بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل هذا الحديث صحيح ؟! حيث بعض الفقهاء والمحققين قالوا بأنها ليست صحيحة وهي :
قال الامام العسكري عليه السلام: «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، فإن من ركب من القبايح والفواحش مراكب علماء العامة، فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ولا كرامة، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لأن الفسقة يتحملون عنا، فيحرفونه بأسره لجهلهم، ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم، وآخرون يتعمدون الكذب علينا ليجرّوا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم.ومنهم قوم نصّاب لا يقدرون على القدح فينا، فيتعلمون بعض علومنا الصحيحة، فيتوجهون به عند شيعتنا، وينتقصون بنا عند نصّابنا، ثمّ يضيفون اليه أضعافه، واضعاف أضعافه من الاَكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله المستسلمون من شيعتنا على انّه من علومنا، فضلّوا وأضلّوا، وهم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه». (وسائل الشيعة ج27 ص131 عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام).
الذين قالوا بذلك ..
الحرّ العاملي في كتابه (وسائل الشيعة ج18 ص94 - 95)، قال بعد نقله للرواية: ((أقول: التقليد المرخّص فيه هنا إنّما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والاجتهاد والظنّ، وهذا واضح، وذلك لا خلاف فيه... على أنّ هذا الحديث لا يجوز عند الأُصوليين الاعتماد عليه في الأُصول ولا في الفروع؛ لأنّه خبر واحد مرسل، ظنّي السند والمتن ضعيفاً عندهم، ومعارضه متواتر قطعي السند والدلالة، ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية)).
2- السيّد الخميني (رحمه الله) في كتابه (الاجتهاد والتقليد ص97)، قال بعد كلام طويل في إثبات ونفي حجّية هذه الرواية: ((...كما ترى، فالرواية مع ضعفها سنداً، واغتشاشها متناً، لا تصلح للحجّية...)).
((فكان (عليه السلام) يدرّس الطالب بحسب ما يراه مناسباً مع فهمه، وكان الطالب يتلقّى عنه ويكتب ما يفهمه منه. ومن هنا جاء مستوى التفسير منخفضاً عن مستوى الإمام بكثير. على أن روايته ضعيفة, ولا تصلح للإثبات التاريخي))، انتهى.(تاريخ الغيبة الصغرى للسيّد محمّد الصدر: 197
لمحقّق السيد الخوئي(رحمه الله) في كتابه (الاجتهاد والتقليد ص81)، قال بعد كلام طويل: ((...ثمّ إنّ التكلّم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتّب عليه ثمرة فقهية، اللّهمّ إلاّ في النذر؛ وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات. نعم ورد في رواية الاحتجاج: (فأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه)، إلاّ أنّها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد عليها)).
وقال في ص221: ((إنّ الرواية ضعيفة السند؛ لأنّ التفسير المنسوب إلى العسكري(عليه السلام) لم يثبت بطريق قابل للاعتماد عليه، فإنّ في طريقه جملة من المجاهيل، كمحمّد بن القاسم الاسترآبادي، ويوسف بن محمّد بن زياد، وعلي بن محمّد بن سيار؛ فليلاحظ!)).
4- السيّد محمّد سعيد الحكيم في كتابه (مصباح المنهاج - التقليد - ص13)، قال بعد كلام طويل: ((نعم قد يستفاد العموم من التوقيع الشريف: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأَنا حجّة اللّه عليهم). ومثله ما عن الاحتجاج من قوله (عليه السلام): (فأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه). وما عن أبي الحسن(عليه السلام): (اعتمدوا في دينكم على كلّ مسنّ في حبّنا، كثير القدم في أمرنا
مضافاً إلى الإشكال في الجميع بضعف السند، خصوصاً الأخيرين، وعدم وضوح الانجبار بعمل الأصحاب، ومفروغيّتهم عن الحكم؛ لقرب احتمال اعتمادهم على الأدلّة الأُخرى، فلا مجال للتعويل عليها في استفادة العموم))، انتهى.
وقد تعمّدت نقل رأي الحرّ العاملي - صاحب وسائل الشيعة - بهذه الرواية؛ لأنّه من الشيعة الأخبارية، ونقل رأي السيّد الخميني والسيد الصدر ؛ لأنّهما من الشيعة الأُصولية القائلين بالولاية العامّة، ورأي السيّد الخوئي والسيّد محمّد سعيد الحكيم؛ لأنّهما من الشيعة الأُصولية القائلين بالولاية الخاصّة لا العامّة، ليتبيّن للقارئ المنصف أنّ الشيعة بكلّ فرقهم تقريباً لا يعتمدون على هذه الرواية في الاستدلال على وجوب التقليد؛ لأنّها غير تامّة السند والدلالة
ننتظر ردكم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كذلك الحديث ظني السند قطعي الدلالة مالم نجد مانعا يدفع الأخذ به فإنّ حجيته تبقى قائمة وتتقوى إذا كان هناك ما يؤيدها من قرائن خارجية.
هناك رواية "تأمر "بالرجوع الى رواة الحديث . لماذا؟ لأنهم يفقهون ما يروون لذا هم قادرون على استخراج الحكم الشرعي من تلك الروايات. من يروي الحديث يكون عارفا به أي متفقها فيه و إلا يكون إرجاع الإمام المكلف اليه محض عبث وجلّ الامام المعصوم عن ذلك. فهل كل الناس في ذلك العصر كانوا رواة للحديث؟ فإذاً هناك نخبة وفئة خاصة أرجع الإمام المعصوم إليها غيرهم وهم اولائك الذين يروون الحديث رواية دراية وفقه.
يقول المتعنت المقصود هو الرجوع الى أحاديثهم. ونقول لو كان هذا المقصود لكان النص يقول إرجعوا الى أحاديثنا. فلماذا أرجعنا إلى رواة الحديث مباشرة؟
عندما يأمرنا الله تعالى بالرجوع إلى الرسول في أحكام الشرع فهذا يعني الإرجاع اليه بصفته المبيّن للأحكام والشارح لها والعارف بها.
في الغيبة الصغرى كان رواة الحديث هم الفقهاء لأنهم يفقهون ما يروون ويعرفون معنى ما يروونه ومناسبته وظرفه فيتمكنون من الإدلاء بالحكم الشرعي.
كلمة الامام "فللعوام أن يقلدوه" تعني أنّ الامام بصدد بيان الصنف الذي يجوز للمكلف الرجوع إليه من الفقهاء. لمّا كان أمر المرجعية بهذا الخطر فقد تصدى الامام المعصوم عليه السلام بنفسه إلى تشخيص مواصفات الفقيه الذي يرجع اليه المكلف. فحتى لو قلنا أنّ الدليل في كلام الإمام العسكري عليه السلام يفيد الجواز فهذا تجويز في زمن حضور الإمام وذلك لأنّ الامام عليه السلام لم يكن الاتصال به متعذرا على العوام تماما وإنما كان هناك صعوبة في إمكانية التواصل مع الامام في تلك الفترة العصيبة ولذا في زمن الغيبة الصغرى حيث تعذر على العوام تماما الاتصال المباشر بالإمام فقد صدر "الأمر "بالرجوع إلى رواة الحديث فهم القادرون على إعطاء الحكم الشرعي لانهم يفقهون ما يروون فإذا ما أضفنا ذلك إلى السيرة العقلائية خلصنا إلى وجوب رجوع العامي للفقيه ولو بقاعدة الضرورة وتلك قاعدة يقرها الاخباري.
وعلى كل حال فإن تفسير الإمام العسكري عليه السلام معتمد عليه عند كثير من علماء الأصولية منهم السيد المرجع دام ظله، ولسماحته بيان في اعتبار رواية التقليد الواردة فيه بالخصوص تجده في موسوعته الفقهية (بيان الفقه) في مباحث الاجتهاد والتقليد.
كذلك عند الشيخ الحبيب أن التفسير معتبر لكن على نحو الإجمال لأنه في حقيقته منقول عن الإمام عليه السلام بالمعنى، وهذا هو أساس اللبس في متنه، أما سنده فمنجبر باعتماد مثل الصدوق قدس سره. يمكنكم ملاحظة رأي الشيخ هذا بمراجعة دروسه في تفسير الإمام العسكري عليه السلام وهي موجودة على الموقع.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
27 رجب 1433 هـ