ما هي رتبة بيت المقدس بالنسبة لمشاهد المعصومين عليهم السلام؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

‏نشكر لكم يا سماحة الشيخ الجليل تجشمكم عناء البحث و كشف الحقائق و أيمّ الله بأني أزداد معرفة بأهل البيت و بخسّة أعدائهم في كل كلمة تقولها ..

هل هناك روايات من المعصومين تدلّ على خصوصية بيت المقدس في فلسطين ؟ و إن كانت فما موقعه في قلوبنا مع وجود باقي مشاهد الأولياء و الأئمة صلوات الله عليهم .

جزاكم الله خيراً

محبكم البحراني


باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا السلطان أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله وسلامه عليهما. جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع ولده المنتقم المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل الله فرجه الشريف.

حسب تتبعنا فإنه لم ترد عن أئمتنا (صلوات الله عليهم) في فضل بيت المقدس إلا ثلاث روايات فقط، إحداها عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه قال: ”صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مئة ألف صلاة“. (التهذيب للشيخ الطوسي ج1 ص327 ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ج1 ص233 وغيرهما). وهذا الخبر مروي عن طريق السكوني عن أبي عبد الله الصادق عن أبيه الباقر عن علي أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين.

والرواية الثانية عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال لأبي حمزة الثمالي: ”المساجد الأربعة؛ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ومسجد بيت المقدس ومسجد الكوفة. يا أبا حمزة.. الفريضة فيها تعدل حجة، والنافلة تعدل عمرة“. (من لا يحضره الفقيه ج1 ص229).

والرواية الثالثة عن علي بن علي بن رزين أخي دعبل عن الرضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ”أربعة من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة“. (أمالي الطوسي ص369).

أما سائر الروايات المشحونة بالفضل الكبير لهذا المسجد فكلها من طريق المخالفين، بل حتى الرواية الأولى المزبورة، هي مروية عن السكوني وهو عامي أيضا، فلا تبقى لنا سوى رواية أبي حمزة الثمالي، ورواية علي بن علي بن رزين.

ولا نجد في روايات أئمتنا (عليهم السلام) ما يوحي بأن لبيت المقدس تلك الخصوصية الاستثنائية العالية كما نجدها للمسجد الحرام أو المسجد النبوي أو مسجد الكوفة أو الحائر الحسيني، بل نجد أن شيخنا الكليني (رضوان الله تعالى عليه) عندما يعقد في كتابه الكافي فصلا في ذكر فضل المساجد التي حث الأئمة (عليهم السلام) على زيارتها والصلاة فيها فإنه يذكر مساجد كثيرة من بينها مسجد قبا ومسجد الأحزاب ومسجد الفضيخ ومسجد الفتح ومسجد الغدير بل وحتى مشربة أم إبراهيم، هذا فضلا عن مسجد السهلة ومسجد الكوفة والمسجد الحرام والمسجد النبوي، ووسط كل هذه الروايات لا تجد هناك رواية واحدة يرويها الكليني في فضل مسجد بيت المقدس.

ولهذا نحن لا نسلّم بما يرويه المخالفون من فضل هائل لهذا المسجد بالذات، ونشتم من رواياتهم رائحة الإسرائيليات وكعب الأحبار، سيما وأن من طالع رواياتهم في هذا الشأن والمروية عن أمثال أبي هريرة يجد فيها غلوا واضحا. ونحن نُرجع السبب في تركيزهم على بيت المقدس ومحاولة استقطاب الناس إليه إلى العامل السياسي الأموي، وخصوصا في فترة حكم عبد الملك بن مروان الذي أراد أن يصرف الناس عن الحج إلى بيت الله في مكة المكرمة لئلا يتأثروا بعبد الله بن الزبير الذي أعلن نفسه خليفة في مقابله، فعمد ابن مروان لأن يرغّب الناس بدلا عن ذلك بالحج إلى بيت المقدس! ووظّف بلاطه الديني لنسج عشرات الروايات المكذوبة في فضله، وقام ببناء ”قبة الصخرة“ التي زعموا أن الله تعالى قد جعلها موطئا له وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد عرج منها إلى السماء!

وهذا أمر غير ثابت بالنسبة لنا بل نرى أن هذه الصخرة ليس لها اعتبار في الإسلام وأنها بالأصل صخرة كان اليهود يقدسونها وقد استطاعوا بخبثهم ومكرهم أن يستدرجوا المسلمين إلى تقديسها أيضا! وما كنا قصد ابن مروان من بنائه لهذه القبة المبتدعة وترويجه لتلك الحملة الدعائية للصخرة ولبيت المقدس إلا أن يجعل هذا المكان عوضا عن الكعبة والمسجد الحرام! فيطوف المسلمون حوله وينحرون أضاحيهم ويحلقون رؤوسهم!

وهذا ما تم بالفعل! وقد اعترف به ابن كثير حين روى عن صاحب مرآة الزمان ما نصه: ”ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين، وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة وكان يخطب في أيام منى وعرفة ومقام الناس بمكة وينال من عبد الملك ويذكر مساوئ بني مروان ويقول: إن النبي لعن الحكم وما نسل وأنه طريد رسول الله ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه وكان فصيحا فمال معظم أهل الشام إليه، وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجّوا، فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم“! (النهاية لابن كثير ج8 ص308).

وعلى هذا فلا خصوصية إطلاقا لقبة الصخرة هذه، بل هي بدعة لا ندري أين هم الوهابيون عنها ولماذا لا نسمعهم يزعقون بضرورة هدمها كما يزعقون ليل نهار مطالبين بهدم قبة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله؟!

وقد سبق منا في بعض المحاضرات أن نبّهنا على ضرورة أن ينتبه المسلمون إلى الفرق بين المسجد الأقصى وبين قبة أو مسجد الصخرة المزعومة هذه، فالأول هو الذي له اعتبار في الإسلام، أما الثاني فلا اعتبار له، والناس يخلطون بينهما ويتوهمون أنهما واحد، وليس الأمر كذلك، فالمسجد الأقصى هو بيت المقدس وهو ذو قبة خضراء وعلى مسافة مما يسمى بمسجد الصخرة وقبتها.

والصخرة المزعومة نُسجت حولها الأساطير ومازالت تتردد على ألسنة الجهلة من العوام إلى اليوم، من قبيل أنها معلّقة في الهواء وأن فيها أثر قدمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآثار أصابع الملائكة (عليهم السلام) وما أشبه ذلك من أكاذيب تضحك الثكلى!

وبالرجوع إلى التاريخ نجد أن أول من نسج هذه الأساطير واستطاع أن يروّجها في أوساط المسلمين هو كعب الأحبار اليهودي لعنة الله عليه، ذلك الخبيث الماكر الذي استطاع عن طريق تلامذته كعمر بن الخطاب وأبي هريرة وأبي الدرداء والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن عمرو وغيرهم أن يدس في عقائد المسلمين كثيرا من سموم العقائد اليهودية، وكان من بينها موضوع هذه الصخرة بشكل خاص، وموضوع بيت المقدس بشكل عام، إذ أراد إيهام المسلمين بأفضلية بيت المقدس على سائر البقاع الشريفة والمساجد المعظمة، في حين أنه مفضول بالنسبة إلى غير واحد منها.

وانظر إلى ما نفثه كعب الأحبار هذا من سمومه في هذه المسألة، فقد روى الطبري في تفسيره عن عروة قال: ”كنا قعودا عند عبد الملك حين قال: قال كعب: إن الصخرة موضع قدم الرحمن يوم القيامة“! (تفسير الطبري ج16 ص262).

وروى أبو نعيم عن كعب قال: ”إن الله تعالى نظر إلى الأرض فقال: إني واطٍ على بعضك! فاستعلت إليه الجبال وتضعضعت له الصخرة! فشكر لها ذلك فوضع عليها قدمه! فقال: هذا مقامي ومحشر خلقي وهذه جنتي وهذه ناري وهذا موضع ميزاني وأنا ديان الدين“! (حلية الأولياء ج6 ص20).

وقد تصدّى مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مرارا لكعب الأحبار ولعقيدته الباطلة في التجسيم والتي أخذها منه ومن أمثاله البكريون، وكذلك تصدّى له المخلصون من شيعته. ويحدّثنا التاريخ عن مورد من هذه الموارد رواه ابن عباس حين حضر مجلس عمر بن الخطاب يوما وكان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) جالسا وكذلك كعب الأحبار. وبينما هم كذلك إذ قال كعب لعمر: ”يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديما قبل خلق العرش، وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء! فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة! فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته! وأخّر ما بقي منها لمسجد قدسه! قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب عليه السلام حاضرا، فعظم على ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه، فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه ففعله. قال عمر: غص عليها يا غواص! ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجا للغم؟ فالتفت علي عليه السلام إلى كعب فقال: غلط أصحابك! وحرّفوا كتاب الله! وفتحوا الفرية عليه! يا كعب! ويحك! إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته! والهواء الذي ذكرت لا يجوز أقطاره! ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكانت لهما قدمته! وعز الله وجل أن يقاتل له مكان يومئ إليه! والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون“! إلى آخر الرواية. (البحار ج40 ص194).

وكذلك تصدّى إمامنا الباقر (صلوات الله عليه) لشيوع هذه العقائد اليهودية في أوساط المسلمين وخصوصا أهل الشام من البكريين، فقد روى شيخنا الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) عن جابر بن يزيد الجعفي قال: ”قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام: يا جابر.. ما أعظم فرية أهل الشام على الله عز وجل! يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس! ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلّى. يا جابر.. إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه، تعالى عن صفة الواصفين وجلّ عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين، لا يزول مع الزائلين، ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير“. (توحيد الصدوق ص179).

وعود على بدء؛ فنقول أن مسجد بيت المقدس مفضول بالنسبة إلى المساجد الشريفة الأخرى، وهذا ما نستشعره من أدلة متنوعة، منها هذه الرواية المعتبرة التي رواها الكليني (قدس سره) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: ”جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو في مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فردّ عليه، فقال: جُعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلم عليك وأودعك، فقال له: وأي شيء أردت بذلك؟ فقال: الفضل جُعلت فداك. قال: فبع راحلتك وكلّ زادك وصلّ في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة والبركة فيه على اثني عشر ميلا، يمينه يمن ويساره مكر وفي وسطه عين من دهن وعين من لبن وعين من ماء شراب للمؤمنين وعين من ماء طهر للمؤمنين، منه سارت سفينة نوح وكان فيه نسر ويغوث ويعوق وصلى فيه سبعون نبيا وسبعون وصيا أنا أحدهم - وقال بيده في صدره - ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلا أجابه الله وفرّج عنه كربته“. (الكافي ج3 ص491).

فهنا ترى كيف أن الأمير (صلوات الله عليه) قد صرف الرجل عن قصده بيت المقدس إلى ما هو أرجح شرعا وهو التعبّد في مسجد الكوفة، فيكون مسجد الكوفة أكثر فضلا وشرفا من المسجد الأقصى.

والمسجد الأقصى ليس من جملة المساجد التي رخّص الشارع ورغّب في الصلاة فيها تماما لا قصرا للمسافر، وهي المسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد الكوفة والحرم الحسيني، وقد نصت على ذلك روايات متضافرة. وإذ ذاك فإنه يُستشف منها مفضوليته بالنسبة إليها.

ومع هذا فإننا نعتبر أن للمسجد الأقصى وبيت المقدس فضله وشرفه وكرامته، وأنه بقعة مقدسة، وأنه كان قبلة المسلمين لسنوات، وأنه كان مسرى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وأنه سيكون موضع صلاة المسيح بن مريم خلف مهدينا القائم صلوات الله عليهما وآلهما، ونعتبر استنادا إلى قاعدة التسامح في أدلة السنن أن من الحسن زيارته والصلاة فيه. كل هذا نقرّ به لا ندفعه ولا ننكره، كيف وقد ذكره الله سبحانه في محكم كتابه، إلا أننا لا نجنح جنوح المغالين ممن خضعوا للسياسة الأموية في تفضيله على سائر البقاع، ولا نلحق بهذا المسجد الشريف صخرة كان اليهود يقدسونها ويعظمونها! فإنما ديننا نأخذه من آل محمد الأطهار عليهم السلام، لا من أحبار اليهود كما يفعله البكريون ويرموننا به زورا وبهتانا!

وبهذا تعرف جواب سؤالك إذ تبيّن لك أن بيت المقدس دون المساجد المعظمة الأخرى في الفضل، فكيف بتلك التي تحوي الأجساد الطاهرة للأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم) والتي تواترت النصوص في الترغيب بزيارتها والتعبّد فيها؟! إنه لا شك أنه في فضله دون فضلها بكثير. ولهذا قلنا في بعض محاضراتنا أن على المؤمنين الالتفات إلى قضية تلك البقاع المقدسة أكثر، فهي تفوق في شرفها وقدسيتها بيت المقدس، بل لا قياس، فعلى أي أساس شرعي يتجه كل هذا الحراك الشعبي الشيعي تجاه القدس وكأنها هي قضيتنا الأولوية؟! كلا! إننا مع اهتمامنا بقضية القدس الشريف إلا أننا وحسب الميزان الشرعي يجب أن نجعل الأولوية لقضية سامراء المقدسة والبقيع الغرقد، ثم بعد ذلك نتجه إلى القدس وغيرها. يجب تحرير سامراء والبقيع من أيدي النواصب أولا ثم تحرير القدس من أيدي اليهود، والعجب من الشيعة المؤمنين كيف هم غافلون عن ذلك!

زادكم الله ولاءً لآل محمد وعداءً لأعدائهم. والسلام.

غرة شهر ربيع الأول لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp