ما رأيكم في هذا التوجيه لعدم إقرار آدم (عليه السلام) بميثاق أولي العزم؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الموضوع : علاقة أكل آدم من الشجرة بالميثاق والإقرار بالإمام المهدي عليه السلام على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة ( تتمة بحث سابق مع سماحة الشيخ حفظه الله )

جاء في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام قال: أخذ الله الميثاق على النبيين وقال: ألستُ بربكم؟ قالوا بلى، وان هذا محمداً رسولي وان علياً أمير المؤمنين والأوصياء من بعده عليهم السلام ولاة أمري وخزان علمي وان المهدي - عليه السلام - أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعاً وكرهاً، قالوا أقررنا ربنا وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر ، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي عليه السلام، ولم يكن لآدم عزيمة على الإقرار ، وهو قول الله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) .

فمن المحتمل أن آدم عليه السلام لم يجحد بالقلب ولم يقر باللسان فقط ( أي كان مقرا بقلبه ) فأكل من الشجرة ونتيجة لعدم إقراره اللساني جاز له الأكل من الشجرة حيث أن الملاحظ من خلال النصوص والروايات الشريفة أن هناك ميثاق للأنبياء وهناك ميثاق لأولي العزم وهناك ميثاق لعامة الناس ، وحتى يجوز لآدم الأكل من الشجرة المخصوصة للخالدين وهم أهل البيت – صلوات الله عليهم – وحتى تمضي مقادير الله ويقع الابتلاء والاختبار والتكامل والرحمة .

فعن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان موسى - عليه السلام - سأل ربه أن يجمع بينه وبين آدم عليه السلام، فجمع فقال له موسى: يا ابت الم يخلقك بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته ؟ وأمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته ؟ قال. يا موسى بكم وجدت خطيئتى قبل خلقي في التوراة ؟ قال: ثلثين ألف سنة قال. قال فهو ذلك، قال الصادق عليه السلام فحج آدم موسى عليه السلام وهو مشابه لما روي في الصحيحين من طرق أهل الخلاف في حال لم يتم حمل هذه الأحاديث على معاني الجبر فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :” احتج آدم وموسى عليهما السلام عند ربهما فحج آدم موسى قال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض فقال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم فهل وجدت فيها { وعصى آدم ربه فغوى } قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى \" وفي لفظ آخر \"احتج آدم وموسى فقال له موسى أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ثم تلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق ، فحج آدم موسى\"

والكتابة والتقدير في هذه الأحاديث من الممكن حملها على الإرادة التشريعية كما في قوله تعالى :”... كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم...” وغيرها من الآيات ، وكما روي عن الإمام الحسين صلوات الله عليه :” شاء الله أن يراني قتيلا ...”

ولم يقر آدم عليه السلام بميثاق أولي العزم وهو ميثاق خاص جدا يجعل من يلتزم به أن يكون صاحب شريعة وآدم لم يكن من أصحاب الشرائع ولم يسبقه صاحب شريعة قبله ، ومن لوازم ميثاق أولي العزم أن لا يتم الأكل من الشجرة المنهي عنها نهيا وجوبيا أما هذا النهي لا يكون واقعه وجوبيا بل صوريا إشفاقيا وإرشاديا لبعض المصالح التي تزاحمها مصالح وملاكات أخرى أكثر أهمية لذلك كان من أن يشير سياق قوله تعالى : (( وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً )) إلى هذا المعنى ، فطبيعة التكليف لكل ميثاق من المواثيق التي أخذها الله على العباد تختلف عن بقية المواثيق ، ولعل من الأسباب الأخرى في عدم إقرار آدم – عليه السلام – اللساني بالميثاق المرتبط بالإمام الحجة والقائم بالقسط وهو ميثاق أولي العزم أيضا مضافا لما سبق هو عدم القابلية في تنفيذ وتطبيق الميثاق على أرض الواقع ، وأحد جهات عدم القابلية هذه تتمثل في أن نوح - عليه السلام - لم يجعل على الأرض من الكافرين ديارا حيث قال تعالى عن لسان نوح – عليه السلام - : ( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا (28) ) فلقد كان نوح عليه السلام صورة لظهور الدين والإنتقام من الأعداء وقعت بعد آدم عليه السلام بشكل أخلت الأرض من الظلم والجور بعد امتلائها وهو مفاد الرواية التي تصدرنا بها في أول البحث وعليه ليس هناك قابلية في آدم - عليه السلام – للإعداد للإمام الحجة نتيجة لما يقع على يد نوح – عليه السلام – من خلو الأرض منهم ولو إلى حين فكانت هناك دولة خالية من الجور والظلم ، وصارت هناك بداية جديدة يكون فيها معنى واضح وجلي للإعداد للإمام الحجة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، على أن هذا التوجيه لا ينبغي أن يلغي حالة التعليم التصويري والاستعراضي التأهيلي للخليقة والبشرية قبل وقوع التكاليف عليها فيكون ذلك أبلغ في الحجة عليهم .

فبقية الأنبياء لم يكونوا من أصحاب الشرائع كأولي العزم لمصالح خاصة لم تذكر في الرواية التي هي في صدر البحث أما آدم – عليه السلام – فمن الممكن عدم أخذه للميثاق لجهة ارتباطه بالإمام الحجة ، فالإقرار به تبعات أشارت إليه الرواية التي في صدر البحث وبينته الآيات في سورة نوح لا يتمكن منها آدم – عليه السلام – لعدم القابل لا لقصور في الفاعل . فيرجى التأمل .


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعليق الشيخ:
«هذا توجيه حسن وإن لم يخلُ من ذوق، إلا أنه من حيث المجموع له وجه، ولعل مما يؤيد ما ذهبتم إليه في العزيمة؛ أنها في بعض الروايات بمعنى ترك ما كان، وعدمها هو بمعنى استصحاب ما كان، ففي خبر سماعة عن الصادق عليه السلام: "حتى جاء إبراهيم عليه السلام بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفراً به (...) حتى جاء موسى عليه السلام بالتوراة وشريعته ومنهاجه وبعزيمة ترك الصحف (...) حتى جاء المسيح عليه السلام بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه". (الكافي الشريف ج2 ص17)
وعلى هذا؛ فعدم العزيمة عند آدم (عليه السلام) قد تكون بمعنى استصحاب ما كان، وإذ علمنا أنه لم تكن قبله شريعة ولا كان حكم في عالمه الذي افتُتح بوجوده وهبوطه؛ فإن الاستصحاب ههنا يمكن أن يكون بمعنى إبقاء ما كان من عدم التكليف بالإقرار الذي هو إنشاء جديد، وذلك حتى تمضي المقادير.
أرى أن تمضوا في تدعيم هذا التوجيه بدلائل أكثر، لعل الله يجعل على يدكم تجديداً في هذه المباحث الشريفة، وما أنتم ببعيدين عن ذلك إن شاء الله تعالى. دعائي لكم».

شكرا لتواصلكم.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

ليلة 13 ذي الحجة 1431


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp