السلام عليكم
أثناء مطالعتي لكتاب السيد مرتضى العسكري (أحاديث أم المؤمنين عاتئشة) وجدته يشكل على قصة التحريم والتظاهر بسبب قضية العسل أو حتى بسبب قضية مضاجعة مارية القبطية.
فبعد أن ذكر أن الروايات أجمعت على تلك القصتين يقول مشكلا:
(ثم ما قيمة تحريم النبي ( ص ) العسل على نفسه ليجند الله ملائكته وصالح المؤمنين ويكون هو تبارك وتعالى معهم ظهيرا للنبي ( ص ) عليهما؟ أَكُل ذلك لأنهما سببا هذا التحريم؟ وما ذلك السر الذي أذاعته إحداهما فأنبأ الله نبيه "فعرف بعضه وأعرض عن بعض تكرما"؟ أهو إفشاء سر تحريم النبي ( ص ) العسل على نفسه؟ ألهذا ضرب الله مثلا امرأة لوط وامرأة نوح؟ وكيف فات النبي ( ص ) أن العسل لم يكن بذي رائحة كريهة ليحرمها على نفسه؟ وهل كان فاقدا حاسة الشم ومغفلا إلى هذا الحد لتنطلي عليه هذه الحيلة البسيطة؟ اللهم إن هذا ما لا يقبله عقل سليم !)
وبحكم اطلاع سماحتكم يا شيخ ياسر على الكثير من تاريخ النواصب، نسألكم بحق الله هلا وضحتم لنا هذا الأمر
فإشكال السيد مرتضى العسكري قد أثار بأنفسنا المثيرات أفكل هذا لأجل قضية عسل أو مضاجعة؟ أم أن ما صدر من عائشة وحفصة أمر أخطر وأكثر فداحة بكثير جدا؟
لكنهم أخفوه بقضية العسل تارة وبقضية مضاجعة مارية القبطية تارة أخرى، ومن أين لهم أن يعلموا بالسبب كاملا خاصة؟ وأن القرآن يصرح بأن رسول الله صلى الله عليه وآله عرف بعضه وأعرض عن بعض
فكيف عرف اهل السنة الكل؟! وماذا عن روايات أهل البيت عليهم السلام حول هذه القضية؟ هل أيضا كانت عسلا أو مضاجعة مارية هي السبب؟
حفظكم الله من كل سوء.. والسلام
العلوي الفاطمي
أفاد الشيخ بأن ههنا حادثتان منفصلتان، الأولى؛ حديث المغافير، وهو ثابت عند أهل الخلاف، وفيه تواطؤ عائشة وحفصة على الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى اضطرتاه إلى إظهار تحريم العسل على نفسه.
والثانية؛ حديث مباشرة النبي (صلى الله عليه وآله) أمته مارية (عليها السلام) فشغبت عليه حفصة، فأخبرها بسرّ أن أباها وصاحبه سيملكان الأمر بعده، وأنذرها إنْ هي أخبرت بذلك فعليها لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، فأخبرت عائشة، فأخبرت عائشة أباها، وأخبر أبوها صاحبه عمر، فعاد عمر إلى ابنته حفصة مستخبراً، فأنكرت في البداية خوفاً، ثم أقرّت، وبعدما تأكدوا من الأمر اجتمعوا أربعتهم على سمّ رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهذه الحادثة هي التي نزلت فيها سورة التحريم، وقوله تعالى: ”وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ“ (التحريم: 4) يشير إلى هذا السرّ، وهو أن أبا بكر وعمر (لعنهما الله) سيقومان باغتيال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والاستيلاء على الحكم بعده بالقوة.
وقد حاولت عائشة التعمية على جريمة سمّها للنبي (صلى الله عليه وآله) بصرف سبب نزول السورة والآيات إلى قصة المغافير، وادعاء أن السر هو شربه أو تحريمه العسل على نفسه! حتى لا يلتفت أحد إلى السر الحقيقي والسبب الحقيقي، فإن ذلك يقود إلى الوقوف على تفاصيل الاغتيال والانقلاب.
غير أنه مع ذلك أفلتت من قبضة عائشة بعض الأحاديث التي توضح الحقيقة، ومنها ما رواه الطبراني بسنده عن ابن عباس في قوله: «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا» قال: «دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو يطأ مارية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة، فإن أباكِ يلي الأمر من بعد أبي بكر إذا أنا متُّ! فذهبت حفصة فأخبرت عائشة! فقالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنبأك هذا؟ قال: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الخَبِيرُ. فقالت عائشة: لا أنظر إليك حتى تحرِّم مارية! فحرّمها، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ». (معجم الطبراني ج12 ص117).
والقصة الكاملة سبق للشيخ التعرض لها في بعض محاضراته، وحاصلها ما رواه علي بن إبراهيم القمي (رضوان الله تعالى عليه) في تفسيره لسورة التحريم: «كان سبب نزولها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في بعض بيوت نسائه وكانت مارية القبطية تكون معه تخدمه، وكان ذات يوم في بيت حفصة، فذهبت حفصة في حاجة لها فتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) مارية، فعلمت حفصة بذلك فغضبت! وأقبلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله؛ في يومي وفي داري وعلى فراشي! فاستحيى رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها فقال: كُفّي فقد حرَّمتُ مارية على نفسي ولا أطأها بعد هذا أبداً، وأنا أفضي إليك سراً إنْ أنتِ أخبرتِ به فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فقالت: نعم؛ ما هو؟ فقال: إن أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثم من بعده أبوكِ. فقالت: مَنْ أَنْبَأَكَ هٰذَا؟ قَالَ: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الخَبِيرُ، فأخبرت حفصة به عائشة من يومها ذلك! وأخبرت عائشة أبا بكر، فجاء أبو بكر إلى عمر فقال له: إن عائشة أخبرتني عن حفصة بشيء ولا أثق بقولها! فاسأل أنت حفصة. فجاء عمر إلى حفصة فقال لها: ما هذا الذي أخبرت عنكِ عائشة؟ فأنكرت ذلك وقالت: ما قلتُ لها من ذلك شيئاً! فقال لها عمر: إنْ كان هذا حقاً فأخبرينا حتى نتقدّم فيه! فقالت: نعم قد قال رسول الله ذلك. فاجتمعوا أربعةً على أن يسمّوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه السورة. قال: وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ يعني أظهره الله على ما أخبرت به وما همّوا به من قتله. عَرَّفَ بَعْضَهُ أي أخبرها وقال: لمَ أخبرتِ بما أخبرتك؟ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ قال: لم يخبرهم بما يعلم مما همّوا به من قتله». (تفسير القمي ج2 ص376 وعنه بحار الأنوار ج22 ص239).
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
ليلة 20 شوال 1430