بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أقول : لقد سمعنا كثير من محاضرات الشيخ ياسر الحبيب و تفهمنا وجهات نظره , و لكن بقية تساؤلات عندنا نتمنى من الشيخ الإجابة عليها :
1- فلنسلم بعدم تمامية أدلة نفاة زنا زوجات الأنبياء , و لنسلم أيضا ً بتمامية أدلة مثبتي زنا عائشة , ما هي الفائدة العلمية من اعتقاد زنا عائشة ؟
فنحن كشيعة ماذا نستفيد إذا عرفنا أن عائشة زانية ؟
و هل هذا الطرح طرح مُفيد يُناقش قضيّة حيويّة يعيشها الفرد المُؤمن ؟
2- يقول بعض الناس : [ أن ياسر الحبيب غير مبالي لأنه بكلامه هذا سبب تضرر كثير من مصالح الشيعة مع المخالفين من ضمنها المصلحة الثقافية في نشر مذهب الشيعة , فسبب ياسر الحبيب تشويه فكري للمذهب , و إن قال قائل ( ياسر الحبيب ) : إن عرض عقائدنا واجب علينا حتى لو تسبب ذلك تشويه مذهبنا , قلنا : و أي فائدة مُترتبة من الاعتقاد بزنا عائشة ؟ و هل هذه من جُملة العقائد الحيويّة المُهمة التي يجب على الفرد المؤمن الاعتقاد بها ؟ , فلو كانت مسألة زنا عائشة عقيدة مُهمة حيويّة لضحينا من أجل الدفاع عنها كسائر عقائدنا و تحملّنا هذا التشوية العقائدي , و لكن هذه المسألة لا فائدة من الاعتقاد بها سواء ثبتت أم لم تثبت ليس هناك ثمَّ فائدة !!!] .
فا رأيكم بهذا الكلام ؟
ملاحظة مُهمة جدا ً : لسنا بترية و لا نحمل الأفكار البترية أساسا ً , و لسنا من مؤيدي التيار ( الانبطاحي ) , و لكنها تساؤلات تُطرح علينا دائما ً من أنفسنا و من بعض المؤمنين عند مُناقشة قضيّة الشيخ ياسر الحبيب في الأوساط الشيعيّة.
اللهم صلِ على محمد و آل محمد...
الخزرجي أبو محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نبارك لكم حلول عيد الله الأكبر عيد الغدير الأغر.
جواب الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ج1: هي كالفائدة من العلم بأن زليخا راودت يوسف عليه السلام، فإنه كان لله جل وعلا أن يحجب هذه الصورة عنا إلا أنه لم يذكرها فحسب بل بيّن تفاصيلها كاملة مع ما تحمل من حرج لكون المرأة تابت لاحقاً وصارت زوجة للنبي يوسف نفسه.
فكم هو رائع لو أن المنتفضين لكرامة عائشة - من البتريين وأهل العالميْن الثالث والرابع - الزاعمين أن المساس بها مسّ بعرض رسول الله صلى الله عليه وآله.. كم هو رائع لو أنهم أكملوا انتفاضتهم وجعلوها على القرآن أيضاً إذ إنه لم يستر على عرض النبي يوسف عليه السلام! مع الفرق البيّن بين زليخا وعائشة، فإن زليخا زلّت ثم تابت وختمت حياتها بخير وهي في عصمة نبي، أما عائشة فقد ارتدّت وختمت حياتها بشر وانفسخت عصمتها من نبي! واليوم فإن زليخا في الجنة، وعائشة في النار. فما أطرف أن ينتفض المرء محامياً عن عرض امرأة هي في النار بينما يغض الطرف عن عرض امرأة هي في الجنة! وكلاهما كانتا زوجتا نبيّين، ومعلوم أن حرمة الأنبياء واحدة، فإذا كان المسّ بعرض عائشة مساً بعرض النبي الخاتم صلى الله عليه وآله؛ كان المسّ بعرض زليخا مساً أيضاً بعرض النبي يوسف الصديق صلوات الله عليه. وعليه فالأجدر بالمنتفضين - حشرهم الله مع عائشة - أن يكملوا مشوارهم ويطالبوا بتنقيح القرآن لأن فيه مساساً بأعراض الأنبياء!
وإن امتلكوا الشجاعة الأدبية لذلك فلهم أيضاً - على منطقهم - أن يشكلوا على كتاب الله تعالى بأن فيه كثيراً من المعلومات والإشارات التي تتعلق بالأعراض والقبائح والموبقات ولا فائدة علمية فيها ولن يستفيد المسلمون منها شيئاً فهي ليست قضية حيوية يعيشها الفرد المؤمن!
أية فائدة في أن نعلم أن زوجة لوط (عليه السلام) كانت تصعد سطح داره داعية إلى اللواط؟! وما الذي سنخسره إذا لم نعلم ذلك؟! فالقضية ليست قضية حيوية يعيشها الفرد المؤمن!
أية فائدة في أن يعلم المؤمن أو لا يعلم أن أم جميل (لعنها الله) كانت حمالة حطب وفي جيدها حبل من مسد؟! ماذا يضرّنا لو لم نعلم ذلك؟!
ثم ما بال خطبائنا - غفر الله لهم - يذكرون في كل موسم عاشوراء هند بنت عتبة (لعنهما الله) ويطعنون في عرضها ذاكرين أنها كانت من ذوات الرايات اللاتي يتعاقب عليهن الرجال؟! إنها وإن كانت أم معاوية (لعنه الله) إلا أنها مسلمة في الظاهر فلها حرمة وإن كانت منافقة فالمنافق تجري عليه أحكام الإسلام! ثم أين الشهود الأربعة في نسبة الفاحشة إليها؟ وعلى هذا فحد القذف ثابت على خطبائنا!
هكذا ترى منطق المتشيطنين، والذين لُبِّسَ عليهم من المخدوعين بالإعلام البتري المضلِّل. أما منطق أهل الإيمان والسائرين على نهج القرآن الحكيم والحديث الشريف فهو: أن عملية منهجة العقل والسلوك بمنهج السماء تستدعي ذكر وترويج كل ما من شأنه تحقيق ذلك ودفع النفس البشرية إليه، ومن أهمّه ضرب الأمثلة وبيان التفاصيل، سيّما في ما يتعلق بشخصيات الخير والشر.
فشخصيات الخير تُذكر فضائلها ومناقبها مهما بلغت كثرة واتسعت تفصيلاً، ولا يُقال أنه ليس في ذكرها فائدة؛ فإنها تزيد ارتباط المؤمن بهذه الشخصيات وتتنامى في نفسه الرغبة في التأسي بها.
وشخصيات الشر تُذكر مثالبها وقبائحها مهما بلغت كثرة واتسعت تفصيلاً، ولا يُقال أنه ليس في ذكرها فائدة؛ فإنها تزيد نفور المؤمن من هذه الشخصيات وتتنامى في نفسه الحيطة من الوقوع في ما وقعت فيه.
قال المحقق الكركي رضوان الله تعالى عليه: «من كان عدواً لأهل البيت عليهم السلام، فلا حرج في ذكر معايبهم وقبائحهم، والقدح في أنسابهم وأعراضهم، بما هو صحيح مطابق للواقع، تصريحاً وتعريضاً، كما وقع من أمير المؤمنين عليه السلام، وما صدر من أبي محمد الحسن صلوات الله عليه في مجلس معاوية لعنه الله في ذكره لمعايبه ومعايب عمرو بن العاص والوليد بن المغيرة وأمثالهم، عليهم أجمعين من اللعن ما لا يحصى إلى يوم الدين. ولا حرج في تكرار ذلك والإكثار منه في المجالس لتنفير الناس منهم، وتطهير قلوب الخلق من الاعتقاد فيهم والموالاة لهم، بحيث يبرءون منهم. وكذا لعنهم والطعن فيهم على مرور الأوقات مع مجانبة الكذب. ومن تأمل كلام سيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في نهج البلاغة وجده مشحوناً بذلك». (رسائل المحقق الكركي ج2 ص46)
ج2: لا يصح أن تقيّم الأمور بمعيار المخالف، بل الصحيح أن تقيّم بمعيار الشرع. وحيث إن الشرع حثّ على ذكر معايب وفضائح العدو بالغة ما بلغت، ولم يسقط التكليف الإجمالي بذلك إلا للتقية؛ علمنا بأن المصلحة والفائدة فيه، وأنه لا تشويه فكرياً على ما يُزعم.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الاخرة». (الكافي الشريف ج2 ص375)
ولو فُتح هذا الباب الذي يفتحونه علينا وسلّمنا بصحة إشكالهم فيما سمّوه تشويهاً فكرياً؛ لكان الواجب التنازل عن فتوى جواز زواج المتعة، فأنت خبير بأن هذه المسألة من أكثر ما يتخذه الخصوم ذريعة لتشويه سمعة التشيع ووصمه بالإباحية ورمي أهله بالزنا والعياذ بالله، وبهذا قد عطّلوا انتشار التشيع في كثير من البلدان.
والمسألة ليست إلا مسألة من آلاف مسائل الفروع، وليست من أصول الدين في شيء، فلماذا نضحي من أجلها ونتحمّل كل هذا «التشويه»؟!
إن القول بوقوع عائشة (لعنها الله) في الزنا، هو قول يقوي المذهب ولا يضعفه، فأنت الشيعي منذ القديم ملاحَق من الخصوم بدعوى «الطعن في عرض أم المؤمنين المبرأة من فوق سبع سموات»! وكلما هربت إلى الأمام بإنكارك؛ كلما سارع خصمك ولحق بك بما في كتبك! وكلما أنكرتَ ألزمك! وكلما نفيتَ كذّبك! وقال لقومه: إنه يعمل بالتقية فلا تصدقوه! فتكون على كل حال مُداناً! ومهما تفعل فأنت في القفص!
أفلا يحسن إذن أن تخرج من قفصك وتتحرّر من سجنك الذي أوقعت فيه نفسك، فتستدير على خصمك وتحمل عليه قائلاً: «أجل هي زانية! قد رماها صحابتكم العدول! وجوّز عليها الزنا علماؤكم الفحول! ثم إني لا أقول أنها المبرأة؛ بل هي المدانة من فوق سبع سماوات، وليست بأم المؤمنين ولا كرامة، فأين شرط التقوى؟! وبعد فماذا تريد؟ فإني إنما أزنّيها بعد النبي صلى الله عليه وآله، لا في حياته الشريفة، وأقول فيها ما تقولونه في العامرية والكندية من أزواجه، أما أنتم فتروون في صحاحكم أنه (صلى الله عليه وآله) قد شك بها واستراب في شأنها في حياته وكاد أن يزنّيها! ثم إن الأدلة معي على مجونها مما تروونه! فأيّكم يمتلك الرجولة ليواجهني»؟!
هكذا تزأر على خصمك، فتلاحقه بدلاً من أن يلاحقك! وتسجنه بدلاً من أن يسجنك! وتحرجه بدلاً من أن يحرجك! هل فهمت! خير وسيلة للدفاع الهجوم، اغزوهم قبل أن يغزوكم.
وها أنت ترى بحمد الله تعالى، دليلاً على أن قولنا هذا يقوي المذهب لا يضعفه؛ أن رجالاً ونساءً منهم، قد اهتدوا وتشيّعوا بعد الضجة التي افتعلوها والحماقة التي ارتكبوها. وتلكم رسائلهم على الموقع منشورة، فارجع إليها لترى كيف أن الحقائق هي دائماً سيدة الموقف، تجرّ إلى الحق المنصف. فلا عليك بما يقولون، إنما هي زوبعة في فنجان، وانظر إلى المستقبل، المستقبل هو للتشيع، ولن تبقى لعائشة باقية. وإن هي - إن شاء الله - إلا سنوات قليلة وسترى أنت، أو ابنك، أو حفيدك؛ كيف أن هذه الأمة تنفر من عائشة نفورها من كل امرأة ساقطة، فلا يتبقى نصيراً لها إلا الساقطون المنحرفون.
كانت عائشة في بلاد فارس قديماً مقدسة محترمة، حين كانت تلك البلاد على دين أهل الخلاف. انظر اليوم؛ إذا قيل لامرأة هناك: «أنت عائشة» كان ذلك مرادفاً لقولنا: «أنت فاحشة»!
جعلنا الله وإياك ممن ينتصر بهم لأوليائه على أعدائه. والسلام. ليلة السبت لعشر بقين من ذي الحجة الحرام لسنة إحدى وثلاثين وأربعمئة وألف من الهجرة النبوية الشريفة.