• تحدثنا في بداية هذه السلسلة عن سورة الأنفال وقلنا بأن الملاحظ هو غلبة اللغة الحربية على آياتها، فالسورة إنما في تجاه الحرب والقتال والتحريض عليه والدماء والموت، ولكن في وسط ذلك كله يلفت النظر قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون).
• التفنا إلى هذا وهو أن هذه الأمور التي ذكرتها هذه الآيات هي في واقعها دعوة إلى الحياة. فالنبي حين يدعونا للقتال والحرب فإنه إنما يدعونا لما يحيينا. صحيح أنه طريق فيه موت ولكن من جهة أخرى هو طريق الحياة أيضا.
• علينا أن نغير من نمط تفكيرنا، وذلك بعدم الحكم على الأمور بظواهرها، وأن لا نغفل عما نسميه التوصليات أو الموصلات. وهي أمور توصلنا إلى شيء، فالغاية هي التي توصلنا إلى هذه الأشياء.
• إن هنالك بعض أنواع العلاجات الطبية لبعض الأمراض، وهي علاجات مريرة، فهل يصح أن نحكم على هذه الأمور بالقبح أو أن نرتاع منها ونرهبها فلا نقدم عليها؟! كلا، إنا نعلم إن بعد العسر يسرا، وبعد هذا الموت حياةً.
• في الحديث الشريف (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) نحن في هذه الدنيا أموات إلا الذي قد ضمن بصلاحه وحسن عمله حياته الأخروية، فهذا هو الحي حقا. وإلا الذي يكون في هذه الدنيا من أهل الكفر والجحود والمعاصي التي تؤدي به إلى الهلاك الحقيقي وهو عذاب الآخرة في جهنم فهذا ليس حي حقا.
• إن الذي يستبشع طريق الموت في سبيل الله ويستقبحه، فهو قاصر في الفهم أو مقصّر. إن الجماعة التي تتراجع عن موارد القتل والقتال تخوفا مما يستتبعه من آلالام أو أضرار؛ لم يفقهوا حقا طبيعة هذه الحياة ومقاصد هذا الدين العظيم ولم يستوعبوا أن هذه الأمور وإن كان فيها ما فيها من آلالام فإن هذه الأمور هي في الحقيقة التي ستحيينا وتحفظ النفوس أكثر.
• الحرب قد تكون السبيل الوحيد لتحقيق السلام، فلا ينبغي أن نتراجع عنها ونقول أنها كارثة أو مصيبة! لا تنظروا إلى الحرب على أنها غاية وإنما هي وسيلة وموصلةٌ لشيء ما. فالغاية تحقيق السلام.
• لو تركنا هذه الجماعات الإرهابية (كالقاعدة وداعش وبوكو حرام) تعيث في الأرض فسادا ولم نوقف كل ذلك ولم نتحمل شيئا من الضرر فإن الضرر سيكون أكبر وأعمق وأكثر كلفة فيما بعد، وحينئذ لا يوسعك أن توقف كل هذا الدمار.
• قال الله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) سورة البقرة
• وفيها يقول أمير المؤمنين عليه السلام (القتل يقلُّ القتل). ولهذه العبارة العجيبة قصة جاءت في أمالي الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه برقم 1082 بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني الرازي في منزله بالري عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا عن آبائه الطاهرين عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال: قلتُ أربعا أنزل الله تعالى تصديقي بها في كتابه: قلت: المرء مخبوء تحت لسانه، فإذا تكلم ظهر، فأنزل الله تعالى ﴿ولتعرفنهم في لحن القول﴾ قلت: من جهل شيئا عاداه، فأنزل الله: ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله). قلت: قدر - أو قال: قيمة - كل امرئ ما يحسن، فأنزل الله في قصة طالوت: ﴿إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم﴾. قلت: القتل يقل القتل، فأنزل الله: ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب﴾.
• فالقتل بذاته قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا، فإذا قتل من يستحق القتل بحسب المعايير الشرعية هو قتل حسن، وأما إذا لم يكن ذلك فهو قتل قبيح ومستبشع.
• إن هذه العقوبة؛ عقوبة رادعة للمجرم قبل أن يهمَّ بجريمته. فإن المجرم إذا رأى أن من أقدم على جريمته من قبل وأنه قد أعدم، فإنه سيراجع نفسه وقد يرتدع عن فعل جريمته.
• إن الدول والمجتمعات التي تهتم بالقصاص يقل فيها القتل، أما المجتمعات والدول التي لا تطبق فيها القصاص يكثر فيها القتل لأن العقوبة فيها لا تكون رادعة.
• قد يأتي الناس ببعض الإحصائيات لدول لا تطبق فيها حكم القصاص، ومع ذلك فإن القتل فيها أقل من دول أخرى تطبق فيها هذه العقوبة، نقول أنه لابد في سياق المقارنة من أن يكون تشابه وتماثل بنسبة معقولة فيما بين الدولتين، فلا يصح أن تأتي بدولة أوروبية فيها أمان والسلاح متوفر بيد الدولة فقط وشعبها مرفه، وتقارنها بدولة كالصومال مثلا، فليس هناك تماثل بينهما كما لا يخفى!