بسم الله الرحمان الرحيم
سماحة الشيح الفاضل ياسر الحبيب حفظكم الباري عز وجل
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
نحن مجموعة من المستبصرين في تونس و لدينا بعض الاستفسارات التي قد تبدو بسيطة و ساذجة لكنها مهمة بالنسبة لنا
أولا بماذا تتميز المدرسة الشيرازية عن غيرها من بقية المدارس الشيعية الأخرى ؟ ولماذا يتهمها خصومها بالبساطة ؟
و ماهي المواصفات التي يجب أن يتحلى بها مقلدوا الإمام الراحل قدس سره الشريف و السيد المرجع دام ظله الشريف؟
ثانيا ماسر العداء بين التيار الشيرازي و التيار المفتون و الموالي للنظام الإيراني و رموزه؟
و هل ثبت قطعيا استشهاد الإمام الراحل رض بالسم من قبل المخابرات الإيرانية ؟ و هل للخامنئي يد في ذلك؟
ثالثا ماهي أبرز مآخذكم عن الجمهورية الإيرانية و حزب الله اللبناني ؟
وهل يجوز لمن ينتمي للتيار الشيرازي أن يدافع عن النظام الإيراني و رموزه ؟
رابعا هناك فكرة يروج لها التيار المغرر به الموالي للنظام الإيراني مفادها أننا نعيش في زمن الظهور ويحددون وقت الظهور المقدس في يوم العاشر من محرم للسنة القادمة و الملفت أنهم يركزون على دور النظام الإيراني و رموزه في التمهيد لظهور الإمام عج ويذهبون إلى حد اعتبار الخامنئي انه هو الخرساني و أن نجاد هو شعيب بن صالح ففيم يتمثل تعليقكم ؟
خامسا هل هناك موقف صريح من قبل سماحة المرجع دام ظله أو الإمام الراحل قدس سره الشريف حول مرجعية كل من الخامنئي و فضل الله ؟
سماحة الشيخ إننا نعتمد على صراحتكم المنقطعة النظير للرد على أسئلتنا و دمتم موفقين بإذن الله
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أسعد الله أيامنا وأيامكم بذكرى ميلاد سيدتنا الحوراء زينب صلوات الله وسلامه عليها.
ج1: المدرسة الشيرازية - إن جاز التعبير - هي المنظومة الفكرية الحضارية التي أرساها الإمام الراحل المجدد الشيرازي الثاني قدس الله نفسه الزكية بهدف إنهاض الأمة الإسلامية وتكوين عالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، وما يميّزها عن غيرها من المدارس في نظرنا أمور؛ منها أنها مع دعوتها للانفتاح على الآخر والتعاون معه ونبذ العنف تجاهه لا تصحّح ممالأته بالتنازل عن الثوابت العقيدية الإسلامية الشيعية مثلا لغرض استرضائه ولا تجوّز الركوع أمامه لاستعمار البلدان الإسلامية مثلا آخر، بل تجمع بين الأمريْن، بين الالتزام الكامل بالعقيدة والولاء المطلق لأهل البيت عليهم السلام، وبين الانفتاح والتواصل والتعاون مع الآخرين ونبذ العنف، في معادلة تكافئية. ومنها أنها قدّمت ما لم تقدّمه المدارس والاتجاهات الأخرى من حلول ناجعة لمشاكل الأمة، كأطروحة شورى الفقهاء المراجع التي في تطبيقها عزة الأمة الشيعية وإذابة لكل هذا التشرذم والتشتت المرجعي وحالات الاحتراب الداخلي. ومنها أنها سبقت غيرها في طرح أفكار مستقبلية تؤدي إلى عودة الأمة إلى امتلاك زمام العالم بأسره، بل إلى تحقيق الرخاء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لكل المجتمع الإنساني. ومنها أنها تتميز بتحويل الملتزم بها إلى قوّة نشطة فعّالة لا تهدأ لأن من أهم أدبياتها عدم الجمود. ومنها أنها تحضّ وتشجّع وتدفع باتجاه هداية جميع البشرية إلى نور الإسلام والتشيع كتكليف عيني لا كفائي، فقبل نحو أسبوعين من استشهاده التقى الإمام الراحل (رحمة الله عليه) بالشيخ مصطفى بهرمن من الحوزة العلمية في أصفهان فقال له: ”إني أشعر أن منيّتي قد قربت، وقد بقيت عندي ثلاث أمنيات لم أستطع تحقيقها، فاسعوا أنتم من بعدي إلى تحقيقها. الأولى: هداية جميع البشر إلى الإسلام. الثانية: هداية جميع المخالفين إلى التشيع. الثالثة: توحيد كلمة الشيعة ولمّ شملهم“.
أما عن اتهام خصوم هذه المدرسة لها بالبساطة فإنّا لم نسمع ذلك سابقا، ولسنا ندري المقصود منه، فإن كان مقصودهم الأطروحات التي طرحها الإمام الراحل (قدس سره) ذاتها فالاتهام مضحك للثكلى، فإنّا شخصيا نتحدى أن يأتينا أحد ذو علم وخبرة ليثبت أن غير الإمام الراحل من الفقهاء قد سبقه في هذه الأطروحات أو تفوّق عليه بها، وليكن الأمر من قبيل المقارنة التفصيلية، فليأخذ هذا كتابا من كتب الإمام الراحل بشرط أن يكون مما كتبه للعلماء ومن في مستواهم ليقارنه بأي كتاب آخر في الموضوع نفسه، وسيرى الفرق في المستوى والعمق، وإذا أردت أنموذجا فخذ كتاب (فقه الاقتصاد) للإمام الراحل وقارنه بكتاب (اقتصادنا) للصدر، وستلمس بنفسك فرقا ما بين السماء والأرض، فشتّان ما بين الكتاب الأول العميق في محتواه وبين الثاني الذي هو دون ذلك بكثير إلا أنه حسن النظم والأدب فقط. وإنّا أهل اللغة ونعرف كيف يمكن للأديب أن يتكلف في سبك عباراته بشكل يوحي بالعمق مع أنه ليس فيها من الإفادات الكثير؛ فيما يبتعد العالِم عن التكلف ويأتي على ذكر المطالب العلمية بأدب سهل لأن تركيزه هو على اللئالئ والجواهر العلمية لا على الإنشاء الكلامي.
وأما إن كان مقصود هؤلاء أن الذين يعلنون أنفسهم كأتباع للمدرسة الشيرازية هم البسطاء علميا، فذلك خطأ آخر، أما أولا فلأن هؤلاء قد خلطوا بين المقلّد للمرجعية الشيرازية وبين العامل الإسلامي الملتزم بالأطروحات الحضارية الشيرازية، فالأول من عوام الناس وحاله كحال سائر المقلّدين ممن يقلّدون المراجع، وهؤلاء ليسوا بالضرورة ممن يحملون علم وفكر ذلك المرجع أو يعملون في سرب المبلغين والنشطاء العقيديين. وأما الثاني فلربما نقبل أن في بعضهم بسطاء بمعنى أنهم غير مستوعبين تمام الاستيعاب للفكر النهضوي الشيرازي إلا أن التعميم غير مقبول، بل فيهم من هم على قدر كبير من العلم والثقافة والوعي.
أما عن المواصفات التي يجب أن يتحلى بها مقلّدو الإمام الراحل (قدس سره) والسيد المرجع (دام ظله) فإنّا نذكر منها ما كانا يردّدانه على مسامعنا دائما، كالتقوى، والورع، والإخلاص، والولاء المطلق لأهل البيت عليهم السلام، والدعاء المتواصل، والتوسل المستمر، والتحصيل العلمي، والتأليف، وتحدي الذات، والنشاط المكثف، وعدم اليأس، وعدم التحيّر، وتقبّل المشاكل، والشجاعة والإقدام، والاهتمام بالجذور أي الأحداث، وتكثيف المطالعة في شتى الحقول، وتصعيد المستوى الأدبي والخطابي، وتأسيس المساجد والحسينيات والمراكز والمكتبات، والاهتمام بوسائل الإعلام، وتكوين الهيئات والمؤسسات التبليغية والدعوية، وإشاعة ثقافة الزواج المبكر، وتأسيس لجان لخدمة المؤمنين والحاجات الإنسانية، وتفعيل القوانين الإسلامية مثل أن الأرض لله ولمن عمّرها، وإذابة الفوارق بين المسلمين من حيث العرق أو الأصل أو الجنسية أو الانتماء الجغرافي، ونشر ثقافة الاعتماد على النفس والاكتفاء الذاتي.. وما إلى ذلك من سمات كثيرة تتعلق تارة بالفرد، وأخرى بالمجتمع، وأخرى بالحياة بعنوانها العام الشامل حتى للبيئة. وخير ما يوقفك على هذه السمات هو مطالعة كتب الإمام الراحل ومؤلفاته التي تربو على الألف.
ج2: العداء سببه انتهاك هذا النظام لحرمة الشرع ولحرمة العلماء من نواب الإمام (صلوات الله عليه وعجل الله فرجه) ولحرمة سائر المؤمنين والمؤمنات، وعدم تطبيقه للأحكام والقوانين الإسلامية. أما انتهاكه لحرمة الشرع فلا أعظم من ترويجه لعقيدة التصوف ولوازمها من القول بوحدة الوجود والموجود، وأما انتهاكه لحرمة العلماء فلا أعظم من اعتقال آية الله الشريعتمداري وإهانته أمام الملأ ثم دفنه عند المرافق الصحية، وحتى هذا الحين الذي نكتب فيها إجابتنا هذه على سؤالك لا يزال أحد المراجع والعلماء الكبار وهو آية الله الشيخ يعسوب الدين الرستكاري سجينا لمجرّد تأليفه كتابا نال فيه من أبي بكر وعمر عليهما اللعنة! وأما انتهاكه لحرمة سائر المؤمنين والمؤمنات فلسنا نحدّثك عمن نعرفهم من العشرات والعشرات، رجالا ونساءً وأطفالا، ومنهم مَن قُتل وانتقل إلى جوار ربّه يختصم الظالمين، ومنهم مَن شُلّ وأُقعد، ومنهم من عُذِّب وحُرق، فماذا نذكر وما ندع؟! حسبنا الله ونعم الوكيل.
أما أن الإمام الراحل قد ثبت قطعيا أنه استشهد بالسم من قبل المخابرات الإيرانية، فلم يثبت عندنا قطعيا، وإنما هو احتمال تحفّه القرائن، إذ لا يزال مجهولا سرّ تلك الأبرة التي زرقت له في العناية المركزة فتسبّبت في تدهور صحته إلى أن توفي رضوان الله تعالى عليه، ولأن مثل هذه الممارسات ليست بعيدة عن تصرفات هذا النظام الجائر فإنا نحتمل قويا هذا الاحتمال. وعليك بأن تعرف أن فعلا بجسامة هذا لا يمكن أن يقع بدون إذن مباشر من هذا الذي أعلن نفسه وليا لأمر المسلمين. والموعد القيامة.
ج3: لا نريد منهم سوى الالتزام بالعقيدة وأحكام الشرع، والتوقف عن الظلم وانتهاك الحرمات، والتكسّب على حساب الدين، ولسنا الآن في وارد تعداد ما سبق فإن المقام سيطول.
ولا يجوز شرعا - سواء للمنتمي للتيار الشيرازي أو غيره - الدفاع عن النظام الإيراني ورموزه إذ هو دفاع عن الظالم وهو من أكبر المحرّمات.
ج4: قد سبق وأن أجبنا على هذا السؤال ودحضنا ما يروّجه هؤلاء كذبا في هذا الشأن، فراجع. (*)
ج5: كان الإمام الراحل قد أجاب على استفتاء وُجِّه إليه من لبنان حول تلك الأفكار المنحرفة بما ينقضها وبما يُعرف منه أنه إدانة لصاحبها. وأما عن الذي نصّب نفسه في مقام ولي أمر المسلمين فقد سمعنا من الإمام الراحل بعض شكاياته من انتهاكاته، أما السيد المرجع فلم نسمع منه ولم يبلغنا عنه موقف صريح منه. وعلى أية حال فنحن لسنا بحاجة إلى مثل هذا الموقف حتى نتأكد من صحة موقفنا ضدّه مع وضوح جرائمه التي يمكن للمكلّف العادي اتخاذ موقفه الشرعي على أساسها.
رزقكم الله وإيانا حسن العاقبة وشفاعة محمد وآله صلوات الله عليهم. والسلام.
6 من جمادى الأولى لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.