ما قولكم في الروايات التي يُفهم منها أن الخمس مباح للشيعة؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نسأل الله القدير أن يطيل عمركم وأن يثبتكم على الطريق القويم.

ورد في الاحتجاج - بمامضمونه - (أن الإمام المهدي في جواب له لسائل قال: وأما الخمس فهم - أي الشيعة - في حلًّ عنه) أو كما ورد في ! أصول الكافي (......فإنه محلل لهم لميلادهم) أو كما ورد في من لايحضره الفقيه في رواية إلى أن تصل لما أمر أمير المؤمنين الرجل بأن يحضر خمس المال فقال له (ع):(آتني بخمسي , فأتاه بخمسه فقال (ع): هو لك.....) وغيرها , ثم هل صحيح أن بعض العلماء كالمحقق الحلي والعلامة يحيى الحلي وابن المطهر الحلي و الشهيد الثاني وغيرهم أفتوا بأن الخمس للشيعة ولايجب إخراجه؟

المرسل: عبدالله الإمامي الأحسائي


باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

النصوص الواردة في تحليل الخمس محمولة على تحليل الغنائم والأنفال والمساكن والمتاجر والمناكح زمن وجود خلافة الجور، فقد كانت تلك الدولة تغزو وتحارب، وكان جيشها يحصل على غنائم الحرب، ومساكن الكفار، ومتاجرهم، وكذا يحصل على سباياهم، وبعد ذلك كان أفراد هذا الجيش يبيعون ذلك في سوق المسلمين. وحيث أنها جميعها ملك للإمام المعصوم (عليه السلام) لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه وبعد إخراج الخمس منه؛ فقد أباحه الإمام (عليه السلام) لطفا منه وكرما، ليجوز للمؤمن شراء هذه الغنائم أو الأراضي أو المساكن أو المتاجر أو السراري من السوق والتصرف فيها كجزء من ميزانية خمسه السنوية، لا أنه ينبغي عليه تخميسها أولا ليملكها، مع أنه يدفع خمس سنته أيضا. كما أن الإمام أباح وحلّل المال المنتقلة ملكيته من غير الشيعي إلى الشيعي، فهذا أيضا يفترض أن يُخرج منه الخمس بدايةً ولا يصح أن ينتقل إلى ملكية المؤمن قبل ذلك، إلا أن الإمام (أرواحنا فداه) رخّص للمؤمنين ذلك.

ولا تعني هذه النصوص أن الخمس بإطلاقه قد أُبيح، فيجوز للمكلّف مثلا أن يكسب المال دون أن يدفع خمسه، فإنه حكم ثابت لا يسقط، في كتاب الله وسنة رسوله وعترته صلوات الله عليه، وهو حكم مستمر إلى يوم القيامة، ولذا كان لنفس الإمام صاحب الأمر (صلوات الله عليه) وكلاء من قبله في قبض الأخماس في أكثر من بلد، وذلك في فترة الغيبة الصغرى، وهم غير الوكلاء أو السفراء الأربعة الخاصين. وقد ورد في التوقيع الشريف الصادر عنه صلوات الله عليه: "لعنة الله والملائكة والناس أجميعن على من استحلّ من أموالنا درهما". (كمال الدين ج2 ص201 والاحتجاج ص286 والبحار ج53 ص183).

فعلى هذا تفهم أن تحليل الخمس ليس بمطلقه، إنما صنف وقسم منه، وقد بيّن الأئمة (عليهم السلام) هذا الحكم، أي حكم بقاء الخمس في الأرباح والمكاسب وما إليها، كما وقع مع الإمام الرضا (صلوات الله عليه) الذي سأله قوم أن يجعلهم في حلّ من الخمس فقال لهم الإمام: "ما أمحل هذا! تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس! لا نجعل أحدا منكم في حل". (المقنعة للمفيد ص284 والاستبصار للطوسي ج2 ص60).

وأما الرواية التي ذكرتموها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنها مبتورة ولا تفيد حلية الخمس مطلقا، فالرواية هي: "جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين.. أصبت مالا أغمضت فيه، أفلي توبة؟ قال: ائتيني بخمسه، فأتاه بخمسه، فقال: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه". (من لا يحضره الفقيه للصدوق ج2 ص43).

فهنا تتحدث الرواية عن شخص لم يراعي مسائل الحلال والحرام في أمواله التي اكتسبها، وقد أغمض عينه عن هذه المراعاة، ولكنه تاب وجاء إلى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لتحليل أمواله، فأمره الإمام بتخميس المال والإتيان به إليه، وفعل الرجل ذلك، فلما استلم الأمير الخمس، أباح له بقية المال بقوله: "هو لك" أي المال، لا الخمس. فلاحظ.

وأما عن آراء بعض فقهائنا المتقدّمين، فهناك اختلاف بينهم في ما أُحلّ خمسه، فمثلا بعض من ذكرتموهم يروْن أن نصف الخمس الراجع للإمام (عليه السلام) مباح اليوم، فيما خالفهم آخرون. وهكذا فإن المسألة كانت خلافية باختلاف اجتهادات العلماء، وبعض هؤلاء اجتهدوا في فهم نصوص التحليل دون النظر إلى القيود التي وردت في النصوص الأخرى – وهي القيود التي ذكرناها آنفا – فأفتوا بإباحة الخمس مطلقا، أو إخراجه ودفنه، أو التكفّل بتقسيمه شخصيا دون تسليمه إلى نائب الإمام أي مرجع التقليد. أما اليوم فقد استقرّت الفتوى على وجوب الإخراج، مع استثناء أقسام من التي ذكرناها، ووجوب التسليم إلى مرجع التقليد من حيث كونه نائبا للإمام عليه السلام. وهذا بحث فقهي مفصّل ليس هنا محلّه.

كتب الله لكم جوامع الخير في الدارين. والسلام.

السادس من ذي الحجة لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp