السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما رأي سماحة الشيخ في هذا الكلام المتداول ؛ كلمة في دعائي المجير والجوشن الكبير
إن أقدم مصدر يذكر لنا دعاء المجير هو كتاب البلد الأمين وكذلك المصباح كلاهما لشيخنا الكفعمي طاب ثراه ولم نعثر على ما هو أقدم منهما في كتب الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم. وقد توفي الشيخ الكفعمي قدس سره في مطلع القرن العاشر على ما هو المشهور. وقد رواه لنا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عليه السلام ولم يذكر المصدر الذي اعتمد عليه، ولم يكن من سيرته أن يقتصر على المصادر المختصة بالطائفة المحقة.
ومما ذكره أنه يستحب قراءته في أيام البيض من شهر رمضان المبارك. والظاهر أنه يريد أيام الليالي البيض، وإلّا فإن الأيام كلها بيض عادة ما لم يحدث كسوف أو ريح حمراء أو صفراء أو سوداء. وقد وجدنا بعض فرق التصوف العاميّة تعتمد هذا الدعاء كورد من أورادها. مضافا إلى أنه اشتمل على بعض الأسماء الإلهية التي لا تنطبق على الذات المقدسة كما لا نجد منها أثرا في تراث أهل البيت عليهم السلام مع وفرته مما يكشف عن أن الذي صنعها لا يميّز هذه المعاني أو أنه يجوز في عقيدته إطلاق مثل ذلك على الله جل وعلا..
ومن هنا فإن الوثوق بصدور مثل هذا الدعاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عليه السّلام مشكل جدا، بل الوثوق بعدمه، لاسيما وأن بقيّة مصادر العامّة وبالأخص مجاميعهم الحديثية على تنوعها وكثرتها خالية من ذكر هذا الدعاء، بل الإشارة إليه لو كان نبوياً كما يزعم. وهكذا الكلام في الدعاء الموسوم بالجوشن الكبير؛ فإننا لم نعثر عليه في شيء من مصادر أصحابنا المتقدمين، بل ولا المتأخرين، اللهم إلا عند شيخنا الكفعمي وقد عرفت: أنه في اختيار الادعية لا بشرط من ناحية المصادر. هذا فضلا عن أنه مرسل عن الإمام زين العابدين عن أبيه عن جده أمير المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
على أننا لم نعثر كذلك على هذا الدعاء في شيء من مجاميع الحديث العامّيّة، وإنما وجدناه وردا لبعض فرقهم المتصوّفة في القرون المتأخرة، وقد حدّثني بعض من شاهد بعضَ فرق التصوّف العامّي في الأناضول لايزالون مقيّدين بتلاوته يوميّاً بشكل جماعي. هذا مضافا الى اشتماله على أسماء لا تليق بجناب الله تعالى وتقدّس، بل لا تتوافق مع أصول أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم. هذا سوى ما فيه من الشواهد السلبية الأخرى. ومن الغريب بعد ذلك: الفتوى باستحباب قراءته في الليلة الأولى من شهر رمضان وفي ليالي القدر المباركة واستحباب كتابته على الأكفان.
وأغرب منه: ترك ما أكّد عليه أئمّة أهل البيت عليهم السلام من السنة النبويّة من زيادة الصلاة النافلة لهذا الشهر ولليالي القدر زيادة على النافلة الراتبة، والاشتغال بهذا الدعاء الطويل الممل الذي قد عرفت حاله، وهو مما يؤدي الى تضييع السنّة، بل يأخذ شطرا طويلا من وقت الإحياء بحيث يؤدي إلى تعطيل بقية ما هو محبّذ في هذه الليالي المباركة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ لا يقرأ دعاء المجير حيث صدوره محل شك عنده، وأما دعاء الجوشن الكبير فيقول سماحته أنه ما كان ليدعو به لولا قول العلامة المجلسي: «وورد في بعض الروايات أن يقرأ دعاء الجوشن الكبير في كل ليلة من ليالي القدر الثلاث 19، 21، 23» (زاد المعاد ص127) ومعناه أن هناك رواية أو روايات خاصية قد اطلع عليها العلامة المجلسي تفيد بذلك، وهي غير رواية الكفعمي التي لم يذكر فيها ذلك، أي استحباب قراءة هذا الدعاء في ليالي القدر المعدودة بحسب الرواية الشيعية. فعلى افتراض أن ما لدى الكفعمي أصله لدى الصوفية فإن قول العلامة المجلسي يثبت أصلا آخر عندنا، ولا سيما أن المتداول من لفظ هذا الدعاء عند الصوفية فيه بعض الاختلاف عن المتداول عندنا، ولقد كانوا يأخذون منا ويحرِّفون.
وأيًّا كان ففي حال لا يمكن الجمع في ليالي القدر بين قراءة هذا الدعاء وأداء الأعمال المخصوصة الواردة في مصادرنا المعتبرة عن أئمتنا عليهم السلام فلا شك أن تقديم هذه الأخيرة عليه أولى.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
18 شوال المكرم 1444 هجرية