السلام عليكم
ورد حديث من طرق المخالفين عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر .
فبعض كتبنا تشنع عليهم و ترد عليهم بسبب هذا الحديث وانه منافي للعلم ولما توصل اليه العلم والحقائق العلمية الملموسة وتستدل ان ابا هريرة كان كذابا و وضاعا ...الخ لكني تفاجئت بان شبيه هذا الحديث بدرجة كبيرة موجود في مصادرنا في الكافي وبحار الانوار اضافة الى اني تفاجئت بان شبيه هذا الحديث ورد عن امير المؤمنين في نهج البلاغة بما مضمونه ان العين حق والطيرة ليست بحق والعدوى ليست بحق ...الخ فباعتباري انا طبيب واعرف ان كثير من الامراض تنتقل بواسطة العدوى بالجراثيم والطفيليات والفيروسات فيكيف نوفق بين الاحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام والحقائق العلمية؟ اتمنى من جنابكم شرحا علميا وافيا ودمتم في رعاية الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ،
الفرق بيننا وبين مخالفينا في هذه المسألة أنهم يقطعون بصحة أحاديثهم في نفي العدوى لورودها في البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة وابن عمر وأضرابهما؛ فيما لا نقطع نحن بصحة هذه الأحاديث عندنا، بل نرى أن مصدرها الأصلي هو ما رواه أهل الخلاف، فإن منها ما هو برواية النضر بن قِرواش كما في (الكافي ج15 ص461) وهو رجل مخالف وُصف في بعض الروايات بالخبيث، فقد روى الراوندي أن الباقر عليه السلام «جعل يحدِّث أصحابه بأحاديث شداد» أي التي تكون شديدة على المخالفين لتعرضها لرموزهم وعقائدهم «وقد دخل عليه رجل يقال له: النضر بن قرواش، فاغتم أصحابه لمكان الرجل مما يستمع حتى نهض، فقالوا: قد سمع ما سمع، وهو خبيث. قال: لو سألتموه عما تكلمت به اليوم ما حفظ منه شيئا. قال بعضهم: فلقيته بعد ذلك؛ فقلت: الأحاديث التي سمعتها من أبي جعفر أحبُّ أن أعرفها. فقال: والله ما فهمتُ منها قليلا ولا كثيرا» (الخرائج والجرائح ج1 ص278 وبحار الأنوار ج46 ص252).
ومنها الرواية التي في كتاب الأشعثيات (ص168)، ومعلومٌ ما فيه من الأخبار الشاذة (قاموس الرجال ج2 ص120) وأن مؤلَّفه محمد بن محمد بن الأشعث ممن سكن مصر مخالطًا للمخالفين وقد أدرج في كتابه «ما روته العامة عن جعفر بن محمد عليهما السلام» (رجال النجاشي ص379) مضافا إلى أن الرواية ذاتها وردت فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله بلفظ: «لا يعدي شيء شيئا» (الأشعثيات ص249). وهذا مع قطع النظر عن أن إسماعيل الذي تُروى عنه كل هذه الأحاديث في هذا الكتاب لم تثبت وثاقته ولا جلالته.
وأما ما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: «والعدوى ليست بحق، والطيب نُشرة، والعسل نُشرة، والركوب نُشرة، والنظر إلى الخضرة نُشرة» (نهج البلاغة - الحكمة 390) فإنها من زيادات نسخة ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي (مصادر نهج البلاغة للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ج4 ص285). والخبر نفسه يرويه الرضا عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام ولكن دون هذه الزيادة إذ اقتصر على قوله: «الطيب نُشرة، والعسل نُشرة، والنظر إلى الخضرة نُشرة، والركوب نُشرة» (مكارم الأخلاق للطبرسي ص42 عن صحيفة الرضا عليه السلام). وعلى فرض أن هذا الكلام كان في النسخة الأصلية لنهج البلاغة؛ فنحن نعلم أن الرضي قد أخذ خطب وحِكَمَ النهج من مصادر شتى كان منها مصادر المخالفين، فإذا كان هذا الكلام المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام منها فلا إلزام لنا به، وأما مصادرنا فخلوٌ منه كما علمتَ.
وهكذا لا يكاد يخلو طريق من طرق هذا الحديث من رجل عامي أو مخالط للعامة، وفي مقابله طائفة من الأحاديث بألفاظ متنوعة تدل على وقوع العدوى وتنهى عن مخالطة الصحيح لذي العاهة، فمنها «كره أن يكلم الرجل مجذومًا إلا أن يكون بينه وبينه قدر ذراع» (من لا يحضره الفقيه ج4 ص357)، ومنها «لا يوردنَّ ذو عاهة على مُصِحٍّ» (جامع أحاديث الشيعة ج16 ص892).
ثم على تقدير اعتبار الطائفتين المتخالفتين من الأحاديث فلا بد من الجمع بنحوٍ ما كالذي أفاده الشهيد الأول رحمه الله إذ قال: «ووجه الجمع بين الأخبار؛ الحمل على أن ذلك لا يحصل بالطبع، كاعتقاد المعطلة والجاهلية، و إن جاز أن الله تعالى يخلق ذلك المرض عند المخالطة» (القواعد والفوائد ج1 ص397).
وأيًّا كان فإن المخالف لا يمكنه الفرار من ثبوت الحديث عنده ولا يملك إلا تأويله، أما نحن ففي غنى عن هذا إذ لنا أن نرده من رأس لعدم ثبوته، كما لنا أن نأخذ بما يخالفه مما وافق الواقع المحسوس، بل هذه هي سيرة الشيعة عبر العصور إذ علَّمهم أئمتهم عليهم السلام أن يذروا ما يشبه حديث أهل الخلاف وما هم إليه أَميَلُ ويأخذوا بما يخالفه وما هم عنه أبْعَدُ إذ الرشد في خلافهم.
ولا تغفل عن أنّا لا نعتبر أبا هريرة كاذبًا لمجرد أنه رُوي عنه حديث «لا عدوى»؛ بل لانضمام قرائن دلَّت على كذبه وتهافته، من أبرزها أنه عاد فأنكر حديثه هذا وجاء بما يخالفه، ثم لمّا روجع في ذلك ارتبك وغضب وبدأ يرطن بالحبشية بكلام فارغ غير مفهوم! وما ذاك إلا خشية أن يُفتضح.
روى البخاري «عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا صفر، ولا هامة. فقال أعرابي: يا رسول الله؛ فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء؛ فيخالطها البعير الأجرب فيُجْرِبُها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول؟ وعن أبي سلمة، سمع أبا هريرة بعدُ يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يوردن ممرض على مصح. وأنكر أبو هريرة حديث الأول! قلنا: ألم تحدث أنه لا عدوى؟! فرطن بالحبشية»! (صحيح البخاري ج7 ص138). وقد قال العيني في شرحه: «أي تكلم بما لا يُفهم، والحاصل في ذلك أنه غضب فتكلم بما لا يُفهم»! (عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج21 ص288).
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
21 جمادى الأولى 1440 هجرية