السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي بعض الاسئلة تحتاج الى إجابتكم لتنوروني موفقين والاسئلة كالآتي:
1- الامام الحجه عجل الله فرجه، هو كان اخر الائمه وقد تم تغيبه من الله سبحانه وتعالى ،لماذا لم يتم خلافته بالامه الاسلاميه من اهل البيت من بعده فقد كان هناك من نسل الامام الحسن سلام الله عليه وايضا كان هناك من نسل الامام الحسين سلام الله عليه؟ وهل كان هناك دليل من القران او من السنه بأن الائمه سيكونون اثنى عشر فقط ؟
2-بالنسبه لتسلسل الائمه الاثنى عشر المعصومين عليهم السلام ،بعد الامام الحسين سلام الله عليه ذهبت خلافة الائمه الاثنى عشر الى نسل الامام الحسين ولم تذهب الى نسل الامام الحسن لماذا ؟ هل كان هذا بسبب عامل السن او بسبب امر مكتوب من الله او الرسول ؟واذا كانت خلافة الامام الحسين من بعده ذهبت الى نسل الامام الحسن هل سيكونون معصومين ؟
3- هل هناك دليل من القران او السنه بأن الائمة الاثنى عشر عليهم السلام معصومين ؟
4- من بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام ذهبت الخلافه للامام علي بن الحسين عليه السلام ، ومن ثم ذهبت الى الامام محمد بن علي عليه السلام ، من الواضح بأن الخلافة كانت تتوارث مع انه كان هناك اخوة للائمة لم تذهب لهم الخلافه بل ذهبت لأولادهم لماذا ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم
فيما يلي جواب الشيخ لكم وشكرا لتواصلكم:
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد مولانا السبط الثالث المحسن بن علي صلوات الله عليهما. جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثاره مع إمامنا المهدي المفدى صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف.
ج1: إنّا حيث نؤمن بأن الله تعالى حكيم، أي أنه لا يقضي أمراً إلا أن تكون فيه حكمة ومصلحة؛ فإنه علينا تالياً التسليم بما قضى وحكم، فليس لنا الاعتراض مثلاً على الله بأن لماذا جعل محمداً (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء ولا نبي بعده؟ كما ليس لنا الاعتراض عليه بأن لماذا جعل الحجة (عجل الله فرجه الشريف) خاتم الأوصياء ولا وصي بعده؟
وكما أنه ليس لنا الاعتراض على الله في حصره الأنبياء في سلالة إبراهيم (عليه السلام) من بعده؛ فإنه ليس لنا الاعتراض في حصره الأئمة في سلالة الحسين (عليه السلام) من بعده.
هكذا شاء الله تعالى، وهكذا قضى وقدّر، وما علينا إلا التسليم والرضى والإيمان بأن اختياره - سبحانه - ينطوي على حكمة بالغة، وأن هذا الاختيار هو ما تقتضيه المصلحة في هداية الناس إلى الدين الحق.
قال سبحانه: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا»، وقال عزّ من قائل: «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ». وقال جل وعلا: «اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ».
بعد الإيمان بهذا والعلم به؛ نعلم بأنه ليس بعد الحجة القائم (صلى الله عليه) كفؤ لتولي مقام الإمامة الربانية، لذا ختم الله به الأئمة (عليهم السلام) وغيّبه امتحاناً لهذه الأمة المقصّرة في الانقياد له. وعليه؛ ليس مجرد وجود أشخاص - وإن كانوا صلحاء - من نسل الحسن والحسين (عليهما السلام) يعني إمكان تولّي أحدهم الإمامة، فإن هذا يحتاج لكفاءة لم تتوفر فيهم، لذا لم يقع اختيار الله - جل وعلا - على غير هؤلاء الاثني عشر (عليهم السلام) لأنهم هم الكفؤ لهذا المنصب الخطير دون غيرهم.
وأما عن الأدلة الشرعية على كون الأئمة إثنا عشر؛ فتعدادها وإحصاؤها فوق إمكان العادة، لأنها كثيرة كثرة هائلة، ومتواترة تواتراً عظيماً، فنحن نذكر منها إثنين فقط تبرّكاً، إحداهما مروي من طرقنا، والآخر من طرق أهل البدعة.
أما الذي من طرقنا فقد روى الخزّاز الرازي بسنده عن أبي الأسود عن أم سلمة سلام الله عليها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الأئمة من بعدي إثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، أعطاهم الله علمي وفهمي، فالويل لمبغضهم». (كفاية الأثر للخزاز الرازي ص183)
وأما الذي من طرق أهل البدعة فقد روى البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكون إثنا عشر أميراً. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: كلهم من قريش». (صحيح البخاري ج9 ص729)
وهناك في مرويات أهل البدعة أحاديث تذكر أسماء الأئمة (عليهم السلام) صراحة، كالحديث الذي رواه القندوزي الحنفي عن جابر بن عبد الله قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر؛ إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر - ستدركه يا جابر؛ فإذا لقيته فأقرئه مني السلام - ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم، اسمه اسمي وكنيته كنيتي، محمد بن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تبارك و تعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان». (ينابيع المودة للقندوزي ج2 ص593)
ج2: هو كما سبق؛ أمر الله تعالى وقضاؤه. وقد جاء في الروايات الشريفة ما يوضح بعضاً من أبعاد جعل الإمامة في ذرية الحسين دون ذرية الحسن صلوات الله عليهما، مع أن الحسن (عليه السلام) أفضل.
فعن هشام بن سالم قال: «قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السلام: الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. قلت: فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين، ألا ترى أنهما كانا شريكين في النبوة، كما كان الحسن والحسين شريكين في الإمامة؟ وإن الله عز وجل جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وإن كان موسى أفضل من هارون». (كمال الدين للصدوق ص416)
ونحن ما علينا إلا التسليم كما سبق وبيّنا. فعن محمد بن أبي يعقوب البلخي قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام قلت له: لأي علة صارت الإمامة في وُلد الحسين دون وُلد الحسن عليهما السلام؟ قال: لأن الله عز وجل جعلها في وُلد الحسين، ولم يجعلها في ولد الحسن، والله لا يُسأل عما يفعل». (عيون الأخبار للصدوق ص236)
أما عن أنه لو افترضنا أن الإمامة قد انتقلت إلى ذرية الحسن (عليه السلام) فهل يجب أن يكونوا معصومين؟ فالجواب: نعم، وحيث أنهم ما كانوا معصومين فلذا ما كانوا أهلاً للإمامة.
ج3: نعم، وهي كثيرة. فمن القرآن قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، وحيث إن كل معصية هي من الرجس، وقد أراد الله تعالى إذهابه عنهم (عليهم السلام) فلا بد أن يكونوا معصومين إذ إرادة الله التكوينية واقعة لا محالة.
وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ» فقد قرن الله تعالى طاعته بطاعة رسوله وأولي الأمر (عليهم السلام) فلا بد أن يكونوا معصومين وإلا كان إغراءً بالقبيح لأنه أمر على سبيل الجزم بطاعة من يعصي أو يخطئ.
ومن السنة قول النبي (صلى الله عليه وآله) المتواتر والذي روته جميع الفرق بألفاظ متقاربة: «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض». (مسند أحمد بن حنبل ج3 ص14 وصحيح مسلم ج4 ص1874 وسنن الترمذي ج5 ص662 وغيرها كثير) ودلالته عصمة العترة من الخطأ كعصمة القرآن من الخطأ ولذا جعل التمسك بهما عاصماً للأمة من الضلال.
وكذا من السنة قول النبي (صلى الله عليه وآله) المتواتر والذي روته جميع الفرق أيضاً بألفاظ متقاربة: «علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه الحق حيثما دار». (مستدرك الحاكم ج3 ص134 ومجمع الزوائد ج7 ص234 وغيرهما كثير) ودلالته على العصمة واضحة إذ لو كان يذنب أو يخطئ لما كان على الحق يدور معه حيثما دار.
ثم إن هنالك أحاديث شريفة فيها لفظ العصمة صراحة، كالحديث الذي رواه الخزاز الرازي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء. قيل: يا رسول الله؛ فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم؛ الأئمة بعدي إثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، أمناء معصومون، ومنا مهدي هذه الأمة. ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي. ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي». (كفاية الأثر للخزاز القمي ص29) والحديث الذي أخرجه الحاكم الحسكاني بسنده عن ابن عباس قال: «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون». (شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج2 ص11) إلى غير ذلك من أحاديث شريفة تتضمن هذا المعنى.
ج4: لما سبق بيانه من أن الإمامة أمر الله، لا يجعلها إلا فيمن حاز كفاءة خاصة تؤهله لها فـ«اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ». وذلك كمثل النبوة، فإنها كانت على العادة تنتقل في الأصلاب من الأب إلى ابن خاص دون سائر الأخوة، وإذا اجتمع في زمن نبيان أخوان، كموسى وهارون (عليهما السلام) فالعادة تقضي أن تنتقل النبوة بعدهما إلى ولد أحدهما دون الآخر، فصارت النبوة في ذرية هارون عليه السلام.
وفقكم الله لجوامع الخير في الدارين. والسلام.
ليلة الرابع من ربيع الأول لسنة اثنتين وثلاثين وأربعمئة وألف من الهجرة النبوية الشريفة.
ليلة 4 ربيع الأول 1432