تقرير لمحاضرة تحرير الإنسان الشيعي - الحلقة الثانية عشر (12) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تقرير لمحاضرة تحرير الإنسان الشيعي - الحلقة الثانية عشر (12) 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمان الرحيم

القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام في ما أسر و ما أعلن و فيما بلغني عنهم وما لم يبلغني, الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أزكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق أجمعين سيدنا محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين و لعنة الله على قتلتهم و أعدائهم و جاحدي إمامتهم و منكري فضائلهم و مناقبهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين .. آمين.

في الحلقة السابقة ..
أنّ المعصومين (صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين) كانوا حينما تسنح الفرصة ينالون من الشخصيات والرموز الدينية المقدسة  لدى الغير ، وكان هذا النيل منهم يقع علناً وجهراً رغم الظروف الحرجة والخطيرة التي كانوا يعيشونها ، والهدف من وراء هذا النيل هو كسر القيود التي فرضتها الطوائف المنحرفة على نقد رجالتها .  فإن هذه القيود إذا انكسرت أمكن القضاء على الانحراف الذي تشخص بهذه الشخصيات ، وترمز بهذه الرموز أما إذا ابقينا هذه الشخصيات والرموز محفوظة من المس ، مصانة من النيل .. فلن يكون بإمكاننا أبدا القضاء على الانحراف الذي جاءت به هذه الشخصيات، إذ انهُ لايمكن التفكيك بين اسقاط الانحراف واسقاط الرمز المنحرف ..
لامناص من اسقاط رموز الضلال و الانحراف و الكفر بشخوصها ...
كما أنه لا يمكن الانحراف أن يتبدّد إذا ما بقي الرمز المنحرف مصانا ومحترماً .نحن هنا لا نتحدّث عن شخص أخطأ في أجتهاده مثلا، أو أخطأ في نظرية ما كان دافعه إلى طرحها حسن النية حتى يقال يمكن حفظ شخصيته وإبقاءها محترمة مع تخطئته أو تخطئة منهجه. نحن نتحدّث هنا عن شخص جاء بانحراف ، جاء بكفر ، جاء بضلاله ، جاء بنصب  ، جاء بما يهدم الحق ، جاء بما يكون نسخة دينية بديلة عن الدين الحق .. هذا الشخص الثاني يختلف عن الشخص الاول ، ... فالثاني يتشخّص به الباطل ويتعاظم بتعاظمه ـ فلا يمكن ابقاء هذا الشخص محترما والاقتصار على تخطئته لأنّ ذلك لا ينفع في القضاء على ما جاء به، لأنه إن لم يسقط هذا الشخص سيضل هذا الشخص موجوداً لا اقل في دائرة الاعتبار ..
فتقول العامة ، انه يمكن أن تكون تخطئتنا له خاطئة أصلا، لأن الرجل صالح وجليل القدر ومادام كذلك .. فما جاء به له شأنا من الشان ! .. وما يدرينا أنّ الحق ليس معه ؟! فالتخطئة هنا لا تنفع  ، لآبد من اسقاط اعتبار هذه الشخصية التي تشخص بها الباطل وإلا لن يسقط هذا الباطل نفسه عن الاعتبار ..وهذه القضيّة رسمها القران والسنة المطهرة كما أسلفنا، عرفنا أنّ الله (تعالى) والمعصومين (صلوات الله و سلامه عليهم اجميعن) لم يكتفوا باسقاط المناهج المنحرفة وانما كان حرصهم واضحا على اسقاط رموز هذه المناهج أيضا ، والشخصيات التي تعتبر مؤسسةً لهذه المناهج المنحرفة، و على اسقاط هذه الشخصيات والرموز التي هذه المنهاج المنحرفة تعتمد على بقاءها مبجلة ومعظمة محترمة ..
 
إذا لا مناص من السير في طريق النيل من الشخصيات المظلة المبطل، وإن كانت هذه الشخصيات ذات تقديس واحترام عند بعض الطوائف الاخرى،  وقد تأكّد لنا أنّ هذا العمل من صميم منهج الانبياء والاوصياء (صلوات الله و سلامه عليهم) لأنّ بما سقناه  من شواهد وأمثلة، وبما طرحناه من الآيات والروايات وبما بين ذلك من كلام واستلالات يطمئن المؤمن إلى أنّ النيل من الرموز المقدسة الزائفه أو الشخصيات المؤسسة للانحراف، هو عمل شرعي مطلوب وراجح، لأنه لا يتم القضاء على الظلالة والانحراف إلّا بذلك ..

 الجهل وقلّة الفهم في فهم النصوص الشريفة والاحاطة بها ..
بعدما تأكد لنا هذا الامر، نعود إلى الاجابة إلى شبهه غير ذوي الفطنة .التي تعتمد على قوله (تعالى): {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}، ماذا يقول هؤلاء ؟ يقولون إنّ هذه الاية توجب علينا أن نكف ألستنا عن مقدّسات الآخرين حتى يحترموا مقدّساتنا،  وعليه لا يجوز النيل من أبو بكر أوعمر أوعائشة أو من أشبه (لعنة الله عليهم)، وإن كانوا عندنا من أئمة الكفر واعلام الظلالة، فماداموا عند أهل الخلاف من أئمة الدين واعلام الهداية فلابد لنا من احترامهم وتجنب النيل منهم . وترى  هؤلاء المشتبّهين يستشهدون ببعض الروايات الشريفة في تفسير هذه الآية والتفريع عليها من قبيل أنّ من سب أولياء الله كسب الله ،وكما قال الصادق (عليه افضل الصلاة و السلام) في الحديث الشريف : {ومن أظلم ممن استسب لله وأولياءه}،  فبالتالي تشمل الحرمة ذلك العدو أو مناصر العدو .. أن يسب أولياء الله فيكون الامر محرماً.
 
هكذا يروّج هؤلاء المشتبهون لشبهتهم التي هي ناشئة من جهل وقلة فهم ! أما الجهل فلأنهم يجهلون عشرات الاحاديث و الروايات التي تثبت نيل الانبياء والاوصياء (صلوات الله و سلامه عليهم) من اعداء الله باحد الالفاظ مع كون هؤلاء رموزا كبيرة عند بعض الطوائف، وهم لم يقرؤها هذه الاحاديث والروايات ولم يعرفوها، ولذلك رأينا كثيرا منهم يتفاجئ حين نعرض عليه هذه الاحاديث والروايات ويتفاجئ اكثر حين يعلم أنّ هذه الاحاديث والروايات معتبرة، وأما قلّة الفهم والفقه، فلأنهم ما فهموا الآية الكريمة جيداً ولا فقهوا مافي الاحاديث المرتبطة بها ايضا، فأسّسوا قولهم بحرمة النيل من رموز الآخرين مطلقا على قاعده الجهل وقلة الفهم أو قلة الفقه ! وأنّا من واقع المسؤولية لا نعذرهم إذ قصّروا في التعلم والتفقه مع تصديهم لتوجيه الناس، لأنهم بذلك سبّبوا تأخّر الامة الى  قرونا وقرون لأن الامة التي يقودها اناس غير فطنين ؛ غير متعلمين ؛ غير متفقهين لآبد لها أن تتراجع ولا تتقدم .

 الرد على شبهة عدم جواز سب وطعن الرموز المقدّسة للطوائف الاخرى ..
أول ما يرد على هؤلاء ويرد شبهتهم !أنّـا لو أخذنا بهذه الشبهة على اطلاقها بحرمة النيل مطلقا لوجد حين إذ تخطئة الانبياء والاوصياء (عليهم افضل الصلاة و السلام)، لأن ما اثبته القران الحكيم والسنة الشريفه من مواقف الأنبياء والأوصياء (صلوات الله و سلامه عليهم) واعمالهم واقوالهم كله يصادم القول بحرمة النيل من رموز الآخرين مطلقاً. إذاً لابد لنا من أن نتخلّى من هذا الإطلاق، فلا نقول انه يحرم النيل من رموز الآخرين مطلقا بل لابد من التقييد .
وهذه مشكلتهم أنهم يتحدثون بلغة اطلاقية ، فيفسدون أفكار الناس .يمكن أن يفتي أحدٍ بأنهُ يًحرّم النيل من رموز الآخرين مع التقييد ولكن لآ يمكن أن يفتي أحدٍ بالحرمة  النيل من رموز الاخرين مطلقا ، لأننا نجد القيود في نفس الآية الكريمة ونفس الاحاديث الشريفة ، فالاية تقول { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }.
 قيود الآية الكريمة { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } ..
القيد الاول : نجد أنّ حرمة السب أو النيل معلّقة على افضاءها لإرتداده على الله (تعالى)، كأنّ الله (تعالى) يقول يُحرّم عليكم أن تسبّوا الاصنام مادام ذلك يفضي الى سب الله (سبحانه و تعالى)!
أما القيد الثاني {عدوا}  ، والعدو هنا بمعنى أن الكافر أو المخالف يتجاوز عن حالة سابقة،  وهي سكوته عن الله و أولياءه فيكون سب المؤمن لمن يعتقد به هذا الكافر أو المخالف موجبا لعدوه أي تجاوزه عن تلك الحاله السابقة الى حالة جديدة طارئة يهتك بها حرمة الله (جل وعلا) وحرمة أولياءه (عليهم افضل الصلاة و السلام) .
القيد الثالث : فقوله (تعالى): { بغير علم }، أي أنّ هذا الكافر أو المخالف يكون جاهلا غير عالم و يعدو بالجهل، والجاهل هنا ليس هو الجاحد أو المعاند و انما هو ذاك  المخدوع المستضعف الذي تربى على شيءٍ يظن أنه حقاً وليس بحق !

 بعض الفروض التي لا يُحرّم فيها سب اعداء الله سبحانه و تعالى ..
وهذه ثلاثة قيود لحرمة السب أو النيل من أنداد الله أو أعداءه على ما نزلته الاحاديث الشريفه التفسيرية ، وعليه يمكن لنا أن نخرج فروضا لا يحرم فيها السب لأنداد الله أو اعداءه والنيل منهم . الفرض الاول : أن لا يكون النيل مفضياً لأرتداده على الله (تعالى) أو أولياءه (عليهم افضل الصلاة و السلام) . لو أفترضنا أنّ امرء يقدح في الطاغية عمر ابن الخطاب (لعنة الله عليه)، وهو عالم بأن المخالف لن يرد بالقدح في امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة و السلام)، لكون هذا المخالف أنه معتقدا بأمير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه) بالخليفة الرابع، أو أنّ هذا المخالف لن يرد بالقدح في أحد الائمة (عليهم افضل الصلاة و السلام) لكونه لا اقل يعتقد فيه من جلالة، فإذا هنا لا حرمة للنيل في هذا الفرض !
 
الفرض الثاني : أن لا يكون النيل موجبا لتجاوز المخالف عن حالة سابقة، فلو أفترضنا أنّ المخالف قد عدا أولاً قبل أن ننال منه أو ممن يعتقد أي كانت حالته السابقة هي هتك حرمة الله (تعالى) واولياءه (صلوات الله و سلامه عليهم) ،لا يكون النيل هنا ممن يعتقد بهم المخالف استفازاز له لأن يعدو، لأنه يفعل هذا الامر وهو هتك حرمة الله (تعالى) أواولياءه (صلوات الله و سلامه عليهم) سواءا نلنا ممن يعتقد بهم أم لم نفعل ، أي نيلنا لا يجعله يبدأ بالنيل لآنه بادئ بهذا النيل أصلا، فاذا لا حرمة في نيلنا في هذا الفرض ايضا .
الفرض الثالث : أن يكون النيل المرتد من المخالف أو الكافر أنما يكون من ذاك الجاحد المعاند لا الجاهل أي أنّه راد النيل مع علمه بحرمة الله (تعالى) وحرمة أولياءه (عليهم افضل الصلاة و السلام)، إلا أنه ينال إذا نلنا، وبعبارة أخرى إن نيلنا منه أو ممن يعتقد به يجعله يعدو بعلم لآ بغير علم . فهذا امرء غير قابل للهداية ، معاند ، عدو ، جاحد ، النيل منه أو ممن يعتقد به لا يشكّل حائلا لهدايته وإن أدّى  الى أن يقابلنا النيل، لأنه عالما بالاثم الذي يفعله فلا حرمة لنيلنا في هذا الفرض ايضا.

امير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه هو البادئ بسب الكلب معاوية لعنة الله عليه ..
وعلى هذا الامر شاهدا في سيرة امير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه)، لآن امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة و السلام) هو الذي بدأ بلعن معاوية (لعنة الله عليه) واصحابه فقابله هؤلاء باللعن ،وتلك حقيقة لآ يعرفها معظم الناس بل معظم الخطباء، فالخطباء على منابرهم يهاجمون معاوية ويهاجمون بني أمية لأنهم سنوا للناس لعن امير المؤمنين واهل البيت عليهم السلام ، إلا أن الخطباء لايعلمون أن الذي دفع معاوية وبني أمية الى هذا هو امير المؤمنين السلام نفسه ، فلو لا أن امير المؤمنين بدأ بلعن معاوية وأصحابه لما رد معاوية واصحابة وطال ذلك ثمانين عاماً .
روى الطبري والبادري في ضمن ما جرى بعد قضية التحكيم ، قالا : "وانصرف أهل الشام الى معاوية فسلموا عليه بالخلافة وبايعوه ورجع ابن عباس الى علي بالخبر، فكان علي إذا صلّى الغداة [أي الفجر] قنت فقال : {اللهم ألعن معاوية وعمراً ، وأبا الأعور، وحبيب ابن مسلم ، وعبدالرحمن ابن خالد ابن الوليد والضحاك ابن قيس والوليد ابن عقبة}، فبلغ ذلك معاوية (لعنة الله عليه) فكان يلعن علياً والحسن والحسين (صلوات الله و سلامه عليهم) والاشتر و قيس ابن سعد وابن عباس وعبدالله ابن جعفر ".
رواية أخرى لنصر ابن مزاحم يقول : " كان علي (عليه افضل الصلاة و السلام) بعد الحكومة إذا صلّى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة وسلّم قال : { اللهم العن معاوية وعمرا ، وابا موسى ، وحبيب ابن مسلم ، وعبد الرحمن ابن ابن خالد ، الوليد ابن عقبة}، فبلغ ذلك معاوية (لعنة الله عليه) فكان إذا صلّى لعن عليا وحسنا وحسينا (صلوات الله و سلامه عليهم) وابن عباس وقيس ابن سعد ابن عبادة والاشتر ".
وبطبيعة الحال انقسمت الأمة اثر ذلك الى قسمين، يلعن كل واحد منهم رموز الآخر .. الشيعة من اهل الكوفة اقتدوا بإمامهم عليا (عليه افضل الصلاة و السلام) فكانوا يقنتون بلعن معاوية واصحابه(لعنة الله عليهم)  .والمخالفون من اهل الشام ، اقتدوا بامامهم معاوية (لعنه الله عليه) ، فكانوا كذلك يقنتون ولكن بلعن علي واهل البيت (عليهم افضل الصلاة و السلام) ولعن اصحابهم .يقول الشافعي في كتاب الام:" إنّ علي رضي الله عنه قنت في حربٍ يدعوا على معاوية ، فأخذ أهل الكوفة عنه ذلك . وقنت معاوية بالشام يدعوا على علي رضي الله عنه  فاخذ اهل الشام عنه ذلك" .
 
يقول ابن حجر العسقلاني في كتابه الدراية : " أهل الكوفة إنما اخذوا القنوت عن علي ، قنت يدعوا على معاوية حين حاربه وأهل الشام اخذوا القنوت عن معاوية ، قنت يدعوا على علي". إذاً إنّ امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة و السلام) هو السبب ، لولا أنه بدأ بلعن معاوية وأصحابه (لعنة الله عليهم) لما ردّ عليه هؤلاء اللعن ولما سنوه في الأمة الى أن طالت مدته ثمانين عاما، ولما انقسمت الامة الى قسمين يلعن كل منهما رموز الآخر.
مع ما ينشره هذا من اجواء الشحناء والبغضاء ومع ما يخلفه من اوغار في الصدور، كان علي (صلوات الله و سلامه عليهم) هو البادئ باللعن !فهل يتجرّأ أحد من هؤلاء الخطباء المساجين على تخطئة امير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه) لأنه كان البادئ في اللعن أو تو ةجيه النقد لأمير المؤمنين (عليه افضل الصلاة و السلام) قائلين انك يا امير المؤمنين تناقد نفسك ! أولست الذي نهيت حجر ابن عدي وعمر ابن الحمق عن لعن وشتم أهل الشام ؟ أولست أنت القائل لهما :{ كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتامين، تشتمون وتبرأون. ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا .. وكذا .. ومن أعمالهم كذا .. وكذا ..، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر. ولو قلتم – مكان لعنكم إياهم ، وبراءتكم منهم – : اللهم! احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بينهم وبيننا، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق  منهم  من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان – منهم  من لجّ به، لكان أحب إليّ، وخيراً لكم}.
يمكن للجاهل أن يعترض على أمير المؤمنين (عليه افضل الصلاة و السلام) بقوله : هنا امير المؤمنين ينهى عن لعن وشتم أهل الشام فكيف ينهى عن شيء هو واقع فيه  !والعالم لا يعترض لأنه عالم ليس جاهلاً .. مشكلتنا هي أنّ كثيرين يصعدوا المنابر اليوم ولم يتعلموا جيدا بعد، لذلك تراهم يطلقون اقوالا من قبيل حرمة النيل مطلقاً، ويستدلّون بكلام امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة و السلام) لما يقول كرهت لكم أن تكونوا سبابين !
ثم يشنّعون على معاوية واصحابه لانهم سنّوا اللعن والسب لاهل البيت (عليهم افضل الصلاة و السلام) ويقولون للناس هذا هو الفرق بين منهج اهل البيت (صلوات الله و سلامه عليهم) ومنهج أمية (لعنة الله عليهم)  !
 
منهج أهل البيت (صلوات الله و سلامه عليهم) هو الموعضة الحسنة أما منهج معاوية فهو اللعن والشتم، ثم ترى هؤلاء الخطباء وهم ينطقون بهذا المنطق يؤسّسون على ذلك ادانه لمن هم ينتهجون منهج اظهار البراءة، فيقول هؤلاء الخطباء عن أولئك بعيدون عن أخلاق أهل البيت (صلوات الله و سلامه عليهم) ومدرستهم ! واقعاً كنت أحضر بعضا من مجالس هؤلاء الخطباء غفر الله لهم ، وحين أسمع منطقهم هذا أحبس في نفسي ضحكة لا اريد أن تظهر ثم تنقلب هذه الضحكة على حسرة وألم على واقع التقصير في اكتساب العلوم والمعارف ، والسذاجة وقلة الفطنة .

عليهم أن يعلموا أنّ كلامهم هذا غير دقيق، بل أنه ليس بصحيح فلاشك أنّ منهج اهل البيت (عليهم افضل الصلاة و السلام) هو الموعضة الحسنة، ولكن من الجهه الاخرى منهج اهل البيت (عليهم افضل الصلاة و السلام)، ايضا هو منهج النيل من اعداء الله (تعالى) بما يجعلهم مطرودين عن دائرة الاعتبار في اعين الناس، وبما يجعل الناس تحترس من الاقتراب من هذه الشخصيات المنحرفة ومن مناهجهم الوضعيه المنحرفة ! لو تعلّم هؤلاء وتفقّهوا لعرفوا كيف يزيلون هذا الالتباس الذي قد يصيب احدهم يحين يتصور أنّ هاهنا تناقضاً بينما ما دعا اليه (عليه افضل الصلاة  و السلام) وبينما ما كان يفعله ! في حين أنه ينهى اصحابه عن اللعن والسب هو بنفسه يلعن ويسب حتى في الصلاة، ويقتدي به اصحابه ايضا فيتوهمون أنّ هنا تناقض بين القول والفعل أو تضاد !
 
فهنا لا تناقض ولا تنضاد ! إنّ النيل من اعداء الله (تعالى) حتى إذا كان يرتد على اولياء الله (تعالى) فلا حرمة فيه إذا كان من ينال منه سيعدو بعلم،  أي انه عالم بالحق ولكن يجحده، ولقد كان معاوية (لعنة الله عليه) من هذا الصنف . فمع علم أمير المؤمنين (عليه افضل الصلاة و السلام) بأن ابتداءه بلعنهم سيحملهم على تأسيس اللعن له ولأهل بيته (صلوات الله و سلامه عليهم) وأصحابه، وسيستمر ذلك ثمانين عاماً تقريبا، أظهر لعنهم في قنوت صلاته وفي خطبه ومواقفه المختلفة، لأن هؤلاء جاحدون ولن يكون الكف عن لعنهم سيراً لهدايتهم، كما أنّ لعنهم لن يكون منفرا لهم عن الحق لأنهم قد أبوا الحبا وتأصّل هذا الاباء تأصّل في نفوسهم المريضة فإذا لا تحتمل هدايتهم مطلقا .
ثقافة اللعن ..

هؤلاء فاليلعنوا وإن ردّوا اللعن الى أولياء الله (تعالى) لأنه لا يمكن تأسيس موقف شرعي واضح يفيد الامة بأن هؤلاء على كفر وضلاله ويدفع الأمة الى البراءة منهم ويقيها الانخداع بمنهجمهم على أتم وجه وأكمله واثبته بغير اظهار اللعن لهم .. اللعن هو بمثابة اعلان رسمي من حجة الله وسفيره على الارض بطرد الملعون عن عالم الحق، فلايغتر أحد بأن هذا الملعون على حق بل الجميع يحكم بأنه على باطل، بصدور اللعنة القاطعه من الحجة المعصوم (صلوات الله و سلامه عليه) لهذه الشخصية، وهذا وإن ترتّب على أن يقوم هذا الملعون بالعَدُوْ بعلم، إلا أنّ هذا اللعن مطلوب لأن المصلحة المترتبة على تثبيت الموقف الشرعي الصريح من المعصوم تاج المعصوم (صلوات الله و سلامه عليه)، فيسلم دين الناس أعظم وأولى من المفسدة المرتبة على قيام الملعون برد اللعن والسب وهذا هو الواقع الذي نعيش فيه دليل على صدق الذي نقول.
معاوية وحزبهم (لعنهم الله) رغم كل ما بذلوه لتشويه صورة أمير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه) وحملوا الامة على لعنه حتى شبّ على ذلك الصغير وهرم على ذلك الكبير، ها هو ذا علي (عليه افضل الصلاة و السلام) لم يزدد إلا مجدا وتألقا وعظمة حتى استقر اجلاله في قلوب المؤمنين، بينما ها هو ذا معاوية (عليه لعنة الله) لم يزدد إلا خسة و دناءة وشطر عظيم من هذه الأمة يلعنه مضيا على سيرة أمير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه) ، السنة العلوية بقت في لعن معاوية (لعنة الله عليه) أما السنة الاموية أثدرت وولت ولآ أحد الآن يلعن عليا (صلوات الله و سلامه عليه) !

مع من تكون الموعظة الحسنة ؟
تكون مع ذاك الذي نراه مخدوعا ، مظللنا ، جاهلاً ، نحتمل فيه أن يهتدي الى الحق والذي يجب أن يخاطب بأدب ولا يستفز بالسب والشتم لنفسه !هذا هو ما كره أمير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه) وما نهى عنه حجر ابن عدي وعمر ابن الحمق (رضوان الله (تعالى) عليهما) لأنهم كانا يلعنان ويسبّان اهل الشام حين خدعهما معاوية (لعنة الله عليه) وهذا الامر واضح من نفس النص الشريف، ولكن واسفاه على من لا يتأمّل ..
فأمير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه) علل كراهيته للعن والسب بقوله {حتى يعرف الحق منهم من جهله}، فهل كان معاوية (لعنة الله عليه) ممن جهل الحق أم كان ممن يعرف الحق ولكن يجحده ؟ الجواب واضح ، ومنه يتّضح أنّ هؤلاء الذين كره أمير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه) لعنهم وشتمهم كانوا جهله أتباع معاوية لا معاوية وأصحابه (لعنة الله عليهم) ممن جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا !
لا ينبغي لعن الجهله والمخدوعين ولكن يوقفون على ظلالهم ويبصرون دون استفزاز بلعنهم أو شتمهم، حتى لا يكون ذلك منفراً لهم عن قبول الحق، أما معاوية (لعنة الله عليه) وأمثاله فيلعنون ويشتمون وينال منهم لأن ذلك ينفرهم عن الحق ولن يمنع تحقق هدايتهم الممتنعه أصلا !هم من الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لآ يؤمنون !
 
بقي أن نشير الى امور في رد أصل الشبهة : 
الامر الاول :حتى لو أفترضنا أنّ النيل من اعداء الله سيكون مشتملا في آثاره على القيود الثلاثة من افضاءه الى ارتداد السب، وكونه مخرجا الى المخالف الى حالة سابقه، وكون هذا المخالف جاهلا، مع هذه القيود الثلاث يمكن أن يكون هذا النيل محرما إذا انطوت عليه مصلحة راجحه أي تسقط الحرمة هنا سقوط الاحكام الاولية، وذلك كأن يتوقّف على هذا النيل تنبيه الغافر أو ارشاد الجاهل كما فعل ابراهيم (عليه افضل الصلاة و السلام) حين كسر الاصنام وكما خاتم الأنبياء (صلى الله عليه و آله و سلم) حين نال من الهه المشركين ! أو أن يتوقّف على هذا النيل محاججه الخصم أو إلزامه، فأنه ها هنا لا يحرم النيل أيضا كما تشيد به سيرة المتشرعه في الاحتجاجات والمناظرات، ومثال على ذلك كتاب الاحتاج الطبرسي وسائر كتب علماءنا الاقدمية ومصنفاتهم الكلامية.
أو أنه يوتقف على هذا النيل تحصيل المجتمع الاسلامي من الاغترار بالشخصيات المنحرفة، وهذا مقتضى الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم):{ أكثروا من سبهم كي يحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم }، أو أنه يتوقف على هذا النيل حفظ التراث الاسلامي بما فيه من احاديث شريف واخبار واحتجاجات واشعار وما الى ذلك مما يُشكل رافدا اساسياً لحفظ الحق وفرزه عن الباطل، وهذا ما يفسر اصرار علماءنا الاقدمين على تدوين نشر احاديث المثالب وروايات المطاعن وأشعار الهجاء ونحو ذلك في جوامعهم الحديثية ومصنفاتهم، رغم ما كانوا يعيشونه آنذآك من ظروف جائرة عرضت بعضهم لأن يسفك دمهم ويقتل شهيداً لأجل ذلك !
 
المحصلة : أنّ حرمة السب والنيل المأخوذة من هذه الآية الشريفة تجري مجرى الاحكام الاولية التي قد يطرأ على موضوعها عنوان ثانوي يرفع عنها الحرمة، و يؤوّل الامور حينئذ على الاستباحة أو حتى الوجوب، كحرمة الغيبة مثلا، رغم أنّ حرمة الغيبة مؤخوذة أيضا من الكتاب العزيز لقوله (تعالى) { ولا يغتب بعضكم بعضـًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا فكرهتموه}، رغم أنّ الغيبة من الكبائر المؤكده إلا انها بالنتيجة حكم أولي قد يطرأ على موضوعه عنوان ثانوي آخر فتصير الغيبة واجبة اصلا، كما ذكره بعض الفقهاء من انه إذا توقّف على الغيبة ابطال المقالات الباطلة الصادرة من قائل مؤمن فإن الغيبة حينئذ تجوز، بل تجب وإن ادّى تنقيص القائل او القدح فيه بقله التدبر او ضعف الفهم او نحو ذلك ..
 
الامر الثاني : انه لا يبعد أن تكون الآية الكريمة التي تمنع من سب الذين يدعون من دون الله وكذا ذلك الروايات الشريفه التي تمنع التي من سب اعداء الله (سبحانه و تعالى) حيث يسمع المخالف ليس بعيدا أنّ هذه كلها صادرة بلحاظ القضية الخارجية لا الحقيقية، أي أنّ الحرمة كانت حرمة ظرفية لتجنب مفسدة يمكن أن تقع في تلك الازمنه، حينما كانت الغلبة للمشركين كما في وقت نزول الآية أو حينما كانت الغلبة للمخالفين كما في وقت صدور الروايات، وعليه مع تبدد تلك الغلبة في الواقع الخارجي فلا حرمة، ولذا نال المسلمون من آلهه المشركين دون نكير عليهم من النبي (صلوات الله عليه و آله و سلم) بعدما هاجر المسلمون من مكة ولم تعد للمشركين عليهم غلبة وان بقيت دورتهم في مكة وما جوارها .

الامر الثالث : أنه على التخلّي عن القول بالقيود والقول بالحكم الاول، والقول بالقضية الخارجية يمكن أن يُقال أيضا إنّ مطلق اللعن والثلب والنيل ليس سباً بالخصوص حتى  يدخل في منطوق تحريم الآية،
يمكن أن يسار بالنحو الذي سار فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) من النكير على آله المشركين و على عبادتهم اياها رغم نزول الآية.. انه (صلوات الله عليه و آله و سلم) لم يسب بعد نزول هذه الآية، ولكنه سار في ابطال هذه الاصنام بضرب من التوهين، لا اقل من بيان هذه الاصنام من المنكر والباطل، فليكن عمل العاملين من المؤمنين على هذا النحو حينما يتصدون للدعوة والتبليغ كأن يكثفوا جهودهم في بيان أنّ مولاة ابي بكر وعمر وعائشة (لعنة الله عليهم) هو من المنكر والباطل وهذا ليس من السب والمنكر في شيء !  هذا و صلى الله على سيدنا محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين ,ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين .. أمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp