هل حرف ”من“ الوارد في الآيات التي يستدل بها المخالفون على ”عدالة الصحابة“ للتبعيض أم للبيان؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم والرحمة

نحن كشيعة نعلم بأن الآيه (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) تدل على انحراف بعض الصحابة وكلمة (منهم) هي الدليل. لكن الشيخ عثمان الخميس كتب رد على هذا الدليل وإليكم النص:

قال القرطبي: وليست ( مِنْ ) في قوله منهم مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم ولكنها عامة مجنسة مثل قوله تعالى: ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان )[108].

وتكون ( مِنْ ) في قوله منهم مؤكدة مثل قوله: ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ) والقرآن كله شفاء إلا إذا أراد التيجاني أن يقول كما قال إمامه النوري الطبرسي إن القرآن فيه آيات سخيفة – لعنة الله على من قال هذا القول ثم لم يتب -.

قال النسفي: ( ومِنْ ) في منهم للبيان كما في قوله (فاجتنبوا الرجس من الأوثان)[109].

فهل يقول العلامة اللوذعي أن المأمور هو اجتناب بعض الأوثان لا كلها.

قال ابن الجوزي: قال الزجاج: في ( من ) قولان:

1- أن يكون تخليصا للجنس من غيره كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان.

قال ابن الأنباري: معنى الآية وعد الله الذين آمنوا من هذا الجنس أي من جنس الصحابة.

2- أن يكون هذا الوعد لمن قام منهم على الإيمان والعمل الصالح.

قال ابن كثير ( مِنْ ) هذه: لبيان الجنس.

قال محمود صافي ( مِنْ ) لبيان الجنس.

تأتي (مِنْ) لبيان الجنس وكثيرا ما تقع بعد (ما) و(مهما) وهما بها أولى لإفراط إبهاما كقوله تعالى: ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها )[110].

وقوله: ( ما ننسخ من آية )[111].

ومن وقوعها بعد غيرهما قوله تعالى : ( يُحلّونَ فيها مِنْ أساور من ذهب )[112].

وفي كتاب ابن الأنباري أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى: ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )[113] .

في الطعن على بعض الصحابة لأن (مِنْهم ) بزعمه تفيد التبعيض -وهذه تزكية من ابن الأنباري للتيجاني- وهي ليست كذلك بل هي للتبيين أي الذين آمنوا هم هؤلاء.

كقوله تعالى: ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم )[114] .

وكلهم محسن متق .

وقوله: ( وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم )[115].

قال الزمخشري: ومعنى (مِنْهم) البيان كقوله تعالى: ( فاجتبوا الرجس من الأوثان )[116].

قال أو البقاء العكبري: و(ومِنْهم) لبيان الجنس تفضيلا لهم بتخصيصهم بالذكر.[117]

قال النيسابوري: وقوله (مِنْهم) لبيان الجنس.[118]

قلت: ثم إن ادعائه أن (مِنْ) تبعيضية يجعل الآية يناقض بعضها بعضا لأنها جاءت غي شأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولم تتناول غيرهم.

قال تعالى: ( محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )[119].

وتأمل بعض من صفاتهم في الآية:

1. محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم.

2. شدتهم على الكفار.

3. تراحمهم فيما بينهم.

4. ملازمتهم للركوع والسجود.

5. ابتغاؤهم الفضل من الله والرضوان.

6. أن الله يغيظ بهم الكفار.

إني اعلم بأن هناك كلام غير منطقي في رد عثمان الخميس، لكن للطمأنينة أريد من سماحتكم رد قوي وصريح على هذا المنحرف وبارك الله فيكم.

عبدالرحمن دشتي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جواب الشيخ:

كلام هذا الأحمق سخيف ومضحك، لأن (من) إذا كانت بيانية فلا تدخل على الضمير مطلقاً، وإنما تدخل على الاسم الظاهر كما في قوله تعالى: ”فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ“ وقوله تعالى: ”يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ“.
ويؤيد أنها تبعيضية عدم ورود (ما) أو (مهما) اللتان ترجّحان أن تكون (من) بيانية.

وهذه الآية تماثل قوله تعالى: ”وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ“، ولا عاقل يقول بأن (من) ههنا بيانية إذ معنى ذلك أن جميع الناس مؤمنين وعاملين للصالحات وسيستخلفهم الله تعالى! وحتى لو قيل أن المخاطَب بقوله تعالى: (منكم) هم خصوص الأصحاب، فإنهم جميعاً لم يستُخلفوا بل بعضهم، فلا بدّ إذن من رفع اليد عن كون (من) في هذه الآية ونظائرها لبيان الجنس.

والأحمق لم ينتبه إلى أن الزجّاج الذي نقل عنه ذكر احتمال أن تكون (من) هنا تبعيضية في قوله: ”أن يكون هذا الوعد لمن قام منهم على الإيمان والعمل الصالح“ أي الذي ظلّ على الإيمان والعمل الصالح فلم يرتد ولم يبدّل، وهذا عين ما تقوله الشيعة.

وعلى كل حال؛ فلو تنزّلنا وقلنا أن (من) ههنا بيانية فلا دلالة في الآية على عدالة وعدم إمكان ارتداد جميع الذين يسمّونهم (صحابة) زعموا! وذلك من نفس بيان هذا الأحمق نفسه، فقد قال: ”وتأمل بعض من صفاتهم في الآية: 1. محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم. 2. شدتهم على الكفار. 3. تراحمهم فيما بينهم. 4. ملازمتهم للركوع والسجود. 5. ابتغاؤهم الفضل من الله والرضوان. 6. أن الله يغيظ بهم الكفار“.

وهذه الصفات لا يمكن انطباقها كلها على جميع الذين يسمّونهم (صحابة) لأنهم تقاتلوا وقتل بعضهم بعضاً، فقد تقاتل علي (عليه السلام) مع عائشة وطلحة والزبير لعنهم الله، وكذا تقاتل مع معاوية لعنه الله، وقتل عبد الرحمن بن عديس البلوي وعمرو بن الحمق الخزاعي عثمان بن عفان، وقتل أبو الغادية عمار بن ياسر، وهكذا.. فهل يقول عاقل بأن هؤلاء كانوا جميعاً ”رحماء بينهم“؟! كيف وقد تقاتلوا وقتل بعضهم بعضاً وهذا خلاف التراحم؟! وإنكار ذلك أو التشكيك فيه حرفة العاجز.

إذن فلا بد من القول بأن المعنى من ”الذين معه“ ليس جميع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل أفراد مخصوصون منهم، وهم الذين تنطبق عليهم هذه الصفات المذكورة في الآية الكريمة. وإلا يلزم تكذيب كلام الله عز وجل إذ ذكر صفاتاً لا تنطبق على الجميع!

ومهما يكن؛ فالآية الكريمة في مقام مدح الذين هم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حقاً حقاً، وقد جاء في الآثار أنهم الذين شايعوا عليّاً صلوات الله عليه، وليست الآية في مقام الحكم على جميع هؤلاء بالجنة ونفي إمكان ارتدادهم، ولذا جاء الوعد للذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم، كناية عن الذين استقاموا وبقوا على ما هم عليه من الإيمان والعمل الصالح وختموا حياتهم بحسن العاقبة، فإنما الأعمال بخواتيمها.

ولو قلنا بأن المُراد في الآية هو الحكم على جميعهم بالعدالة والشهادة لهم بالجنة ونفي إمكان ارتدادهم للزم ذلك أيضاً تكذيب الله عز وجل! لأنّا وجدنا بعضاً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ارتدّوا بالإجماع، وأحدهم يُدعى الرحّال أو الرجّال بن عُنفوة، وكان من الملازمين له (صلى الله عليه وآله) وكان معروفاً بالعلم والعبادة، وقد ارتدّ وشهد لمسيلمة الكذاب (لعنه الله) بالنبوة فآمن به كثير من الناس اعتماداً على شهادة هذا ”الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه“!

وقد اعترف مؤسس الفرقة الوهابية محمد بن عبد الوهاب بهذه الحقيقة إذ قال عن أصحاب مسيلمة: ”شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لكن صدّقوا بمسيلمة أن النبي أشركه في النبوة، وذلك أنه أقام شهوداً شهدوا معه بذلك، وفيهم رجل من الصحابة معروف بالعلم والعبادة يُقال له الرحّال، فصدّقوه لما عرفوا فيه من العلم والعبادة“! (الدرر السنية ج9 ص383)

وهذا الشاهد كافٍ في إثبات أن الآية الكريمة ليست في مقام بيان ما يسمى بعدالة الصحابة أجمعين والحكم بدخولهم الجنة أكتعين! وإلا فماذا نفعل مع الرحّال الذي ثبت عند الجميع أنه قد ارتدّ مع أنه من جملة أولئك الذين يسمّيهم القوم صحابة؟!

إنما يكون الفهم الصحيح للآية الكريمة بإخراج الرحّال وأمثاله ممن ثبت ارتدادهم عن ”الذين معه“ الممدوحين بهذه الصفات المذكورة، لأن شرط الإيمان والعمل الصالح أي سلامة العاقبة لم يتوفر فيه، فهو خارج إذن عن هؤلاء.
وكذلك نفعل نحن بإخراج أمثال أبي بكر وعمر وعثمان (لعنهم الله) بعدما ثبت لدينا أنهم قد ارتدّوا وانقلبوا على أعقابهم.

والعجب كيف يتجرأ هذا الأحمق على أن يفتي في اللغة ويعلّم الناس أن (من) في الآية بيانية لا تبعيضية مع أنه نفسه جاهل بدقائق اللغة ضعيف في قواعدها ومبانيها! وكثرة أغلاطه في ذلك مما لا يحتاج إلى بيان، وإحداها في نفس النص الذي نقلتموه عنه إذ قال: ”وتأمل بعض من صفاتهم في الآية“ والصواب هو: ”وتأمل بعضاً من صفاتهم في الآية“! فرفع أو جرّ ما حكمه النصب!

وهذا حالنا مع مشايخ الفرقة الوهابية ومشايخ أمها البكرية، يدّعون العلم وهم جهلة! ويزعمون الفهم وهم حمقى! ويعلّمون أتباعهم ما لا يحسنون ويهذون عليهم بما لا يفهمون! كالأقرع الذي يعلّم الناس حلق رؤوس الصلعان!

وإني لأظن أن الحماقة صارت صنواً لهم بسبب طول لحاهم وتجاوزها عن حد القبضة الذي جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونهى عن تجاوزه، وقد أقرّ بذلك كبيرهم ابن الجوزي إذ قال في علامات الحمق: ”ومن العلامات التى لا تخطىء طول اللحية فان صاحبها لا يخلو من الحمق“! (أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي ج1 ص29)

وصدق الشاعر:
إذا عرضت للفتى لحية وطالت فصارت إلى سرته!
فنقصان عقل الفتى عندنا بمقدار ما زاد فى لحيته!

كتب الله لنا ولكم حسن العاقبة ورزقنا الجنة باتباعنا لمحمد وآله صلوات الله عليهم، والسلام. ليلة الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول لسنة 1431 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp