بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا الجليل هنالك شبه تلقى يوميا من قبل أعداء آل البيت سلام الله عليهم ومن هذه الشبه
الرواية الأولى: قال سلمان الفارسي : فهرولت إلى منزل فاطمة عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه واله ، فإذا هي جالسة وعليها قطعة عباء إذا خمرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطت ساقها انكشف رأسها ، فلما نظرت إلي اعتجرت ثم قالت : يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي صلى الله عليه واله قلت : حبيبتي أأجفاكم ؟ قالت : فمه اجلس واعقل ما أقول لك بحار الانوار : مجلد 43 / ص 61 - 7
الرواية الثانية: وعن حذيفة كان النبي صلى الله علي واله لا ينام حتى يقبل وجنة عليها السلام او بين ثدييها
الرواية الثالثة: وعن جعفر بن محمد عليه السلام كان الرسول صلى الله علية واله لا ينام حتى يضع وجهة الكريم بين ثدي فاطمة عليها السلام
باسمه تقدّست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. هي شبهات واهية سخيفة تنبئك عن مدى قصور عقولهم، وهي السنة الجارية فيهم.
أما بالنسبة للشبهة الأولى فجوابها: كانت الزهراء (صلوات الله عليها) قد استدعت سلمان (رضوان الله عليه) لكي تعلّمه دعاء النور، ذلك الدعاء العظيم الذي تلهج به ألسن الموالين ليل نهار وترى بسببه المعجزات.
وقد استدعت الزهراء (بأبي هي وأمي) سلمان بعد استشهاد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأيام قلائل، ذلك عندما طلبه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأمره بالمثول بين يدي البتول صلوات الله عليه. فلبّى ذلك وامتثل؛ وقد وصف سلمان (رضوان الله عليه) مشاهدته لحالها (صلوات الله عليها) ومدى زهدها وتقشّفها، ومن ذلك أنه رأى عليها عباءة قصيرة عليها، فإذا غطّت رأسها انكشف ساقها، والعكس بالعكس.
وسلمان حينذاك كان شيخا كبيرا في السن، من غير أولي الإربة من الرجال، أي أنه بسبب شيخوخته لم يعد راغبا في النكاح ولم يعد يشتهي النساء. وحسب الفقه الإسلامي؛ فإنه يجوز للمرأة أن لا تتشدد في لباسها فينكشف مقدار من الرأس أو اليدين أو الرجلين لمثل هذا الرجل، كونه أضحى طاعنا في السن ومن غير أولي الإربة، أي الرغبة في النساء. وذلك مصداقا لقوله تعالى في محكم كتابه: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". (النور: 31).
فكما ترى استثنى الله تعالى غير أولي الإربة من الرجال من الحكم. وسلمان كان من هؤلاء حينذاك بلا خلاف. فعلى هذا لم يكن ثمة إثم أو حرج في عدم تشدد الزهراء (صلوات الله عليها) في لباسها أمامه.
أضف إلى ذلك أن عبارة سلمان إنما هي عن (العباءة) وتعبيره هو عن قصرها، لا عن قصر سائر اللباس، فيقوى أن الزهراء (صلوات الله عليها) كانت تلبس تحت عباءتها - كما هي العادة - ألبسة أخرى، وإنما تضع العباءة زيادة في التستّر ليس إلا، فلا يكون معنى ظهور الساق من تحت العباءة إلا الظهور العرفي لا الدقّي، فتكون الساق محجوبة وإنما انكشفت عنها العباءة.
وعلى أية حال إليك الرواية كاملة كما هي في البحار عن مهج الدعوات للسيد ابن طاووس لتتبيّن الأمر:
"عن عبدالله بن سلمان الفارسي، عن أبيه قال: خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بعشرة أيام فلقيني علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عم الرسول محمد صلى الله عليه وآله فقال لي: يا سلمان جفوتنا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت: حبيبي أبا الحسن مثلكم لا يجفي غير أن حزني على رسول الله صلى الله عليه وآله طال فهو الذي منعني من زيارتكم، فقال عليه السلام: يا سلمان ائت منزل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فإنها إليك مشتاقة تريد أن تتحفك بتحفة قد أُتحفت بها من الجنة. قلت لعلي عليه السلام: قد أُتحفت فاطمة عليها السلام بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله؟! قال: نعم بالأمس!
قال سلمان الفارسي: فهرولت إلى منزل فاطمة عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وآله، فإذا هي جالسة وعليها قطعة عباء إذا خمّرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطّت ساقها انكشف رأسها، فلما نظرت إليَّ اعتجرت ثم قالت: يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي صلى الله عليه وآله! قلت: حبيبتي أأجفاكم؟! قالت: فمه؟! اجلس واعقل ما أقول لك.
إني كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس وباب الدار مغلق وأنا أتفكر في انقطاع الوحي عنا وانصراف الملائكة عن منزلنا، فإذا انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد، فدخل عليَّ ثلاث جوار لم يرَ الراءون بحسنهن ولا كهيئتهن ولا نضارة وجوههن ولا أزكى من ريحهن، فلما رأيتهن قمت إليهن متنكرة لهن فقلت: بأبي أنتن من أهل مكة أم من أهل المدينة؟ فقلن: يا بنت محمد لسنا من أهل مكة ولا من أهل المدينة ولا من أهل الارض جميعا غير أننا حوار من الحوار العين من دار السلام أرسلنا رب العزة إليك يا بنت محمد إنا إليك مشتاقات!
فقلت للتي أظن أنها أكبر سنا: ما اسمك؟ قالت: اسمي مقدودة، قلت: ولم سُمّيت مقدودة؟ قالت: خُلقت للمقداد بن الأسود الكندي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله. فقلت للثانية: ما اسمك؟ قالت: ذرّة، قلت: ولم سميت ذرّة وأنت في عيني نبيلة؟ قالت: خُلقت لأبي ذر الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله. فقلت للثالثة: ما اسمك؟ قالت: سلمى، قلت: ولم سُمّيت سلمى؟ قالت: أنا لسلمان الفارسي مولى أبيك رسول الله صلى الله عليه وآله.
قالت فاطمة: ثم أخرجن لي رطبا أزرق كأمثال الخشكنانج الكبار أبيض من الثلج وأزكى ريحا من المسك الأذفر. فأحضرته فقالت لي: ياسلمان أفطر عليه عشيّتك فإذا كان غدا فجئني بنواه أو قالت: عجمه.
قال سلمان: فأخذت الرطب فما مررت بجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا قالوا: ياسلمان أمعك مسك؟! قلت: نعم! فلما كان وقت الإفطار أفطرت عليه فلم أجد له عجما ولا نوى، فمضيت إلى بنت رسول الله صلى الله عليه وآله في اليوم الثاني فقلت لها: إني أفطرت على ما أتحفتيني به فما وجدت له عجما ولا نوى! قالت: ياسلمان ولن يكون له عجم ولا نوى وإنما هو نخل غرسه الله في دار السلام بكلام علّمنيه أبي محمد صلى الله عليه وآله كنت أقوله غدوة وعشية.
قال سلمان: قلت: علمني الكلام ياسيدتي، فقالت: إن سرّك أن لايمسّك أذى الحمى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه.
ثم قال سلمان: علمتني هذا الحرز فقالت: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الذي هو مدبّر الامور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد الله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبيٍّ محبور، الحمد الله الذي هو بالعز مذكور وبالفخز مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
قال سلمان: فتعلمتُهنَّ فوالله لقد علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكة ممن بهم الحمى فكلٌّ برئ من مرضه بإذن الله تعالى"! (البحار للعلامة المجلسي ج43 ص66 عن مهج الدعوات).
فماذا يرى هؤلاء الجهلة في الرواية من إشكال؟! وماذا تريد نفوسهم المريضة أن تقول عن سيدة الطهر والعفاف صلوات الله وسلامه عليها وأرواحنا فداها؟!
إنْ أرادوا حقا ما يُخجل ويندى له الجبين حياءً؛ فليولّوا وجوههم قِبَل سيدتهم عائشة بنت أبي بكر (لعنة الله عليهما) التي لم تترك للفاسقات والساقطات أسوة أعظم منها حين وقفت عارية أمام ستار ليرتسم خيالها أمام رجليْن غريبيْن أدخلتهما عليها لتعلّمهما غسل الجنابة بحجة أنهما أخواها من رضاعة الكبير! فهذا مما روته صحاحهم المخزية على هذا النحو: "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة فسألها عن غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجنابة فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها سترا وأفرغت على رأسها ثلاثا"! (صحيح مسلم ج1 ص176).
فبأي اعتذار يمكن لهم أن يعتذروا عن سيدتهم وأمّهم بعد كل هذا الخزي والفحش؟!
أما عن الشبهة في الروايتين الثانية والثالثة فجوابنا: هاهم يكشفون عن جهلهم حتى باللغة العربية! ففي لغتنا يكون معنى تقبيل ما بين الثديين تقبيل أعلاهما في الصدر، كما يُقال عن تقبيل الجبهة: "قبّل ما بين عينيه"، فليس المقصود تقبيل ما بين العينين تحديدا، وإنما تقبيل الجبهة في الوسط. فهكذا يكون معنى الرواية تقبيل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لصدر ابنته الزهراء (صلوات الله عليها) في موضع أعلى، وهذا من المتعارف كما لا يخفى وليس فيه إشكال.
ولسنا ندري كيف يزعم هؤلاء القوم الجهلة أنهم عرب ولا يفقهون لغة العرب! بل لو كانوا من الأعراب لفقهوا وفهموا.. لكنهم جنس خاص من البشر.. لا عرب ولا عجم!
وليست إثارتهم لهذه الشبهات السخيفة إلا استجابة لنداء الشيطان الذي فرّخ وباض في قلوبهم المريضة، فإنهم عمدوا فقط إلى التركيز على ألفاظ وعبارات وردت في الروايات وهم يحسبون أنهم بالتركيز عليها يستثيرون القارئ! وهذا مما لا يزيد بيت عنكبوت عقيدتهم إلا وهنا.
وسيبقى التشيّع له المجد أبدا. والحمد لله على نعمة الولاية.
والسلام. 11 من شهر رمضان المبارك لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.