باسمه جلّت عظمته. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد إمامنا السلطان الرضا (صلوات الله وسلامه عليه) وجعلنا الله تعالى ممن يثأر له مع ولده المهدي المنتقم أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف.

قبل أن نجيب على أسئلتكم الخمس نودّ أن نسجل بداية تحفظا على ما ذكرتموه في صدر الرسالة والنتيجة التي رتّبتوهما على اختلاف تفاوت أولياء الله في الأفضلية، فإننا وإنْ كنا نقرّ بهذا التفاوت من حيث المنزلة عند الله تعالى؛ إلا أننا لا نراه يلازم بالضرورة اختلاف كمالات أفعالهم، بل نرى أن أفعالهم – سيما في جانب التبليغ والقيام بأعباء القيادة – متسقة لا فرق بينها في الكمال والصحة، لأن مجرّد ثبوت تسديدهم الإلهي وعصمتهم يمنع ثبوت هذا التفاوت في الأفعال كونها صادرة بالأساس بوحي من الله تعالى. ولهذا لا يكون للنتيجة المذكورة معنى أصلا، وإنما يقع هذا الوهم عند بعضنا بسبب غياب المصلحة الواقعية من تلك الأفعال وعدم استطاعتنا الوصول إلى علاّتها الحقيقية إلا ما نمى إلينا عبرهم (عليهم السلام) لا أكثر، فلا ينبغي لنا أن نجعل ما نجهله من تلك المصالح والعلل موجبا للاعتقاد باختلاف كمالات الأفعال. فتأمل.

أما جوابنا على مسائلكم فنقول فيها بعد الاتكال على الله سبحانه:

ج1: نحن نرى أن المعصوم - أيا كان – معصوم حتى من ترك الأولى، ولا نذهب إلى ما يذهب إليه الجلّ من أن بعض الأنبياء (عليهم السلام) صدر منهم خلاف الأولى. بل نرى أن ما صدر من تلك الأفعال التي حكاها الله تعالى في القرآن الحكيم، أو ذكرتها السنة المطهرة القطعية؛ إنما كانت من باب التزاحم، أي أنه لم يكن لدى ذلك المعصوم من سبيل سوى القيام بهذا الفعل، الذي هو ليس من قبيل المحرم ولا المكروه ولا المرجوح ولا الراجح ولا الأرجح، وإنما زاحم أفعالا افتراضية أخرى فلم يكن أمام المعصوم سوى الإقدام عليه، فهو فعل اضطراري. وإذ ذاك يكون علم المعصوم بضرورة الاضطرار – وليس ترك الأولى والأرجح – ليس مستهجنا، فيرتفع الإشكال.

ج2: الظن هنا بمعنى التيقّن، كما ورد عن إمامنا الرضا صلوات الله عليه، ومع هذا فإن ما نهى عنه الله تبارك وتعالى لم يكن الظن العام المجرّد الذي يشمل الاحتمال والافتراض، وإنما الظن الموجب للعمل المغاير – كما في سلوك سبيل عقيدي أو ترتيب أثر فعلي كالظن بارتكاب زيد الفاحشة ولازمه تطبيق الحد – فهذا الظن من حيث أنه غير قائم على التثبت مع إمكان تحصيله يكون منهيا عنه، لأنه يسير معاكسا للحق.

وعليه؛ لا ينافي تيقن يونس (عليه السلام) من أن الله تعالى لن يضيق عليه رزقه؛ علمه الحضوري الشهودي، فإن ذلك هو ما وقع فعلا، إذ لم يضيّق الله عليه رزقه، وإنما فرّغه للعبادة في بطن الحوت ورزقه هناك فنادى: "إني كنت من الظالمين بتركي هذه العبادة التي فرّغتني لها في بطن الحوت" كما ورد أيضا عن إمامنا الرضا صلوات الله عليه، وهو نوع تسامح في معاريض الكلام ليس إلا. فانتبه إلى أن ظن يونس – الذي هو بمعنى التيقن – لم يكن سبب وقوعه في بطن الحوت، إذ لا تشير الآيات إلى ذلك ولا الروايات. والفاء في الآية الكريمة: "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا اله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" ليست فاء السببية أو فاء التفريع، وإنما فاء الزمنية.

ج3: ابتلاءات الأولياء هي موجبات لارتفاع منازلهم عند الله تعالى، وليست من جنس العقاب أو التهذيب أو التعليم. كما أن العناء الذي نواجهه في أداء مناسك الحجّ مثلا يكون موجبا لارتفاع منازلنا عند الله تعالى. وثمة إضافة أخرى وهي أن هذه الابتلاءات التي أوقعها الله تعالى على أوليائه عليهم السلام، من أئمة وأنبياء وأوصياء، إنما تكون من دواعيها استقامة المسيرة البشرية وإلزام غير المعصوم بالحجة، فلولا البلاء الذي حلّ على الحسين (صلوات الله عليه) مثلا لم يكن للإسلام الحق وجود اليوم، ولولا البلايا التي وقعت على كثير من الأئمة والأنبياء (عليهم السلام) والتي تفوق ما وقع على سائر البشر بأضعاف مضاعفة لجاز لبعضنا التذرّع يوم القيامة بترك بعض الواجبات أو ارتكاب بعض المحرّمات بدعوى وقوع تلك البلايا أو المصائب بشكل منع الأداء أو الامتناع. فلاحظ.

ج4: لا. ويتضح لك جوابه من الجواب السابق.

ج5: قد ورد في الآثار أن المعنى من "ولّى مدبرا" هو التراجع إلى الوراء، لا الهروب. وعلى أية حال فإن ما وقع كان في صورة الاضطرار كما ذكرنا آنفا، ولا يستلزم إطلاقا سوء الظن بالله جل وعلا أو الخوف مما لا ينبغي للمعصوم أن يخاف منه مع وصوله إلى درجة اليقين. وأما قوله تعالى له: "لا تخف" فهو نوع طمأنة وتسكين وإفهام للغير ليس إلا. فتلك الحوادث إنما يحكيها الله تعالى لنا لكي يهذبنا ويربّينا بها، وإلا فالمعصوم يكون قد اجتاز هذه المرحلة.

زادكم الله بصيرة في الدين وبسطة في العلم. والسلام.

الثامن عشر من شهر صفر لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.

شارك الإجابة على