أما الأمر في المادة فكما في رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام أمر شيخا كبير لم يحج قط، ولم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه.
وما في رواية الكميت بن زيد عن أبي جعفر عليه السلام وقد سأله عن الرجلين أبي بكر وعمر قال ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما.
وأما الأمر بالصيغة فكما في قول الصادق عليه السلام: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغٍ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وإن كنت قد تشهدت فلا تعد.
وقوله عليه السلام وقد سئل عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة فقال: إن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصلي ما بقي من صلاته وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته.
ثم إن استعمال مادة الأمر أو صيغته فكلامهم عليهم السلام تارة يراد به الوجوب وأخرى يراد به الاستحباب كما قلنا في المبحث السابق (الواجب والفرض) والتفريق يكون بقيام القرينة ففي الخبر الأول - أي خبر عبد الله بن سنان - المتضمن أمر أمير المؤمنين ذلك الشيخ أن يجهز رجلا يحج عنه يعدل عن الوجوب إلى الاستحباب لخبر عبد الله بن ميمون القداح عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام قال لرجل كبير لم يحج قط إن شئت أن تجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك.
ومفهومه إنه إن لم يشأ فلا شيء عليه فدل على الاستحباب كما هو قول بعضٍ ولا سيما في حال عدم استقرار الحج في ذمته. وفي قباله قول آخر بالوجوب للخبر عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام أن رجلا أتى عليا عليه السلام ولم يحج قط فقال إني كنت كثير المال وفرَّطت في الحج حتى كبر سني، قال فتستطيع الحج؟ قال لا، فقال علي عليه السلام إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك.
فما كان قوله عليه السلام (إن شئت) في نفسه دالا على سقوط وجوب الاستنابة لكون الحج قد استقر في ذمته إذ كان موسرا لخبر المال ففرَّط في الحج وقد قال في المدارك (السيد العاملي) موضع الخلاف ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب أما لو استقر ثم عرض المانع وجبت الاستنابة قولا واحدا.
وبهذا فإن قوله عليه السلام (إن شئت) لا مفهوم له في الحكم إذ هو بمعنى إن شئت الإبراء فافعل، لا بمعنى إن شئت الأداء فافعل، فكأنه عليه السلام قال: إن شئت إبراء ذمتك والأمن من العذاب فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك.
وعليه فما تمت هنا القرينة التي يعدل بها من الوجوب إلى الاستحباب فلا بد من ذكر مثال آخر.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.