بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في كامل الزيارة في رواية طويلة عن عبد الله بن حماد البصري عن أبي عبد الله عليه السلام: (…) ثم قال عليه السلام: بلغني أن قوما يأتونه من نواحي الكوفة وناسا من غيرهم، ونساء يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاص يقص، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي، فقلت له: نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف، فقال: الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهدرونهم ويقبحون ما يصنعون.
بناء على هذه الرواية هناك من أقام مجلس عزاء ولطم في ليلة النصف من شعبان والتي تصادف أيضا ذكرى ميلاد الإمام المهدي عليه السلام فما قولكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سئل سماحة الشيخ عن هذا في الجلسة الأسبوعية التي يستقبل فيها المؤمنين والإجابة عن استفساراتهم وذلك يوم السبت 15 شعبان 1443، فأجاب سماحته بهذا المضمون:
مدح وتقرير الإمام عليه السلام لهذا الفعل ما جاء لمكان التوقيت وإنما لمكان الفعل، وليس في الخبر ما يدل على دعوة الإمام عليه السلام لهم للذهاب في هذا التوقيت - أي النصف من شعبان - ونصب العزاء بالخصوص.
وبعبارة أخرى، إن ذهابهم في هذا التوقيت - على ما يبدو - لما ورد من استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام في النصف من شعبان، وهم قدَّروا لأنفسهم أن ينوحوا هناك ويرثوا، لا أن ذلك النوح والرثاء كان مندوبا من الشارع في هذا التوقيت بالخصوص بحسب ما يبدو من لسان الرواية.
وقال سماحته: “لا نقول أن ذلك النوح والرثاء في النصف من شعبان مذموم - عياذا بالله - ولكن عندنا تزاحم، فآنذاك لم يكن قد وُلد الإمام المهدي عليه السلام بعد، فإنه وُلد بعد ذلك بسنين طويلة؛ وصارت المناسبة بهجة الشيعة وعقد بيعتهم لإمامهم من جديد بمناسبة ميلاده الشريف، وبهذا أصبح هنا تكاسر وتزاحم فينظر أيهما أرجح”.
وأضاف سماحته: “الظاهر أن الأرجح بحسب العرف العام - وهو منظور في الشريعة - أن يكون هنالك فرح وسرور في مثل هذا اليوم لهذا الذي طرأ وهو ولادة إمام العصر أرواحنا فداه”.
وأشار سماحته إلى أنه يؤيد ذلك أنه لم يكن هناك عادة متواصلة من الشيعة على مدى قرون - مع حضور الأئمة عليهم السلام - أنهم كانوا يذهبون في النصف من شعبان ويقيمون العزاء. نعم الزيارة نفسها في هذا التوقيت مندوبة بلا إشكال.
وما جاء في الخبر - محل السؤال - كان اتفاقيا - حسب الظاهر - لا لوجود استحباب خاص للعزاء في هذا التوقيت. وهذا يرجعنا إلى التمثيل ببعض التوجيهات لبعض الأخبار التي وردت عندنا بخصوص يوم عاشوراء حيث ورد أنه اليوم الذي غلب فيه موسى عليه السلام فرعون لعنه الله وأنه يستحب فيه الصيام؛ فإنا نقول - على تقدير صحتها - لم يكن الإمام الحسين عليه السلام قد استشهد في ذلك اليوم بعد، فكان صومه والابتهاج فيه مندوبا - على الفرض - إلى أن جاء زمان استشهاد سيد الشهداء عليه السلام فانقلب الحال وانقلب اليوم إلى يوم يوم حزن وبكاء لمكان هذا الطارئ الأهم.
وختم سماحته جوابه قائلا بأننا مأمورين في الأعياد بإظهار الفرح والسرور والتوسيع على العيال ونحو ذلك. وأما القول: “ما من عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلا وهو يتجدد فيه لآل محمد حزن” كما ورد في الخبر الشريف؛ فلا يعني أن يغلب على يوم العيد الحزن، ولسنا مأمورين بأن نجعله يوما متشحا بالسواد، وإنما هذا الحزن “لأنهم يرون حقهم في يد غيرهم” وهو حق إقامة صلاة وخطبة العيد وما يمثله ذلك من شرعية الولاية، لأن من كان يقيمها آنذاك كانوا ولاة بني أمية والعباس لعنهم الله، وهو حزن جزئي، لا أن نحول اليوم بأكمله إلى يوم حزن، فتنقلب الأعياد الإسلامية إلى أحزان ويتخلّى فيها عمّا ندبه الشارع من التهنئة والتوسعة على العيال وما إلى ذلك من مظاهر العيد. فكذلك مولد إمامنا المهدي عليه السلام لا ينبغي إلا إظهار البهجة فيه وتجديد البيعة والولاء لأنه لا يزاحمه شيء أهم بخصوصه. والخير في مثل هذا في الجري على سيرة الشيعة الأبرار والتزام السواد الأعظم كما أمرنا أئمتنا عليهم الصلاة والسلام.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
17 شعبان المعظم 1443 هجرية