أرجوا رجاء هام من سماحة الشيخ التعليق على النص أدناه الذي ذكر في كتاب أحد العلماء و هل في هذا النص ما يدل على انحراف أو كفر صاحبه حيث أنه مهم لدي أن أعرف هل في هذا النص ما يدل على انحراف أو كفر قائله
((القائل بوحدة الوجود إن أراد أن الوجود حقيقة واحدة ولا تعدد في حقيقته وإنه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن فهما موجودان وحقيقة الوجود فيهما واحدة والاختلاف إنما هو بحسب المرتبة لأن الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوة والتمام ، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة وأحدهما خالق للآخر وموجد له.
فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً .
نعم، حقيقة الوجود واحدة فهو مما لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه بل هو مذهب أكثر الفلاسفة بل مما اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ومطابق لظواهر الآيات والأدعية فترى إنه «عليه السلام» يقول: أنت الخالق وأنا المخلوق وأنت الرب وأنا المربوب، و غير ذلك من التعابير الدالة على أن هناك موجودين متعددين أحدهما موجد وخالق للآخر ويعبر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامي .
وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأول وهو أن يقول بوحدة الوجود الموجود حقيقة وإنه ليس هناك في الحقيقة إلاّ موجود واحد ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة لأنه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق كما إنه في السماء سماء وفي الأرض أرض وهكذا .
وهذا هو الذي يقال له توحيد خاص الخاص وهذا القول نسبه صدر المتألهين إلى بعض الجهلة من المتصوفين ـ وحكي عن بعضهم إنه قال : ليس في جبتي سوى الله ـ وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار فإن العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟!
وكيف كان فلا إشكال في أن الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة لأنه إنكار للواجب والنبي «صلى الله عليه وآله وسلّم» حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلاّ بالاعتبار وكذا النبي «صلى الله عليه وآله وسلّم» وأبو جهل ـ مثلاً ـ متحدان في الحقيقة على هذا الأساس وإنما يختلفان بحسب الاعتبار .
وأما إذا أراد القائل بوحدة الوجود أن الوجود واحد حقيقة ولا كثرة فيه من جهة وإنما الموجود متعدد ولكنه فرق بيّن موجودية الموجود وموجودية غيره من الماهيات الممكنة لأن إطلاق الموجود على الوجود من جهة إنه نفس مبدء الاشتقاق . وأمّا إطلاقه على الماهيات الممكنة فإنما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي الذي هو الوجود لا من أجل إنها نفس مبدء الاشتقاق ولا من جهة قيام الوجود بها، حيث إن للمشتق اطلاقات :
فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدء به، كما في زيد عالم أو ضارب لأنه بمعنى من قام به العلم أو الضرب .
وأخرى : يحمل عليه لأنه نفس مبدء الاشتقاق، كما عرفته في الوجود والموجود .
وثالثة : من جهة إضافته إلى المبدء نحو إضافة، وهذا كما في اللابن والتامر لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببايعهما إلاّ أن البايع لما كان مسنداً ومضافاً إليهما نحو إضافة ـ وهو كونه بايعاً لهما ـ صح إطلاق اللابن والتامر على بايع التمر واللبن ، وإطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل ، لأنه بمعنى إنها منتسبة ومضافة إلى الله سبحانه بإضافة يعبر عنها بالإضافة الاشراقية فالموجود بالوجود الانتسابي متعدد والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد .
وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألهين، فكأن القائل به بلغ أعلى مراتب التأله حيث الوجود بالواجب سبحانه ويسمى هذا توحيداً خاصياً . ولقد اختار ذلك الأكابر ممن عاصرناهم وأصر عليه غاية الإصرار مستشهداً بجملة وافرة من الآيات والأخبار حيث أنه تعالى قد أطلق عليه الموجود في بعض الأدعية .
وهذا المدعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه لابتنائه على أصالة الماهية ـ على ما تحقق في محله ـ وهي فاسدة لأن الأصيل هو الوجود إلاّ أنه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق .
بقي هناك احتمال آخر وهو: ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما فيلتزم بوحدة الوجود والموجود وإنه الواجب سبحانه إلاّ أن الكثرات ظهورات نوره وشئونات ذاته وكل منها نعت من نعوته ولمعة من لمعات صفاته ويسمى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخص الخواص .
وهذا هو الذي حققه صدر المتألهين ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين قائلاً : بأن الآن حصص الحق واضمحلت الكثرة الوهمية وارتفعت أغاليط الأوهام إلاّ أنه لم يظهر لنا ـ إلى الآن ـ حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام .
وكيف كان فالقائل بوحدة الوجود ـ بهذا المعنى الأخير ـ أيضاً غير محكوم بكفره ولا بنجاسته ما دام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد )).
أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد مولانا مسلم بن عقيل عليه السلام.
بمراجعة الشيخ أفاد أن هذا النص لا يدل على كفر أو انحراف صاحبه، فهو في معرض مناقشة فتوى صاحب العروة في نجاسة القائلين بوحدة الوجود إذا التزموا بلوازم مذهبهم من المفاسد. نعم هناك موارد للإشكال على ما استُدلّ به في هذا النص وما انتهى إليه من أحكام ليس ههنا محل بيانها.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
ليلة 9 ذو الحجة 1429