السلام على الشيخ و الإخوة العاملين في الاتحاد و رحمة الله و بركاته قد روج الحشوية الجدد(أذلّهم الله)عبارة للمحقق الخوئي رحمه الله و هو بدوره ينقلها عن الشيخ الأعظم عليه الرحمة، كما جاء في كتابه مصباح الفقاهة - ج ١ - الصفحة ٥٨٣: "ويمكن أن يقال: إن الاعتراض على الرواية مبني على كون علم الأئمة (عليهم السلام) بالموضوعات حاضرا عندهم من غير توقف على الإرادة، وقد دلت عليه جملة من الروايات، كما أن علمهم بالأحكام كذلك، وأما بناء على أن علمهم بالموضوعات تابع لإرادتهم واختيارهم، كما دلت عليه جملة أخرى من الروايات فلا يتوجه الاشكال على الرواية، لامكان صدور الفعل عنهم (عليهم السلام) جهلا قبل الإرادة." و موطن الشاهد في الجملة الأخيرة حيث قال:لامكان صدرو الفعل "جهلا" قبل الإرادة. فما الرد و في اي مقام قيلت هذه العبارة؟و هل يوافق الشيخ حفظه الله على أنها غير لائقة أو أنها كبوة أو غفلة من العلمين أعلى الله مقامهما؟ و دمتم سالمين برعاية صاحب الأمر عجل الله فرجه و صلوات الله عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ،
هذا مقام تعداد الاحتمالات بناء على الروايات لحل الإشكال في الرواية المبحوثة، والتي تنسب إلى الإمام عليه السلام عدم العلم بالموضوع ولذا تناول الحرام الواقعي وإن لم يكن حراما تكليفا.
فالاحتمال الأول رد الرواية أصلا لما دلَّ على حضور علمهم بالموضوعات وبالواقع من دون توقف على الإرادة، أما الاحتمال الآخر فقبول الرواية لما دلَّ على أن علمهم يتوقف على الإرادة، كالوارد عن أبي عبد الله عليه السلام: «إذا أراد الإمام أن يعلم شيئا أعلمه الله ذلك» ومفهومه أنه إذا لم يرد لم يعلم. وهو المتسق مع ما ورد عن أبي جعفر عليه السلام: «يُبسط لنا العلم فنعلم ويُقبض عنا فلا نعلم» (الكافي ج1 ص258 وص256). وإذ ذاك لا يكون في الرواية المبحوثة إشكال لأن تناول الإمام عليه السلام تلك البيضة يكون قبل إرادته العلم بواقعها، وهي حلال عليه بطبيعة الحال.
والعلَمان - الأنصاري والخوئي - لم يلتزما بهذا الاحتمال، فالأول قال: «هذا كله لتطبيق فعلهم على القواعد، وإلا فلهم في حركاتهم من أفعالهم وأقوالهم شؤون لا يعلمها غيرهم» (المكاسب المحرمة ج1 ص379). والآخر قال: «ولكن الذي يسهل الخطب أن البحث في علم الإمام عليه السلام من المباحث الغامضة، والأولى رد علم ذلك إلى أهله كما ذكره المصنف رحمه الله. على أن الرواية المذكورة ضعيفة السند» (مصباح الفقاهة ج1 ص579).
واستعمال المرجع الخوئي لكلمة الجهل في تقرير الاحتمال؛ هو من باب ضيق التعبير العلمي لا من باب سوء الأدب، إذ لا يُعبَّر عن عدم العلم إلا بالجهل، وإن كان عدم العلم تابعا للإرادة والاختيار. ومع ذلك فإنه لو كان استعمل تعبيرا آخر درءًا للالتباس لكان أولى، كأن يقول: «لإمكان صدور الفعل عنهم عليهم السلام قبل إرادة العلم أو في حال قبضه عنهم». وهو التعبير الوارد في الروايات كما مضى، وباستعماله الأمن والسلامة على قاعدة أن «القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام».
هذا ونحن نقبل الرواية مع الالتزام بعلمهم عليهم السلام الحضوري بالموضوعات وبالواقع، وإنما نحمل الرواية على الحكم الأخلاقي.
وأما الحشوية فأغرار في العلم حدثاء الأسنان، ليس لعقولهم أن تبلغ فهم اللغة العلمية للفقهاء بما تتشعب إليه من احتمالات وأوجه ونقوض وإبرامات.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
23 ربيع الآخر 1445 هجرية