بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من كتاب الفاحشة الوجه الآخر لعائشة للشيخ الحبيب ص 418:

إن الأحاديث الشريفة تكشف لنا أن أربعةً اجتمعوا على قذف أم إبراهيم (عليهما السلام) وهم أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة، وهذا ما يوافق الآيات الكريمات حين وصفت الذين جاءوا بالإفك بالعصبة، فإن هؤلاء الأربعة كانوا في الواقع «جماعة متعصّبة متعاضدة» ويصدق عليهم ذلك كما يعرفه القاصي والداني، وفيه إشعار بأن الإفك جاء من هذه العصبة بشكل مخطّطٍ له ومقصود لا أنه كان عابراً، وقد أشار إلى ذلك المجدّد الثاني في تفسيره إذ قال: «ولعلّ الإتيان بهذه الخصوصية لإفادة أن الإفك إنما كان وليد جماعة ذات هدف واحد، فليس كلاماً قاله مغرض، وإنما حركة مقصودة ضد الرسول صلى الله عليه وآله».(تقريب القرآن للمجدد الشيرازي الثاني أعلى الله درجاته ج3 ص685)

كما أن هؤلاء الأربعة كان لهم من الثقل والتأثير في المجتمع آنذاك ما لا يخفى لمكانهم الظاهري من رسول الله صلى الله عليه وآله، ويتلاءم هذا مع مدلول الآيات كما تقرّر آنفاً. فالنتيجة أن الآيات أقرب إلى الانطباق على القصة المروية في شأن مارية عليها السلام.

غير أنه قد يشكل على ذلك أن المستفاد من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أن عائشة كانت رأس الإفك بقذفها مارية ونفيها بنوّة إبراهيم لرسول الله صلى الله عليه وآله، فكيف تأتي الآيات بصيغة التذكير للذي تولّى كِبره في قوله تعالى: «وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ»؟

والجواب؛ أن من سنن العرب تذكير ما حقّه التأنيث والعكس من باب حمل اللفظ على المعنى كما نصّ عليه الثعالبي في فقه اللغة (فقه اللغة للثعالبي الفصل 25 ص365)، ولهذا أمثلة كثيرة في كتاب الله تعالى كقوله: «فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا» فذكّر المئة مع أنها مؤنّثة حملاً على معنى الأشخاص أو المقاتلين الصابرين، وكقوله: «وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ» فذكّر الشفاعة مع أنها مؤنّثة حملاً على معنى طلب الشفاعة، وكقوله: «لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ» فذكّر المعذرة مع أنها مؤنّثة حملاً على معنى فعل الاستعذار، وكقوله: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ» فذكّر الساعة مع أنها مؤنّثة حملاً على معنى الوقت، وكقوله: «وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا» فأنّث السعير مع أنه مذكّر حملاً على معنى النار. وممّا ورد في القرآن التذكير والتأنيث للفظ واحد مثل الطاغوت إذ ذكّره بقوله: «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» كما أنّثه بقوله: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا» والأمثلة كثيرة لا تُحصى، إذ هي لغة العرب وبها جاء كتاب الله عز وجل.

وقوله تعالى: «وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ» إنما يجري هذا المجرى وهو من هذا القبيل، فإنه وإنْ كانت المقصودة فيه عائشة إلا أنه جاء بصيغة التذكير حملاً على معنى أكبرِ العصبة في الإفك والافتراء. وما الحمل على المعنى في صيغة التذكير أو التأنيث إلا من أساليب البلاغة، لأن تقديم المعنى على اللفظ في ذلك إلفاتاً إلى عِظَمه حتى كأن اللفظ قد اضمحلّ فيه.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

2 صفر الأحزان 1442 هجرية

شارك الإجابة على