بسمه تعالى
سماحه الشيخ ياسر الحبيب دامت بركاته
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
فى البدء أدعو الله العلى القدير لكم بالتوفيق والسداد وأن تشملكم وإيانا عنايه ولطف مولاى صاحب الأمر صلوات الله عليه
سؤالى هل كانت وفاه إبن أبى قحافه لعنه الله عليه وعلى صاحبه طبيعيه أم أن وراء الأكمه ماورائها
ولا تنسونا ياسماحه الشيخ من دعائكم عند مظان الإجابه
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
خادمكم محمد مصر
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد الصديقة البتول فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، جعلنا الله وإياكم من الثائرين لها مع ولدها المنتظر المهدي أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف.
قد روى القوم أنه هلك بالسم، وقد اتهموا اليهود فيه، إذ روى الطبري: ”وكانت سبب وفاته أن اليهود سمّته في أرزة ويقال في جذيذة، وتناول معه الحارث بن كلدة منها ثم كفّ وقال لأبي بكر: أكلت طعاما مسموما سمّ سنة! فمات بعد سنة ومرض خمسة عشر يوما فقيل له: لو أرسلت إلى الطبيب؟ فقال: قد رآني. قالوا: فما قال لك؟ قال: أني أفعل ما أشاء. قال أبو جعفر: ومات عتّاب بن أسيد بمكة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر وكانا سُمّا جميعا ثم مات عتّاب بمكة“. (تاريخ الطبري ج2 ص611 ونظيره في طبقات ابن سعد ج3 ص198 والكامل لابن الأثير ج2 ص418 والعقد الفريد لابن عبد ربّه ج4 ص250 وغيرها).
ونحن نشك في إلقائهم اللوم في قتله بالسم على اليهود، إذ إنه لم يكن لهم آنذاك وجود قوي في المدينة، ولا مصلحة مباشرة لهم في قتله حيث سيخلفه آخر ويكون الأمر بالنسبة إليهم سيّان، وإذا كان الفعل قد وقع منهم حقا فلماذا لم ينقل لنا التاريخ ما فعلته السلطة لمعاقبتهم أو لتعقّب من هَمَّ منهم بتسميم الطعام، وكيف وصل هذا الطعام إلى أبي بكر والحارث بن كلدة وعتّاب بن أسيد فأكلوا منه؟
لهذا فإن المظنون عندنا أن من قام بذلك هو عمر بن الخطاب إذ هو المستفيد الوحيد من هلاكه، وانقلاب أركان السلطة بعضهم على بعضهم أمر معهود على مرّ التاريخ إلى اليوم، وهناك قرائن تاريخية متعددة على أنه كان بين الرجلين شيء من التنافر والكره الباطني لولا أن المصلحة السياسية كانت تجمعهما وتضطرهما إلى التوافق ظاهرا، وقد شرحنا ذلك في بعض محاضراتنا القديمة، فارجع إليها إن شئت.
وعلى العموم فإن كلا من أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة ما كانوا بعيدين عن جوّ القتل بالسم، فإنهم قد سمّوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل، ولذا يكون قويا أن يلقى أبو بكر هذا الجزاء من الجنس نفسه لأن القاعدة الإلهية هي ”كما تدين تدان وكما تفعل يُفعل بك“، فكما أن أبا بكر قد خان رسول الله وسمّه؛ كذلك تعرّض إلى خيانة صاحبه عمر وسمّه إياه.
وغير خفي أن عمر كان يستعجل صيرورة الخلافة إليه، وهو المستفيد الوحيد من هذا العمل كما أسلفنا، ولا يبعد أنه قد اشترك معه عثمان في ذلك إذ الواضح تأريخيا أنه كان مشتركا في التخطيط لانتقال الخلافة من أبي بكر إلى عمر وإجبار الناس على بيعته باعتبار كتابة أبي بكر عهدا ووصية بذلك، وقد اعترف عثمان بأنه كتبه وأبو بكر في حال الإغماء ثم ادعى أنه حين أفاق أقرّه عليه! وهذا العهد هو الذي تشدّق به عمر ورفعه أمام الناس قائلا: ”اسمعوا وأطيعوا لخليفة رسول الله“! وكان هذا العهد هو حجته لقهر الناس على بيعته لأنهم كانوا يكرهون فيه فظاظته وغلظته وعنجهيته عليه لعائن الله تترى.
بصّركم الله بالحق على الدوام. والسلام.
9 من ربيع الآخر لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.