من قام بتنقيط الحروف العربية؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

1- يزعم بعض المستشرقين أن العرب كانوا جهلة و أميين قبل الإسلام و أنهم بعد ما يسمى بالفتوحات اعتمدوا على اليهود و النصارى لكونهم يعرفون القراءة و الكتابة فأرجوا بيان هذا و هل هناك روايات تاريخية خصوصاً في مصادرنا تشير إلى أن المسلمين في زمن الدولة الإسلامية الأولى (دولة الرسول صلى الله عليه و آله) كانوا أميين و هل شجّع الرسول صلى الله عليه و آله و الإمام علي عليه السلام على تعلم القراءة و الكتابة و تعلم العلوم المختلفة من رياضيات و غيرها.
2- هل صحيح أنّ أول من قام بتنقيط الحروف العربية هو ليس الإمام علي عليه السلام و هل صحيح أن إشارات الفتحة والضمة و الكسرة و غيرها قد وضعها أحد ملوك بني امية و إذا كان هذا فكيف نتبع نظام أسسه الأمويون أم أنّ هذا غير صحيح ؟
أحمد


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بمراجعة الشيخ أفاد الآتي:

ج1: هذا قول غير صحيح على إطلاقه، فإنه كان في العرب والمسلمين الأوائل من يتقن القراءة والكتابة، وعلى رأس هؤلاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يعرف القراءة والكتابة بسبعين لغة، وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام.
نعم كانت أكثرية العرب أميين جهلة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله، إلا أنهم تعلموا القراءة والكتابة قبل الفتوحات، فقد حثّهم النبي (صلى الله عليه وآله) على أن يتعلموا وسهّل لهم ذلك بأن جعل فدية أسارى بدر من المشركين أن يعلّم الواحد منهم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة. (الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص22)
وقد جاءت أحاديث كثيرة في الحث على الكتابة، منها:
● قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «قيّدوا العلم بالكتاب». (تحف العقول لابن شعبة الحراني قدس سره ص36)
● قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «قيّدوا العلم. قيل: وما تقييده؟ قال: كتابته». (منية المريد للشهيد الثاني قدس سره ص340)
● قال الإمام الصادق عليه السلام: «القلب يتكل على الكتابة». (الكافي للكليني قدس سره ج1 ص52)
● قال الإمام الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر: «اكتب وبث علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم». (المصدر نفسه)
وقد وعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يشرع بكتابة العلم والتأليف بثواب عظيم. قال صلى الله عليه وآله: «المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم؛ تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تبارك وتعالى بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات». (الأمالي الصدوق قدس سره ج3 ص40)
وأما بالنسبة لتشجيع الأئمة (عليهم السلام) على تعلم العلوم المختلفة بما فيها علوم اللغة والطب والرياضيات ونحوها فهذا أمر واضح أيضا في الأحاديث الشريفة، فمثلا جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: «العلم ثلاثة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنحو للسان». (تحف العقول لابن شعبة الحراني قدس سره ص144)
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديث طويل فيما ينفع العباد تعلمه وإتقانه من علوم وفنون جاء فيه: «كل ما يتعلم العباد أو يعلمون غيرهم من صنوف الصناعات مثل الكتابة والحساب والتجارة والصياغة والسراجة والبناء والحياكة والقصارة والخياطة وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني وأنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد التي منها منافعهم وبها قوامهم وفيها بُلغة حوائجهم». (المصدر نفسه ص249)
فهنا تجد الحث على الكتابة والرياضيات (الحساب) والاقتصاد (التجارة) والهندسة والفن المعماري (البناء) وحتى فنون النحت والتصوير.

ج2: هذا غير صحيح، بل أول من قام بتنقيط الحروف وتشكيلها هو تلميذ الإمام علي (عليه السلام) أبو الأسود الدؤلي، وكان ذلك بأمره وتعليمه (عليه السلام) كما اعترف به العدو.
قال ابن حجر في ترجمته لأبي الأسود: «عن المبرد قال: أول من وضع العربية ونقّط المصاحف أبو الأسود، وقد سئل أبو الأسود عمن نهج له الطريق فقال: تلقيته عن علي بن أبي طالب». (الإصابة لابن حجر ج3 ص456)
وقال أبو هلال العسكري: «أبو الأسود أول من نقط المصحف». (الأوائل للعسكري ج 1 ص 130)
إلا أن بعض المخالفين أرادوا نسبة هذا العمل الجليل إلى الأمويين زورا! ولأنه يصعب عليهم إنكار أن التنقيط والتشكيل كان من أبي الأسود الدؤلي فإنهم جعلوا الآمر له بذلك ليس أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنما عبد الملك بن مروان! قال السيوطي: «اختلف في نقط المصحف وشكله، ويقال: أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الملك بن مروان»! (تفسير السيوطي ج2 ص171)
لكن هذه كذبة مفضوحة لأن من المعروف أن أبا الأسود كان من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومحبيه والمخلصين له، وكان أتباع بني أمية يرجمونه بالحجارة لأجل ذلك! فمتى كانت له معهم علاقة ودية حتى يعمل لهم على تنقيط وتشكيل المصحف؟!
قال ابن خلكان عن أبي الأسود: «كان نازلا في بني قشير بالبصرة، فكانوا يرجمونه بالليل لمحبته لعلي وولده»! (الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي قدس سره ج1 ص9 عن ابن خلكان)
ثم إن ما بين عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وعهد عبد الملك بن مروان (لعنه الله) أكثر من ربع قرن انتشر فيه التنقيط والتشكيل، فلا يتصور أن يكون ذلك بأمر عبد الملك وقد سبقه.
ثم حتى لو افترضنا جدلا أن ذلك كان بأمر عبد الملك فإن هذا لا يعني أن الأمويين أصحاب الفضل في ذلك، لأن الفضل يرجع إلى أبي الأسود فهو الذي اجتهد في وضع هذا التنقيط والتشكيل، ولم يكن عبد الملك سوى آمر. بخلاف رواية الإصابة فإن عليا (عليه السلام) لم يكن فيها آمراً فقط لأبي الأسود، وإنما كان معلّماً، لأن أبا الأسود عندما سئل عن كيفية وضعه التنقيط والتشكيل قال: «تلقيّته عن علي بن أبي طالب» أي تعلمته منه عليه السلام، فالفضل إذاً يرجع بالنهاية إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
وحتى لو افترضنا جدلا أن التنقيط كان الفضل فيه للأمويين فإن ذلك لا يمنع من اعتماده، فنحن اليوم نعتمد مثلا على الكمبيوتر مع أنه من اختراع الكفار.
هذا إذا صح أن التنقيط كان من الأمويين، وقد عرفتَ أنه ليس بصحيح، وإنما الفضل فيه يرجع إلى الشيعة وإمامهم علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

ليلة 5 ربيع الآخر 1432


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp