السيد الفاضل المسئول عن رد خطابات الشيخ ياسر الحبيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
اما بعد، اتمنى من الشيخ ياسر الحبيب ام يكون منصفا مع نفسه وحينما يقرأ التاريخ الاسلامي، بعض الامور التي يذكرها في سب وقدح الصحابة هناك من يخالفها حتى من علماء الشيعة انفسهم الاولين والمعاصرين، وهناك بعض القضايا التاريخية التي يمكن تفسيرها بمنظورين كلاهما يحتمل الصواب والخطأ في نفس الوقت، وسئوالي لما لا يأخذ الشيخ بالتفاسير التي يكون فيها جمع لكلمة المسلمين وهي كثيرة حتى عند الشيعة انفسهم، لما يفترض دائما سوء النية عند الطرف المخالف.
ثانياً اقولها بصراحة لا يوجد دين أو ملة على وجه الارض تتقرب الى معبودها بالسب والشتم واللعن، يا شيخ ياسر الناس تنفر منمن يسب ويشتم، خاصة وان الكثير من كلامك فيه سب مغلظ لا يجوز ان يخرج من انسان، فما بالك بمن يدعي اتباعه لسنة اهل البيت عليهم السلام.
ثالثاً: انا سني المذهب، والله يشهد انني حينما استمع الى قصة استشهاد سيد الشهداء ابي عبدالله الحسين عليه السلام ابكي، ولا اكاد اسمع عن سيرته واستشهاده الا وعيني تفيض دمعاً، كما اني اجل اهل البيت جميعاً اجلالاً عظيماً وافديهم بنفسي واهلي وافضلهم على كل شي يشهد الله بذلك، ولكن من خلال قرأتي لما يحتويه موقع القطرة ارى انني حسب وجهة نظر الشيخ الحبيب على اعدو عن كوني مخالف استحق الدخول في النار لأنني لا اتبرى من الصحابة رضوان الله عليهم.
ولا احب ان اطيل عليكم بسألتي واسأل لكم الهداية والمغفرة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عيسى احمد حيدر البستكي
مملكة البحرين
باسمه تعالى شأنه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن قراءة التاريخ بموضوعية تعتمد أول ما تعتمد عليه على مرجعية العقل، وأي قراءة بعيدة عن مرجعية العقل في تقييم مجريات التاريخ لا تعد إنصافا. فعلى سبيل المثال، ليس من (الإنصاف) في شيء أن نعتبر الفراعنة أهلا للاحترام لأنهم قد بنوا حضارة عملاقة آنذاك ما زالت شواهدها ماثلة إلى اليوم في الأهرامات وغيرها، ذلك لأنهم وإنْ تقدّموا في البناء والعمران؛ إلا أنهم كانوا طغاة جبابرة ظالمين بنوا ما بنوه على دماء وأشلاء الأبرياء.
وهنا مثال آخر معاصر؛ إنه ليس من (الإنصاف) في شيء أن نعتبر صدام التكريتي أهلا للاحترام لأنه بنى سبع مساجد ضخمة في بغداد كانت تسمى (المساجد الرئاسية) ولأنه أمر بتدريس القرآن الحكيم في جميع الكليات والمدارس وفي كل التخصصات ولأنه كان يدفع مبلغ ثلاثمئة دولار شهريا لعائلة كل قتيل فلسطيني ولأنه ولأنه.. ذلك لأن صدام التكريتي كان طاغيا متجبرا ظالما بنى ما بناه على دماء وأشلاء الأبرياء.
إن الإسلام لا يعرف التناقض والازدواجية في تقييمه للأشخاص والجماعات، فإذا كان لدينا ظالمٌ فيجب على المسلم البراءة منه وعدم احترامه حتى وإن أعجبه اسمه أو رسمه أو شكله أو هندامه أو بعض مواقفه أو أفعاله، بل وحتى إذا كانت كل أفعاله حسنة إلا أنه ارتكب ظلما واحداً بلا توبة، فيكون مثله كالذي: "الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ". (الأعراف: 176).
إذا عرفت هذا تعرف أن أساس الخلاف بيننا وبين مخالفينا هو في أننا نصرّ على سلوك المنهج الإسلامي في تقييمنا للأشخاص، وهو مرجعية العقل وتحكيمه بالاستعانة بالقواعد الشرعية، فلذا نتبرأ من أبي بكر وعمر وعائشة وأضرابهم ونبغضهم ولا نعتبرهم أهلا للاحترام، بينما يصرّ مخالفونا على التغاضي عن مرجعية العقل والاستمرار في موالاة هؤلاء واحترامهم بعيدا عن القواعد الشرعية التي حدّدت المعايير التي يحدّد الإنسان المسلم بها موقفه من هذا وذاك.
إن الأمر ليس إصرارا على السب والقدح في (الصحابة) كما كتبتم بقدر ما هو بيان للحقائق التي على أساسها اتخذنا موقفنا منهم، تماما كما يفعل مخالفونا، فهم يذكرون (فضائل) أبي بكر مثلا لبيان أن احترامهم له نابع منها، وفي المقابل فإننا نذكر (مثالب) أبي بكر لبيان أن رفضنا له نابع منها.
فلدينا إذن قراءتان مختلفتان، يعتمد كل منهما على (أدلة) بغض النظر عن صحة تلك الأدلة أو درجة مقبوليتها، فهذا بحث آخر يعتمد على النظر في هذه الأدلة لتقييمها.
وما تطالبنا به من "الأخذ بالتفاسير التي يكون فيها جمع لكلمة المسلمين" مفهومه العملي مطالبتنا بالإغضاء عن مرجعية العقل وتحكيمه، وتجاهل ما نملكه من أدلة للانتقال إلى الطرف الآخر الذي نراه يبني مواقفه بعيدا عن هذه المرجعية وهذه الأدلة، فكيف تتوقع منا أن نُقدم على ذلك؟
نحن لا نطالبكم بهذا! فنحن لا نقول لكم: أعرضوا عما تملكونه من (أدلة) توجب عليكم احترام أبي بكر وعمر وعائشة، وتجاهلوا ذلك وتعالوا واصطفوا معنا لتوحيد الكلمة بالبراءة منهم. وإنما نطالبكم بمناقشة تلك الأدلة والنظر في مدى ثبوتها وصحتها، ثم ندعوكم إلى مناقشة الأدلة المعاكسة والنظر في مدى ثبوتها وصحتها، ثم جمعها كلها وإخضاعها لمرجعية العقل وتحكيمه لتحديد الموقف الشرعي السليم من هؤلاء، لا أن تُهمل هذه المرجعية التي أكد عليها الإسلام ويكون اتخاذ المواقف - بدلا من ذلك - مبنيا على العاطفة التاريخية وتقديس الماضي ورجاله.
كان هذا هو الجواب على (أولا). وأما الجواب على (ثانيا) فلو قصدت من "السب" ما يكون فيه ظلم فلا شك أنه مرفوض قطعا ولا يتوقع أن يكون هناك دين يأمر بالتقرب إلى الله تعالى به، أما إن كان قصدك هو السب مطلقا فأنت لا شك قد جانبت الصواب، ذلك لأنه ليس كل سب محرّم أو فيه ظلم، بل أحيانا يكون السب عدلاً في ميزان الشرع، كما لو جاءك شخص وسبّك فإنه يجوز لك حينئذ أن تسبّه من باب ردّ الاعتداء، وهذا حكم اتفق عليه أهل الإسلام قاطبة لقوله تعالى: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ". (البقرة: 195).
فهنا يكون هذا السبّ مشروعا، وبعبارة أخرى فإنه يكون من دين الله تعالى، فلا يصح لك أن تطلق التحريم على مطلق أنواع السبّ دون النظر في الملابسات.
واتهامك لنا بأننا نسب ونشتم غير صحيح، ذلك لأنك لو دققت في ما نقول لوجدت أننا إنما نصف الأفراد بما يستحقون، فقولنا مثلا أن عمر كان ظالما فاجراً أو ما شاكل ذلك، ليس سبا وإنما هو بيان لصفته الحقيقية بناءً على ما نملكه من أدلة، وقولنا أن خالد بن الوليد مجرم سفاح وغد ليس شتما وإنما هو بيان لصفته الحقيقة بناءً على ما نملكه من أدلة، وهكذا. وهذا الأسلوب هو أسلوب القرآن الحكيم، فقد قال الله تعالى في بيانه لصفة علماء اليهود المعاصرين للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا". (الجمعة: 6). كما أنه مما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال: "إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الاخرة". (الكافي للكليني ج2 ص375).
وأما إشراكك اللعن بالسبّ في التحريم فخطأ فادح، ذلك لأن اللعن إنما هو بالأصل دعاء لله تعالى بأن يطرد فلانا من رحمته ويوقع عليه عذابه، وهو مشروع إتفاقا لقوله تعالى: "أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ". (البقرة: 160).
وعليه فلا يصحّ قولك: "لا يوجد دين أو ملة على وجه الارض تتقرب الى معبودها بالسب والشتم واللعن"، إنما الكلام أنه لو كان في السب أو الشتم أو اللعن ظلم فلا شك أنه ليس من الدين في شيء، أما إن كان مشروعا أو مستحباً - حسب موارده - فإنه يكون من الدين بالقطع واليقين.
وأما جوابنا على (ثالثا) فإننا نرجو لك النجاة في الآخرة بشفاعة الحسين صلوات الله عليه، وشفاعة جدّه وأبيه وأمه وأخيه عليهم آلاف التحية والثناء، ونرى أن بكاءك عليه وإجلالك لأهل بيت نبيك (صلوات الله عليهم) دليل على صفاء روحك وقابليتك للهداية إن شاء الله تعالى.
غير أننا ندعوك إلى مطالعة التاريخ بدقة والتحقيق في موقف الحسين وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) ممن تدعوهم (صحابة) فإنه لا يمكن اجتماع حب أهل البيت وحبّ أعدائهم في قلب إنسان أبدا.
إن الحسين (عليه السلام) هو نفسه الذي يقول: "أتيت عمر بن الخطاب وهو على المنبر فصعدت إليه فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك! فقال عمر: من علّمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد. قال: منبر أبيك والله! منبر أبيك والله! وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم"! (تاريخ دمشق ج14 ص175 ونحوه في تاريخ بغداد للخطيب ج1 ص151 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص799 والإصابة لابن حجر ج1 ص332 وغيرها كثير).
فهذا الحسين (صلوات الله عليه) لم يكن يرى عمر بن الخطاب أهلا لاعتلاء منبر جده (صلى الله عليه وآله) فأمره بالنزول عنه لأنه منبر أبيه علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهما) ثم إن عمر يعترف بذلك ويقسم عليه، بل ويقرّ بأن أهل البيت (عليهم السلام) هم أصحاب الفضل على المسلمين جميعا بمن فيهم هو حتى مثّل لذلك بأنهم قد أنبتوا الشعر على رؤوسهم!
وهذا هو الحسين (صلوات الله عليه) الذي عندما يُسأل عن أبي بكر وعمر يقول: "والله لقد ضيعانا! وذهبا بحقنا! وجلسا مجلسا كنا أحق به منهما! ووطئا على أعناقنا! وحملا الناس على رقابنا"! (تقريب المعارف للحلبي ص244).
إن كثيرا من الكفار - يهودا كانوا أو نصارى أو حتى ملحدين - تجدهم يحبون رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) كثيرا، ويمجدونه ويحترمونه ويجلونه، من هؤلاء مثلا (مايكل هارت) صاحب الكتاب الشهير "الخالدون المئة" الذي جعل نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في المرتبة الأولى.
مع هذا فإن ما صنعه هارت أو غيره لن يؤدي به إلى الجنة، ذلك لأن عدم إيمان هارت أو غيره من هؤلاء بنبوة نبينا والاعتقاد بالإسلام اعتقادا كاملا والبراءة من الكفار والمشركين سيّما الأوائل الذي هوّدوا ونصّروا ومجّسوا أقوامهم؛ هو أمر مناقض لما أمر الله تعالى به، وهو يؤدي بالإنسان إلى النار والعياذ بالله. نعم؛ إن غاية ما يحصل عليه هارت وأمثاله هو تخفيف العذاب عنهم لا غير.
كذلك؛ فإن الذي يصرّ على موالاة الظالمين من قتلة وأعداء آل محمد (صلوات الله عليهم) بظن أنهم مؤمنون صالحون؛ سيلقى خسرانا في يوم الحساب حتى وإن كان محبا محبا لمحمد وآل محمد عليهم السلام، غير أننا نرجو له أن تكون محبّته لهم طريقا يوصله إلى الفوز بولايتهم والبراءة من أعدائهم، فينجو ويسعد في الدنيا والآخرة.
نحن ندعو لك بذلك ونطلب منك الدعاء أيضا، واعذرنا إن سمعت منا في محاضراتنا ما آلمك، فو الذي رفع السماء بلا عمد ليس قصدنا من ذلك إلا بيان الحقائق وإن كانت مؤلمة، ولأننا نحبكم.. نؤلمكم. (*)
والسلام.
السادس والعشرين من محرم الحرام لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.