عظم الله لكم الاجر بمناسبة استشهاد الوصي والامام التاسع الامام محمد بن علي النقي الجواد عليه السلام. ما هو الموقف من عبدالله بن الضحاك المشرقي الذي قاتل مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء لكنه انسحب من القتال بناءاً على اتفاق بينهم كما ذكرت الروايات عن ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ،
هو الضحاك بن عبد الله المشرقي الهمداني، لا عبد الله بن الضحاك. وقد قال للإمام الحسين عليه السلام بعدما دعاه لنصرته: «إن عليَّ دَيْنًا ولي عيال، ولكنك إنْ جعلتني في حِلٍّ من الانصراف إذا لم أجد مقاتِلاً؛ قاتلتُ عنك ما كان لك نافعًا وعنك دافعًا. قال:فأنت في حِلٍّ» (تاريخ الطبري ج5 ص419).
وعمَّا جرى في يوم عاشوراء قال: «لما رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا، وقد خَلُصَ إليه وإلى أهل بيته، ولم يبقَ معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي؛ قلت له: يابن رسول الله؛ قد علمتَ ما كان بيني وبينك، قلتُ لك: أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا، فإذا لم أرَ مقاتلا فأنا في حِلٍّ من الانصراف، فقلتَ لي: نعم. قال: فقال: صدقت، وكيف لك بالنجاء؟! إن قدرتَ على ذلك فأنت في حِلٍّ. قال: فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تُعقر أقبلتُ بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أقاتل معهم راجلا، فقتلتُ يومئذ بين يدي الحسين رَجُليْن، وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين يومئذ مرارا: لا تشلل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله. فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط، ثم استويت على متنها، ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم، فأفرجوا لي، واتبعني منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت إلى شفية، قرية قريبة من شاطئ الفرات، فلما لحقوني عطفتُ عليهم، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي، فقالوا: هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي، هذا ابن عمنا، ننشدكم الله لما كففتم عنه! فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى والله لنجيبن إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم، قال: فلما تابع التميميون أصحابي كَفَّ الآخرون، قال: فنجاني الله» (المصدر نفسه ج5 ص445).
وهذا الرجل هو ممن تُروى عنه وقائع الطف، وهو على كل حال غير مشكور ولا معذور، إذ المؤمن إذا ما نودي من إمام زمانه فإنه يلبّي النداء دونما حساب لشيء آخر، أما هذا الرجل فعندما دعاه إمامه لنصرته قال: «إن عليَّ دَيْنًا ولي عيال»! وهو كما ترى؛ جواب بائس يكشف عن ضعف إيمانه، فكأن الدَّيْنَ والعيال أولى من نصرة سبط رسول الله صلى الله عليه وآله والذب عنه! كيف ولسان المؤمن يقول: «بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي وولدي ومالي»؟! وهو يتلو قوله تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» وقوله تعالى: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»؟!
ومن الناحية الفقهية فإن الجهاد إذا تعيَّن فليس للمكلف إلا المضي، ولا يلزمه استئذان الدائن. بل وإن كان الجهاد على الكفاية إذا كان المدين معسرا أو لم يكن دَيْنه حالًّا.
وما يطوِّق الرجل عارًا أنه خذل سيد شباب أهل الجنة وولّى عنه في لحظات حياته الأخيرة قد احتوشته الأعداء وقُتل أهل بيته وأصحابه وتُرك وحيدا غريبا! فأي نفسٍ تطيب لمثل هذا؟! ولست أدري كيف كان هذا الرجل يهنأ له العيش بعد الذي فعل من ترك أبي عبد الله يتعرض للذبح دون أن يبذل النفس دونه؟!
وانظر بعدُ إلى منطقه المخزي إذ شَرَطَ على الإمام عليه السلام أن يجعله في حِلٍّ إذا لم يجد مقاتلا ولم يعد قتاله عنه دافعا وله نافعا! والحال أن المؤمن يجد أنه في هذا الظرف أولى به أن يذب عن إمامه وينافح عنه بعد إذ لم يعد له ناصر ولا معين.
وأما قول الحسين عليه السلام له: «أنت في حِلٍّ.. لا تشلل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيرًا عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله» فلا يمكن التمسك به للحكم بحسن حال الرجل، ذلك أنه مروي عنه نفسه، فما أدرانا أن الحسين عليه السلام قد قاله حقا فضلًا عن أن يكون قاله مرارًَا كما يزعم الرجل؟ فالرجل إنما كان من هؤلاء المتخاذلين الذين ولوا الأدبار فلعله أراد أن يحفظ شأنه بين الناس فاخترع أن الحسين عليه السلام قد جعله في حِلٍّ وأنه دعا له وجزاه خيرا. ولو كان غيره يروي هذا عن الحسين عليه السلام لكان يمكن الالتفات إليه، أما وأنه هو الذي يرويه لصالح نفسه؛ فلا التفات. هذا أولا.
وأما ثانيا فإنه على فرض أن الحسين عليه السلام قد قال هذا حقا؛ فإنه لا يكفي للحكم بحسن حال الرجل، ذلك لأنه من قبيل ما قاله النبي صلى الله عليه وآله لعثمان لعنه الله: «قد أقلتك إسلامك فاذهب»، وقول أمير المؤمنين عليه السلام لعقيل وقد استأذنه للحاق بمعاوية: «في حِلٍّ محلل»، وقول أبي جعفر الجواد عليه السلام للخائن صالح بن محمد بن سهل الهمداني وقد قال له: «جعلت فداك؛ اجعلني من عشرة آلاف درهم في حِلٍّ فإني أنفقتها. فقال له أبو جعفر عليه السلام: أنت في حل. فلما خرج صالح من عنده قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على حق آل محمد وفقرائهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فيأخذه ثم يقول: إجعلني في حل! أتراه ظن بي أني أقول له لا أفعل؟ والله ليسألنَّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا»، وقول أبي محمد الزكي العسكري عليه السلام عن أبي طاهر البلالي: «ويا إسحاق اقرأ كتابي على البلالي رضي الله عنه فإنه الثقة المأمون، العارف بما يجب عليه».
وهؤلاء كما ترى؛ فيهم المنافق والخائن والسارق والملعون، فلا محالة أن الدعاء لبعضهم إنما يكون مقيدا بظرفه الراهن ومعلقا على حسن عواقبهم وإلا فانتفى، إذ هو شرط له، وأما التحليل فهو لما ترتفع معه عواقب الدنيا لا الآخرة، أو ما تسقط معه مترتبات جزائية في هذه الدار، وإلا لقيل بأن عثمان لم يعد مكلَّفًا بالإسلام بعدما أقاله النبي صلى الله عليه وآله! وهو واضح البطلان. وخبر الجواد عليه السلام صريح في أن التحليل لا يمنع من الحساب يوم القيامة على أية حال.
وهكذا سيد الشهداء صلوات الله عليه؛ قد قال لأصحابه ليلة عاشوراء: «أنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وتفرقوا في سواده، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري». ولو أنهم فعلوا لما كانوا معذورين، إذ على فرض إسقاط الإمام عليه السلام حقه الذي فرضته البيعة؛ فإن التكليف من الله تعالى لعباده باقٍ؛ بأن يدافعوا عن حجته في أرضه ولا يُسلموه لأعدائه. وهذا ما فعله العباس وأقمار بني هاشم والأصحاب الأماجد في الطف، عليهم جميعا صلوات الله وسلامه ورضوانه.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
24 ذو الحجة 1444 هجرية