نماذج لتصدي أعلامنا للفلسفة والعرفان

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد دار بيني بين عديد من أقربائي الشيعة حوارات حول فسق العرفان والعرفاء والفلاسفة إستنادا إلى القرآن والسنة الصريحة, وقد سميتهم لهم بأسمائهم (الملا صدرا, الخميني, الخامنئي, كمال الحيدري, محمد باقر الصدر..... إلخ), إلا أن بعضهم طلب مني أسماء علماء وقفوا هذه الوقفة ضد العرفان وقالوا بفسق أهله وفسقوه لإثبات حجتي. وأنا على علمي ببعضهم إلا أني لا أمتلك كتبهم التي يصرحون فيها عن مواقفهم, فيعسر علي إثبات أن هؤلاء العلماء قد اتخذوا هذا الموقف, وأيضا أني لا أعلم جميع العلماء الذين فسقوا العرفان. كما أني فتىً في الثالثة والعشرين ولم أدخل الحوزة بعد وإنما حجاجي هو عن إطلاع وتفكرٍ وتتبع لأقوال العلماء, فلا يرون قبول قولي (على ما آتيهم من الأدلة القرآنية والأحاديث الصريحة) بحكم أن من أطعن بهم هم(أعمدة التشيع) وأنا إنما فتى عاميٍ جاهل قد تسرع بالحكم على أشياخه وسادته!

فطلبنا من سماحتكم أن توفروا لنا من خلال ردكم على هذه الرسالة أسماء العلماء من بدء زمن الغيبة حتى زماننا هذا الذين وقفوا ضد هذا العرفان (أو الفلسفة) وأهله, وأن تذكروا لنا أسماء كتبهم التي صنفوها وذكروا فيها موقفهم من هذا العرفان, وأن تنقلوا لنا نص عباراتهم في هذا الخصوص, مما يدعم حجتي ويقويها على المتلقي.

ونحن بدورنا سوف نجول في البحرين (كما هو حالنا الآن) ونخوض في مناظرات مستعملين براهينكم ومستعينين بها, وسوف ننور على أبناء هذه الأمة المخدوعة, فإنا كما نرى أن جميع من كلمنا ليسوا معاندين ولكن مغررٌ بهم, ومستهجنة عليم هذه الدعوة, مما يلجئهم إلى طلب إسناد مدعانا هذا بأقوال علماء أفذاذ, لا إلى مجرد تحليلنا الشخصي للقضية.

وسيكون جوابكم هذا سبباً في هداية جمٍ غفير من أهل البحرين المخدوعين, كما سيعين على إعادة أهل البحرين إلى أصولهم الرافضية القديمة.

نرجوا ألا تعدوا رسالتنا هذه من الغير مهمات فتتجاهلونها, فإنها جدا ضرورية بالنسبة إلينا, كما بينا أعلاه أنا نطوف من مجلس إلى مجلس في شتى أنحاء البحرين للدعوة إلى التشيع الحقيقي.

شاكرين لكم جهودك راجين منكم الجواب المفيد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد بحر


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التحذير من مسالك العرفاء الشيطانية ومحاربتها بدأه أئمتنا الأطهار عليهم الصلاة والسلام ولعل أبرز إنكار عملي على أهل تلك المسالك الشيطانية كان من قبل مولانا صاحب الأمر عليه السلام تجاه الحلاج الذي تجد العرفاء المنحرفين لا يستحون من إعذاره والتبرير له وإنك إن دققت وتتبعت أقوالهم تجدها كلها تدور في فلك (أنا الحق) الحلاجية

هنا جواب سابق للشيخ يتعلق بالحلاج

لا يتسع المجال لحشد مواقف وأقوال ومؤلفات كل من تصدوا للفلسفة والعرفان من أعلامنا ولكن هنا نورد نماذج على ذلك

العلامة المجلسي رضوان الله عليه:

جاء في كتابه عين الحياة : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذر رحمه الله :

يا أباذر يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، ويرون انّ لهم الفضل بذلك على غيرهم ، أولئك تلعنهم ملائكة السماوات والأرض.

يا أباذر ألا أخبرك بأهل الجنّة ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : كلّ أشعث أغبر ذي طمرين، لا يؤبه به ، ولو أقسم على الله لأبرّه.

قال المجلسي : اعلم انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بما انّه عالم بجميع العلوم بالوحي الإلهي ، ومطلع على جميع الرموز الغيبية ، فلمّا ذكر مدح التواضع والانكسار ولبس الصوف كان يعلم بمجيء جمع من ذوي البدع وأصحاب الضلال بعده يخدعون الناس بهذا اللباس ، فلذا ذكر انّ جمعاً سيأتون هكذا علامتهم وهكذا لباسهم فهم ملعونون ، كي لا ينخدع الناس بهم.

ولم يكن لغير الفرقة الضالة المبتدعة الصوفية هذه العلامة والسمة ، وإخبار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بوجودهم فيما بعد من معاجزه العظيمة ، وقرن كلامه الذام لهم بالإعجاز كي لا تبقى شبهة لأحد فيه ، ومن أنكر مع هذه الآية البيّنة فعليه لعنة الله تعالى وملائكته.

ولم يكن منشأ لعنهم لبس الصوف فحسب ، بل انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعلم بالوحي الإلهي أنهّم سيبطلون شرعه ويحرّفون دينه ، وسيذهبون في عقائدهم إلى الكفر والزندقة ، وسيتركون العبادة ويلجؤون إلى المخترعات والمبتدعات التي عملوها ، فيصدون الناس عن العبادة ، فلذا لعنهم صلّى الله عليه وآله وسلّموجعل هذه الهيأة واللباس علامة لهم كي يُعرفوا.

عزيزي ! لو فتحت عصابة العصبيّة عن عينيك ، ونظرت بعين الإنصاف لكفاك في بطلان هذه الطائفة المبتدعة الصوفية هذه الفقرة الشريفة من الحديث مع قطع النظر عن الأحاديث الكثيرة الواردة تصريحاً أو تلويحاً على بطلان أطوارهم وأعمالهم ، وذمّ شيوخهم وكبارهم.

ولقد ذمّهم أكثر القدماء والمتأخرين من علماء الشيعة رضوان الله عليهم ، وألّفوا كتباً في ردّهم كعليّ ابن بابويه حيث كان يبعث إلى الإمام الحجة عليه السلام رسائل وكان يأتيه الجواب ، وابنه السعيد محمد ابن بابويه وهو رئيس محدّثي الشيعة حيث ولد بدعاء صاحب الأمر صلوات الله عليه ، ويشتمل دعاؤه عليه السلام له على مدحه أيضاً.

وكالشيخ المفيد الذي هو عماد مذهب التشيع و إنّ أكثر المحدثين والفضلاء المعروفين من تلامذته ، وخرج التوقيع من صاحب الأمر عليه السلام له مشتملاً على مدحه ، وقد ألّف كتاباً مبسوطاً في ردّهم.

وكالشيخ الطوسي وهو شيخ طائفة الشيعة وعظيمها ، وتنسب أكثر أحاديث الشيعة إليه ، وكالعلامة الحلّي رحمه الله المشهور في الآفاق بالعلم والفضل ، وكالشيخ علي في كتابه (مطاعن المجرمية ) وابنه الشيخ حسن في كتابه ( عمدة المقال ) ، والشيخ العالي القدر جعفر بن محمد الدرويستي في كتاب الاعتقاد ، وابن حمزة في كُتب.

والسيد المرتضى الرازي في كتب ، وزبدة العلماء والمتورعين مولانا أحمد الأردبيلي قدس الله أرواحهم وشكر الله مساعيهم ، وغيرهم من علماء الشيعة رضوان الله عليهم ، وذكر كلام هؤلاء الفضلاء العظماء شأناً والأخبار التي ذكروها في هذا الأمر يوجب التطويل ، وسأقوم بتأليف كتاب مستقل في هذا المطلب إن شاء الله تعالى.

فان كنت تعتقد بيوم الجزاء فهيىء حجتك اليوم كي تجيب غداً عند الله لو طلب منك الحجة بجواب شاف ، ويكون لك عذر موجه ، ولا أدري كيف تكون معذوراً عند الله تعالى بعد ورود هذه الأحاديث الصحيحة من أهل بيت الرسالة عليهم السلام ، وبعد شهادة هؤلاء العظماء من علماء الشيعة رضوان الله عليهم على بطلان هذه الطائفة والطريقة ومتابعتهم.

أتقول : انّي تابعت الحسن البصري الملعون في عدّة أحاديث ؟ أو تابعت سفيان الثوري المعادي للإمام الصادق عليه السلام والمعارض له ، وقد ذكرنا بعض أحواله في أوّل هذا الكتاب ؟

أو تعتذر عند الله بمتابعة الغزالي الناصبي يقيناً ، والقائل في كتبه انّه : كما يكون علياً إمام فأنا أيضاً إمام ، والقائل : انّ من لعن يزيد فهو مذنب ، وألّف كتباً في لعن الشيعة والرد عليهم ككتاب (المنقذ من الضلال) وغيرها.

أو تحتج بمتابعة أخيه الملعون أحمد الغزالي القائل بأنّ الشيطان من أكابر أولياء الله ، أو تتشفّع بالمولى الرومي القائل بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام سيشفع لابن ملجم فيدخل الجنّة ، وانّ أمير المؤمنين عليه السلام قال له : لا ذنب عليك ، هكذا قُدّر وكنت مجبوراً في فعلك.

ولم تجد صفحة من ديوان المثنوي لم يذكر في أشعاره الجبر ، أو وحدة الوجود ، أو سقوط العبادة ، أو غيرها من الاعتقادات الفاسدة ، وكما هو المشهور

منه والذي قبله تابعيه انّ الغناء والمزمار و... عبادة.

أو تلجأ إلى محي الدين (ابن عربي) وقد سمعت خزعبلاته في أوّل الكتاب وآخره ، والقائل انّ جمعاً من أولياء الله يرون الرافضة على صور الخنازير ، والقائل إني لمّا عرجت رأيت رتبة عليّ أقلّ من رتبة أبي بكر وعثمان ، ورأيت أبا بكر في العرش فلمّا رجعت قلت لعليّ : كيف كنت تدّعي في الدنيا أنّك أفضل منهم و رأيتك الآن في أدنى المراتب. وله ولأمثاله كثير مثل هذه الأمور ، والتوجه إليها يوجب طول الكلام ، فلو انخدعت بدعاويهم ألا تحتمل انّهم فعلوا ذلك لحبّ الدنيا ؟ فلو شئت امتحنت هذا القائل بعلمه بجميع أسرار الغيب ، وانكشاف جميع الأشياء له ، وانّه يذهب إلى العرش في كلّ ليلة عشر مرّات ، بسؤال من شكيّات الصلاة ، أو مسألة عويصة من الميراث أو غيره ، أو سألته عن معنى حديث صعب ، فلو كان صادقاً فيما ادعاه لبيّن لك هذا أيضاً.

روي بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال : انّ آية الكذّاب بأن يخبرك خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب ، فإذا سألته عن حرام الله وحلاله لم يكن عنده شيء .

فلماذا هذا المدعي لفهم مسألة وحدة الوجود الغامضة ، وقصرت عقول جميع الفضلاء عن فهمها ؟ ، فلماذا لم يفهم مطلباً سهلاً حتى لو ذكّر به خمسين مرّة ولم يفهم ما يقوله هؤلاء الذين فهموا دقائق المعاني ؟ ومع هذا لو اعترفوا انّ الكشف والانكشاف يجتمع مع الكفر ، وانّ كفار الهند ذوو كشف ـ على تقرير انّ كشفهم واقعيّ ولم يريدوا الخدعة ـ فأيّ دلالة له على فضلهم ؟

(عين الحياة , المجلسي , ج2 ص 402- 407)

السيد نعمة الله الجزائري رضوان الله عليه:

قال في كتابه الأنوار النعمانية : إعلم أن هذا الاسم وهو التصوّف كان مستعملاً في فرقة من الحكماء الزائغين عن طريق الحق، ثم قد استعمل بعده في جماعة من الزنادقة، وبعد مجئ الإسلام استُعمل في جماعة من أهل الخلاف كالحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي هشام الكوفي، ونحوهم، وقد كانوا في طرق من الخلاف مع الأئمة عليهم السلام، فإن هؤلاء المذكورين قد عارضوا الأئمة عليهم السلام في أعصارهم، وباحثوهم وأرادوا إطفاء نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون، والذي وُجد منهم في أعصار علمائنا رضوان الله عليهم، قد عارضهم ورد عليهم، وصنف علماؤنا كتباً في ذمهم والرد عليهم خصوصاً شيخنا المفيد (رحمه الله) فإنه قد أكثر من الرد على الحسين بن منصور الحلاج ومتابعيه وله قصص وحكايات مذكورة في كتب أصحابنا مثل كتاب الغيبة والاقتصاد للشيخ الطوسي رحمه الله... و ورد التوقيع من صاحب الأمر عليه السلام بلعنه (أي الحلّاج) ...

والعجب من بعض الشيعة كيف مال إلى هذه الطريقة مع اطلاعه على أنها مخالفة لطريقة أهل البيت عليهم السلام اعتقاداً واعمالاً , أما الاعتقاد قالوا بالحلول وهو ان الله سبحانه وتعالى قد حلّ بكل المخلوقات حتى بالقاذورات تعالى الله عما يقول الكافرون وقد مثلوا حلول الله بهذه المخلوقات بالبحر وقت اضطراب أمواجه فإن ماء الأمواج وان كان متعدداً إلا انه كله ماء واحد في بحر واحد كثرة التموج فهي واحدة بالحقيقة متعددة بالاعتبار فالمخلوقات كلها عين الله سبحانه وهو عينها والتعدد إنما جاء من هذه العوارض الخارجية والتشخيصات العارضة للمادة!!

ثم عرض السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله بعض مخالفاتهم إلى أن قال : ومن ذلك الاعتقاد أنّ أفضلهم الغزالي وقد ادعى في حياته انه من أهل الكشف وانه قد انكشف له فضل أبي بكر على أمير المؤمنين عليه السلام وادعى انه انكشف له أيضاً عدم جواز سبّ يزيد لأنه رجل مسلم ولو كان قاتلاً الحسين عليه السلام لم يجز سبه أيضاً لأنّ غاية هذا انه فعل كبيرة وذلك لا يجوّز سبّه.

وانكشف له بطلان مذهب الإمامية بعد أن ترك التدريس وانقطع في دمشق ومكة المشرفة نحواً من عشرين سنة ملازماً للخلوة في آخر عمره وصنّف كتاباً سماه المنقذ من الضلال يتضمن الرد على من يدعي العصمة وإبطال مذهبهم وسماهم أهل التعليم وضرب لهم مثلاً بأخذهم عن المعصوم بمن تلوث بجميع النجاسات ثم طلب ماءً ليتطهر منها وسعى في طلب ذلك الماء فلم يجد ماءً يطهره ويزيل عنه الاخباث فبقى مرتكساً في النجاسات طول عمره .

وتكرر منه في الإحياء وغيره وقالت الروافض خذلهم الله وقال فيه انه لو جاء إلينا رافضي وادعى ان له طلب دم عند احد قلنا له ان دمك هدر لان استيفاءه مشروط بحضور إمامك فأحضره حتى يستوفي لك ، وقد تقدم الجواب عن هذا وقد صرح في كتابه المنقذ انه كان يستفيد من الأنبياء والملائكة مع مشاهدتهم على وجه القطع كما يريد نعم ربما نسب اليه كتاب يسمى سر العالمين في مقالة يظهر منها ميله إلى الحق ونطقه به ليكون حجة عليه وبعضهم أنكر كون الكتاب له أو أنه المقالة ملحقة بالكتاب .

وأما الشيخ محي الدين الأعرابي وهو من أعاظم أجلائهم فقد حكى في فتوحاته أنه أسري به إلى السماء مراراً متعددة والظاهر أنه قال أنها تسع وذكر هناك أنه رأى أبا بكر الصديق لما بلغ إلى العرش وقد كان قد رأى في كل سماء واحداً من الأنبياء فكان درجته ودرجة أبا بكر أعلى من درجات أولي العزم وأدعى في أول فصوص الحكم أنه من إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمره له بعين ما كتب وسمى نفسه خاتم الولاية لمنام رآه وغير ذلك من المكاشفات .

والعجب العجيب أنهم كيف يصدقون بدعوى الكشف مع اختلاف آرائهم ومذاهبهم فمنهم الملحد ومنهم السني و منهم الشيعي إلى غير ذلك فإذا كانت هذه المكاشفات كلها صحيحة صحت مذاهب الفرق فلا يكون الناجي فرقة واحدة بل جميع هذه الفرق ما هذا إلا سفه وجنون .

(الأنوار النعمانية , الجزائري, ج2 ص193-197)

الحر العاملي رضوان الله عليه:

قال في الباب الرابع من كتابه الاثنا عشرية: إبطال الكشف الذي بدعوته وعدم حجيته ويدل على ذلك وجوه اثنا عشر.

الأول: عدم ظهور دليل قطعي على حصوله ولا وجوب تحصيله ولا مشروعيته فضلا ً عن حجيته فكيف يجوز لنا الجزم بذلك من غير دليل {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بل يمكن أن يقال بعدم وجود دليل ظني أيضاً وعلى تقدير أن يأتوا بشبهة تفيد الظن ف(إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) وكيف يجتريء عاقل فضلاً عن مسلم أن يثبت بمجرد الظن عبادة ويحكم بمشروعيتها وإسقاطها لجميع العبادات الشرعية وكل ذلك تحكُم صرف وتشريع محض لم يحصل العلم واليقين بشيء منه.

فإن قلت: الإخبار بوقوع الكشف والإخبار بالمغيبات من أهله وظهور الكرامات على أيديهم متواترة.

قلت: التواتر ممنوع: إن أردتم به الإخبار عن حصول الكشف المدعى للغزالي مثلاً، وغير مفيد إن أردتم به الإخبار عن دعواه له فإنه لا يعلم صدقه وصحة دعواه إلا بالكشف وهو دوري وأيضاً فإن التواتر لا يفيد العلم في غير المحسوسات كما تقرر، ولو ثبت تواتر أنه أخبر ببعض المغيبات فوافق المخبر به لا يدل على حصول الكشف له لاحتمال كونه عن تخمين أو فراسة وشبق العلم وبه تواطؤ مريديه على اختراعه وكونه عن كهانة أو استخدام أو علم بالنجوم أو بالرمل أو وقوع الموافقة اتفاقاً أو وقوعها مرة وقوع المخالفة أخرى ومع قيام الاحتمال يبطل الاستدلال فكيف مع قيام الاحتمالات الكثيرة على أن كل من نقله صوفي فهو مدع يحتاج إلى إثبات سلمنا لكن هل يدل وقوعه على مشروعيته فيلزم مشروعية الكهانة والسحر ونحوهما بطريق الأولوية وهل يدل على حجيته؟ فيلزم الاستغناء عن الأدلة الشرعية بالكلية وإذا كان كذلك فأي فضيلة له وأي مزية! وسوف ترى في مقام فضايح مشايخهم ما يدل على ما قلناه إن شاء الله.

الثاني: عدم إفادته على تقدير وقوعه لليقين. ألا ترى أنه كثيراً ما ينكشف للإنسان أشياء ثم ينكشف له فسادها وكذا من يدعي الكشف أو يُدعي له, وذلك معلوم منهم قطعاً ولعل جميع ذلك من هذا القبيل وعلى تقدير إفادته للظن خاصة كيف يجوز الجزم به؟ والاعتماد عليه وقد ادعى جمع منهم أنهم يرون نور الوضوء وينكشف لهم, فامتحنّاهم بأن يخبرونا عن حال جماعة محصورين وأي شخص منهم على وضوء وأي شخص منهم على غير وضوء فظهر عجزهم وافتضاحهم.

الثالث: إنه على تقدير صحته يلزم عدم جواز الخطأ على صاحبه وهو معنى العصمة فلزم القول بعصمة كل من ادعاها أو حصلت له وعلى زعمهم أنه حاصل لأكثرهم والقول بأنّ تحصيل العصمة أمر ممكن كسبي واقع قول واضح الفساد ظاهر البطلان ومن المعلوم اختصاصها بأهلها وجواز الخطأ بل وقوعه من غيرهم وإذا جاز الخطأ على صاحب الكشف كما يجوز على غيره فكيف يجب تحصيله بالطرق المبتدعة المنهي عنها ويجب الاعتماد عليه و اطراح الأدلة الشرعية المأمور بالعمل بها وهل ذلك كله إلا مجانبة للشرع وخروج عن الدين؟.

الخامس: أنه يلزم من فرض صحة الكشف المذكور وما يدعونه لأهله من العلوم والكرامات بطلان كثير من معجزات الأنبياء والأئمة عليهم السلام وإمكان مضاهاتهم فيها والإتيان بمثلها بل الشك في صحة دعواهم للنبوة والإمامة لأن تلك البراهين التي تثبت بها تلك الدعوى أمور ممكنة لآحاد الناس يمكن اكتسابها والوصول إليها على قول الصوفية بالجلوس في مكان منفرد أربعين يوماً أو أقل فمن أين يثبت اليقين بصحة دعوى نبي أو إمام تجويز هذا الاحتيال؟! وبطلان اللازم ضروري فكذا الملزوم وأي فساد في الدين أعظم من هذا الفساد وهل ضرر السحر والشعبذة والكهانة ونحوها مما علم تحريمه شرعاً إلا دون ضرر هذا الكشف فيلزم تحريمه بطريق الأولوية قطعاً.

السادس: ظهور الاختلاف العظيم الفاحش فيما يخبر به أصحاب الكشف كما هو ظاهر غني عن البيان وناهيك بأن صاحب كل مذهب منهم يدعي حصول الكشف له ببطلان مذهب من خالفه كالغزالي فقد ذكر أنه لزم الرياضة والخلوة وترك الدرس عشر سنين فانكشف له بطلان مذهب الإمامية وأفضلية أبي بكر على علي عليه السلام بمراتب وكذلك تدعي الشيعة من الصوفية وكل فريق حتى الكفار من الهند وغيرهم فظهر أنه خيال وهمي لا حقيقة له أو مجرد دعوى لا أصل لها.

قال بعض أصحابنا : إني لأعجب ممن يدعي هذه المرتبة على اختلاف مذاهبهم ظاهراً مع أن كلا منهم يدعي كشفاً يوافق مذهبه واعتقاده فالغزالي مع دعواه الوصول إلى هذه المرتبة انكشف له فضل أبي بكر على علي عليه السلام بمراتب كما هو ظاهر لمن طالع إحياءه!!

وكما انكشف له عدم جواز سب يزيد لعنه الله فإنه قال في كتاب إحياء العلوم: فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لكونه قاتلاً للحسين أو آمرا به ؟

قلنا: لم يثبت أصلا, فلا يجوز أنه قتله أو أمر به فضلا عن اللعنة, فلا يجوز نسبة كبيرة إلى مسلم من غير تحقيق إلى أن قال فإن قيل: فهل يجوز أن يقال قاتل الحسين أو الآمر بقتله لعنه الله؟

قلنا: الصواب أن يقال قاتل الحسين إن مات قبل التوبة فعليه لعنة الله لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة (انتهى)

وذكر نحوه في الحجاج وأي ناصبي وصل إلى هذه الغاية والمرتبة من النصب والعناد (انتهى).

السابع: ظهور خلاف ما يخبر به هؤلاء كثير أو فساد ما يظهرونه من الكرامات والبراهين على ولايتهم كما هو مشاهد عياناً من أعيانهم ورؤسائهم فضلاً عن أتباعهم ويأتي بعض ذلك إن شاء الله تعالى فظهر أن ما يدعون من الكشف باطل فاسد.

الثامن: أن يطلب ممن يدعي هذا الكشف تحقيق مسألة واحدة من المشكلات المشهورة بين العلماء أو الإخبار عما بقي من غير شخص معين أو نحو ذلك فإنه يظهر عجزه وبطلان دعواه ضرورة ولا يمكنه تحقيق شيء من ذلك قطعاً فظهر عدم صحته وعدم ثبوت فائدة يعتد بها له.

التاسع: إن الضرورة قاضية ببطلانه شرعاً بمعنى عدم حجيته في الدين وعدم جواز التعويل عليه والالتفات إليه في شيء من أحكام الشرعية فما الفرق بينه وبين الخيالات الوهمية والأفكار الردية والوساوس الشيطانية والأحلام التي يراها النائم من غير رؤية ولا روية وأصحابها يعترفون بعدم حجيتها فلم يبق لها مزية ولا فائدة يعتد بها لو ثبت جوازها وقد تواترت الأحاديث بل تجاوزت حد التواتر في أنه لا يجوز أخذ العلم من غير النبي والإمام وأن الطريق منحصر فيهم عليهم السلام والأحاديث المشار إليها موجودة في كتاب العقل وكتاب الحجة وكتاب العلم وغيرها من أصول الكافي وغيره والمقام يضيق عن ذكر بعض ما أشرنا إليه.

العاشر: إن مثل هذا الكشف بل ما هو أقوى منه وأعظم حاصل للكفار والمجانين فأي فضيلة فيه وأي مزية لأهله به؟! فقد شاع وذاع عن كفار الهند وغيرهم أنه يحصل لهم مثله بل هم وأمثالهم الذين اخترعوا هذه الرياضيات ولم يرد بها الشرع وكثيراً ما تنكشف المجانين مثل ذلك كما شوهد منهم وسمع من إخباراتهم ببعض المغيبات مع المطابقة فأي فضيلة فيما يجامع الكفر والجنون؟! ولكن أكثرهم لا يشعرون هذا ولا يبعد كون الشياطين تظهر لهم أو الجن تكلمهم بعض ما يعرفونه فإنهم يجتمعون عند أصحاب التسخير والرياضيات ويتشكلون بأشكال بني آدم وقدكانت الشياطين تدخل في أجواف الأصنام وتخبر أهلها من كل ما يسألون وهو أعظم مما يدعيه هؤلاء الصوفية, فكيف يوثق بمثله وقد حكي عن رجل قريب من هذا الزمان أنه كان يُظهر أشياء من هذا القبيل بل أوضح مما يدعيه هؤلاء ثم ظهر أنه كان له شيطان يخبره بذلك ويأتيه بالأخبار والكتابات والجوابات من مسيرة شهرين فصاعداً في يوم واحد وكان الرجل يسجد لذلك الشيطان , حكى عنه ولده ذلك بعد موته ولا يبعد أن يحصل لهم خبط وتغير مزاج ولو بتناول بعض الأدوية المغيرة توصلاً إلى ذلك.

الحادي عشر: إن هذا بزعمهم من أعظم المهمات الدينية بل هو غاية الغايات واللازم من ذلك ورود الأوامر الشرعية به ووصوله إلينا بطريق العلم واليقين والأمر بأسبابه ومقدماته أو مشروعيتها فضلاً من وجوبها والأمر فكيف كانت الأخبار والآثار خالية من ذلك!؟ بل من هذا الاسم, فعُلم أنه لا أصل له شرعاً.

الثاني عشر: إنه على قولهم يلزم منه سقوط التكاليف واللازم باطل والملزوم مثله والملازمة واضحة لاعترافهم بها وادعائهم لها وبطلان اللازم يأتي إن شاء الله تعالى مع أنه غني عن البيان ضروري البطلان لا يحتاج إلى برهان والله المستعان.

محمد بن طاهر (شيخ الاسلام) المعروف بملا طاهر القمي رضوان الله عليه:

يقول محسن جهانكيري أستاذ الفلسفة في جامعة طهران : كان شيخ الإسلام هذا من أشد القادحين والمنتقدين لابن عربي في العالم الشيعي , وقد انبرى للقدح فيه ونقده بلا تردد وبصراحة كاملة , وأحياناً بدون دراسة وافية , ووصمه بالضال والمضل والكذاب والمفتري والأحمق والأكفر من يزيد وبلا دين , ورفض مبادئ تصوفه الأخرى أيضاً غير مبدأ وحدة الوجود وعدها مخالفة لأصول الدين والمذهب, وقال محيي الدين (ابن عربي) على رأس التابعين للحلاج وأبي يزيد , وصرح في كتاب الفصوص بنجاة جميع أهل المذاهب والملل , وأن نار جهنم لا تحرق أحداً.

كما كتب : قال محيي الدين (ابن عربي) في كتاب الفصوص ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد رحل من الدنيا ولم يعين خليفة له لأنه يعلم ان البعض سيأخذ الخلافة من الله ويتعلم الأحكام عن الله بدون واسطة الملك , ولا شك في أنّ هذا الاعتقاد كفر محض.

كما انتقده وكفره أيضاً لأنه ادعى الولاية بل والنبوة , ودعا نفسه بخاتم الأولياء , وقال بأن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء في الولاية , مثلما ان خاتم الأنبياء أفضل في الرسالة كما انّ جميع الأنبياء يقتبسون العلم عن مشكاة خاتم الأنبياء وجميع الأولياء يقتبسون العلم عن خاتم الأولياء , وخاتم الأنبياء يقتبس العلم عن مشكاة خاتم الأولياء كما قال بأن النبوة التي ختمت لمحمد صلى الله عليه وآله نبوة تشريع وأما النبوة العامة فهي باقية!!

وتابع هذا الفقيه الشيعي الحامي للشريعة انتقاده لهذا الصوفي السني السالك للطريقة بجدية كاملة وكفرّه أيضاً على صعيد تشبيه الله , وإيمان فرعون , وجهة كفر النصارى وخطأ إبراهيم عليه السلام في المنام , وعدم عذاب أهل جهنم وقال في ذلك : انه لم يقل بتنزيه الله وإنما هو قائل بالتشبيه والأحاديث متواترة عن أهل البيت بكفر القائل بالتشبيه . كما حكم بخطأ نوح لأنه لم يجمع بين التنزيه والتشبيه , وقال لو انه قد جمع بينهما لأجابته أمته . ويعتقد بإيمان فرعون ويقول بأن قوم فرعون قد غرقوا في بحر العلم , مع ان القرآن يدل بصراحة على انّ فرعون وقومه كانوا كفاراً وان الله أغرقهم غضباً عليهم.

وقال أيضاً بأن الله لم ينصر هاروناً حتى غلبه السامري فجعل الناس يعبدون العجل , ومن هنا أراد الله أن يُعبد في أية صورة!!

وله في كتاب الفصوص حديث خلاصته انّ النصارى لم يكفروا لأنهم قالوا انّ عيسى هو الله وإنما كفروا لأنهم قالوا ان الله منحصر في عيسى!

وقال أيضاً بأنّ ابراهيم قد أخطأ في المنام وأراد ان يذبح إسحاق في حين كان تفسير منامه أن يذبح كبشاً.

وقال بأن عذاب أهل جهنم ليس سوى أنهم حينما يرون النار يتصورون إنها ستحرقهم إلا أنهم ما إن يصلوا إليها حتى تكون عليهم برداً وسلاماُ , وقال بأن لفظة العذاب الواقعة في القرآن مشتقة من العذب , أي أنه يزعم أنّ جهنم ستكون عذبةً على أهل جهنم لا عذاباً...)

ويختم (الملا طاهر القمي) العبارات أعلاه بقوله : انّ هناك دليلاً واضحاً على كفر محيي الدين (ابن عربي) في كل من هذه الكفريات المذكورة ومن لا يعتبر القائل بهده الكفريات كافراً فهو كافر أيضاً وبلا دين وخارج عن دائرة اليقين.

(محيي الدين بن عربي, الدكتور محسن جهانكيري, أستاذ الفلسفة في جامعة طهران, ص 546-549)

وفقكم الله لمراضيه

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

3 صفر 1433 هـ


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp