كيف أشاع النبي الأكرم سر زوجته أمام الملأ بأنها حميراء؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله المطهرين

الشيخ ياسر الحبيب
برغم إعجابي بشخصكم وصمودكم في إثبات الحقائق إلا أن هذا الإعجاب آيل للإضمحلال ما لم تسارعوا ببيان ما تعذر عليّ الإطمئنان إلى صحة مقصدكم فيما أوردتموه في ردكم على نواف السالم من دولة الكويت.....
حيث أنكم قد ذكرتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لعائشة: يا حميراء ..... وكان تفسيركم لمعنى كلمة حميراء .. أنها الحمره التي يسبغها لون دم الإستحاضه على فخذي المرأه وساقيها.

وسؤالي إليكم هو: هل تعتقد فعلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصف زوجته بهذا الوصف معلنا عن أخص خصوصياتها والمتعلق بأمور جنسية ليعلم بها الناس .. بمعنى هل أشاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرا خاصا بزوجته أمام الناس ....

الشيعه على مدار التاريخ كانوا يدفعون الشبهات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتنزيهه صلى الله عليه وآله وسلم عما نسب إليه افتراءا وبهتانا وكان القرآن الكريم والرواية المتواترة مرجعهم وحجتهم في دفاعهم .... فما تعليلكم لقولكم ونسبتكم هذا الوصف الغير لائق بمقام النبوة وخصوصية بيته وأزواجه ويناقض مدعاكم في تبيين الحقائق ..

هذا من جانب ... أما الجانب الاخر ... فمن المعلوم والثابت أن قصة الإفك تشتمل على ملابسات وغموض - لدي الطرفين الشيعه ومخالفيهم - يضفي ظلالا من التشكيك في مجريات الحدث .. والقصة من الناحية الروائية عند المخالفين للشيعة يهدف منها المساس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ولا يليق بمن يتصدى لفك طلاسمها تثبيت ما يسعى إليه الرأي الفاسد وتأكيد الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بتعمد أو سهو .. والأجدر بمن يرغب برفع الإبهام عن حدث كهذا ...... تحري الدقة قبل الإدلاء بتصريح أو إعلان استنتاج لا ينتصر فيه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. فكيف جاز لكم جعل عائشة محورا لقصة أنتم مطلعون على الأثر المتواتر شيعيا من أن الآيات نزلت لتبرأة ماريا القبطية رضوان الله عليها ...

توضيح : أنتم أعلنتم عن انتهاجكم طريقا لا محيد لكم عنه لتوضيح الواضحات لإجبار المخالفين على تفهم ما لا يريدون فهمه بإبقائهم كل شيء على ما هو عليه كمسلمات لا ترقى إليها الشكوك .... وفاتكم أنكم بهذا المسلك جنحتم عن منهج أكثر جدوى وهو ما أوصانا به إئمتنا الأطهار عليهم السلام بالإلتزام .. ألا وهو إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم ....

أرجو منكم شيخنا المعاجله بالرد على سؤالي وتوضيح النقاط السالفة الذكر للأهمية ..

ملاحظه : يرجى العلم بأني سأنشر محتوى هذا الرساله وردكم عليها حال تسلمه .....

وتقبلوا وافر التحيه

almoa7id


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن سماحة الشيخ فسّر (الحميراء) بـ (المحياض) طبقاً لما جاء في أمثال اللغة: ”شر النساء السويداء الممراض، وشر منها الحميراء المحياض“ (لسان العرب - مادة: غبا)، ومن باب القرينة المؤيدة ذكر سماحته أنه قد جاء وصمها من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) بحميراء الساقين.

فلم يجد سماحة الشيخ في ما بين يديه من روايات أنه (صلى الله عليه وآله) وصمها بالحميراء في ملأ من أصحابه مثلاً أو بين الناس ليتم ما ذكرتموه من أنه أفشى سرّها، بل الذي يجده أنه إنما وصمها بذلك في ما بينه وبينها من محاورة مباشرة، إلا من حضور بعض أهل بيته وأزواجه، كقوله لها: ”يا حميراء! لا تؤذيني في أخي علي وسيد المسلمين بعدي وأولى الناس بالناس بعدي“ (تقريب المعارف للحلبي ص201) وكقوله لها: ”يا حميراء! أكرمي جدا نعمة الله عليك فإنها لم تنفر عن قوم فكادت تعود إليهم“. (محاسن البرقي ص445) وكقوله لها: ”يا حميراء! كأني بك لينبحك كلاب الحوأب، تقاتلين عليا وأنت له ظالمة“. (العقد الفريد لابن عبد البر ج3 ص108) ونحو ذلك مما لا يظهر منه أنه (صلى الله عليه وآله) قالها لها في ملأ من عوام الناس.

وحتى لو أعرض سماحة الشيخ عن هذا التفسير لمعنى (الحميراء) وأخذ بتفسير العدو من أنه صفة للون جسدها؛ لبقي إشكالكم على حاله، إذ للقائل أن يقول: وهل من خلق النبي (صلى الله عليه وآله) أن يصف لون زوجته للرجال؟

ولا يسع سماحته رد أصل وصمه إياها بالحميراء، لأن هذا فوق حد الاستفاضة عندنا وعند العدو، فقد جاء من طرقنا عن النبي والأئمة الأطهار عليهم السلام، كما جاء من طرقهم عنه (صلى الله عليه وآله) وبعض أصحابه. فنكون بين أن نأخذ بتفسيرهم أو تفسير سماحته، ولا ريب في أن تفسيره أوفق، لأنه موافق للغة وأمثالها، كما أنه متسق مع سياق الأحاديث الذي جاءت فيه هذه اللفظة، فإن الملاحظ أنها كانت في مقام الزجر والتقريع والتوبيخ وما شاكل، فيقرب أن تكون اللفظة للتوهين والتحقير لا المدح والثناء كما يزعم العدو.

فالإشكال على كل حال أقرب إلى الذوق والاستحسان فلا اعتداد به، فإنه عقلاً لا يمتنع أن يحقّر النبي (صلى الله عليه وآله) امرأته المنافقة ولو بذكر خصوصية كهذه تقبيحاً لها في عين المجتمع فينفر منها، ونقلاً ففي السيرة أمثالها، فقد روى العدو عن النبي (صلى الله عليه وآله) تعييره معاوية - مثلا - بمؤخرته الكبيرة، إذ قال: ”ويل لهذه الأمة من معاوية ذي الأستاه“ (المعجم الكبير للطبراني ج17 ص176) وروى عن البراء قال: ”مرّ أبو سفيان بن حرب برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاوية خلفه ورسول الله في قبة، وكان معاوية رجلا مستّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم عليك بصاحب الأسته“! (مسند الصحابة للروياني ج1 ص 140) وكذا روى العدو تعيير الإمام الحسن (عليه السلام) لمعاوية بمؤخرته وتشبيهه إياها بمؤخرة أمه هند لعنهما الله، فقد روى ابن كثير عن الأعمش: ”طاف الحسن بن علي مع معاوية فكان معاوية يمشي بين يديه فقال الحسن: ما أشبه أليتيه بأليتي هند! فالتفت إليه معاوية فقال: أما إن ذلك كان يعجب أبا سفيان“! (البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 144) وذكر سماحة الشيخ في إحدى محاضراته عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله لتلك المرأة التي اتهمته بأنه لم يعدل ولم يحكم بالسوية: ”اسكتي يا بذية يا جريّة يا سلفع يا سلقلقية يا التي لا تحيض كما تحيض النساء! قال: فولّت مدبرة، وكان إلى جنب علي عمرو بن حريث، فلحقها عمرو بن حريث فقال: ويحك! لقد كنتِ استقبلتِ ابن أبي طالب بما فرّحتيني لها، ثم كلّمكِ بكلمة فولّيتِ مولولة؟ فقالت: والله لقد أخبرني بما كتمته من والديّ! إنما أحيض من دبري ليس من قُبُلي“! (المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي ج2 ص561)

وغير مسموعة دعوى أن جريان هذه الألفاظ على ألسنة المعصومين (عليهم السلام) بعيدة عن المروءة لما فيها من ذكر العورات، إذ قد ذكر الله تعالى العورات بلفظ صريح كما في قوله سبحانه: ”وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا“ وقد كان يمكن أن يعبّر مثلاً بقوله: ”ومريم ابنة عمران التي أحصنت نفسها“ غير أنه ذكر لفظ العورة صريحاً بقوله: ”فرجها“. فإن لم يكن في ذكر عورة المؤمنة الصالحة شيء؛ لم يكن في ذكر عورة الكافرة المنافقة شيء بالأولوية القطعية. وعائشة كافرة منافقة بلا خلاف، وكذا هند، وكذا جعدة، وكذا قطام، وغيرهن ممن ذكرت الروايات الشريفة تعييرهن بمثل هذه الوصمات، فراجع كتاب (مثالب النواصب) لشيخ الطائفة محمد بن علي بن شهراشوب أعلى الله مقامه.

فلا يسلّم سماحة الشيخ بقولك أن عند الطرف الشيعي أيضاً غموض في قصة الإفك، فعندنا لا غموض فيها، والمقذوفة مارية (عليها السلام) والقاذفة عائشة (عليها اللعنة) وبذلك نطق الدليل الروائي واحتفت به القرائن ونهضت به البراهين العلمية(*).

ولم يجعل سماحة الشيخ عائشة محوراً لقصة الإفك المكذوبة، إنما جعلها محوراً لقصة الإفك الحقيقية حسب ما رُوِيَ عن أئمتنا (عليهم السلام) من أنها كانت من قذفت مارية (عليها السلام) في إبراهيم عليه السلام. فيبدو أنه وقع بعض اللبس عندك في أن الشيخ سلّم بقصة الإفك التي يرويها العدو. إن ذلك لم يصدر منه قط.

والشيخ أيضاً يلزمهم في كثير من مقامات الاحتجاج بما ألزموا به أنفسهم، فراجع محاضرات سماحته وأجوبة سماحته لتعرف أن هذا المسلك ليس ببعيد عنه.

نشكركم على حسن التواصل.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن
-----------------------------
(*) فصّل سماحة الشيخ الحبيب في ذلك في محاضرة سابقة تجدها (بالضغط هنا).

ليلة 18 ذو القعدة 1431


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp