التنبيه الثاني: الدراية خير من مجرّد الرواية

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
التنبيه الثاني: الدراية خير من مجرّد الرواية

1 نوفمبر 2016


بعدما علمتَ الفرق بين الدراية والرواية وأن الأولى تختص بفقه الحديث وحسن فهمه للنظر في إمكان الإحتجاج به من عدمه، تعلم أنها خيرٌ من مجرد الرواية. فليس الفضل في أن يكون الإنسان محدّثاً مكثاراً حافظاً للروايات مطلعاً عليها فحسب، بل الفضل هو في أن يكون مقتدراً على فهم الروايات وإجادة الإستنباط منها، وقد دلت على ذلك أحاديث الأئمة الأطهار عليهم السلام (1):

- قال أمير المؤمنين عليه السلام: إعقلوا الخبر اذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل (2)(3).

- وأيضاً مما يدل على هذا المعنى ما رواه شيخنا الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا، وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً لنا من جميعها المخرج (4)(5)(6).

- وأيضاً ما رواه في معاني الأخبار بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: يا بني إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم فإن المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان. إني نظرت في كتاب لعلي عليه السلام فوجدت في الكتاب أن قيمة كل امرئ وقدره معرفته. إن الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا (7)(8).

----------------------------------------

(1) الدراية خير من مجرد الرواية لأن الدراية تختص بفقه وفهم واستيعاب المروي وهو أفضل بالقياس الى مجرد حفظ المروي، والفضل الأكبر أن يكون لدى الإنسان جودة في الاستنباط منها.

(2) نهج البلاغة للشريف الرضي، الحكمة ٩٨ ص٥٦٧

(3) قوله عليه السلام أمرٌ لنا بتعقل المنقول برعاية وعناية وفهم، لا فقط تعقل رواته وطرقه وما أشبه.

(4) معاني الأخبار للشيخ الصدوق علي بن بابويه القمي ب١ ص١ ح٢، طبعة بيروت ١٣٩٩هـ

(5) فالفضل ليس في أن يكون الإنسان محدثاً للحديث فحسب، بل الفضل في استيعابه ودرايته وفهمه. كلام أهل البيت عليهم السلام في قمة البلاغة والفصاحة فينبغي أن لا نتعامل مع كلامهم بسطحية وإنما يجب أن نتعمق ونتدبر في فهمها لأن كلامهم له معاريض. وذلك لكي تفهم الروايات من جميع الوجوه والأنحاء فيستنبط منها معاني ومفاهيم عديدة، وحين ذاك يكون الرجل فقيها. الكلمة الواحدة من كلامهم تنصرف على وجوه ومعاني كثيرة، وفهم المراد من كلام المعصوم عليه السلام في حديث ما يحتاج الى توفيق من الله تعالى. مثلاً قد يأتي المعصوم بكلمة ذات مدلول معين، لكننا اذا لاحظنا القرائن وجهة الصدور ومآليتها ومقامها ربما نجد أن الكلمة ذاتها في هذا المدلول في هذا الحديث يكون معاكساً.

(6) قوله عليه السلام (لنا من جميعها المخرج) مراده أنه مثلاً لو عرضت علينا رواية منهم فيجب أن لا نقول أن هذا ليس من كلامهم، لأننا لا نعلم مخرج - أي لماذا قالوا - حديثهم هذا. أهل البيت عليهم السلام لهم من جميع هذه الأوجه للحديث المخرج، أي سبب علة خروج هذا الوجه. فعلينا أن لا نحكم على حديث بأنه موضوع أو أنه مُحال أن يصدر عنهم عليهم السلام، لأننا لا نعلم على أي وجه صدر، فالأمر يحتاج الى حيطة وتدقيق وتحقيق.

(7) معاني الأخبار للصدوق، ب١ ص٢ ح٣

(8) الإمام عليه السلام يفسر معنى معرفة الرواية بأنها درايتها، ولقد استنتجنا كلمة (علم الدراية) من أحاديثهم عليهم السلام. وبالدرايات للروايات يعلو مقام المؤمن. ويقول الأمير عليه السلام في أن قيمة كل امرئ وقدره ما يمتلكه من معارف. والله تعالى يحاسب الناس على قدر عقولهم في الدنيا. فالدراية سلاح ذو حدين: يعلو مقام الشخص، لكن محاسبته تكون أشد من محاسبة غيره، وإن المرء لما يدري روايات أهل البيت ويستوعبها جيداً فإن عقله يكبر ويتوسع، والله يحاسبه بمقدار سعة عقله.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp