هل المشيئة الأولى مخلوقة أيضا وتحتاج إلى مشيئة أخرى فيكون الدور أو التسلسل؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و ال محمد آل الله

و اللعنة الدائمة و الوبيلة على أعدآئهم و ظالميهم أعدآء الله إلى يوم لقآء الله .

سلام عليكم

في ماذا تجلَّت وتتجلَّى المشيئةُ الإلهيَّة التي بها خلقَ الله الأشياء؟ ومن هُمْ محال مشيئته تعالى؟ هل المشيئة الأولى التي خلق الله بها الأشياء وأظهر به سائر الموجودات، مخلوقة

كسائر المخلوقات بمعنى أنَّ المشيئة أيضاً ظهرت بالمشيئة؟

أرجوا الجواب بجواب شافي مدعوما بالدليل العقلي و النقلي مع ذكر المصادر

جزاكم الله خير الجزاء حفظكم الله وسدد خطاكم في خدمة الدين والمذهب والسلام عليكم


باسمه جل ثناؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين واستشهاد أهل بيته وأصحابه عليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم السلام، جعلنا الله وإياكم من الثائرين الطالبين بدمائهم مع المنتقم لهم مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.

الثابت أن المعصومين الأربعة عشر (عليهم الصلاة والسلام) هم محال مشيئة الله ومحال إرادته، فقد ورد في زيارة سيد الشهداء عن الصادق عليهما السلام: ”إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم، والصادر عما فُصِّل من أحكام العباد“ (الكافي ج4 ص577). كما ورد عن الصادق عليه السلام: ”فنحن باب الله وحجته وأمناؤه على خلقه وخزّانه في سمائه وأرضه، حلّلنا عن الله وحرّمنا عن الله، لا نحتجب عن الله إذا شئنا وهو قوله تعالى: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله، وهو قوله صلى الله عليه وآله: إن الله جعل قلب وليه وكرا لإرادته فإذا شاء الله شئنا". (تفسير فرات الكوفي ص201).

كما ورد عن السجاد صلوات الله عليه قال: ”اخترعنا من نور ذاته، وفوّض إلينا أمور عباده، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء، ونحن إذا شئنا شاء الله، وإذا أردنا أراد الله، ونحن أحلّنا الله عز وجل هذا المحل، واصطفانا من بين عباده، وجعلنا حجته في بلاده“. (البحار ج26 ص14).

فمن هذه النصوص وأشباهها يُستفاد كونهم (صلوات الله عليهم) محال مشيئة الله وإرادته، وهذا جواب الشق الأول من سؤالك.

أما الشق الثاني فإنك تشير فيه إلى ما ورد عن الصادق (عليه السلام) وهو قوله: ”خلق الله المشيئة بنفسها، ثم خلق الأشياء بالمشيئة“ (الكافي ج1 ص110).

وهذا الحديث الشريف من جملة الأحاديث الغامضة التي حار فيها أصحابنا وقد أدلى كلٌّ بدلوه فيه محاولا شرحه حتى كثرت في تفسيره الأقوال وتعدّدت، وعلة ذلك ما اشتمل عليه الحديث في صدره وذيله، فإذا كانت المشيئة من جملة المخلوقات فإنها تحتاج إلى مشيئة أخرى لتخلقها، وهكذا يتحقق التسلسل الباطل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فكيف يمكن تفسير خلقة الشيء بنفسه؟

وبطبيعة الحال فإنه ليس بوسع أحد مهما بلغ من مراتب العلم ادعاء أنه قد وصل إلى المعنى الحقيقي لهذا الحديث الشريف، لأنه متعلق بالذات الإلهية التي لا يمكن لبشر أن يحيط بها علما أو فهما، ويبقى التفسير الصحيح منحصرا عند آل الله من المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

غير أنه مع ملاحظة ذلك يمكن تقديم التفسيرات المحتملة حسب ما يتراءى لنا من الأدلة والمؤيدات العقلية والنقلية. وعلى هذا فنحن نرى أن المعنى الأقرب لهذا الحديث هو أن المشيئة مخلوقة، وكل حادث مخلوق في عالم الإمكان مسبوق بها، إلا أن هذا الحادث المخلوق مسبوق أيضا بالإرادة، فنثبت أن المشيئة غير الإرادة، وأن كلا منهما مرتبة من مراتب التقدير الإلهي. فإذا لاحظت هذا تعرف أن كل مخلوق لا بد أن يكون مسبوقا بالمشيئة والإرادة معا، إلا أن المشيئة هي بنفسها غير مسبوقة بالإرادة ولا متوقفة عليها، لأنها والإرادة كلتاهما من صفات الأفعال المجرّدة كما ورد عن مولانا الرضا (عليه السلام) في الحديث الذي ذكرناه آنفا، وبهذا المعنى عُبّر عن المشيئة بأنها مخلوقة بنفسها لتمييزها عن سائر المخلوقات المتوقف تحققها في عالم الخارج على الإرادة أيضا، ولبيان أنها منتزعة من صفات الله تعالى، كما هو شأن الإرادة أيضا، إذ يصح القول أن الله تعالى خلق الإرادة بنفسها، وهكذا سائر صفاته الفعلية المنسوبة إليه وحده تبارك وتعالى. وجميع هذه الصفات هي صفات مخلوقة منتزعة من صفته الذاتية تعالى وهي القيومية.

وأما ما احتمله بعضهم من تفسير خلقة المشيئة بنفسها بتشبيه ذلك بحركة يد الكاتب التي هي من نفس اليد، فلا يخفى ضعفه، لأن المؤثر في الكتابة إنما هي الحركة، وأما الحركة بنفسها فالمؤثر بها هو إشارات الدماغ إلى اليد. وكذا نحن نتوقف في تفسير المشيئة بالمعصومين (عليهم الصلاة والسلام) واحتمال بعضهم أن تكون المشيئة الأولى الصادرة المقصود بها هم صلوات الله عليهم، إذ لا نجد دليلا على ذلك حتى نصرف المعنى إليه، بل نجد كما أثبتنا أنهم محال المشيئة لا المشيئة بنفسها، ولا يخفى الفرق بينهما، فإذا أثبتنا الثاني ما كان لنا أن نثبت الأول، ويكون كلامنا حينها تمحّلا.

أنار الله دربكم بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم. والسلام.

الثاني من شهر صفر الأحزان لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp