بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل بداية طمنا عن احوالكم في الغربة .
شيخنا الوهابية الملاعين يقولون بان الصحابة الذي بايعوا الرسول صلى الله عليه و آله في بيعة الشجرة وعددهم 1400 كما نقلت الروايات ويدعي الوهابية بأنهم مرضي عليهم من قبل رب العالمين أي رضى أبدي أي منحهم الله حصانة ويقولون بان الله لا يمكن ان يغضب عليهم و يقولون أيضا بان 1400 صحابي كلهم بالجنة وحجتهم بأن الذي يرضى عليه الله لا يمكن ان يغضب عليه ويستشهدون بالرواية التي نقلها المجلسي في بحار الانوار
سن : أبي ، عن النضر ، عن الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن ابن حازم قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : أيحب الله العبد ثم يبغضه ؟ أو يبغضه ثم يحبه ؟ فقال : ما تزال تأتيني بشئ ! فقلت : هذا ديني وبه أخاصم الناس ، فإن نهيتني عنه تركته . ثم قلت له : هل أبغض الله محمدا صلى الله عليه وآله على حال من الحالات ؟ فقال : لو أبغضه على حال من الحالات لما ألطف له حتى أخرجه من حال إلى حال فجعله نبيا ; فقلت : ألم تجبني منذ سنين عن الشقاوة والسعادة أنهما كانا قبل أن يخلق الله الخلق ؟ ! قال : بلى وأنا الساعة أقوله ; قلت : فأخبرني عن السعيد هل أبغضه الله على حال من الحالات ؟ فقال : لو أبغضه على حال من الحالات لما ألطف له حتى يخرجه من حال إلى حال فيجعله سعيدا ; قتل : فأخبرني عن الشقي هل أحبه الله على حال من الحالات ؟ فقال : لو أحبه على حال من الحالات ما تركه شقيا ولاستنقذه من الشقاء إلى السعادة ، قلت : فهل يبغض الله العبد ثم يحبه أو يحبه ثم يبغضه ؟ فقال : لا . "
فما هو رأيكم في هذه المسألة؟
وفقنا الله واياكم بحق محمد وآل محمد
باسمه عظمت آلاؤه. وعليكم السلام والرحمة والإكرام. أما أحوالنا فلله الحمد والفضل بخير، ونحمده سبحانه على الغربة ونسأله أن يعيننا فيها على طاعته واجتناب معصيته وأن يرزقنا حسن العاقبة.
وأما جوابنا على ما ورد فنقول فيه: قد صدق إمامنا صلوات الله عليه وروحي فداه، غير أن هؤلاء القوم بسبب جهلهم لم يفقهوا قوله، ولربما فقهوه ولكنهم حرّفوا معناه علّه يمنع انهيار ما تبقى من الفكرة الوهمية التافهة الموسومة بعدالة الصحابة.
إن المستفاد من النص الشريف المزبور هو أن الله تعالى إذ خلق الخلق وعرّضهم للامتحان، فإنه يعلم بعلمه الأزلي عواقبهم وخواتمهم، وأن هذا سعيد يطيعه، وهذا شقي يعصيه. فالسعيد المطيع يحبّه الله تعالى، والشقي العاصي يبغضه الله تعالى، والحب والبغض هاهنا على نحو الإجمال، أي أنهما مترتّبان على مجموع أفعال هذا العبد، فإن كانت شرائط الإيمان متوافرة فيه، والحسنات ترجح على السيئات، تحققت محبّة الله تعالى له، والعكس بالعكس. فإذا ما تحقّق هذا الحب أو البغض، لم يتبدّل من جهة الله تعالى، فلو أحب عبدا – بسبب علمه بعاقبته – لم يبغضه حتى وإن عصى وأذنب، فيبغض الله تعالى فعله المعصية، لا يبغض نفسه، لأنه يحبّه لما سبق من علمه فيه. والعكس بالعكس.
كمثال؛ خلق الله أبا ذر الغفاري (رضوان الله عليه) في عالم الذرّ، وهو يعلم أنه في عالم الدنيا سيدرك زمان خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيؤمن به وبوصيّه (عليه السلام) وسيموت على هذا الإيمان. فأحبّه الله تبارك وتعالى منذ ذلك الحين. ولما جاء أبو ذر إلى عالم الدنيا أخذ في بداية حياته يعبد الأصنام ويشرك بالله! ومع هذا لم يبغضه الله لذلك، بل أبغض فعله ومعصيته، ولم يسلب محبّته له، لأنه علم أن أبا ذر سيغيّر طريقه في الحياة وسيؤمن بالله وبرسوله ويوالي أولياءه ويعادي أعداءه.
وكمثال على النقيض؛ خلق الله بلعم بن باعوراء في عالم الذرّ، وهو يعلم أنه في عالم الدنيا سيدرك زمان موسى (عليه السلام) إلا أنه لن يؤمن به بل سيقاوم جيشه من المؤمنين ويحتال لإفسادهم وصدّهم، فأبغضه الله تبارك وتعالى منذ ذلك الحين. ولما جاء بلعم إلى عالم الدنيا أخذ في بداية حياته يعبد الله تعالى ويتقرّب إليه حتى امتلك الاسم الأعظم! ومع هذا لم يحبّه الله تعالى لذلك، بل أحبّ فعله وطاعته، ولم يلغ بغضه له، لأنه علم أن بلعم سيغيّر طريقه في الحياة وسيكفر بالله وبرسوله ويوالي أعداءه ويعادي أولياءه. وفيه قال الله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الأعراف: 175 – 176).
وفي هذا المفهوم ورد الأثر عن المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) إذ جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "إن الله عز وجل خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه، فمن علمه الله سعيدا لم يبغضه أبدا، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم يبغضه. وإن علمه شقيا لم يحبّه أبدا، وإن عمل صالحا أحبّ عمله وأبغضه لما يصير إليه، فإذا أحب الله شيئا لم يبغضه أبدا، وإذا أبغض شيئا لم يحبّه أبدا". (محاسن البرقي ج1 ص279).
فأين هذا المعنى من المعنى الذي ادّعوه لصحابتهم؟! إن الرواية تتحدث عن حب الله وبغضه الأزليّان، لا عن رضاه عن قوم في فترة أو بسبب موقف ما، فلعلّه سبحانه يرضى عن تصرفهم في موقف ما وهو يبغضهم، ولعله يسخط عليهم لتصرّفهم في موقف ما وهو يحبّهم. إن هذا لا علاقة له بذاك، ويجب التفريق بين (الحب والبغض) و(الرضى والسخط). هذا أولا.
وأما ثانيا؛ فمن أين جاءوا بأن الله تعالى قد رضي عن كل هؤلاء الألف وأربعمئة رضىً أبديا وأن مآلهم جميعا إلى الجنة؟! إن هذا الادّعاء لا دليل عليه في كتاب الله، فغاية ما في الآية الشريفة التي نزلت في بيعة الرضوان أن الله سبحانه قد رضي عنهم لفعل المبايعة الذي صدر عنهم، حيث قال سبحانه: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا". (الفتح: 18).
و(إذ) هاهنا حالية، ومفادها أن الله تعالى رضي عنهم حال كونهم يبايعون تحت الشجرة، وليس في الآية ما زادوه من أن الله وعدهم الجنة وأعطاهم ضمانا بذلك وأنه لن يغضب عليهم أبدا وسيعطيهم حصانة تمنعهم من ارتكاب الذنوب! إن هذا لهو الكذب بعينه على الله جل وعلا!
بل إن الله تعالى وفي هذه السورة نفسها – سورة الفتح – يوضّح أن في هؤلاء "الذين رضي عنهم" من يخرق شرط الرضى (وهو البيعة) وينكثه! فقال عز من قائل: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا". (الفتح: 10).
فهاهنا يبيّن الله تعالى أن المبايعين قسمان؛ قسم يوفي بالبيعة، وهو الذي سيؤتيه الله أجرا عظيما، وقسم ينكث البيعة، وهو الذي ينكث على نفسه أي ستعود عاقبة خرقه للعهد على نفسه.
فلماذا يركزّون فقط على الآية الأولى ولا يلتفتون إلى الآية الأخرى مع أنها جاءت في السورة نفسها بل إنها متقدّمة على تلك الآية؟! هل لأن هذه الآية الأخرى تنسف كليّةً زعمهم السالف برضى الله عن جميع من بايع تحت الشجرة؟! أم أن في عيونهم خللا يحجب عنهم هذه الآية دون تلك كما هو حال كثير من علمائهم الذين يحار المرء في تفشي العمى فيهم بهذه الكثرة المرعبة حتى غدت ظاهرة طاغية عليهم سيّما على أكابرهم؟!
ولماذا لا يتدبّرون في آخر آية في هذه السورة التي تصف حال الذين هم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! وهي الآية التي قال فيها الله سبحانه: "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا". (الفتح: 29).
إن (من) هاهنا تبعيضية، ومعناها أن بعضا ممن هم مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) سيغفر لهم الله وسيؤتيهم أجرا عظيما، وهم الذين تنطبق عليهم الصفات المذكورة وعلى رأسها الإيمان والعمل الصالح، وليس كلّ من هو مع الرسول أو حوله ستكون عاقبته خيّرة.
وعلاوة على تجرؤ هؤلاء القوم – معشر المخالفين – على الله تعالى بالادعاء أنه لا يمكن أن يغضب على هؤلاء الرجال مع أن هذا الادّعاء لا دليل عليه من كتاب الله سبحانه.. نقول: علاوة على ذلك؛ كيف ادّعوا هذا الادّعاء مع أن كل ذو عقل يرفضه؟! ذلك لأنه لو صحّ أن الله تعالى قد رضي عن هؤلاء الأصحاب كلّهم رضى أبديا، وأنهم جميعا موعودون بالجنة، لكان اللازم أن يكونوا هم أوّل العارفين بذلك، أي أنهم أول العارفين بأنهم عدول ولا يذنبون بما يوجب سخط الله أو غضبه وأنهم مهما فعلوا فلن يكون لأيٍّ من أعمالهم – الحسنة أو السيئة – أثر في المستقبل، إذ وعدهم الله بالدخول بالجنة لا محالة!
ولم يصلنا عن هؤلاء ما يعبّرون به عن أنفسهم في هذا المعنى، إلا بضع أكاذيب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت عنوان العشرة المبشّرة وأهل بدر وما إلى ذلك، ولسنا نقصد هذه، وإنما نقصد أنه لمَ لمْ نجد أحدا من هؤلاء يقول للآخر أو التالي ما معناه: "أنا عادل! أنا محفوظ من ارتكاب ما يسخط الله! أنا قد رضي الله عني إلى الأبد! أنا في الجنة حتما لمجرّد أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"!
فلو كان حقا أن المجتمع الإسلامي آنذاك فهم هذه الآيات المذكورة – عن بيعة الرضوان – على أنها صك مفتوح من الله يضمن به دخولهم جميعا الجنة وعدم غضبه عليهم أبدا؛ أقول لو كان الأمر كذلك لوجدنا انعكاسات هذا الفهم في ألسنة هؤلاء القوم وفي مواقفهم وتعاملاتهم بشكل مستفيض، ولم نرَ هذا إطلاقا. وهو ما يؤكد أن حمل هذه الآيات على المعنى الذي يردّده المخالفون اليوم إنما جاء بفعل فاعل في الأزمنة اللاحقة، فهذا الفاعل هو الذي ابتدع ما يسمى بعدالة الصحابة مقابل عصمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) الثابتة في الكتاب والسنة.
على أنه ثمة فوارق عديدة بين المفهوميْن، فلو صحّ مثلا ما يقولونه في صحابتهم من أنهم موعودون بالجنة على كل حال، لكان ذلك مناقضا للعقل أيضا إذ لا يُعقل أن يفتح الله سبحانه أمام عبده باب المعصية بقوله: "إني قد غفرت لك ورضيت عنك للأبد وستكون في الجنة حتما فافعل ما تشاء في حياتك من معاصي وموبقات"! كما قد أوردوه في الحديث المفترى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله أن الله اطّلع على أهل بدر وقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"! (البخاري ج4 ص19).
وختاما نسأل المخالفين: ما قولكم في عثمان بن عفان هل هو ممن بايع تحت الشجرة فيكون الله راضيا عنه للأبد وسيدخل الجنة حتما؟ سيجيبون: نعم هو كذلك. فنسألهم ثانيا: وما قولكم في الجهجاه بن سعيد الغفاري هل هو ممن بايع تحت الشجرة فيكون الله راضيا عنه للأبد وسيدخل الجنة حتما؟! وسيجيبون: نعم هو كذلك. فنقول: إذن ما بال الجهجاه تمرّد على عثمان أيام خلافته حتى أنزله عن المنبر أمام المهاجرين والأنصار قائلا له: "قم يا نعثل! انزل ندرعك عباءة ونحملك على شارف من الإبل إلى جبل الدخان كما سيّرت خيار الناس"! ثم لما جاء يوم الدار كان من جملة الداخلين عليه حتى أخذ عصاه وكسرها! (راجع الأنساب للبلاذري ج5 ص47 والكامل لابن الأثير ج3 ص70 والإصابة لابن حجر ج1 ص253 وهكذا سيرة الجهجاه في سائر كتب التراجم).
ما بال الجهجاه فعل كل هذا بعثمان مع أنه كان من المفترض أن يعلم أن عثمان مثله ممن "رضي الله عنهم أبدا ولا يرتكبون ما يسخطه وسيكون مأواه الجنة حتما"؟! وما بال سائر المهاجرين والأنصار لم ينكروا على الجهجاه أفعاله ضد عثمان ولم يقولوا له: "كيف تفعل هذا وأنت من الذين رضي الله عنهم أبدا ولا يرتكبون ما يسخطه وسيكون مأواه الجنة حتما"؟!
وبعد هذا لا نقول إلا كما قال الله سبحانه: "إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ"! (ص:5).
وفقكم الله ورعاكم. ولا تنسونا من دعواتكم. والسلام.
التاسع والعشرون من شهر رجب الأصب لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.