بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
اللهم والعن اعدائهم لعنا ابديا سرمديا لاسيما ابي بكر وعمر وعثمان وحفصة وعائشة
قال السيد المجدد اعلى الله مقامه الشريف في كتاب الفقه العقائد ( أن قول الشيخ المفيد اعلى الله مقامه في أن ارواح الأئمة وأجسادهم صلوات الله وسلامه عليهم ترتفع إلى الاعلى ولا تظل اجسادهم في القبر محل بحث لأنه قد تبين وجود جسد الحسين عليه السلام وبشكل مكرر عند محاولة نبش قبره صلوات الله وسلامه عليه والدليل على ذلك (قصة ديزج )حينما رأى جسد الامام على حصيرة في قبر ولم يحدث له اي شيء) أقول : مارأي سماحتكم في هذا الموضوع فهل ترتفع اجسادهم الطاهرة بعد استشهادهم إلى الرفيق الأعلى أم ان اجسادهم تبقى في القبر محفوظة وارواحهم ترتفع كما بين المجدد اعلى الله مقامه.؟
شكرا جزيلا لكم
وحفظ الله صوتك الذي هز عروش الكفرة الوهابيين في جميع العالم
نسألكم الدعاء
اخوكم / محمد عبدالله / الكويت
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لم يقطع الإمام الراحل (قدس الله نفسه) بأن أجسادهم (صلوات الله عليهم) تبقى في الأرض بل مال إليه بقوله عن نقيضه أنه ”محل بحث“.
والتردد في المسألة يرجع إلى تعارض الأدلة الروائية، فمنها ما دلّ على أن أجسادهم الطاهرة ترتفع، ومنها ما دلّ على العكس وتؤيده شواهد الواقع عبر التاريخ.
فمن الطائفة الأولى ما عن زياد بن أبي الحلال عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ”ما من نبي ولا وصي نبي يبقى في الأرض بعد موته أكثر من ثلاثة أيام حتى ترفع روحه وعظمه ولحمه إلى السماء، وإنما تؤتى مواضع آثارهم ويبلغهم السلام من بيعد ويسمعونه في مواضع آثارهم من قريب“. (كامل الزيارات ص544 والكافي ج4 ص567 وغيرهما).
وكذا ما عن عطية الأبزاري عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ”لا تمكث جثة نبي ولا وصي نبي في الأرض أكثر من أربعين يوما“. (التهذيب ج6 ص106).
أما من الطائفة الثانية فما عن المفضل بن عمر الجعفي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ”إذا زرت أمير المؤمنين فاعلم أنك زائر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب عليهم السلام“. (كامل الزيارات ص90 والتهذيب ج6 ص22 وغيرهما).
وكذا ما عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث: ”إن الله عز ذكره أوحى إلى موسى أن احمل عظام يوسف من مصر قبل أن تخرج منها إلى الأرض المقدسة“. (الكافي ج8 ص136 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص123 وغيرهما).
ويؤيد ذلك ما ورد من استسقاء بعض اليهود بعظم نبي، وما ورد من حرمة التقدّم على المعصوم في الصلاة حيا وميتا، وهو يلازم بقاء جسده في قبره. كما وتؤيده شواهد الواقع إذ قد شوهدت أجساد بعض الأنبياء (عليهم السلام) كالنبي حبقوق (عليه السلام) في إيران والنبي شعيب (عليه السلام) في العراق، بل شوهد الجسد الطاهر لمولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) غير مرة، وذلك عندما كشف قبره الشريف موسى بن عباس الهاشمي أمير الكوفة بعد عام 65، وكذا عندما نبشه إبراهيم اليهودي المعروف بالديزج بأمر المتوكل لعنه الله.
والذي يرجح في نظرنا هو أن أجسادهم (عليهم السلام) ترتفع عن الأرض إلا أنها تعود في أحيان معيّنة لإظهار كرامتهم أو علو شأوهم عند الله تبارك وتعالى أو لحكمة أخرى، لا أنها تبقى في الأرض مطلقا.
ونستقرب ذلك جمعا بين الطائفتيْن وبضميمة رواية استشهاد السلطان الرضا (صلوات الله عليه) التي ثبت فيها الصعود والهبوط، فقد روى الصدوق عن أبي الصلت الهروي (رضوان الله عليه) في مجريات تجهيز الرضا (عليه السلام) أن التابوت الحاوي للجثمان الشريف قد علا وانشق له السقف فمضى، فقال له أبو جعفر الجواد عليه السلام: ”أسكت فإنه سيعود، يا أبا الصلت.. ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما“ وعندما أتم الإمام الحديث انشق السقف ثانية ونزل التابوت. (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1 ص267).
ولعل اختلاف الروايتيْن المتقدّمتيْن التي تنص إحدهما على أن الجسد يرتفع بعد ثلاثة أيام، والأخرى على أنه يرتفع بعد أربعين يوما؛ لعل الاختلاف يعود إلى تعدّد الصعود والهبوط، فيكون الصعود الأول بعد ثلاثة والثاني بعد أربعين.
وكما أن في شواهد الواقع بقاء الأجساد ورؤيتها في القبر بعد النبش فإن في بعض الشواهد أيضا فقدانها، كما حصل حين هجم المخالفون في بغداد سنة 443 على مشهد الكاظمين (عليهما السلام) فأحرقوه ونبشوا القبرين الشريفين فلم يجدوا شيئا. (تفصيل ذلك ذكره ابن الأثير في الكامل في التاريخ ج9 ص577، وقد علّل عدم عثورهم على شيء بأن الحفر قد جاء إلى جانب القبريْن بسبب ما حلّ في الروضة الشريفة من الهدم والحرق، لكنه تعليل سخيف إذ لا يمكن أن يخطئ أحد في تمييز القبرين الشريفين مع ما لهما من علامات ظاهرة، ثم إنهم هم الذين حرقوا وهدموا ما يعني أنهم قد ميّزوا الموضع من خلال العلامات – وأبرزها القبتان - قبل حرقها أو هدمها، وحتى لو وقع الحفر إلى الجانب فإن مقتضى الحال أن يجدوا جثثا أو عظاما أخرى إذ إن المشهد الشريف هو بالأصل مقابر قريش، وعدم وجدانهم شيئا لا شك أنه يسبب همّتهم في الحفر إلى جانب الموضع الذي حفروه وحوله حتى يتوصلوا إلى الجسدين الطاهرين، لكنهم لم يفعلوا لأن الأمر كان مفاجئا لهم حيث لم يجدوا شيئا. إنما الحق أنها كانت كرامة من الله تعالى حيث كان الجسدان مرفوعان إليه).
هذا وقد حمل بعضهم الروايات التي تنص على ارتفاع الأجساد الطاهرة على التقية، أي أن المعصومين (عليهم السلام) ذكروا ذلك حتى يكون مانعا للنواصب عن نبش قبورهم، لكن هذا الحمل مردود عندنا من جهتيْن، الأولى أن النواصب والمخالفين لا يعتقدون أصلا بما يصدر عن الأئمة سيما إذا كان هذا الحديث الصادر من نوع الإخبار بالغيبيات والكرامات، فكيف يُعقل تصديقهم لتلك الأحاديث ليمتنعوا عن النبش والحال أنهم يعتبرون الأئمة (عليهم السلام) كذابين والعياذ بالله؟!
والثانية أن حفظ أجسادهم (عليهم السلام) لا يتوقف على درء النبش عنهم، فهذا قبر سيد الشهداء (عليه السلام) قد نُبش ثم أُجرِي عليه الماء لكن الله تعالى حفظ وليّه ودفع شرّ أعدائه عنه، فالقول بصدور هذه الأحاديث تقية لدرء نبش قبورهم بعيد جدا إذ المتكفل بحفظ تلك الأجساد الطاهرة هو الله جل جلاله.
والحاصل أن الله تعالى يرفع أجساد المعصومين والأنبياء (عليهم السلام) بعد استشهادهم، ثم يعيدها إلى الأرض لحكمة في أحيان، ثم يرفعها، وسيعيدها ثانية في زمن الرجعة حيث ورد في الآثار أنهم (عليهم السلام) يخرجون من قبورهم وهم ينفضون التراب عن رؤوسهم.
زادكم الله بصيرة وحماكم من فتن الزمان. والسلام.
7 شعبان المعظم لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.