سمعت السيد كمال الحيدري في احد محاضرته يقول " ان نبوة النبي الاعظم محمد صل الله عليه وآله ليست ضرورية انما معرفته تدور مدار الدليل اي انه اذا قام عندي الدليل علي نبوته صل الله عليه وآله فهو عندي الدين اما ان لم يقم عندي الدليل فأنا غير ملزم بمعرفته او الاعتراف به والدليل ان هناك اكثر من ستة مليارات ان صح القول لم يقم عندهم الدليل علي نبوة النبي صل الله عليه وآله وهم من الموحدين نصار ويهود ""
فما رأيك شيخنا الحبيب في هذه المقالة ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ،
هذا كلام تافه لا يمكن أن يصدر من عالم، لأن المعلوم بالضرورة أن من يتجرد عن الهوى ويبحث عن الحق بإنصاف فلا بد أن يثبت لديه الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى لخلقه، وتثبت له بالتالي نبوة خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله بالحجة القاطعة. فلقد قال الله سبحانه: «قُلْ فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ» (الأنعام: 150).
وقول القائل أن نبوة النبي اجتهادية؛ إن كان يقصد بذلك أن لمنكريها عذرهم المقبول يوم القيامة؛ فكلامه ساقط، لأن هؤلاء المنكرين إما أن يكونوا قد اجتهدوا في تحرّي هذه النبوة فلم يجدوا دليلا تاما عليها؛ وهذا محال عند مَن يؤمن بالإسلام لأنه يعود على الله سبحانه بالتقصير في إتمام الحجة البالغة، فلا بد أن يكون التقصير من جانبهم كاتباعهم الهوى وإعراضهم عن الأدلة أو التعنت فيها أو جحودها. وإما أنهم لم يجتهدوا في تحري هذه النبوة ولذا لم يحرزوا الأدلة عليها. وعلى الفرضين فلا عذر لهم في إنكارهم. وفي الحديث عن مسعدة بن زياد قال: «سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام وقد سئل عن قوله تعالى: (فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ) فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أ كنتَ عالما؟ فإن قال: نعم؛ قال له: أ فلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنتُ جاهلا؛ قال له: أ فلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه، فتلك الحجة البالغة» (أمالي المفيد ص228).
وعليه تعرف أن دعوى هذا البالون أنه إذا لم يقم عند الإنسان دليل على نبوة خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله فإنه غير ملزم بمعرفته أو الاعتراف به؛ إنما هي في الحقيقة خدمة لإبليس بفتح باب الزندقة وتبرير الكفر والانحراف، إذ يكون لكل كافر في الدنيا أن يدّعي مثلها، ويقول: لم يقم عندي الدليل على وجود الخالق أصلا، والمسألة اجتهادية إذ هنالك مليارات لا يؤمنون بوجوده، فأنا غير ملزم بالاعتقاد به ومعذور على كل حال!
ثم إن في ما بنى هذا التافه كلامه عليه أغلاط علمية، منها اعتبار كل مسألة يُبحث عن دليلها اجتهادية لا ضرورية، والحال أن الضروريات يُبحث عن أدلتها أيضا على سبيل الاستحكام.
ومنها أن عدم إجماع البشر على شيء يخرجه عن حد الضرورة، والحال أن في البشر من ينكر الضروريات والحسيات والبدهيات كالسفسطائيين، فلا إجماع، ومع ذلك لم تخرج هذه الأمور عن حد الضرورة.
ومنها دعواه أن هنالك ستة مليارات من البشر الموحدين لم يقم عندهم الدليل على نبوة خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله، والحال أن عدد الموحدين من البشر أقل من ذلك بكثير، وهم بالكاد يصلون مع المسلمين إلى النصف، والبقية ملحدون أو يتبعون أديانا وثنية غير توحيدية. ثم إن الأكثرية الساحقة من هؤلاء الذين اعتبرهم موحدين لم تبحث أصلا في الدين ولم تتحرَّ دليلا، وإنما تلقّت أديانها وراثةً وتقليدا، فكيف يُنسب إليها أنها بحثت ولم يقم عندها الدليل على نبوة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله ليُبنى على هذا أنها اجتهادية؟! إنْ هذه إلا مغالطة.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
21 شعبان المعظم 1439 هجرية