بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَنَبِّهْنِي لِذِكْرِكَ فِي أَوْقاتِ الغَفْلَةِ وَاسْتَعْمِلْنِي بِطاعَتِكَ فِي أَيَّامِ المُهْلَةِ وَانْهَجْ لِي إِلى مَحَبَّتِكَ سَبِيلاً سَهْلَةً أَكْمِلْ لِي بِها خَيرَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ اللهم العن أعدآء محمد و آل محمد أجمعين
سلام عليكم
شيخنا الفاضل أدامكم الله لنا ذخرا ، سيدي الكريم ، سمعت في بعض محاضرات لكم ، أن عمر بن الخطاب عليه لعائن الله تترى ، أباد قرى بأكمله و دمر مدن التي خالفته ، أظنني قلتم كمثال على هذا الأمر ، تدمير و إبادة قرية كفر سوس ، أظن أن هكذا كان إسم القرية ، أود من جنابكم الكريم أن تثبتوا هذه الرواية والروايات الأخرى في تدمير القرى تاريخيا و كذلك روائيا و من كتب القوم مع ذكر المصادر و إن أضفتم لبحثكم الكريم هذا ، توثيق الرجال في الروايات و الأحداث لكان ذلك أنفع و أنفع لي فهو مهم و هام جدا جدا ، سيدي الكريم إن هذه الحادثة لم أسمع بها من قبل ، و يهمنني جدا جدا أن تشبعوا البحث في هذا الجانب و تبينوا رجاءا رجاءا الحيثيات الخفية لهذا الحادث و متى كان و كيف و بيد من وأين رويت ، و هل ورد هذه الحادثة من طرقنا مع ذكر المصادر لطفا .
و أخيرا لو تظيفون مقالا حول أثر عمربن الخطاب لعنة الله عليه في إحداث ملحمة كربلاء المقدسة ، بمصادر وثيقة .
و عظم الله لنا الأجر بحلول أيام الله أيام أبي عبدالله الحسين عليه السلام أيتمو حزن آل الله ، السلام عليك يا أبا عبدالله ، حبذا تفسرون قول صادق عترة الطاهرة سلام الله عليه و عليها معنى لا يوم كيومك يا أباعبدالله .
تلميذكم المقصر
مرتضى
باسمه عظمت آلاؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد مولانا سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه، جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع ولده المنتقم له صاحب العصر صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف.
المدينة اسمها (عرب سوس) وتقع في أطراف الشام، وهي مدينة أصحاب الكهف عليهم السلام.
وقصّتها أنه قد ادّعى والي حمص عمير بن سعد المنصوب من قبل عمر بن الخطاب (عليه اللعنة) أن أهل عرب سوس متآمرون مع العدو ضد الدولة، فأمر عمر الوالي بأن يخيّرهم بين أن ينقلهم إلى مكان آخر ويعوّضهم عما يملكونه ضعفا ثم يخرّب مدينتهم، أو أن يبقيهم على ما هم عليه سنة ثم يخرّب مدينتهم أيضا!
إلا أن أهل المدينة رفضوا الخيار الأول وردّوا التهمة، فقام الوالي بالعمل بالخيار الآخر، فأمهلهم سنة ثم حاربهم وخرّب وأباد مدينتهم بأكملها إبادة جماعية! فبلغ ذلك عمر فغضب على الوالي، وضربه وآلمه! فلمّا أخبره الوالي أن ذلك إنما كان بأمره قال له: "رحمك الله فهلاّ قلت لي ذلك وأنا أضربك"!
وتمام الخبر رواه عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي الشهير بابن العديم في بغية الطلب هكذا: "كتب إلينا أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج بن علي الحصري من مكة شرفها الله أن أبا عبد الله محمد بن العباس بن عبد الحميد الحراني أخبرهم قال: أخبرنا النقيب أبو الفوارس طراد بن محمد بن علي الزينبي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسن بن البادا قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحق الخراساني قال: أخبرنا عم أبي علي بن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا يزيد بن هرون عن هشام بن حسان عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب استعمل عمير بن سعيد أو سعد، شك أبو عبيد، على طائفة من الشام، فقدم عليه قدمةً فقال: يا أمير المؤمنين إن بيننا وبين الروم مدينة يقال لها عرب سوس وإنهم لا يخفون على عدونا من عوراتنا شيئاً، ولا يظهرونا على عوراتنا، فقال له عمر: فإذا قدمت فخيّرهم بين أن تعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بعير بعيرين، ومكان كل شيء شيئين، فإن رضوا بذلك فأعطهم وخرّبها، فإن أبوا فانبذ إليهم، وأجلهم سنة ثم خربها، فقال: إكتب لي عهداً بذلك، فكتب له عهداً، فلما قدم عمير عليهم عرض عليهم ذلك، فأبوا فأجلهم سنة ثم أخربها!
أنبأنا عبد الصمد بن محمد القاضي عن أبي الحسن علي بن المسلم السلمي قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو نصر بن الجندي قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد: حدثنا غير واحد ممن سمع هشام بن حسان أن محمد بن سيرين حدثه أن عمير بن سعد كان يعجب عمر بن الخطاب، فكان من عجبه به يسميه نسيج وحده، وبعثه مرة على جيش من قبل الشام فقدم مرة وافداً فقال: يا أمير المؤمنين إن بيننا وبين عدونا مدينة يقال لها عرب السوس يطلعون عدونا على عوراتنا ويفعلون ويفعلون، فقال عمر: إذا أتيتهم فخيرهم أن ينتقلوا من مدينتهم إلى كذا وكذا، وتعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بقرة بقرتين ومكان كل شيء شيئين، فإن فعلوا فأعطهم ذلك، وإن أبوا فانبذ إليهم، ثم أجلهم سنة، فقال: يا أمير المؤمنين اكتب لي عهدك بذلك، فكتب له عهده، فأرسل إليهم فعرض عليهم ما أمره به أمير المؤمنين، فأبوا فأجلهم سنة، ثم نابذهم، فقيل لعمر: إن عمير قد خرب عرب السوس وفعل وفعل! فتغيّظ عليه عمر، ثم إنه قدم بعد ذلك وافداً ومعه رهط من أصحابه، فلما قدم عليه علاه بالدرة! وقال: خرّبت عرب السوس، وهو ساكت لا يقول له شيئاً، ثم قال لأصحابه: مبرنسين مبرنسين ضعوا برانسكم، قال عمير: برانسكم ثكلتكم أمهاتكم، إنكم والله ما أنتم بهم، فوضعوا برانسهم، فقال عمر: معممين معممين ضعوا عمائمكم، قال عمير: ضعوا عمائمكم فإنا والله ما نحن بهم، فقال مكممين مكممين ضعوا كمائمكم، فقال عمير: ضعوا كمائكم فإذا عليهم جمام، فقال عمر أما والله الذي لا إله إلا هو لو وجدتكم محلقين لرفعت بكم الخشب! ثم إن عمر دخل على أهله فاستأذن عليه عمير، فدخل فقال: يا أمير المؤمنين إقرأ عهدك إلي في عرب السوس، فقال عمر: رحمك الله فهلا قلت لي ذلك وأنا أضربك، قال كرهت أوبخك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: غفر الله لك، ولكن غيرك لو كان"! (بغية الطلب في تاريخ حلب ج1 ص231).
إن هذا الإجرام الذي أمر به عمر يعتبر مخالفا للموازين الإسلامية:
فأولا؛ كان يتوجب على عمر التثبت والتبيّن من كون التهمة صحيحة بحق أهل المدينة، كأن يستدعيهم ويسألهم أو يطلب منهم اليمين، فلا يجوز له أن يعاقب قبل أن يثبت وقوع الجريمة!
وثانيا؛ وعلى فرض ثبوت وقوع الجريمة، كان يجب عليه أن يفصل بين المتآمرين من أهل المدينة وبين غيرهم من الأبرياء، إذ لا شك في أنه كان هناك رجال غير متآمرين في المدينة، حتى ولو كانوا قلة، فضلا عن وجود نساء وأطفال لا ذنب لهم، فلا يجوز أن يؤخذ هؤلاء بجريرة غيرهم من أهل مدينتهم، ولا يجوز أن يُقتلوا أو يُنابذوا أو تُهدّم بيوتهم ويُشّردوا لأن بعض أهل مدينتهم قد أجرموا!
وثالثا؛ وحتى لو افترضنا على سبيل فرض المحال أن جميع أهل المدينة بمن فيها من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال كانوا جميعا مجرمين متآمرين؛ فلا يجوز أن يأمر عمر بتخريب المدينة وإبادتها بما فيها من بيوت وأسواق وبساتين، فيكون تدميرا شاملا لعمارة الإنسان على الأرض! وهو محرّم في الشريعة الإسلامية. بل كان ينبغي عليه أن يُسكنها قوما آخرين.
ورابعا؛ كان يجب على ابن الخطاب أن يأخذ المجرمين - على فرض حقيقة وجودهم وتآمرهم مع الأعداء - ويعاقبهم حسب أحكام الإسلام، فيُجري الحد على من يستحق الحد، ويعزّر من يستحق التعزير، لأن الجرائم متفاوتة فيتفاوت العقاب، ولا يجوز له أن يوقع عقابا واحدا على جميع المجرمين، هذا إذا افترضنا أنهم أجرموا حقا، إذ الأمر كان مجرّد ادعاء تنقصه البيّنة!
وخامسا؛ وعلى فرض ثبوت وقوع الجريمة فإنه ما كان يجوز لابن الخطاب أن يطرح على أهل المدينة المجرمين أن يكافئهم بتعويضهم عن كل شيء شيئين إذا اختاروا الخيار الأول، فإنهم إذا كانوا قد أجرموا حقا فإنهم يستحقون العقاب لا الثواب!
وسادسا؛ وعلى فرض ثبوت وقوع الجريمة فإنه ما كان يجوز لعمر أن يمهلهم سنة أو أقل أو أكثر حسب الخيار الثاني، لأن ذلك معناه بقاء حالة التآمر وكشف عورة جيش الدولة أمام الأعداء، بل كان ينبغي أن يقطع دابر المتآمرين فورا ويصفي المدينة منهم، أما أن يمهلهم سنة أو أقل أو أكثر فإن ذلك مؤدّاه إغراؤهم بأخذ حيطتهم وبالتآمر أكثر مع العدو ضد الدولة، وفي ذلك فساد كثير!
وسابعا؛ فإنه ما كان يجوز لعمر أن يضرب واليه وأصحابه ما دام هو الذي أمره بما فعل في إبادة عرب سوس ومحوها من الأرض! كما أنه لا يجوز له التجرؤ عليهم بالقول وإهانتهم وتهديدهم بالصلب على الأخشاب لمجرّد أنهم قد حلقوا رؤوسهم!
هذا وتعرف أن أعماله هذه مناقضة لشرع الله تعالى بمقارنتها بسيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إذ كان قد تعرّض لمواقف شبيهة حيث يتآمر على المسلمين بعض أهل المدن فيضطر إلى إرسال الجيش الإسلامي لغزوها وإحباط المؤامرات ضد الدولة الإسلامية، ومع ذلك كان يوصي الأفراد بعدم التعرض إلى شيخ أو طفل أو امرأة، بل وعدم التعرض إلى أي رجل بريء، وعدم هدم أي دار أو تخريب أي بستان أو قطع أي شجرة، فكانت حملاته (صلى الله عليه وآله) لبسط الأمن والسلام في تلك المدن، فأين نجد في سيرة نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) أنه أباد مدينة بأكملها لمجرد وصول نبأ إليه عن تآمر بعض أهلها ولم تُعرف بعد مصداقية النبأ؟! نعم نجد ذلك في سيرة خالد بن الوليد مثلا الذي صنع ما صنع في اليمن من مجازر راح ضحيتها ألوف الأبرياء فأبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعلن إعلانه الشهير أمام الناس: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد.. اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد.. اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"!
وتعرف أن التهمة الموجهة لأهل عرب سوس لم تكن ثابتة بملاحظة أن عمر نفسه قد تردّد وعرض خياريْن لأهلها، إحداهما يكافئهم فيه بثواب والآخر بعقاب، فلو كان واثقا لما عرض ذلك عليهم ولبدأهم بالقتال والمحاربة، فإن هذا التردد وحده يكشف عن أنه لا يدري ولا يعرف حقيقة الأمر. وقد اعترف بذلك مخالفونا إذ نقل ابن العديم عن أبي عبيد قوله: "إنما عمر عرض عليهم ما عرض من الجلاء وأن يعطوا الضعف من أموالهم لأنه لم يتحقق ذلك عنده من أمرهم، أو أن النكث كان من طوائف منهم دون إجماعهم، ولو أطبقت جماعتهم عليه ما أعطاهم من ذلك إلا القتال والمحاربة". (المصدر نفسه ص230).
كما وتعرف أن جريمة الوالي في المدينة كانت فظيعة جدا بأن عمر نفسه قد تغيّظ منها حين قيل له: "إن عمير قد خرّب عرب السوس"! فكان تناقل الناس للحادثة استنكاريا بسبب فظاعة ما جرى.
أما عن دور ابن الخطاب (لعنه الله) في التأسيس لفاجعة كربلاء فأوسع من أن يحويه بياننا هذا، وقد ألمعنا إليه في محاضراتنا، ويكفيك أنه لولا ما صنع في السقيفة المشؤومة بإزاحته أهل البيت (عليهم السلام) عن حقهم الإلهي في قيادة أمتهم لما جرت كل تلك الويلات والمصائب على البشرية منذ ذلك اليوم وحتى يومنا الحالي، إذ كان يُفترض الآن مثلا أن ينعم سكان الأرض بالعيش في أمان واستقرار تحت حكم ولي الله صاحب العصر صلوات الله عليه وأرواحنا فداه. كما أنه لولا ما صنعه ابن صهّاك من تقريب الأمويين وتنصيب يزيد بن أبي سفيان أولا على الشام، ثم أخاه معاوية (لعنهم الله) وفسحه المجال لهم واسعا للتسلط على رقاب المسلمين وهم الطلقاء الغدرة الفجرة أعداء الله ورسوله؛ لولا ذلك لما طمعوا يوما في الإمرة ولما وصل يزيد بن معاوية (عليه لعائن الله) إلى الخلافة والسلطة ليستبيح دماء سبط رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأما عن قوله عليه السلام: "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله" فقد أشرنا إليه في بعض محاضراتنا، وقلنا حينها أن ذلك يثبت بطلان مقولة: "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء" التي نرجّح أنها من ترويج الأمويين لإخافة الناس من الثورة على حكمهم الظالم بتذكيرهم بما جرى على الحسين الشهيد (صلوات الله عليه) وتحذيرهم بأن من سيثور سيلقى الجزاء نفسه.
إن عاشوراء حادثة استثنائية في التاريخ، لم يحصل مثلها من ذي قبل، ولن يحصل مثلها في ما بعد إلى يوم القيامة، وهي استثنائية في كل شيء، في أهميتها، ودورها، ودروسها، ومرارتها على قلوب أهل بيت الولاية صلوات الله عليهم. فلا يقيسنّ أحد يوما بعاشوراء، أو أرضا بكربلاء، فإنه قياس باطل.
وفقنا الله وإياكم لنيل شفاعة الحسين يوم الورود وثبات قدم الصدق عند الله مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام. والسلام.
غرة محرم الحرام لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.