سلام عليكم
ما معنى لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها ؟ و لماذا ذلك ؟ رجاءا رجاءا مع
أدلة قرآنية و عقلية رجاءا
و شكرا لكم
باسمه جل ذكره. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما المعنى فهو أن الأرض بمن فيها من الكائنات لو غاب عنها الإمام المعصوم الذي هو حجة الله على خلقه لساخت أي غابت كما يغيب المطر في باطن الأرض.
وأما لماذا ذلك فلأن الله تبارك وتعالى جعل الإمام المعصوم محور الكون في الولاية والتصريف، فإذا غاب فإن كل شيء يتعطل وينتهي، كما أن الله تعالى مثلا قد جعل الشمس سببا للحياة على الأرض، فلو غابت لاندثرت الأرض، إذ ستنعدم عليها الحياة بسبب البرودة والظلام، كما أنها ستفلت من جاذبية الشمس وتتوه في الفضاء فترتطم بسائر الأفلاك وتنعدم.
والإمام المعصوم بالنسبة للخلائق كالشمس وإن جلّلها السحاب، فهو الذي يتصرف في تسيير شؤون الكون بما منحه الله تعالى من الولاية التكوينية، إذ قد جاء في الزيارة المعتبرة لهم عليهم السلام: "إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم" (بحار الأنوار ج98 ص153) ومعنى ذلك أنه يتحكم في شؤون الخلائق بإذن الله تعالى، ومنه تصدر الأوامر والزواجر ومقادير الأمور. فلو غاب لتعطّل كل شيء ولانهدم كل شيء ولساخ كل شيء.
وهذا المعنى قد ورد في روايات صحيحة معتبرة كثيرة تبلغ حد التواتر من طرقنا، ومنها مثلا ما رواه الكليني (رضوان الله تعالى عليه) عن أبي حمزة قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال عليه السلام: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت" (الكافي ج1 ص179).
كما قد وردت في هذا المعنى روايات من طرق المخالفين أيضا، فقد روى الحمويني بسنده: "عن سليمان الأعمش بن مهران عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنهم قال: نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين وسادات المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المسلمين ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء وبنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض، ولولا ما على الأرض منا لساخت بأهلها ثم قال: ولم تخل منذ خلق الله آدم (عليه السلام) من حجة الله فيها أما ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من حجة، ولولا ذلك لم يعبد الله.
قال سليمان: فقلت لجعفر الصادق رضي الله عنه: كيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب" (فرائد السمطين للحمويني ج1 ص45 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج3 ص361).
أما عن الدليل القرآني المؤيد للروايات المتواترة فيكمن في قوله تعالى: "وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الأنفال: 34) فقد أظهرت الآية الكريمة أن العذاب مرفوع عن القوم ما دام رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي حجة الله في ذلك الزمان موجودا بينهم، فيكون تعلق بقاء الأمان بوجوده، كما أن تعلق نزول العذاب بغيابه.
وأما عن الدليل العقلي فيكمن في ثبوت نظام العلة والمعلول للكائنات، فإذا غابت أية علة لغاب معلولها وانفنى، وحيث ثبت أن الحجة المعصوم علة لاستقرار جميع الكائنات فيكون غيابه موجبا لغياب كل تلك المعاليل وفنائها. ومثال ذلك ما لو غاب الملك الذي أوكل الله تعالى إليه تسيير الرياح مثلا، لتعطّل ذلك.
وأما ثبوت أن الحجة علة ففي قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة: 31) فكان نشوء الحياة على الأرض عائدا إلى جعل الله تعالى فيها خليفة، وهو آدم عليه السلام، فيكون هو العلة، ويكون وريثه في محلّه وقائما مقامه، وفي زماننا هذا هو سيدنا ومولانا وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وسائر الأئمة والأنبياء والمرسلين الحجة بن الحسن المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
جعلكم الله وإيانا ممن يتشرف بلقاء حجته على خلقه. والسلام.
26 من ذي الحجة لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.