كيف يجوز البناء على القبور وعندنا روايات تنهي عن ذلك؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم

كيف يجوز البناء على القبور وما قولك بهذه الروايات التي اقتبستها من موقع للنواصب ... ويتغنون بها بزعم صحة مذهبهم وأنّى ذلك والعلامة الحبيب يرد عليهم بنيرانه الفاطمية وإليك نص الحديث ((عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ص فِي هَدْمِ الْقُبُورِ وَ كَسْرِ الصُّوَرِ
الكافي 6/528 ، وسائل الشيعة 2/870 ، جامع أحاديث الشيعة 3/445.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا تَدَعْ صُورَةً إِلَّا مَحَوْتَهَا وَ لَا قَبْراً إِلَّا سَوَّيْتَهُ وَ لَا كَلْباً إِلَّا قَتَلْتَهُ
الكافي ج : 6 ص : 528 ، وسائل الشيعة 2/869 ، جامع أحاديث الشيعة 3/445.

سَأَلَ سَمَاعَةُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِيهَا فَقَالَ أَمَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ فَلَا بَأْسَ بِهَا وَ لَا يُبْنَى عِنْدَهَا مَسَاجِدُ

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي قِبْلَةً وَ لَا مَسْجِداً فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَعَنَ الْيَهُودَ حِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ
من‏لايحضره‏الفقيه ج : 1 ص : 178

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه
\"وسائل الشيعة 2/869

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يجصص القبر أو يبنى عليه أو أن يقعد عليه
مستدرك الوسائل 1/127.

عن الإمام الصادق رحمه الله قال: \" من أكل السحت سبعة: الرشوة في الحكم ومهر البغي وأجر الكاهن وثمن الكلب والذين يبنون البناء على القبور\"
مستدرك الوسائل 1/127.

وعن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ فقال: لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه
وسائل الشيعة 2/869 ، جامع أحاديث الشيعة 3/444.

علي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جواب الشيخ:

باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

إن أهل الخلاف حيث أنهم ضياطرة في الفقه؛ فإنهم يظنّون أن احتجاجهم بأشباه هذه الأحاديث يمكن أن يتمّ علينا! ولو أنهم عرفوا قدر أنفسهم فلم يتطفّلوا على ساحة الفقه والفقهاء لكان أسلم لهم من أن يصبحوا سخرية الحوزات العلمية لقصور فهمهم وسخافة عقولهم!

أما الحديث الأول وهو ما عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: ”قال أمير المؤمنين عليه السلام: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في هدم القبور وكسر الصور“ فلا دلالة فيه على ما يدّعون من تحريم تعمير قبور أولياء الله تعالى، لأن الأمر خاص بهدم قبور أهل الجاهلية التي كانت تتّخذ محالاً لعبادة أهلها على دينهم، وذلك بدلالة أمره (صلى الله عليه وآله) بكسر صورهم، فمن المعلوم أن تلك الصور كانت تصوّر آلهتهم التي يعبدونها، وبقرينة هذا يُعلم أن الأمر بالهدم علّته محو آثار دين الجاهلية والشرك، وهو مخصوص بقبور أهل الجاهلية التي كانت على هذا النحو، لا أنه أمر بهدم كل قبر بما في ذلك قبور أهل الإسلام المبنية على وفق الشريعة، وإلا فإن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر برفع قبر ابنه إبراهيم عليه السلام، ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: ”إن رسول الله صلى الله عليه وآله سلّ إبراهيم ابنه سلاًّ، ورفع قبره“. (الوسائل ج3 ص192) وهو يعارض الحديث الأول إن أُخِذ على إطلاقه وعمومه، فلا بدّ من تقييده وتخصيصه بما ذكرناه.

وأما الحديث الثاني وهو ما عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ”بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبراً إلا سوّيته ولا كلباً إلا قتلته“ فالكلام فيه كالكلام في الأول، إذ هو مثيله.

وأما الحديث الثالث وهو ما عن سماعة بن مهران أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها فقال: ”أما زيارة القبور فلا بأس بها، ولا يُبنى عندها مساجد“ فمحمول على أن يكون المبني بغرض السجود على القبر كما كان يفعله أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فإنهم يسجدون على القبور تعظيماً لها وكذا يصلّون إليها، وهذا هو المنهي عنه في الحديث الرابع أيضا الذي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ”لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً، فإن الله عز وجل لعن اليهود حين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد“. ومعلومٌ أن المسجد هو موضع السجود لغةً، فيكون المنهي عنه اتخاذ القبر موضعاً للسجود أو الصلاة عليه، لا تعمير مسجد يُصلّى فيه لله تعالى ويكون القبر في جانب منه، فإن هذا مما جاء في نص الكتاب العزيز حيث يقول الله سبحانه في قصة أصحاب الكهف: ”قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا“ (الكهف: 22) أي مكاناً يُعبد الله تعالى فيه وتكون قبورهم في جانب منه، لا يُصلّى إليها ولا يُسجد عليها فتكون مسجداً بذلك المعنى المحرّم كما عند اليهود والنصارى.

إذن؛ فالمنهي هو اتخاذ القبر مسجداً بمعنى أن يكون موضع السجود تعظيماً، أو أن يُصلّى إليه فيُتَّخذ قبلة، أما أن يُصلّى عنده ويُسجد لله تعالى في جواره فذلك جائز بل مستحبّ راجح إن كان صاحب القبر من أنبياء الله وأوليائه عليهم السلام، ويشهد لهذا الفرق ما رُوي عن صاحب الأمر المهدي عليه السلام، فقد روى الشيخ عن محمد بن عبد الله الحميري قال: ”كتبتُ إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السلام، هل يجوز له أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب عليه السلام وقرأتُ التوقيع ومنه نسخت: أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه، يجعله الإمام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يُتقَدَّم، ويصلي عن يمينه وشماله“. (التهذيب ج2 ص228).

فلاحظ أن الإمام (عجل الله فرجه) لم يجز السجود على القبر فيما أجاز وضع الخد الأيمن عليه، وكذا الصلاة إلى جواره على أن يكون خلف القبر أو يمينه وشماله بحيث لا يتقدّمه لحرمة التقدّم على الإمام المعصوم (عليه السلام) حياً وميتاً.

وكذا يشهد لجواز الصلاة بل رجحانها عند القبر الشريف أخبار كثيرة منها ما عن أبي عبد الله الحراني قال: ”قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار قبر الحسين عليه السلام؟ قال: من أتاه وزاره وصلى عنده ركعتين كُتب له حجة مبرورة، فإن صلى عنده أربع ركعات كُتبت له حجة وعمرة. قلت: جُعلت فداك؛ وكذلك لكل مَن زار إماما مفترضة طاعته؟ قال: وكذلك كل مَن زار إماما مفترضة طاعته”. (التهذيب ج6 ص79).

فالحاصل أن المنهي عنه ليس تعمير المشهد ولا اتخاذ مسجد يُعبد الله فيه ويكون في جانب منه رسم قبر، وإنما المنهي عنه مضاهاة ما يفعله اليهود والنصارى من اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد يسجدون عليها تعظيماً ويصلّون إليها قبلةً.

وهذا الذي فهمه ووافقنا عليه ابن عبد البرّ من المخالفين، فإنه بعدما نقل حديثهم في تحريم اتخاذ القبور مساجد قال: ”في هذا الحديث إباحة الدعاء على أهل الكفر وتحريم السجود على قبور الأنبياء، وفي معنى هذا أنه لا يحل السجود لغير الله عز وجل، ويحتمل الحديث أن لا تُّجعل قبور الأنبياء قبلة يصلى إليها (...) وقد زعم قوم أن في هذا الحديث ما يدل على كراهية الصلاة في المقبرة وإلى القبور؛ وليس في ذلك عندي حجة“. (التمهيد لابن عبد البر ج6 ص383).

ويؤكد هذا المعنى الحديث الخامس أيضاً، فإنه صريح في تحريم (الصلاة على القبر) وذلك قوله عليه السلام: ”نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يُصلى على قبر أو يُقعد عليه أو يُبنى عليه“.

وأما ما في هذا الحديث الخامس وكذا السادس والسابع والثامن الأخير من تحريم (البناء على القبر) فلا دلالة فيه على تحريم تعمير المشاهد المقدسة، وذلك من وجوه:

الأول؛ لما عرفتَ من أن المنهي عنه اتخاذها مساجد على نحو ما يفعل اليهود والنصارى، أو اتخاذها معابد على نحو ما كان يفعل أهل الجاهلية، فيكون البناء المحرّم مقيّدا بهذا القصد وهذه الغاية. إما إن كان المُراد من البناء إقامة مسجد يُعبد الله تعالى فيه ويكون القبر في جانب منه؛ فلا محذور في ذلك بل هو مستحب راجح، أكدته الآية الكريمة المزبورة الحاكية لقصة أصحاب الكهف. ولا بدّ من حمل أخبار النهي هذه على ذلك القيد مع صراحة الآية وإفادتها جواز بناء المساجد التي يكون في جانب منها قبر، بشرط أن لا يُصلّى أو يُسجد عليه أو إليه كما ذكرنا.

الثاني؛ أن بناء المشاهد - دقّياً - ليس بناءً على القبر، فإن القبر لم يرتفع بأزيد مما ورد في الآثار من الشبر أو الأربع أصابع المفرّجات، وإنما البناء هو لما حوله وما يعلوه من سقف وقبّة، وبينه وبين ذلك العمران فضاء ظاهر، وليس ثمة بناء متراكم على أصل القبر، فيكون دليل النهي أجنبياً عن هذا المقام، فإن المحذور هو البناء المتراكم لأنه يثقل على صاحب القبر، فقد رُوي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ”كل ما جُعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت“. (من لا يحضره الفقيه للصدوق ج1 ص189).

الثالث؛ إن دُفع كل ما سبق، فإنه يبقى الدليل الخاص في جواز تعمير قبور الأئمة الأطهار من آل النبي (صلوات الله عليهم أجمعين) وهو يخرجها من حكم المنع - إن تمّ - تخصيصاً، وفي ذلك أخبار كثيرة، منها ما عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز قال: ”أتيتُ أبا عبد الله عليه السلام فقلتُ له: ما لمن زار قبره؟ - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - وعمّر تربته؟ فقال: يا أبا عمار، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي عليهما السلام عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: والله لتُقتلنّ بأرض العراق وتُدفن بها! قلت: يا رسول الله؛ ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن؛ إن الله تعالى جعل قبرك وقبر وُلدك بقاعاً من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنُّ إليكم وتحتمل المذلّة والأذى، فيعمّرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله ومودّة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنة. يا علي من عمَّرَ قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس! ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشِّر أولياء‌ك ومحبيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيرِّون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تُعيَّر الزانية بزناها! أولئك شرار أمتي! لا نالتهم شفاعتي! ولا يردون حوضي“! (التهذيب ج6 ص22).

فها هو النبي (صلى الله عليه وآله) قد وصف الذين يعمّرون قبور أهل بيته (عليهم السلام) بالصفوة النجباء المخصوصين بالشفاعة، وليسوا إلا الشيعة. بينما وصف (صلى الله عليه وآله) الذين يعيّرونهم بالحثالة الأشرار المحرومين من الشفاعة ومن الورود على الحوض! وليسوا إلا الناصبة الوهابية!

فنحن نمضي على تعمير مشاهد أئمتنا من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ونتعاهد قبورهم بالزيارة والدعاء والابتهال إلى الله تعالى أن يرزقنا شفاعتهم ولا يحرمنا الاجتماع معهم في الجنة. أما مخالفونا فهنيئاً لهم الاجتماع بأئمتهم في نار جهنم فإنه يُدعى كل أناس بإمامهم!

رزقنا الله وإياكم زيارة آل محمد (عليهم السلام) في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة، والسلام. غرة ذي القعدة لسنة 1430 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp