بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماهو التصوف, وماهي حدوده وضوابطه, وهل يجوز سلوكه, ثم هل ورد نهي عن معاشرة المتصوفة,وهل صحيح أن من علمائنا من نسب إليه هذا المذهب أو من سالكيه؟
المرسل: عبدالله الإمامي الأحسائي
باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لم ترد في الإسلام عبادة أو منهج عبادي باسم التصوّف، بل هو من البدع المخترعة التي شجّعها خلفاء الجور والسلاطين والحكّام لإبعاد المتديّنين عن المشاركة بفاعلية في الشؤون العامة وحضّهم على الانزواء عن المجتمع، حتى لا يشكّل تدخّلهم في الشؤون العامة خطرا يزعزع استقرار هذه الأنظمة الجائرة. لقد أرادت هذه الأنظمة أن تعطّل ذهنية المتديّنين، وتدفعهم إلى الوهم بالتقرّب إلى الله سبحانه بالأذكار والعبادات فحسب، مع الانعزال عن المجتمع والدولة باعتبار أنه انعزال عن أهل الدنيا، وبهذا يأمن الظالمون جانب المتديّنين والصحوة الثورية التي يمكن أن يقوموا بها ضدهم! وهذا ما حصل في البداية، عندما نشأ ما يسمى بالتصوّف، حيث انقطع هؤلاء وانعزلوا ظنا منهم أن هذا هو المطلوب شرعا، مع أن الله سبحانه أوجب على كل مؤمن أن يسعى إلى إقامة الحق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم بسبب انعزالهم في كهوفهم وأمكنتهم الخاصة، ولبسهم الصوف زهدا في الدنيا كما كانوا يظنون، بدأت تنتشر في أوساطهم مع مرور الزمن أفكار وعقائد خاصة، كان ينفثها الشيطان في قلوبهم مستغلا انعزالهم ووحدتهم، ولهذا فإن الانعزال عن المجتمع مكروه شرعا، كما أن الاكتفاء بالعبادة العملية دون الفكرية، أي الاكتفاء بالصلاة والصيام والدعاء وما أشبه، مكروه هو الآخر، بل لا بد من الإيمان مع العمل والتفكر، ولذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تفكّر ساعة خير من عبادة سنة". (التحفة السنية للجزائري ص72).
ومن بين العقائد والأفكار الشيطانية التي نشأت عند المتصوّفة، الاعتقاد بوحدة الموجود، أي وحدة الله وخلقه! والاعتقاد بسقوط التكليف إذا وصل الإنسان إلى مرحلة اليقين فلا صلاة عليه ولا صيام ولا حج ولا زكاة! وإباحة بعض المنكرات، إلى ما هنالك من كفريات ومفاسد.
وقد نشأ هذا المنهج الفاسد أولا عند المخالفين كما أسلفنا، ثم تسرّب إلى بعض ضعاف النفوس منا، تارة تحت مسمى التصوّف، وأخرى تحت مسمّى العرفان – وهما وجهان لعملة واحدة – حتى صدر النهي الشديد من أئمتنا المعصومين (صلوات الله عليهم) من الولوج في هذا المسلك أو الانخراط في هذه الضلالة. فقد سئل إمامنا الصادق صلوات الله عليه: "إنه قد ظهر في هذا الزمان قوم يُقال لهم الصوفية، فما تقول فيهم؟ فقال: إنهم أعداؤنا! فمن مال إليهم فهو منهم، ويُحشر معهم. وسيكون أقوام يدّعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبّهون بهم ويلقبّون أنفسهم بلقبهم ويأوّلون أقوالهم! ألا فمن مال إليهم فليس منا، وأنا منهم براء، ومن أنكرهم وردّ عليهم كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله". (مستدرك الوسائل ج12 ص323).
وكذا ورد عن مولانا السلطان الرضا (صلوات الله عليه) أنه قال: "من ذُكر عنده الصوفية، ولم ينكرهم بلسانه وقلبه فليس منا! ومن أنكرهم كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله". (المصدر نفسه).
وهناك روايات عديدة أخرى حول هذا الموضوع. وكما ترى في الحديث المتقدّم يشير الإمام الصادق (عليه السلام) إلى أن بعضا ممن يدّعون أنهم منّا، أي من الشيعة، سيميلون إلى هؤلاء الصوفية ويتشبّهون بهم بل ويدافعون عن أقوالهم بالتماس التأويلات! وقد حصل هذا كله في زماننا ورأيناه، حتى أن واحدا منهم وبشكل مخزٍ أخذ يبجّل أمثال ابن عربي والحلاج! فخصص عمره لشرح كتب الأول والتعليق عليها! بينما امتدح في شعره الثاني وتمنّى أن يكون مثله مع أنه قد خرج التوقيع الشريف من المولى صاحب العصر (صلوات الله عليه) بلعنه والبراءة منه!
وعلى هذا تعرف أن من سلك هذا المذهب الباطل أو اقترب منه، ليس منا ولا نحن منه، وهو ملعون على لسان أئمتنا صلوات الله عليهم.
كتب الله لكم جوامع الخير في الدارين. والسلام.
السادس من ذي الحجة لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.