي مسموم, رسول الله بعد ذلك حينما جاء إلى هذه المرأة اليهودية قال لها ما حملكِ على ما صنعتي؟ قالت إن كنت نبياً فلن يضرّك، الله سيطلعك على هذا الأمر، وإن كنت ملكاً تدّعي النبوّة فسأريح الناس منك، ستُقتَل بهذا وتموت وأريح الناس منك، فالنبي (صلى الله عليه وآله) حينما سمع كلامها هذا أطلق سراحها ولم يوقع عليها أي عقاب، كانت على وشك أن تقتله، عفا عنها، وأسلمت المرأة خلافاً لقول من قال أنها لم تسلم, أسلمت بعد أن رأت هذا الخلق العظيم من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
حكومة اللإمام علي (عليه السلام) حكومة نموذجيه
رسول الله رائد الرحمة، رائد الكرامة الإنسانية، رائد حقوق الإنسان، وكذلك وصيّه أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) الذي شهدت الأمم المتحدة، وأنا قرأت التقرير، إحدى تقارير الأمم المتحدة وكان هذا التقرير أيضاً صادراً عن توصية من الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان. كُتب في هذا التقرير أنّنا في الأمم المتحدة نوصي الدول بأن تلاحظ الرسالة التي كتبها علي بن أبي طالب لمالك الأشتر، عهد أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) لمالك الأشتر، البنود العظيمة المتلألأة في ذلك العهد، كيف أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي بحقوق الإنسان وسبق عصره في التأسيس والتأصيل لحقوق الإنسان، قبل أن تطلع هذه المنظمات في العالم, وهذه الثورة الغربية باتجاه حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحقوق الجماد وحقوق النبات. أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يأصّلها في ذلك الزمان قبل 1400 سنة. فتعجبت الأمم المتحدة من ذلك وأدخلت هذا العهد كمصدر تراثي إنساني عظيم ينبغي الرجوع إليه لكي ينصلح حال هذا العالم. أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كما أنه أصّل لحقوق الحيوان؛ أصّل حتى لحقوق الحيوان، تعلمون هذا الشيء أم لا؟ حتى حقوق الحيوان أمير المؤمنين (عليه السلام) اهتم بها،
لاحظوا معي هذا الخبر الذي يرويه شيخنا الكليني (رضوان الله تعالى عليه) في الكافي الشريف عن إمامنا وسيدنا أبي عبد الله الصادق (صلوات الله وسلامه عليه)، يقول: ((بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) مصدقاً من الكوفة إلى باديتها“ [بعث رجلاً مصدقاً، المصدق يعني ذلك الذي يجبي الزكاة والصدقات، الذي يتوجه كعامل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وحكومته لكي يلم الزكاة والصدقات من الناس، بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) مصدقاً من الكوفة إلى باديتها]،
فقال له: يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له، ولا تأثرنّ دنياك على آخرتك، وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه، راعياً لحق الله فيه، حتى تأتي نادي بني فلان [يعني تأتي نادي..نادي يعني مجتمع قوم أو بني فلان، المكان الذي يجتمعون فيه]
فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم [انظروا هنا معنى جداً دقيق أمير المؤمنين (عليه السلام) يشير إليه، أنت الآن ذاهب لكي تجبي الضرائب، تجبي الزكاة، زكاة الأنعام مثلاً، فبطبيعة الحال قد تكون غريباً على هؤلاء القوم، قد يشمئزوا منك، قد يشعروا بنوع من الحرج لأنك تأتي وتفرض عليهم أن تأخذ من أموالهم، مع أن أخذك لهذه الأموال هو حق الله، الزكاة واجبة وبأمر الحاكم الشرعي أمير المؤمنين (عليه السلام)، لكن حتى لا تقتحم عليهم بيوتهم ودورهم، هذا المجتمع الذي هم فيه النادي المكان الذي نزلوا فيه أو نصبوا فيه مثلاً خيامهم أو دورهم وما أشبه، أنت انزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، لا تنصب خيمتك أو تنزل في وسطهم في عقر دارهم حتى لا تكون ثقيلاً عليهم، لا، كن في الخارج، انزل بمائهم، يعني بمجاري الماء التي تصل إليهم، كناية عن أنك تكون بمحاذاتهم، تكون بعيد، تحترمهم، ثم ماذا؟]،
ثم امضِ إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ثم قل لهم: يا عباد الله، أرسلني إليكم وليّ الله [علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)],
لآخذ منكم حق الله تعالى في أموالكم، فهل لله تعالى في أموالكم من حق فتؤدون إلى وليه؟ [هكذا تسألهم، تأتيهم بسكينة بوقار بهدوء برفق بعطف بهذه الطريقة، لا تجبرهم، لا تقهرهم على أن تأخذ منهم أموالهم، وإن كانت حقاً لله، لكن لا إجبار، ضع هذا المعنى عندك لأنه سوف أقارن لك مع التصرف الذي قام به أبو بكر في أيام حكومته، كيف كان يوصي عمّاله أن اذهبوا إلى النوادي..إلى الأقوام بالسيوف والذي تروه أنه يمتنع عن الزكاة تقتلونه إلى هذه الدرجة، وبالفعل قتلهم، وهذا الذي يسمى بحروب مانعي الزكاة، سامعين هذا الاصطلاح؟ من هم هؤلاء مانعي الزكاة؟ سبق وشرحنا هذا الموضوع في محاضرات مفصّلة أنهم كانوا جماعة من الأقوام من العشائر في جزيرة العرب، هذه العشائر رفضت حكومة أبي بكر، قالت نحن لا نعترف بهذه الحكومة، هذه حكومة غير شرعية، نحن بايعنا علي بن أبي طالب في يوم الغدير إذا قام علي بالأمر، هو الذي استلم الخلافة أو أحد من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نعطيه زكاة أموالنا، لا مشكلة، أما نسلم زكاة أموالنا إلى الخليفة غير الشرعي فكلا وحاشا، ما نقبل، فماذا صنع أبو بكر؟ وجّه إليهم خالد بن الوليد والمهاجر بن أبي أمية وزياد بن لبيد، مجموعة من الطغاة الطلقاء المجرمين المتوحشين دخلوا على دور الناس قتلوا رجالهم وهتكوا أعراضهم وحفروا لهم حفر كبيرة، اقرؤوا هذا كله موجود في تاريخ الطبري ونقلته في المحاضرات السابقة بالجزء والصفحة، حفر كبيرة كان يحفر لهم ويرميهم في تلك الحفر، مقابر جماعية، هذا الفرق بين إمامنا وإمامكم يا معشر المخالفين، إمامنا رائد حقوق الإنسان وإمامكم أبو بكر رائد المقابر الجماعية. أول من ابتدع المقابر الجماعية في تاريخ الإسلام، أبو بكر في حكومته، هذا تاريخ، هذا واقع، ما ينفع أيها المخالف تغمض عينيك وتقول لا أرى لا أسمع لا أتكلم، هذا موجود في كتبك المعتبرة، يجب عليك أن تنظر إلى ذلك، هكذا كانت حالة حكومة أبي بكر، انظر حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول له اذهب إليهم بسكينة بوقار لا تنزل بينهم, راعي مشاعرهم واسألهم, سلم عليهم واسألهم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدون إلى وليه؟]
فأن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه. [انت سألتهم الآن هل يوجد في أموالكم حق لله؟ هل توجد زكاة في أموالكم؟ بلغت حد النصاب الشرعي الذي يستوجب دفع الزكاة؟ إذا احد منهم قال لك لا، لا تراجعه، لا تذهب لتفتش وراه، اعتمد على كلامه، هذا أين بالله عليكم يصير بالعالم؟ إلى اليوم، هذه الدول الذي نعيش فها إذا يريد من عندك التاكسي يعتمد على قولك فقط؟ يعني يروح يفتش من وراك، وحسابات، ويبحث على حساباتك البنكية ومراجعة وتلأتي لجنة التاكس والضرائب وتتابع وتغوص في الملفات وفي كل الأدلة حتى إذا لقيت عليك مستمسك واحد حتى لو تن سينتس* بعد، أما أمير المؤمنين (عليه السلام) ما تعامل مع رعيته هكذا، أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كان يعتمد على الثقة، وإن كان هذا يكذب، أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لعامله لا تُراجعه لا تفتش وراه اعتمد على كلامه، خلاص، هذا حق الله، الذي يريد أن يدفع يمتثل فالزكاة طهر له، خير له، لا يريد خلاص، لا نجبره نحن، لا يوجد في الإسلام إجبار، ليس في الإسلام إكراه، }لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ{، هذه هي مبادئنا],
وإن أنعم لك منعم منهم [يعني إذا احد قال لك نعم، في أموالي، في ما أملكه حق الله موجود، تعال أخذه]
فانطلق معه [لاحظ] من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا [انت تنطلق مع هذا الذي قال لك نعم يوجد في أموالي حق الله والزكاة لكن حينما تنطلق معه لا تخيفه ولا توعده إلا الخير، هكذا طمئنه، هكذا بشّره],
فإذا أتيت ماله، فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له [وصلت مثلاً إلى الحظيرة التي فيها أنعامه، هذا ماله، لا تدخل إلا بإذنه، لماذا؟ لأنه أكثر هذا له، يوجد سهم منه, نصيب منه من حق الله تعالى وحق وليه وحقك أنت حيث أنك جابي الزكاة، لكن أكثر المال لهذا الرجل فأنت لا يجوز لك أن تدخل بستانه، تدخل حظيرته، تدخل في أمواله في حريمه إلّا بإذنه، تأخذ إذن، ليس مثل أسلوب حكومة أبي بكر وعمر، تقتحم على الناس, فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له],
فقل: يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك؟ فأن أذن لك [الآن أذن، تريد أن تدخل، لا تدخل حتى هذا الأمر يبينه أمير المؤمنين (عليه السلام)، كيف تدخل، حصلت إذن الآن أن تدخل، لكن كيف تدخل؟ هو هذا بحد ذاته يعلمك إياه أمير المؤمنين (عليه السلام)، أخلاق عالية]،
فلا تدخله دخول متسلط عليه ولا عنف به [لا تدخل في ماله دخول المتسلط الذي له السلطة على هذا الرجل ودخول المتعنف فيه سمة العنف مثل عمر الذي كان يُقال عنه أنه فظٌ غليظ، مشهور هذا في صفته، ويذكر المؤرخون في كتبهم أن عمر كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ لأنه كانت عنده شوارب طويلة جداً متصلة مع لحيته، ولحيته كانت جداً طويلة -يعني مثل لحية الوهابيين-، فكان حينما يغضب ماذا يفعل؟ يفتل شواربه من الطرفين وينفخ أُف أُف، هذه كانت حاله، فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به],
فاصدع المال صدعين [يعني قسّم المال قسمين يعني مثلاً كان عنده مئتي ضأن قسمه قسمين، مئة مئة، فرقتين، صدعين]،
ثم خيّره أي الصدعين شاء؟ [تريد أن آخذ مقدار الزكاة من أي الفرقتين؟ حتى هو يختار الأفضل، هو يكون عن طيب خاطر منه، ليس انت من تختار، أتركه هو يختار، هكذا قرّب له الأمور],
فأيهما اختار فلا تعرض له، ثم اصدع الباقي صدعين، ثمّ خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاءاً لحق الله تبارك وتعالى من ماله، فإذا بقي ذلك [وفيت الأمر واختار هو الذي يريد وأعطاك النصيب من الزكاة فأنت تقبض هذا وفاءاً لحق الله تبارك وتعالى من ماله]،
فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه وإن استقالك فأقله [إذا قال لك أقلني أرجع لي هذه الزكاة أنا محتاجها في هذه السنة مثلاً، اقبل لا مشكله، أقله، أرجع له، لا يوجد مشكلة، هذه رحمة علي (صلوات الله عليه) وهذه رأفته],
ثم اخلطها واصنع مثل الذي صنعت أولاً حتى تأخذ حق الله في ماله فإذا قبضته فلا توكّل به إلا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً غير معنّفاً بشيء منها [هذا استقالك الآن، قبلت انت، أجلته ثم أعدت الحسبة، أخذت من جديد الزكاة منه، لا توكل بهذه الجمال، بهذه النوق، بهذه الدواب التي هي نصيب الزكاة، مقدار الزكاة، لا توكل بها رجلاً يسوقها، يسوق هذه الدواب، حقوق الحيوان، لا توكل بها رجلاً عنيفاً فظاً، لا توكل به إلا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً غير معنفاً بشيء منها، من تلك الدواب، لا يكون يضرب تلك الدواب ويسوقها سوقاً عنيفاً]،
ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل نادٍ إلينا [احدر، انحدر، انزل بهذه الدواب، بهذه النوق، بهذه الأغنام وما أشبه، انزل بها إلينا],
نصيّره حيث أمر الله عزّ وجل فإذا انحدر بها رسولك [انت مكلف رسول من عندك، شخص من عندك، مكلف بأن يسوق هذه الدواب، إذا انحدر بها كيف ينحدر بها؟ فإذا انحدر بها رسولك],
فأوعز إليه [يعني أُأمره],
أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ولا يفرق بينهما [أنظر إلى النقطة الأولى، أنت الآن تسوق هذه النوق، جمع الناقة، وللنوق، كل ناقة لها فصيل، ابن، لا تفرق بين الأم وأبنائها، ممن؟ من ماذا؟ من النوق، من الجمال، دعهم مجتمعين، لا تفرق بينهم],
ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها [النقطة الثانية لا يمصرن، يعني يحتلب لبن هذه الناقة بكل ما فيها له مثلاً، يجمع هذا اللبن بحيث لا يبقى شيء للفصيل، لا، هذا إضرار بالفصيل، حقوق الحيوان، لا تمصرن، لا يمصرن، يعني يحلب بقايا اللبن في الضرع إلى الآخر، لا أتركه على وضعه، وضعه الطبيعي],
ولا يجهد بها ركوبا [النقطة الثالثة لا يجهدها في ركوبه عليها، يركب على ناقة إلى أن تُجهد، تتعب من ثقله، لا دعه يريحها],
وليعدل بينهن في ذلك [يعني إذا ركب هذه مثلاً ساعة، يركب الأخرى ساعة حتى يصير تخفيف عن الأولى، أنظر إلى كل هذه التفاصيل الدقيقة أمير المؤمنين (عليه السلام) يرسمها ويسنها على الذي يأتي بمجموعة من الدواب من نقطة إلى نقطة، هذا المسير له قوانين في شرع الإسلام، في وصايا علي (عليه الصلاة والسلام)، هذا المقدار الضئيل],
وليوردهن كل ماء يمر به [إذا وصل إلى بئر، وصل إلى بركة ماء، إلى بحيرة، إلى نهر، ليقف هناك، لا يجتاز يقول بسرعة أريد أن أصل إلى الكوفة، إلى العاصمة وأسلم هذه إلى أمير المؤمنين وآخذ نصيبي، لا، تريث، تمهل، قف حتى ترتوي هذه النوق من تلك المياه],
ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطريق [إذا هو يسير بتلك الجمال، فليسر بها في الطريق النابتة، الطريق الذي فيها مزروعات، فيها حشائش، حتى تتغذى، لا يعدل بهن إلى جواد الطريق، جواد الطريق يعني الطريق الذي تعطش فيه تلك الدواب، لا يذهب إلى طريق ليس فيه مزروعات],
في الساعة التي فيها تريح وتغبق [يعني في الساعة التي تكون فيها تستريح ويدر لبنها أو تُحلب],
وليرفق بهن جهده [رفق، رحمة بالحيوان، نعم، هذا من قوانين الإسلام، من وصايا الإسلام، وليرفق بهن جهده],
حتى يأتين بإذن الله صحاحاً سماناً غير متعبات ولا مجهدات [لا أرى هذه الدواب مجهدة متعبة]،
فيقسمن بإذن الله على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) على أولياء الله فأن ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبُعثت في حاجته، فأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما ينظر الله إلى وليٍ له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولإمامه إلا كان معنا في الرفيق الأعلى [تقوم بهذه الوصايا التي أوصيتك بها، ترفق بالحيوانات، تكون معنا في الرفيق الأعلى، أنظر المعنى العظيم، أنظر إلى رأفة علي (صلوات الله عليه)، هذه الوصية العلوية تستحق أن تُكتب بماء الذهب، وتُعلق على باب الأمم المتحدة حتى يُعرف كيف أن علياً (عليه الصلاة والسلام) كان يهتم بحقوق الحيوان فضلاً عن حقوق الإنسان[.
راوي هذه الوصية هو إمامنا الصادق (صلوات الله عليه) ذكرها لأحد أصحابه وهو بُرَيد، وبعدما انتهى الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) من بيان هذه الوصية، حدث أمر عجيب، بكى الإمام الصادق، لماذا بكى؟ لأنه ذكر وصية علي في الحيوانات وهو كان في أي زمن؟ زمن بني أمية وبني العباس الذين ما كانوا يراعون حقوق الناس، حقوق البشر، فشتان بين موقفين، بين منهجين، من طبيعي هذا كلام يأثر, أما الإنسان يكون في حال الظلم، تحت الاضطهاد، تحت الجور، الجور لعباد الله المستضعفين ويستذكر حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) ووصاياه السامية حتى بالحيوانات، يقول أين هؤلاء من علي؟ أين حكام الأرض إلى اليوم من منهج رسول الله ومنهج أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم وآلهما)؟ حتى الذين يدّعون أنهم على منهج هذين العظيمين كما في بلاد إيران، في بلاد العراق، أناس تطلع لك تحكم باسم رسول الله، باسم أمير المؤمنين، أنظر الحكم كيف يكون؟ بالله عليك هذا حكم أمير المؤمنين؟ هذا حكم رسول الله؟ سجون ومعتقلات واضطهاد وهتك للحرمات، كلا
يقول الراوي: ثم بكى أبو عبد الله (عليه السلام) [يعني الإمام الصادق]، ثم قال: يا بريد، لا والله، ما بقيت لله حرمة إلا انتهكت، ولا عمل لا بكتاب الله ولا سنة نبيه في هذا العالم، ولا أُقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين (عليه السلام) [من يوم الذي راح أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) بعده فُتحت أبواب الجور والاضطهاد والظلم والفساد على هذه الأمة، ظلمات]، ولا عُمل بشيء من الحق إلى يوم الناس هذا [الإمام الصادق (عليه السلام) يقول بالنسبة لذلك الزمان، فكيف بالنسبة إلى زماننا؟]، ثم قال: أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم)).
أملنا في المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)
أيها الشيعة، أبشروا، الله وعد أن يعيد لهذه الأرض حكومة تماثل حكومة رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)، حكومة من؟ حكومة حفيدهما الموعود، اليد العليا، هذا للعلم لقب للمولى صاحب العصر (عليه الصلاة والسلام) الناس تجهله عموماً، لا تعرفه، هذا موجود في الآثار، في الروايات موجود، من ألقاب صاحب العصر (عليه الصلاة والسلام) مثل من ألقابه صاحب الزمان، صاحب العصر، بقية الله، وما أشبه، واحد من ألقابه اليد العليا، يد الله العليا على هذه الأرض، تلك اليد العليا ستقيم دولة عادلة هي كجنة الله على الأرض وهو قريب، قريب إن شاء الله، فمن ينبغي أن يستبشر؟ نحن الذين بايعنا هذا الإمام، أبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم.
يا شيعة علي اعرفوا قدر أنفسكم، هذا كلام الإمام الصادق (صلوات الله عليه)، وهذه هي تعاليم رسول الله، وهذه هي تعاليم أمير المؤمنين، تلك التعاليم السامية التي يقف لها عباقرة الإنسانية وأعاظم المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحقوق النبات، حتى حقوق النبات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى بالنبات لمّا كان يأمر جيوشه بأن تغزوا، كان يقول لا تقلعوا شجرة، يعني هذا لا تقلعوا شجرة؟ يعني تحافظ على البيئة، ليس كحكومة بني أمية وحكومة بني العباس، كانوا يقلعون الأشجار، يدمرون البساتين.
حكومة عمر بن الخطاب
اقرؤوا في التاريخ، في مصادر المخالفين، قرية كاملة في الشام كانت قرية زراعية، كلها بساتين، كلها جنان، كلها أثمار، صار إشكال بينه وبين حكومة عمر، هذه القرية اسمها عرب سوس، من قرى الشام، الآن طبعاً ليس لها وجود، لماذا؟ لأن عمر مسح بها الأرض، إبادة..إبادة جماعية عمل، تخريب، أمر عماله بأن اذهبوا إلى تلك القرية، أبيدوا أهلها والنساء والأطفال اطردوهم، اذهبوا بهم إلى فلسطين، والباقي، مزروعاتهم، بساتينهم، دورهم كلها اهدموها واحرقوها، فكل البلدة سويت بالأرض مثل ما صنع صدام بالدجيل، كيف صنع بالبساتين؟ خرب هذه البساتين التي عمرها، الله العالم، مئات السنوات، هكذا صنع عمر، تدمير للبيئة، ما عنده حقوق الإنسان، عنده حقوق النبات بعد؟! عنده حقوق الحيوان؟ شتان بين منهجين، عمر ما كان يحترم حقوق الإنسان المسلم، حقوق الإنسان المسلم المؤمن، حقوق الإنسان المسلم المؤمن الذي يسعى لتعلم كتاب الله، إنسان يحاول أن يتعلم كتاب الله، يفسر القرآن، كيف تفسيره؟ كيف تأويله؟ يقف على فهم القرآن، عمر ما كان يحترم هذا الإنسان وكان يهتكه.
أنا أنقل لكم نموذج واحد من نماذج شتى، فقط انت أنظر إلى هذا النموذج وقل لي بالله عليك أرءيت حاكم متوحش أعظم من هذا في وحشيته وإجرامه؟ وهذا الذي أنقله من مصادر المخالفين، ليس من مصادرنا، لا نحتج عليكم بما عندنا، وإنما نحتج عليكم بما عندكم.
رجل عراقي كوفي اسمه صبيغ بن عسل التميمي، بني تميم عليهم كلهم أن يعادوا عمر بن الخطاب لأنه هكذا صنع بابن عمهم، أنظروا ماذا صنع فيه؟
هذا الرجل كان في الكوفة، ما أدرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مسلم مؤمن، قرأ القرآن الحكيم، وقف عند الآيات المتشابهة، ما عرف معناها، ما عندنا بالقرآن متشابه ومحكم؟ المتشابه في القرآن يجب عليك أن تسأل حتى تعرف معناه، }فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{هذا الرجل قال رسول الله غير موجود، صحيح، سأذهب إلى خليفة رسول الله, من خليفة رسول الله؟ عمر بن الخطاب في المدينة المنورة، شد الرحال هذا الرجل إلى المدينة المنورة حتى يدخل على عمر ويظن بأن عمر كان عالم زمانه وعنده إجابات على أسئلته، ما كان يدري أن عمر كان أحمق وجاهل، لا يعرف يفسر القرآن، لا يعرف حتى أبسط ألفاظ القرآن الكريم، }وَفَاكِهَةً وَأَبًّا {، سئل ما معنى الأب؟ يقول لا أدري، مع أن المفروض أنه عربي ويفهم، الأب هو الحشائش، أبّا يعني الحشائش، وفاكهة وحشائش، مزروعات، ما كان يعرف.
جاء صبيغ بن عسل التميمي إلى المدينة وحضر عند عمر وسأله ما معنى هذه الآية المتشابهة في القرآن الحكيم؟ ما عرف كيف يجاوب فقال عَلَيّ بعراجين النخل، أعذاق النخل، العراجين الغليظة، وبدأ يضرب هذا الرجل حتى أدماه، ما الذي فعلته أنا؟ أنا جئت أسأل، ما هي جريمتي؟ ما ذنبي؟ لماذا تحرجني أمام العالم؟ تطلعني أنا حمار ما أفتهم، ليش؟ لا، ضرب، ضربه الوجبة الأولى ثم تركه، جاء مرة أخرى، ضربه الضربة الثانية، الوجبة الثانية، ثم حبسه وجاء المرة الثالثة وهكذا إلى أن هذا الرجل بعد يكاد يموت فقال له: "يا أمير المؤمنين [هو كان يعتقد أنه هذا أمير المؤمنين]؛ إن أردت قتلي فاقتلني قتلة واحدة [لماذا هذا التعذيب مع أنه أنا ما فعلت شيء؟ ما جريرتي؟ ما هي جريمتي؟ أي ذنب ارتكبته؟]".
اقرؤوا هذه الروايات التي أنا لا أعلم حقيقة كيف للمخالف أن يفخر بعمر وهذا هو تاريخه؟! هذه هي حياته؟!
روى الدرامي في سننه في الجزء الأول الصفحة أربعة وخمسين "عن سليمان بن يسار أن رجلاً يُقال له صبيغ قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال من أنت؟ قال أنا عبد الله صبيغ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين، وقال: أنا عبد الله عمر فجعل يضربه حتى دمي رأسه [رأسه كله امتلأ بالدماء، تعذيب وحشي]، فقال: يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي" ما عندي أسئلة، ما أريد أتسائل عن متشابه القرآن الحكيم، انتهى، لماذا بعد تضربني وتعذبني؟
في نفس المصدر: "عن نافع مولى عبد الله أن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلّما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال: أين الرجل؟ قال: في الرحل. قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة [يهدد عمرو بن العاص أنه لا يفلت منك هذا صبيغ وإلا أوجعك أيضاً]، فأتاه به، فقال عمر: تسأل محدثة؟ [يعني تسأل سؤال بدعة؟ سؤال بدعة؟! هو سأل عن متشابه القرآن، هذا ليس سؤال بدعة، ولا احتار في الإسلام، يريد الرجل أن يفهم معاني القرآن الحكيم، الآيات التي اشتبه فيها، ماذا فعل الرجل؟!] فأرسل عمر إلى رطائب من جريد [من جريد النخل]، فضربه حتى ترك ظهره دبرةً [دبرةً يعني ظهره تركه كقرحة، تقرّح ظهره من شدة الضرب، ثم تركه حتى برأ [شفي]، ثم عاد له [يعذبه مرة أخرى]، ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود له. فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلا، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت. [خلاص بعد ما أسأل] فأذن له إلى أرضه [أنه اتركه يرجع إلى أرضه في العراق]، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين". أنظر الخسة والدناءة، أنظروا مواصلة الظلم والاضطهاد، يرجع إلى بلده لكن لا أحد يجالسه ويتعاطى معاه أبداً، مقاطعة.
وفوق هذا: "روى السيوطي في الدر المنثور في الجزء الثاني الصفحة السابعة عن ابن عساكر في تاريخه عن أنس أنّ عمر بن الخطاب جلد صبيغاً الكوفي في مسألة عن حرفٍ من القرآن [يعني عن بعض آيات القرآن الحكيم] حتى اطردت الدماء في ظهره [اطردت الدماء في ظهره يعني سالت، كانت تسيل الدماء من ظهره بسبب جلد عمر]".
في نفس المصدر "أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري [واليه على الكوفة] أما بعد فأن الأصبغ تكلف ما خفي، وضيّع ما ولي، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه [يعني لا تبيعوه وتشتروا معه، قاطعوه حتى لو يموت من الجوع، لا تبيعون له شيء]، وإن مرض فلا تعودوه [إذا كان مريض فلا أحد يزوره، يعوده، اتركوه يموت في مرضه، لا أحد يطببه، يعالجه]، وإن مات فلا تشهدوه", إذا مات اتركوه جيفةً، لا تصلوا عليه، لا تكفنوه، لا تصنعون له شيء، أنظر إلى الحقد العمري على هذا الرجل المسكين الذي ما ارتكب أي ذنب باتفاق فقهاء الإسلام، الآن اذهب إلى فقهاء المخالفين قل له أنا أريد أسألك عن }الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا{، متشابه هذا عندي، جريمة هذه ارتكبتها؟! يقول لك لا.اذن هذا تعامل معه بهذه الوحشيه؟ هو كذلك سأل عن هذه الآيات، ما ارتكب جريمة.
في نفس المصدر أيضاً يقول: "أخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ألّا يجالس صبيغاً وأن يحرمه عطائه ورزقه". حتى مال من بيت مال المسلمين لا تعطوه، هذا كيف يعيش بالله عليكم؟ لا يقدر أن يبيع ويشتري إلا بأمر من عمر! لا أحد يقدر يتواصل أياه ويتكلم معه! لا أحد يقدر يزوره ويزور أحد! لا يتمكن أنه يحصل على رزقه من بيت المال، ما هذا العذاب؟ ما هذا الإجرام؟
هذا تاريخ عمر بن الخطاب وذاك تاريخ علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وذاك تاريخ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والعاقل إذا قارن بين هاتين السيرتين يعرف من الذي ينبغي أن يحترمه ويضعه تاجاً على رأسه، ومن الذي ينبغي أن يضعه تحت حذائه كأمثال هؤلاء.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
-------------------------------
* ملاحظة: المقصود بعبارة الشيخ ”تن سنتس“ هي عشر سنتات (السنت هي قسم من العملة البريطانية كالفلس والدينار وما أشبه)

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp