أسئلة متعددة حول الوجود ووجود الباري سبحانه

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله تعالى لنصرة دين محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين
لدينا بعض الأسئلة حول وجود الباري عز وجل نرجو منكم الإفادة بالإجابة عليها سائلين الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم .

س1: هل يعتبر العلم كشف كامل للواقع الخارجي بما هو خارجي وفي نفس الأمر (طبعاً الأعم من الخارج والذي قد يسمى بالتحقق بالأعيان ) وهو ليس عملية انطباع صور الأشياء على الذهن البشري واتحادهما مع النفس المدركة ومن ثم استخراج مفاهيم كلية من تلك الصور الذهنية ، فتلك الصور والمفاهيم الذهنية تكون في المرتبة الثانية بعد تحقق العلم بالواقع الخارجي ، والمفاهيم الكلية مثل الجنس والنوع فهي متقومة بالخارج ، بلحاظ عدم النظر إلى مشخصاتها الخارجية ، فالألفاظ المستخدمة في هذا النوع من المعاني ليست متقومة بالوجود الذهني ، وإنما أيضا بالوجود الخارجي ، والفرق بينها وبين الجزئي هو أن الجزئي ناظر إلى الخارج بمشخصاته فإن كان هناك سلسلة من المفاهيم الذهنية للحقائق الخارجية فهي لا تعدو أن تكون لغة الذهن ومنطق الفكر ، فعندما تجول في خاطر الإنسان أفكار فهي ليست تعبير عن وجود ذهني متقوم بماهيات الأشياء ، وإنما هي مجرد لغة الذهن ، كما أن الكلام لغة اللسان ، والفرق بينهما هو أن الأولى صامتة والثانية ناطقة ، فكلتاهما تعبير عن حقائق خارجية ، فالألفاظ ما هي إلا إشارات لما يكشفه العقل من علم ومعاني ، فاجتماع النقيضين محال بحكم العقل واللفظ الدال عليه يشير إلى تلك الحقيقة المكشوفة بنور العقل لا مفهومها الذهني المتصور ، لأن المعنى المقصود نفس الحقائق الخارجية وُجدت أو لم توجد ، لأن العقل والعلم كاشفان للماهيات الخارجية بلا احتياج إلى الثبوت العقلي والعلمي ، وعلى تقدير الثبوت يكون المعقول المعلوم الثابت وجها للخارج فمعنى الألفاظ والمراد منها هو نفس الحقائق أولا وبالذات ، وعليه الفطرة الأولى العقلائية ، فالمكشوف نفس الحقائق ، والأسماء سمات لها ، ويمكن تعلم أسماء الأشياء سواء كانت موجودة أو غير موجودة ؟

س2: هل حقيقة الوجود هي نفي العدم فقط ، وليس للوجود حقيقة ذاتية إلا النقيض أم أن نفي العدم هو من لوازم الوجود وليس حقيقته ؟

س3: كيف يمكن تقسيم الوجود إلى ما هو واجب الوجود وممكن الوجود إذ إن من شروط القسمة هو اشتراك الحقيقة (والكلي المشكك مشترك بالحقيقة ) والحال أن القول بالاشتراك تشبيه بين المخلوق والخالق إلا أن يقال أن الاشتراك واقع بلازم الوجود بين الواجب والممكن وهو نفي العدم مضافاً إلى أن الوجود (خصوصا الوجود المطلق) لا مفهوم وتصور له إلا إذا قيل بأن التصور الحاصل له بالذهن ما هو إلا إشارة له لا غير فيكون من الأمور المتعقلة حيث أن ليس كل متصور معقول وليس كل معقول متصور كما امكان تعقل أصل وجود الله وامتناع تصوره سبحانه لتنزهه عن الصورة وكذلك يمكن تصور الممتنع كشريك الباريء إلا أنه يستحيل تعقله فالمفهوم المنتزع هنا لا يستلزم منه تشابه وجود الواجب والممكن فإنه قد ينتزع مفهوم واحد من أمور لا تشابه بينها لأن هذا المفهوم الذهني مجرد إشارة للمتحقق في الخارج أو في نفس الأمر لا أكثر من ذلك ولي هو حقيقة العلم ، والاشتراك في الوجود بين الواجب والممكن هو اشتراك لفظي لا غير ، واللفظ المشار إليه هنا هو الحقائق الخارجية الظاهرة بذاتها أو بنور العلم بما هي في الخارج ؟ وقد جاء في الآيات والروايات الشريفة ما يُؤكد هذا المعنى أو يُؤيده فعن أبي عبد الله عليه السلام قال :" من عبد الله بالتوهم فقد كفر ، ومن عبد الاسم ولم يعبد المعنى فقد كفر ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي يصف بها نفسه ، فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سر أمره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أولئك هم المؤمنون حقا " وعبادة المعنى لا تعني عبادة التصور والتوهم والمفهوم قطعا وعن أبي الحسن عليه السلام قال "... ولو كان كما يقولون لم يُعرف الخالق من المخلوق ولا المنشيء من المنشأ ، لكنه المنشيء ، فرق بين من جسّمه وأنشأه وبينه إذ كان لا يشبه شيء ولا يُشبه هو شيئاً ، جعلني الله فداك ، لكنك قلت : الأحد الصمد ، وقلت لا يشبه هو شيئا ، والله واحد والإنسان واحد ، أليس قد تشابهت الوحدانية ؟ قال : يا فتح أحلت ثبتك الله ، إنما التشبيه في المعاني ، أما في الأسماء فهي واحدة ، وهي دلالة على المسمى ... " والمسمى ليس هو صورة المسمى إنما هو الحقيقة الخارجية ، وحقيقة علمه سبحانه وتعالى ووحدانيته ووجوده التي هي عين ذاته ولا اثنينية بينها تختلف عن المخلوق .

س4: ما مدى صحة أنه قبل تحقق إيجاد الشيء ليس هناك معنى للقول إن الماهية لا وجود ولا عدم ، بل هي عدم ، وعلى حسب نظرية الخلق هناك تقدير الله للأشياء ثم هداها أي أخرجها من حد التقدير إلى حد القضاء والإبرام ، والماهية بهذا المعنى مخلوقة مقدرة بعد أن لم تكن ، فيكون الخلق على ضوء ذلك إيجاد الموجود بحقيقته الخارجية بعد أن لم يكن ، وهذا الإيجاد مستمر لحاجة المخلوق له ، ولولاه لكان عدما محضا ، فكونه موجودا لا يعني أن موجوديته قائمة بذاته بل هي معلقة بجعل الجاعل وليس بأصالة الوجود ، والله تعالى قادر على تبديله إلى ما لا نهاية ، يخلق ما يشاء بقدر ما يشاء كيف يشاء متى شاء ، ولا يحمل هذا القول على أصالة الماهية والوجود معاً ، فالتفكيك بينهما أمر اعتباري لا تحقق له ، وإنما الأصالة هنا للخلق والجعل والإبداع الذي يتعلق بأمر الله عز وجل وإرادته ، قال أبو عبد الله عليه السلام :" خلق الله المشية قبل الأشياء ، ثم خلق الأشياء بالمشية " فهذا الموجود بمشية الله ولا تأصل له في الوجود ولا في الماهية ؟

س5:هل صحيح أنه بناء للمعارف القرآنية في الخلق فإن الموجودات المخلوقة ذاتية العدم ، وهي تختلف عن الوجود الذي به تحققت في السنخ والرتبة ، وإن حقيقة هذه الموجودات هو المتحقق في الخارج نفسه بما هو لا غير ، مع ما يحيطها من العدم والنقص والفقر والظلمة الذاتية ، أما سائر الأشياء المظلمة بالذات تكون موجودات بالوجود وقوامها بالوجود الذي خلقه الله ، وليس ذات الموجودات ذات الوجود الذي يناقض العدم ، بل الموجودات أشياء ثابتات باقيات بمشيئة الله تعالى ، وليست هذه الموجودات في رتبة الوجود ، بل رتبة الموجودات متأخرة عن رتبة الوجود ، والوجود هو تلك الحقيقة الظاهرة بنفسها المظهرة لغيرها ، بها خرجت الموجودات من العدم إلى التحقق والثبوت ، وهذه الحقيقة ليست هي ذات الله تعالى ، وإنما هي أمر الله سبحانه وتعالى وفعله وخالقيته ، مختلفة عن الله في السنخ والرتبة والحقيقة أيضاً ، وليس للوجود شيئية في قباله تعالى ليكون هو الأصل ، وإنما فعله الدال عليه ، ومن هنا لا يمكن إيجاد أي مفهوم مشترك بين هذه الأمور الثلاثة ، فالله سبحانه وتعالى مباين لخلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة ، وإن الوجود هو أمر الله وفعله ، وليس ذاته المقدسة ، فإن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، وإن الموجود المتحقق هو متعلق أمر الله ومشيئته وهو قائم بإرادته إن شاء أبقاه وإن شاء أعدمه وإن شاء استبدله بخلق غيره ؟

وفقكم الله للخيرات جميعا


باسمه تعالى شأنه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسعد الله أيامنا وأيامكم وأيام المؤمنين بذكرى ميلاد إمامنا السبط الأكبر الحسن المجبتى صلوات الله وسلامه عليه.

ج1: إجمالاً، هو تام.

ج2: نفي العدم لازم مفهومي لا حقيقة للوجود، وإلا لوجب القول بوحدة حقيقة الوجود لأن العدم واحد لا تعدّد فيه، وهو باطل، لأن الموجودات حقائق وجودية متباينة بحسب ماهيّاتها وموضوعاتها، ولا تشترك هذه الحقائق في معنى الوجود إلا اشتراكاً مفهوميا انتزاعيا هو طاردية العدم ونفي التعطيل والخروج عن حد البطلان فقط، ولذا أبطلنا القول بالسنخية ووحدة الوجود والموجود.

ج3: بعدما تبيّن لك من سابقه أن الاشتراك هو في المفهوم الانتزاعي؛ تكون نسبة الوجود إلى الله تعالى من باب ضيق العبارة ليس إلا، فإنّا نعني بوجوده سبحانه خروجه عن حدّ النفي والتعطيل والعدم، وإلا فهو خالق الوجود نفسه. وعلى معنى هذا الاشتراك المفهومي اللفظي دلّ قوله عليه السلام: ”إنما التشبيه في المعاني، أما في الأسماء فهي واحدة“، وتقسيم الوجود إلى الواجب والممكن فرع ذلك المفهوم الانتزاعي، فلا اشتراك في الحقيقة ولا سنخية ولا شباهة.

ج4: هذا غير تام، لأن البحث في أصالة الماهية أو أصالة الوجود إنما هو في عالم الخارج لا في عالم المشيّة والتقدير، وبعد العلم بأن الماهية والوجود متمايزان ذهنياً متحدّان في الخارج؛ فلا بدّ من أن يكون أحدهما أصلاً للآخر، والذي دلّ عليه العقل والوجدان وأيّده النقل أن متعلّق إيجاد الموجد (جلّ وعلا) للأشياء هو بماهيّاتها، أي أنه تعالى أوجد الإنسان بما هو إنسان، والحيوان بما هو حيوان، والنبات بما هو نبات، والجماد بما هو جماد، وهكذا. فيتعيّن القول بأصالة الماهية.

ج5: هذا تام.

وفقنا الله وإياكم للاستزادة من علوم آل محمد عليهم السلام، وأسأله تعالى أن يجعلكم ممن يُنتفع بعلمه وعمله عمّا قريب، والسلام. ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المبارك لسنة 1430 من الهجرة النبوية الشريفة


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp