السلام عليكم ورحمة الله
عظّم الله أجورنا وأجوركم باستشهاد السبط الأول ومعز المؤمنين الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام )
تتوارد في هذيه الأيام في مجالس العزاء الروايات التي تذكر قول حجر بن عدي للإمام الحسن بن الهدنة مع معاوية - لعنه الله - السلام عليك يا مذل المؤمنين وما شابهها من أقوال جارحة قد نستبعد قوالها من مثل هذا الرجل الرافضي.
فهل هذه الروايات صحيحة ؟ وما تعليق الشيخ عليها ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم باستشهاد معز المؤمنين السبط الأكبر الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبى صلوات الله وسلامه عليهما.
بمراجعة الشيخ أفاد أنه جاء ذلك في بعض الأخبار بأسناد غير نقية، إذ فيها عمارة بن زيد وهو شخصية مختلَقةٌ اختلقها عبد الله بن محمد البلوي المرمي بالكذب والوضع وقد زعم أنها نزلت عليه من السماء! كما جاء ذلك في بعض أخبار العدو كالذي رواه البلاذري في أنساب الأشراف بلفظ: «سوَّدتَ وجوه المؤمنين»! والعياذ بالله.
ولا يُعزى هذا القول في رواية الأئمة (عليهم السلام) إلا إلى سفيان بن الليل أو ابن أبي ليلى الهمداني، فعن أبي حمزة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السلام يقال له: سفيان بن أبي ليلى، وهو على راحلة له، فدخل على الحسن عليه السلام وهو محتب في فناء داره، فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين! فقال له الحسن عليه السلام: انزل ولا تعجل. فنزل فعقل راحلته في الدار وأقبل يمشي حتى انتهى إليه. قال: فقال له الحسن عليه السلام: ما قلت؟ قال: قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين! قال: وما علمك بذلك؟ قال: عمدت إلى أمر الأمة فخلعته من عنقك وقلدته هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله. قال: فقال له الحسن عليه السلام: سأخبرك لمَ فعلت ذلك، قال: سمعت أبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لن تذهب الأيام والليالي حتى يلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم رحب الصدر يأكل ولا يشبع، وهو معاوية، فلذلك فعلت. ما جاء بك؟ قال: قال: حبك. قال: الله؟ قال: الله! قال: فقال الحسن عليه السلام: والله لا يحبنا عبد أبدا ولو كان أسيرا في الديلم إلا نفعه الله بحبنا، و إن حبنا ليساقط الذنوب من بني آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر». (رجال الكشي ج1 ص237)
فالإنصاف ترك ما يرويه العدو والوضاعون، وإن كان ولا بد فيكون الاعتماد على رواية الأئمة عليهم السلام بعد الإغماض عما في سندها من جهالة، إذ هي الرواية الخاصية التي بين أيدينا، كما أن السند الذي فيه من نجهل عينه أو حاله ليس كالسند الذي نعلم فيه كذاباً وضّاعاً.
وعليه يكون ما يمكن الاعتماد عليه أن القائل سفيان بن أبي ليلى لا حجر بن عدي. وسفيان هذا معدود في حواريي الإمام الحسن عليه السلام في خبر مروي عن الكاظم عليه السلام (رجال الكشي ج1 ص43)، ومع الأخذ به يُعلَم أن سفياناً قد تاب حتى غدا من الحواريين، كما تُشعر بذلك الرواية نفسها التي تضمنت تجاسره، إذ صرّح بأن الذي أتى به إلى الإمام الحسن عليه السلام إنما هو حب أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وقد تجاوب معه الإمام على هذا، أي أن الرجل كان خيِّراً في نفسه إلا أنه زلَّ حينئذ لما هو معلومٌ تاريخياً من إصابة كثير من الشيعة بالذهول بعد الهدنة وتسليم الأمر إلى معاوية لعنه الله، فلم يتقلقل منهم إلا القلائل من الخُلَّص وكُمَّلِ المؤمنين، ثم إن أولئك المتقلقلين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا، ولا سيما بعدما أدركوا الحكمة مما فعله السبط الأكبر صلوات الله عليه.
وأيّاً كان؛ فليس يمتنع أن يكون حُجرٌ من هؤلاء الذين أصابهم الذهول فانفلتت ألسنتهم ثم تابوا وختموا عواقبهم بخير، إلا أن ذلك بعيد لما تقدّم، ولما عُلِمَ من كونه راسخ الإيمان قديمَه، بخلاف سفيان فإنه كان على ما يبدو حديث العهد بالإيمان جديدَه، وليس بمنزلة حُجر الذي كان من الأبدال.
وفقكم الله لمراضيه
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
10 صفر الأحزان 1438 هجرية