البحوث القرآنية (17) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
البحوث القرآنية (17) 

اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد( عليهم السلام ) فيما اسروا وفيما اعلنوا وفيما بلغني عنهم ومالم يبلغني ، الحمد لله رب العالمين وأفضل وأزكى السلام على المبعوث رحمه للخلائق اجمعين سيدنا محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم اجمعين من الآن الى قيام يوم الدين .. آمين

مازلنا نبحر في محاولة لـ الوصول الى شواطئ البلاغه في القرآن الحكيم هذه البلاغه المعجزه ، وكنا قد توقفنا عند هذه الآيه الكريمه الوارده في سورة هود ( على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام )  وهي قوله ( تبارك وتعالى ) : {  (وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ) } . 

كنا قد نقلنا شهادة احد الخبراء وهو ابن ابي الاصبع في كتاب بديع القرآن اذ قال : "لم ار في الكلام مثل قوله ( تعالى ) : { وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ } فإن فيها عشرين ضربا من البديع وهي سبع عشرة لفظه" ،  فهذه السبع عشره لفظه قد اشتملت على اكثر منها من اوجه البديع وهي على احصاء ابن ابي الاصبع هي 20 ضربا لكن سيتبيّن لكم انها اكثر من ذلك على ماتأملنا فيه .

في الحلقة السابقة .. 

وصلنا الى قوله : "والاحتراس في الدعاء وذلك في قول الله ( عز وجل ): { وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ }" ، الاحتراس هو من ضروب البديع وعلّته قال : "لأن لا يتوهم أنّ الغرق لعمومه فيشمل من لايستحق الهلاك فإن عدله ( تعالى ) يمنع أن يدعو على غير مستحق" ،  ثم يقول : "وحسن النسق وائتلاف اللفظ مع المعنى" ،  هذا امر واضح في هذه الآيه الكريمه انها متّسقه بعضها مع بعض وتأتلف فيها الالفاظ مع المعاني ائتلافا رائعا وخلابا .

الابهار الثامن من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

قال : "والايجازفإنه ( تعالى ) قصّ القصّه مستوعبه بأخصر عباره" .بالفعل هذه العباره هي من اخصر العبارات في حكايه قصّه عظيمه احداثها كثيره ومع ذا اختزلها في عباره واحده ، جعلك حين تستمع اليها تفهم القصّه اجمع وتقف على تلك الاحداث وتشعر في نفسك وكأنك تعيش مع اجواء تلك القصه لحظه بلحظه تأمّل { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِ} ، فهنا ترتسم في ذهنك هذه الصوره أن توجّه الامر من الله ( تبارك وتعالى )      للأرض أن تبلع مائها ، ليس هذا فحسب هو مايرتسم في ذهنك وانما يرتسم ايضا انه حيث توجّه الامر الالهي اولا الى الارض فإن معنى ذلك أنّ انبعاث الماء جاء من الارض اولا ، هذه نكته دقيقه فانظر هنا الى معنيين يأتيانك هكذا والى شعورين يعتريانك :

شعور بأن رب العالمين رب الجبروت ( تبارك وتعالى ) الموقع العلياء يصدر امرا الى الارض وهي احدى مخلوقاته بأن تبلع مائها ، وشعور آخر بأن الارض هذه كانت السبب الاول في الطوفان بما تفجّر منها من ماء ثم يقول : {وَيَاسَمَاءُأَقْلِعِي} فهنا ايضا ترتسم في ذهنك صورتان أنّ السماء كانت تدر الماء إن جاز التعبير او تسقط الماء ، تنزل الماء بشكل متواصل ومستمر الى أن اغرقت الارض ،  فحين توجّه اليها امرا الهي تتوقف عن هذه الحاله وتكف { وَيَاسَمَاءُأَقْلِعِي } هذه شعوران ايضا ثم يقول { وَغِيضَالْمَاءُ } فيأتيك شعور ثالث وهو انه بعد أن توقفت الارض عن تفجير المياه وبعد أن توقفت وكفّة السماء عن انزال المياه سكنت الاجواء صار شيء من السكون ، فبدأت المياه التي على ظاهر الارض تغيض الى باطنها ، بدأت الارض تنفذ وبرك الماء التي عليها بدأت تتناقص شيئا فشيئا الى باطن الارض .

ثم يقول : { وَقُضِيَالْأَمْرُ } ، وحقيقه هتين المفردتين اللتين جاء بهما الله ( عز وجل ) في هذه الآيه اختزلت معنى عميقا وكبيرا وهي إنّ الذين حكم الله عليهم وقضى عليهم بأن يهلكوا هلكوا ، فالجثث جثث هؤلاء كلها كانت موجوده على سطح الارض او انها غاصت مع المياه الى باطن الارض { وَغِيضَالْمَاءُوَقُضِيَالْأَمْرُ } ، قضي امرنا على هؤلاء الضالمين { َاسْتَوَتْعَلَىالْجُودِيِّ } ، هنا ايضا اختزل لك معاني كثيره إنّ هذه السفينه بعدما عاشه اهلها من الاضطراب والقلق والرعب بسبب الفيضان والامواج المتلاطمه والماء المنهمر المتواصل من السماء والافتراق عن الوطن ، لأنه لم يكن وطن لم يعد هنالك يابسه على وجه الارض والافتراق عن الاهل والاصحاب الذين كانوا قد عصوا ولم يقبلوا بالايمان بنوح ( على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام ) وبرسالة الله ( تبارك وتعالى ) فحكم عليهم بالموت في وسط هذه الاجواء .

فجأه ، تشرق الشمس من جديد وسط السحاب والسفينه تصلى الى  بر الامان وتستوي ، وبيّنا أنّ الاستواء هنا هذا الارداف الغايه من ورائه هي مزيد معنى في اعطاء معنى الاستقرار والطمئنينه والسكينه ، فالله ( عز وجل ) يقول : { َاسْتَوَتْعَلَىالْجُودِيِّ } ، اي ينبؤك أنّ هؤلاء الذين كانوا في السفينه قد وصلوا الى ذلك الجودي الى تلك الارض الصلبه او الى تلك الهضبه او الجبل واستوت سفينتهم هناك واستقرّت وصارت حاله من السكون والطمأنينه عمّت من كان في السفينه ، ثم { وَقِيلَبُعْدًالِلْقَوْمِالظَّالِمِينَ } ، حتى يؤكّد ويشير هنا الى أنّ الظالمين لم ينجو منهم احد وأنّ الدعاء الالهي او لنقل الحكم الهي هنا على هؤلاء الضالمين كان قد شملهم جميعا باستثناء اولئك الذين كانوا من غير الضالمين .

وهنا احتراس كما تبيّن لدينا قال : "وحسن النسق وائتلاف اللفظ مع المعنى والايجاز فإنه تعالى قصّ القصّه مستوعبتا بأخصر عبارة" قد قلنا إنّ شرط الفصاحه الاختصار وكذا شرط البلاغه لأن البلاغه تنبني على الفصاحه .

الابهار التاسع من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

قال : "والتسهيم" ماهو التسهيم ؟ أنتكون هنالك دلاله لإحدى طرفي العباره على الطرف الآخر يعني اول العباره يدل على آخرها او آخر العباره يدل على اولها هذا يقال له في علم البديع التسهيم .

طبعا في علم البديع القرآني على هذا التحديد والدقّه قال : "والتسهيم فإن اول الآيه يدل على آخرها" اول الآيه انه يوجه نداءا يوجّه امرا { َقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِوَيَاسَمَاءُأَقْلِعِي} فهذا الامر يدل على ماذا ؟على حصول سكينه وبعد للقوم الظالمين انه الغايه من وراء حصول الفيضان كانت ماذا؟

كانت ابعاد الظالمين والحكم عليهم بالهلاك جزاء بما صنعوا ولرفضهم الامتثال لأمر الله ( تبارك وتعالى ) ثم لماذا توجّه الامر بأن تبلع الارض مائها وأن تقلع السماء ؟ذلك لأن الله ( عز وجل ) اراد انجاء من لم يكونوا من الضالمين اي مماكانوا من الصالحين ممن كانوا في السفينه . اذا اول الآيه دلّ على آخرها .

الابهار العاشر من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

قال : "والتهذيب لأن مفرداتها موصوفه بصفات الحسن كل لفظه سهلة مخارج الحروف" ، بالفعل انت حاول الآن أن تجري هذه الآيه على لسانك تجد المخارج سهله ، تجد أنّ الآيه كأنها ماء جار بالسلاسه والعذوبه . قال : "والتهذيب لأن مفرداتها موصوفه بصفات الحسن كل لفظه سهلة مخارج الحروف عليها رونق الفصاحه مع الخلو من البشاعه وعقادة التركيب" .  يعني تعقّد التركيب وقد سبق منا لما عرفنا الفصاحه خلوّها من التعقيد وتنافر الحروف والكلمات والايجاز والاختصار وبكلمه اناقة اللفظ .

قال : "وحسن البيان من جهة أنّ السامع لايتوقف في فهم معنى الكلام" ، هذا للعلم ايضا من البلاغه كثيرون للأسف يتصورون أنّ البلاغه هي في استخدام الفاظ او مفردات يصعب فهمها يقولون هذا بليغ مثلا نحتاج لأن نفسّر كلامه !هكذا ماكانوا يعتبرونه العرب رجلا بليغا ، ليست البلاغه في تصنّع الكلام وفي استخدام الفاظ او عبارات تحتاج الى تفسير معقّده غير مستخدمه في العرف العام ، انما البلاغه في واقع الامر هي استخدام ما لا تعقيد فيه ومايكون سهل الفهم ولكن فيه بلوغ للقصد ، ماذا نقلنا عن امامنا الصادق ( صلوات وسلامه الله عليه ) ؟تعريفه للبليغ انه سمي البليغ بليغا لأنه يبلغ قصده بأهون سعيه ــ مضمون الحديث الشريف ــ .


فهنا ايضا بلاغه في حسن بيان هذه الآيه يقول : "وحسن البيان من جهة أنّ السامع لايتوقّف في فهم معنى الكلام ولا يشكل عليه شيئا منه" ، لايتوقّف في الفهم بطبيعة الحال ذلك الذي يكون بعيدا عن اللغه العربيه مثل مع الاسف هذه الاجيال التي تنشأ الآن في امتنا والتي لاتجتهد في دراسه اللغه العربيه جيدا ، بطبيعه الحال تحتاج لأن تراجع قواميس اللغه ومعاجم اللغه حتى تفهم هذه الآيات ومنها هذه الآيه انه شنو معنى  { وَغِيضَالْمَاءُ } يحتاج لأن يُراجع حتى يُفهم أنّ{ وَغِيضَالْمَاءُ } نقصانه .

مامعنى الجودي ؟ مثلا مامعنى اقلعيِ؟اقلعيِ يعني امسكي توقفي . هنا الاشكال في ذاك ذاك لم يتعلّم اصلا اما ذلك العربي بالفطره يعني العرب الذين نزل عليهم هذا القرآن الآيه كانت واضحه بالنسبه اليهم سهل فهمها ، لكن عميقه جدا بليغه لأن البلاغه عرفناها بكلمه ماذا ؟ عمق المعنى .  والفصاحه ؟ اناقة اللفظ ، فهذه الآيه بليغه لكنها سهلة الفهم ليس فيها تعقيد ، لايشكل على المرء شيء منها ليس فيها بشاعه ليس فيها تعقّد في تركيب الكلام .

الابهار الاحدى عشر من البديع في الآية القرآنية العظيمة ..

قال : "والتمكين" يعني تمكين الالفاظ من محلها المناسب لها بما ينسجم مع الوزن القرآني ، ولذلك يقول : "والتمكين لأن الفاصله مستقرّه في محلّها مطمئنّه في مكانها غير قلقه ولا مستدعاة" ، فواصل هذه الآيه بل فواصل مافيها تجدها مستقره مطمئنه ليس فيها نوع من الاستدعاء ، وكأنه هنالك  تصنّع او نوع من محاوله لإيجاد فواصل منسجمه مع النضم العام بأية وسيله بأيّة طريقه . 

ترون انه مثلا بعض الاشعار وللعلم هذا امر يفهمه البلغاء وخبراء اللغه انه مثلا شعر حتى لو يكون امرأ القيس مثلا ، تجد بعضا من ابياته منتظمه تمام الانتظام فواصلها وخواتيمها مستقرّه مطمئنه بشكل واضح وبعضها لا ، وإن كان محافظا على الوزن والقافيه ولكن تستشعر انه اعجزه بأن يأتي بقافيه ووزن وفاصله تنسجم مع القصيده ، فكأنه هكذا يعني قهر اللغه قهرا واستدعى لفظا معينا وحشره حشرا .

هذا امر ملموس في كثير من الاشعار بل نادرا ماتجد شعرا يخلوا من مثل هذا ، ولذلك يقال انه الاشعار الخطب حتى وإن كانت من البلغاء من سادة البلغاء ، من سادة الشعراء حينما تعرض على المشرحه اللغويه والبلاغيه والبيانيه فإنها تقيّم اجزائها ، يُقال مثلا هذا المقطع هذه الابيات في القمه نعطيها 100 ، ثم مثلا الابيات التي بعدها شويه اقل بلاغتها ليست الى تلك الدرجه لاتبلغ تلك الدرجه نسبة مثلا 80 ، ابيات اخرى مثلا نسبة 95 ، وهكذا يعنى في هنالك تستشعر في الكلام تراوح وتفاوت بين اوله وآخر ووسطه ، كأنه مثل الترمومتر يصعد وينزل إلا القرآن الحكيم اعرضه على اي بليغ منصف يقول هو واحد من كل الجهات لاتفاوت فيه لاصعود ولا نزول فيه انسجام عجيب .

هذا يُسّمى التمكين يًسمّى الانسجام يقول : "والتمكين لأن الفاصله مستقره في محلها مطمئنه في مكانها غير قلقه ولامستدعاة والانسجام" ، الانسجام يعني انك تجد هذا الكلام يجري مجرا واحدا سلس منسجم بعضه مع بعض كماء جار بسلاسة ، وتتذوقه فتجده عذبا يرويك وكأنك تخرج من حالة ضمأ وعطش الى حاله رواء كامل .  لاحظو الآيه {وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} .

هذه ضروب عشرون ذكرها ابن ابي الاصبع من ضروب البديع في هذه الآيه فقط ونحن نضيف الى تلك الضروب أنّ فيها الاعتراض واعتراض الكلام وسط الكلام هو بلاريب من فنون البديع واوجهه اين نجد الاعتراض ؟

البديع الواحد والعشرون ..
في قوله ( تعالى ) : {وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ}   هنا تجد أنّ الاعتراض واضح في هذا المقطع لأنه اوله { وَقِيلَ} {وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِوَيَاسَمَاءُأَقْلِعِي} ، الى هنا امر إلهي آخره ايضا ماذا ؟ { قِيلَ } {وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} ايضا هو امر الهي .  فوسطه ماذا ؟ جمله اعتراضيه تحكي حالا .  الحال اقتضى هذه الجمله الاعتراضيه وهي ماذا ؟ انها تحكي الخبر تحكي الواقع {وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ } ، ثم يرجع ثانيه الى {وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} .

البديع الثاني والعشرون ..

 ايضا من اوجه البديع في هذه الآيه البناء للمجهول .  إنّ الله ( تبارك وتعالى ) لايقول قلت امرت ، يقول { وَقِيلَ}} {وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي} وايضا في النهايه يقول :{وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} ، دائما استخدم ماذا ؟المبني للمجهول .  طيب لماذا استخدم المبني للمجهول ؟ هذه للتعظيم إنّ الجهه الصادر منها الامر ، الجهه الصادر منها هذا القول وهذا القول بمنزلة الامر يعني اقول لك افعل هكذا .

{ قل هو الله احد } ، مثلا { قل الله ثم ذرهم } يعني قل انا اعبد الله فقط ثم اعبد الله فقط وذرهم في خوضهم يلعبون . هذه قيل بمنزلة الامر { كن فيكون } في خصوص الآيه هذه { كن فيكون } { َقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ} ، كن فيكون الارض خلاص تتوقّف فجأه لحظه { وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي } ، خلاص تتوقف { وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} ، يعني اللعنه على القوم الظالمين ، اللعنه هي الابعاد عن الرحمه الالهيه ، الابعاد من الجنه فيذهبون الى النار

فهنا استخدم الله ( تبارك وتعالى ) البناء للمجهول لأن البناء للمجهول يشعر بالتعظيم ، تعظيم الآمر القائل ، مثل ما الآن احنا في الدارجه شنو نقول ؟
نقول مثلا عيّنوه وزير مانقول عيّن الملك او الرئيس او الامير .  نقول عيّنوه مدير كأنه نشير الى مجهوليّة ذلك الذي صدر منه الامر وهذا من باب ماذا ؟من باب التعظيم .  فالله ( عز وجل ) اعظم العظماء وهو الاحق بالتعظيم ، ولكن هنا قد تتسائل اذا كان الامر هكذا لماذا ايضا بالنسبه الى { وَغِيضَالْمَاءُ} ايضا استخدم البناء للمجهول ؟

البديع الثالث والعشرون ..

اذا تأمّلتم هنا امران الامر الاول يفترض أن يكون واضحا وهو الانتظام والايجاز .  لو افترضنا أنّ الآيه كانت هكذا "وقيل يا ارض ابلع ارضك وياسماء اقلع وغاضة الارض بالماء" ...هكذا انه يعني نقول "وغاضت الارض" او "غاضت الارض بالماء" او "غاضت الارض الماء" ، هكذا
او "غاضت الارض الماء" الظاهر هم هذا يصير وهذا يصير يحتاج مراجعه على اية حال .

لو افترضنا انه هذا صار وهذي كانت العباره او الآيه الكريمه فالوزن القرآني او الانتظام صار فيه اختلال .  اولا بعدنا عن الايجاز لأنه بدلا من أن نقول { وَغِيضَالْمَاءُ} ، كلمتين صارت ثلاث كلمات "وغاضت الارض بالماء" مثلا كذلك النظم ، هذا الوزن انتفى لأنه من البدايه كان مبني للمجهول في النهايه ايضا مبني للمجهول بالوسط لا ! فيحدث نوع من الاختلال والتنافر لكن هنا قال { وَغِيضَالْمَاءُ} ، جريا على هذا الوزن وعلى هذا النظم ومراعاه للإختصار التي كما بيّنا شرط الفصاحه والبلاغه تنبني على الفصاحه كذلك هذا امر هذه علّه هنا

العلّه الاخرى انه لمّا استخدم البناء للمجهول هاهنا فرّع على أنّ الاغاضه هذا { وَغِيضَالْمَاءُ} هو تفريع على قوله ( تبارك وتعالى ).  { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِوَيَاسَمَاءُأَقْلِعِي } لاحظو المعنى هو الآن باستخدامه البناء للمجهول في قوله : { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِوَيَاسَمَاءُأَقْلِعِي } هنا اظهر أنّ الجهه الربوبيه العلياء رب السماوات والارض اصدر امرا ثم غيض الماء هنا تفريع على ذلك الامر الالهي ، لكي يرتسم هذا المعنى في ذهنك أنّ الاغاضه اغاضة الماء كانت بأمر الله ( تبارك وتعالى ) الذي تفرّع عن امره للأرض وللسماء بأن تكفّا عن اصدار الماء .

اي ان الله ( عز وجل ) يريد أن يرجح اغاضة الماء هذه اليه ، إنّ الامر اليه في كل الاحوال وإن كان بتوسّط علل وعلل هذا ماكان ليتم لولا انّه استخدم البناء للمجهول .  ايضا في قوله { وَغِيضَالْمَاءُ } مثلا ، اما لو كان قد قال مثلا "وغاضه الارض الماء" ، لكان النظم فيه اختلال من جهه والمعنى ايضا يقع فيه نوع من التباين من جهه اخرى اذ ينسب الاغاضه هنا للأرض لا لله ( تبارك وتعالى ) ، وإن كان هو الامر بالنتيجه هو راجع الى الله لكن هذا بعد التأمل ، لكن الكلام هو في المعنى الذي يرتسم في ذهنك اوّل مايرتسم .  هنا البلاغه هنا محط البلاغه .

البديع الرابع والعشرون ..

فإذا فيه البناء للمجهول بصيغه بيانيه بديعيه فيه ايضا كما المعنا اليه انه قد قدّم الارض على السماء لما قال : { يَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِوَيَاسَمَاءُأَقْلِعِي} فأولا وجه الامر الى الارض دون السماء مع انه قد يقول قائل الاصل هو السماء ، إن السماء ماؤها هو الذي اصاب الارض بالطوفان . الا أنّ الحقيقه خلاف ذلك لا من جهة أنّ الروايات اثبتت فقط إنّ اوّل انبعاث الماء كان من الارض من الكوفه ، وثم عمّت المياه الارض بمصاحبه الماء الذي جاء من السماء .

لامن هذه الجهه فحسب ولكن من جهه اخرى وهي الحقيقه العلميه المعروفه إنّ ماء السماء انما هو ماء الارض ، يعني ماء الارض هو يتبخّر الى السماء فتتشكل السحب تتضارب السحب فينزل المطر هذا هو .  فالله بدأ بالارض لأنها هي في الواقع مصدر هذا الماء ثم قال للسماء { وَيَاسَمَاءُأَقْلِعِي } حتى تتوقّف عن ما هو موكول اليها إن صحّ التعبير من الاستمرار في اسقاط المطر .  لاحظو هنا هذا المعنى الدقيق الذي ايضا رسمته هذه الآيه بمثل هذا التقديم وهو لاشك من بداعة التصوير فيها .

البديع الخامس والعشرون ..

ايضا من ضروب البديع هنا التخييل المجازي على ما أنا عبّرت عنه يعني التخييل فيه مجاز يجعلك تتخيّل شيئا ، لاحظ قوله ( تبارك وتعالى ) : { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِ} ، مائك فكأنه هنا اشار الى ملكيّة الارض لذلك الماء ، وهذا لاشك مجاز مصاحب بخيال واسع يجعلك تتخيّل أنّ الارض اذ هي مالكت الشيء تسترجعه كما انك لما تكون مالك لشيء تسترجعه فيما بعد .

اساسا نحن لماذا نقول انالله وانا اليه راجعون ؟  لأن الله مالكنا فنحن نرجع اليه  { مالك يوم الدين } { مالك الملك } المالك يسترجع مملوكه فهنا لما يعبّر الله ( عز وجل ) { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِ } مجاز مصاحب بهذا الخيال التصويري البديع ، إنّ الماء ماء الارض هي تسترجعه كان قد انبعث منها وصار طوفان ومنه وصل الى السماء او المياه مياه المحيطات وما اشبه ، تبخّرت الى السماء والسماء ايضا ارجعت المياه الى الارض ثم الامر للأرض بأن يامالكه لهذا الماء ارجعيه اليك وابلعيه .

البديع السادس والعشرون ..

من ضروب البيان ايضا في هذه الآيه التصدير هذا التصدير الذي هو عباره عن رد العجز على الصدر .  عجز الآيه او عجز العباره يرد مره اخرى على الصدر سواء كان التماثل هنا ــ هذا الرد هذا التصدير ــ سواء كان تماثلا لفظيا او معنويا هذا ايضا من فنون البديع يسمى تصدير .  نجد في الآيه تصديرا وتصديرا لفظيا للتماثل اللفظي لأنا نجد قوله ( تعالى ) : { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِ } ، ثم في الآخر { وَقِيلَبُعْدًالِلْقَوْمِالظَّالِمِينَ } فرد الله ( عز وجل ) العجزه على الصدر هذا يقال له تصدير .

وهذه من اللمسات الساحره التي تكون في الكلام ، وتعتبر عند العرب من البلاغه بمكان من البداعه بمكان .  وهذا للعلم له امثال كثيره في القرآن الحكيم مثلا انتم لاحظو { وتخش الله الناس والله احق ان تخشاه } فبداية العباره تخش نهاية العباره ايضا تخشاه هذا رد للعجز على الصدر . هذا تصدير تماثل لفظي وقد يكون تماثل معنوي ايضا هذا يسمى تصدير ايضا وهو قسمان مثلا { واستغفروا ربكم انه كان غفّرا } هنا استغفار وهنالك غفران
هذا الذي تجده انه في نهايه وبداية الكلام تماثل هذا يسمى تصدير وهو من فنون البلاغه والبديع .

الآية المعجزة معبّئة بالبديع المذهل حتى اسقطت المعلّقات السبع ..

فإذا ماقاله ابن ابي الاصبع من انه في هذه الآيه عشرون ضربا من البديع مع ان الآيه سبع عشرة لفظه فقط هذا كلام غير تام  .  فيها اكثر من هذا من ضروب البديع ولكن يحتاج الامر الى تأمل اكثر فأكثر هذه الآيه حقيقه اعجوبه من اعاجيب القرآن جوهره من جواهر القرآن البلاغي وحتى لايكون كلامنا اعتباطا وحتى لايقال انه هذا رجل مسلم ولذلك ينحاز الى كتابه المقدّس لا .

نحن علينا ان نستقرأ التاريخ وننظر ماذا حل للمعاندين للإسلام ولهذا القرآن حين نزلت هذه الآيه نحن نعلم انه كان في زمان الجاهليه مايطلق عليه المعلّقات السبع ماهي هذه المعلّقات ؟مجموعه من الاشعار لفحول شعراء العرب كانت تسمى المعلّقات لأمرين :

1-لأنها تعلق بالذهن لاتنسى لما فيها من الفصاحه والبلاغه يعني هذه القمه التي يصلون عليها .
2-ولأنها كانت تعلّق كذلك على الكعبه وتكتب بماء الذهب .

المعلقات السبع المعروفه كانت العرب دائما تجتمع في سوق عكاظ وتسمع الى الشعراء ومع مرور الزمن كانت تنتخب افضل ماجادت عليه قريحة الشعراء والبلغاء وتسميها معلّقه ، علقت في الذهن ، وتأمر بكتابتها بماء الذهب وتعلّق على جدران الكعبه .  المعلقات السبع هذي معروفه انا اقرأ لكم الابيات الاولى او بدايات هذه الابيات .  المعلقات السبع اولها لامرء القيس مطلعها :
"قفنا نبكي من ذكرى حبيب ونزل"

الثانيه لطرفه ابن العبد اولها :

"لخوله اطلال ببرقة فهمد"

زين الثالثه للحارث ابن حلزه اولها :

"آذنتنا ببينها اسماء"

الرابعه لزهير ابن ابي سلمى ومطلعها :

"امن ام اوفى ودمنه لم تكلّم"

عاده هم يبدأون بالغزل والتشبيه وما اشبه يعني طبيعتهم كانت هكذا وطبيعة حتى شعراء الاسلام كثيرون منهم هكذا يعني يبدأون بإثارة الانتباه بكلام يجري في هذا المعنى .  المعلّقه الخامسه لعمر ابن كلثوم ومطلعها :
"الا هبّي بصحنك فاصبحينا"

المعلّقه السادسه لعنتره ابن شداد ومطلعها :

"هل غادر الشعراء من متردم"

والمعلّقه السابعه للبيد ابن ربيعه ومطلعها :

"عفت الديار محلها فمقامها"

هذه كانت تعتبر عندهم قمّت القمم كانت معلقّه على جدران الكعبه ، ولكن ارجعو الى التاريخ لما نزل قوله ( تعالى ) { وَقِيلَيَاأَرْضُابْلَعِيمَاءَكِوَيَاسَمَاءُأَقْلِعِيوَغِيضَالْمَاءُوَقُضِيَالْأَمْرُوَاسْتَوَتْعَلَىالْجُودِيِّوَقِيلَبُعْدًالِلْقَوْمِالظَّالِمِينَ} ، قريش استحت ، والعرب استحوا فقالوا انزلوا هذه المعلقّات لأن لا تبدوا فضيحتكم عند العرب ، لأنه القاعده كانت انه اذا جاء كلام افصح وابلغ يرفعون معلّقه ويجعلون محلها معلّقه اخرى شعرا آخر ، وهذي المعلقات السبع كانت منتخبه من اشعار شتى .

اساسا اقرؤا التاريخ كانت معلقات عشر ثم اقتصرت على سبع لأنه نقحوها قالوا هذي ثلاث اقل بالمستوى فما توازن او توازي تلك في الفخامه والاناقه والبلاغه فلما نزل قوله ( تعالى ) هذا كان ينبغي لهم جريا على قاعدتهم انه يرفعو هذه المعلقات ويجعلو هذه الآيات محلها ، ولكن حيث انهم لايريدون انهم يعترفون بالاسلام وبهذا الكتاب المقدّس قالوا اذا نكتفي فقط بإنزال هذه المعلقات ونبطل هذه العاده خلاص فبالفعل ابطلوها وتركوا امر المعلقات حتى لايفضحو ، وهذا انما يدل على أن هذه الآيه كانت فوق يعني نظمها تركيبها فوق مستوى البشر انه لايمكن لبشر أن يأتي بمثل هذه الآيه بمثل هذا التعبير العجيب .

اقرؤو التاريخ تجدون مثلا هذه الحادثه أنّ رجلا جاء من اليمن الى مكه وقد سمع بأن نبيا قد ظهر في مكه اسمه محمد ابن عبد الله ( صلى الله عليهما وآلهما الطاهرين )  فلذلك اراد أن يتعرّف على هذا النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم )  وماذا يقول ؟فلما وصل الى مكه سأل بعضا من المكيين انه من نبيكم هذا وماذا يقول ؟هذا الذي ادعى فيكم النبوه ، قالوا هذا محمد صل الله عليه وآله من بني هاشم قالوا ماذا يقول فبعضهم قرأ عليه هذه الآيات (وقيل يا ارض ابلعِ مائك )الى آخر هذه الآيه الكريمه فلما سمعها هذا الرجل صعق وسقط ارضا وفارق الحياة مات من عظمت هذا التعبير لأن التعبير انما يحكي حادثه مهوله حادث الطوفان العظيم ويحكيها بألفاظ بليغه فصيحه تهز العربي من اعماقه فلايتحمل ذلك بالفعل ماكانوا يتحملّون !

لا نستشعر عظم هذه الآية الاعجازيّة الباهرة !!!

الآن من ينتمون الى الامه العربيه لايستشعرون هذا الشعور في نفوسهم لما يقرؤون هذا الآيه او يسمعونها اما اولائك لا .والآن هؤلاء الآن الذين يكونون من البلغاء حقا والواقفين على اسرار اللغه حقا حين يسمعون هذا الكلام فإنه يهزّهم من الاعماق حقيقه .

لاحظو هذه الشهاده للكرماني في كتابه العجائب يقول : "اجمع المعاندون على أنّ طوق البشر [يعني طاقة البشر] قاصر عن الاتيان بمثل هذه الآيه بعد أن فتّشوا جميع كلام العرب والعجم" ،  حتى الاعاجم مااستطاعوا أن يأتو ولو بلغاتهم بمثل هذه الآيه قال اجمع المعاندون لافقط المؤيدون ، [اجمع المعاندون على أنّ طوق البشر قاصر على الاتيان بمثل هذه الآيه بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم ولم يجدوا مثلها في فخامة الفاظها وحشن نظمها في تصوير الحال مع الايجاز من غير اخلال] ، لأن الايجاز اذا كان في اخلال في تصوير تلك المعاني البديعه فليس ببليغ هذا الايجاز ، وانما البلاغه هنا والاعجاز البلاغي هنا فخامة اللفظ حسن النظم تصوير الحال .  قلنا هنا اعجاز القرآن هذا الكلام كله كان تحت عنوان بداعة التصوير اعجازيه التصوير القرآني لاتجد مثله في اي تصوير آخر من كلام العرب سواء كان شعرا نثرا خطابه كهانه ايا يكن في اي مؤلفا من المؤلفات .

لاتجد مثل هذا الابداع في التصوير المقرون بحسن النظم بفخامة اللفظ انه ليس هنالك تنافر في الحروف ، ليس هنالك تنافر فيما بين الكلمات ، ليس هنالك جزئه يعني خشونه ، ليس هنالك تعقيد الماء يجري هكذا سلس يرويك كل هذا في ايجاز من غير اخلال لايكون فيه اخلال البتّه . "اجمع المعاندون على أنّ طوق البشر قاصر على الاتيان بمثل هذه الآيه بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم ولم يجدوا مثلها في فخامة الفاظها وحشن نظمها في تصوير الحال مع الايجاز من غير اخلال" .

هذا وصل الله على سيدنا محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى قيام يوم الدين آمين رب العالمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp