ما هو قولكم الآن في مسألة بنات النبي صلى الله عليه وآله؟ وما هو ردكم على الإشكالات؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين المعصومين الطاهرين المطهرين تطهيرا وعلى صحبه المنتجبين واللعن الدائم على الظالمين وفي مقدمتهم أبوبكر وعمر ومن سار على نهجهما واقتدا يهما ودافع عنهما عالما معاندا

سماحة الشيخ الجليل ياسر الحبيب حفظك الله ورعاك وأطال في عمرك ووفقك لما يحبه ويرضاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... ويعد

1- قرأت في أحد أجوبتك التي على الموقع التالي (كما أتوقّف في مسألة بنات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهل أنهن بناته حقا أم ربائبه، لأن الإشكالات والتعارضات عديدة) ولكنني سمعتك في أحدى محاظراتك تؤكد على أنهن فعلا بناته ...

وهنا أمرين الأول التناقض بين القولين والثاني مخالفتك للمشهور من رأي الطائفة ... فهلا أزلت اللبس المتعلق بكلا الأمرين؟

2- ما الذي يجعل بعض العلماء يقول بأنهن ربائب الرسول ص وليسوا بناته؟ وما الذي يجعل بعضهم يرجح العكس أي أنهن بناته؟ وهل فعلا أن الرأي الأول هو المشهور عندنا؟ وكيف يحصل الإطمئنان لكلا الأمرين؟ أرجو إشباع هذه النقطة الحساسة خصوصا وأن الأعداء يحاولون يحاولون استخدام هذه النقطة ليقولوا بأن الشيعة يؤذون الرسول ص بإخراج بناته ص من نسبه؟ أرجو الاجابة على عدم صحة ذلك سواء كانوا بناته أم لم يكونوا؟؟ واثبات كونهم بناته من عدمه يقود للنقاش في السيدة خديجة عليها السلام وعمرها عند الزواج وهل كانت متزوجة قبل الرسول ص وهل كانت بكرا عند الزواج أم لا؟ ونحو ذلك من الأسئلة المرتبطة؟؟ فأرجو إشباع الموضوع بما لا يدع مجال للشك؟؟


باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ج1: قد سبق وأشرنا في جواب سؤال سابق إلى أننا وإن كنا نتوقف في هذه المسألة إلا أننا نميل إلى اعتبار كونهن بناتا للنبي صلى الله عليه وآله حقيقة، وذكرنا هناك ما نصه: ”وإن كنا نميل أكثر إلى اعتبار أنهما من بناته حقا، لأن شهرة ذلك فوق أن يقدح فيها شيء، ولو كانت الحقيقة خلاف ذلك لوصلت إلينا ولو رواية واحدة عن الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم) تبين الحقيقة، كما حصل في شأن سبب نزول (عبس وتولى) والمعني بها، فمع اشتهار أنها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انبرى أئمتنا (صلوات الله عليهم) لنفي هذه التهمة وتنزيه ساحته الشريفة عنها وإثبات أنها إنما نزلت في عثمان بن عفان لعنة الله عليه.

وبهذا المعيار؛ فمع ملاحظة أن اشتهار كونهما (عليهما السلام) من بناته (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن وليد عصر متأخر، بل كان على مرّ العصور بما في ذلك عصور الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام)؛ فإنه لا يُعقل أن لا تصلنا رواية صريحة واحدة تنفي ذلك وتوضح الحقيقة وتكشفها.

وما وصلنا نفيا ليس إلا أقوال بعض الرجال. وأتذكر أنني قبل سنوات حققت في الأمر فوجدت أن أقدم الأقوال إنما يرجع إلى صاحب الاستغاثة ابن أبي القاسم الكوفي، وهو ليس بالذي يعوّل عليه كثيرا في أمثال هذه المواقف، سيما مع ورود بعض المطاعن فيه في كتب الرجال.

ففي هنا؛ أنا أتوقف، مع ميلان نحو اعتبار كونهن من بناته صلى الله عليه وآله وسلم، التزاما بالمشهور ولأن معارضة ذلك لا تصمد مع فقدان الأدلة المحكمة“.

وقد خرجت بعد ذلك بحمد الله تعالى من التوقف إلى القطع بأنهن من بناته حقا، وذلك بعد مزيد من التحقيق في المسألة والنظر فيها، لذا صرحنا في المحاضرات وجلسات الإجابة على الأسئلة بهذا القول.

ولم نقع في التناقض فإنا كنا قبل ذلك متوقفين مع ميلان ثم جزمنا، كما أننا لسنا بهذا القول نخالف المشهور بل نوافقه، إذ القول بأنهن من الربائب هو القول المخالف للمشهور.

ج2: الذي يجعلهم يقولون بأنهن ربائب ما هو إلا توهّم أن في اعتبارهن بناتا من صلبه (صلى الله عليه وآله) وتزويج اثنتين منهما بعثمان (عليه اللعنة) فيه نوع تشريف، فتمسكوا بالقول الشاذ الذي لا أصل له في كلام المعصومين (عليهم السلام) في نفي بنوتهن لدفع هذا التشريف، والحال أنه ليس الأمر كذلك، فأما أولا فإن مجرد التزويج لا يلازم التشريف بل يلازم وجود المصلحة الدينية، والابتلاء والاختبار، كما فعل الله تعالى حين زوّج أمته الصالحة آسية بنت مزاحم (عليها السلام) بطاغوت عصرها فرعون عليه اللعنة، وهذا لوط النبي (عليه السلام) عرض على الكفار الفاسدين الزواج ببناته أيضا كما حكى الله تعالى في كتابه، فأي تشريف في هذا؟! وأما ثانيا فإنه على فرض كونهن ربائب له فإن وهم التشريف يبقى أيضا على مبناهم، ولا يرتفع، إذ معناه أنه (صلى الله عليه وآله) قد شرّف عثمان بالزواج بربيبتيه، فجعلهما تحت كافر منافق، فالنتيجة واحدة. ولا يصح القول بأنه (صلى الله عليه وآله) يقبل على نساء أمته – فضلا عن ربائبه - ما لا يقبله على بناته، فإن في ذلك طعنا فيه صلى الله عليه وآله.

أما نحن فنقول بأنهن (عليهن السلام) بناته حقا كما رُوي عن أئمتنا الأطهار عليهم السلام، وزواج اثنتين منهما بعثمان (لعنة الله عليه) كان لمصالح دينية في كل الأحوال. ونعيد عليك ما أجبنا به سابقا في هذه المسألة، وهو: ”أما عن سبب إقدامه (صلى الله عليه وآله) على هذا التزويج، على كلا الفرضين – أنهما من بناته أم ربائبه - فيمكن تفسيره بهذه النقاط:

الأولى؛ كان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) مهتما إلى أقصى حد بجمع أكبر عدد ممكن من الناس للدخول في الإسلام ولو ظاهرا، حتى تتكوّن للإسلام نواته التي تكبر. ولذا كان يعمد (صلى الله عليه وآله) لتقديم بعض المغريات التي من شأنها جذب ضعاف النفوس للإسلام. لهذا مثلا شرّع (صلى الله عليه وآله) سهم المؤلفة قلوبهم، ولهذا تزوّج من القبائل بل من بعض بيوت المكرة والخبثاء – كبيوت أبي بكر وعمر وأبي سفيان – لإيهامهم بأنهم قد وصلوا إلى مبتغاهم من خلال مصاهرته فيتجمد سعيهم للقضاء على الإسلام ولو لفترة زمنية محدودة تكون كافية لإرساء الدعائم الأولية للإسلام، فيما يكون مجرّد إسلامهم مكثرا لعدد المسلمين.

ولهذا أيضا زوّج بنتيه لعثمان (لعنة الله عليه) حيث ورد في التاريخ: "إن عثمان تعاهد مع أبي بكر: لو زوّج محمد مني رقية لأسلمت"! وذلك بعدما بشرّته كاهنة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (راجع مناقب آل ابي طالب ج1 ص22).

وكان إصرار عثمان على رقية (عليها السلام) لأنها كانت – بحسب المؤرخين – ذات جمال رائع. (راجع الموااهب اللدنية ج1 ص197 وذخائر العقبى ص162 والتبيين في أنساب القرشيين ص89).

فلهذا قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) – على مضض – تزويجه إياها، لكسبه مسلما، مع علمه بنفاقه. كما تغاضى (صلى الله عليه وآله) عن المنافق ابن أبي سلول وقبل إسلامه مع علمه بنفاقه، بل قام حين هلاكه بالصلاة عليه لكسب قومه وعشيرته وإبقائهم على الإسلام.

الثانية؛ لا يُقال: كيف زوّجه وهو يعلم أنه كافر ولا يجوز تزويجه المسلمة؟ لأنه يُقال: هو كافر باطنا ومسلم ظاهرا، والأحكام الشرعية إنما تدور على الظاهر لا الباطن، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما مضمونه: "نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر". (الجواهر ج40 ص498).

الثالثة؛ لا يُقال: كيف قبل أن يزوّج بنتيه لغير الكفء مع وضوح فساد عثمان وكفره؟ لأنه يُقال: إذا كانت المصلحة الدينية تقتضي ذلك فلا مانع، بل يكون التزويج أولى. ولهذا عرض نبي الله لوط (عليه السلام) بناته على قومه مع وضوح فسادهم وكفرهم عندما دعاهم قائلا: "قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ" (هود: 78).

فالمصلحة الدينية هنا تقتضي إنهاء مظاهر الشذوذ عن الفطرة الإنسانية، وبهذا يجوز تزويج المؤمنة من الكافر الفاسد بشرط إظهاره الإيمان، أملا في إنهاء هذه المظاهر الفاسدة. وكذلك الأمر بالنسبة لعثمان من جهة المصلحة التي سبق بيانها في النقطة الأولى.

الرابعة؛ إن تزويج رقية وأم كلثوم (عليهما السلام) من عثمان هو نوع من البلاء والاختبار الإلهي لهما، وبقبولهما وتضحيتهما وصبرهما على هذا الزواج من هذا الخسيس القذر يرتفع مقامهما عند الله تعالى، وينالان الدرجات الرفيعة. فإن لكل إنسان مؤمن بلاء واختبار إلهي، به يرتفع مقامه.

وهكذا كان شأن آسية بنت مزاحم (عليها السلام) التي كان بلاؤها القبول بالزواج من فرعون (لعنه الله) وتحمّلها وصبرها، وبذلك حازت شرف كونها من سيدات نساء العالمين. فآسية كانت مأمورة من الله، وكذلك رقية وأم كلثوم، كانتا مأمورتيْن من الله تعالى عبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان صبرهما وتحمّلهما دليلا على عظمة إيمانهما، صلوات الله عليهما، سيما مع ما رأياه من جور الرجل وظلمه ووحشيته لعنة الله عليه، تلك الوحشية التي تسببت في القتل بسبب مشرك! فإنا لله وإنا إليه راجعون“.

أما عن سيدتنا خديجة الكبرى (صلوات الله عليها) فقد كانت بكرا حين بنى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ما رواه ابن شهراشوب في مناقبه (ج1 ص159)، وعمرها الشريف لم يكن يتجاوز الثامنة والعشرين، فيما كان عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وعشرين، كما في البحار عن ابن حماد وابن عباس. (راجع البحار ج16 ص12). وكذا رُوي ذلك من طرق المخالفين، كالحاكم في المستدرك (ج3 ص182) على أن المستفاد مما رواه البيهقي في دلائل النبوة أن عمرها (عليها السلام) كان خمسة وعشرين، ولعلّ هذا هو الأقرب من باب تساوي عمرها مع عمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله (راجع دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص71)، وإن كان الأوثق روايةً هو كونها بنت ثمان وعشرين، وعلى أي الفرضيْن فإن معنى ذلك أنهما كانا في مرحلة عمرية واحدة تقريبا حين الزواج، لا كما يزعمه المخالفون من وجود البون الشاسع بينهما في العمر، فيقولون أنها كانت في عمر الأربعين، فإنّا نستشعر من هذا القول أنه موضوع وضعته عائشة (لعنها الله) للإساءة إلى السيدة (صلوات الله عليها) من باب أنها كانت عجوزا فيما كانت هي شابة!

وفقكم الله لجوامع الخير في الدارين. والسلام.




* لمشاهدة الجزء الأول من محاضرة سماحته حول هذه المسألة هذا الرابط
* لمشاهدة الجزء الثاني هذا الرابط
* لمشاهدة الجزء الثالث هذا الرابط
* للاستماع إلى المحاضرة كاملة هذا الرابط



الخامس من ربيع الآخر لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp