والآراء هذه وإن بدت متفقةً على حمل الأمر على الوجوب ما لم تنتصب قرينة إلا أن اختلافها في منشئ ذلك ووجهه يظهر أثره في فهم بعض الأخبار والأحكام المستنبط منها.
مثاله: ما في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اغتسل يوم الأضحى والفطر والجمعة وإذا غسَّلت ميتا ولا تغتسل من مسه إذا أدخلته القبر ولا إذا حملته.
فقد علمنا باستحباب الثلاثة الأول؛ أغسال الأضحة والفطر والجمعة، فهل يكون ذلك قرينة على استحباب الأخير - غسل مس الميت - في فرض عدم قيام الدليل على وجوبه؟ أم يؤخذ بظهور صيغة الأمر في الوجوب فيحكم به أم يتوقف؟
فعلى الرأي الأول يحكم باستحباب غس مس الميت، لأن لفظ الأمر موضوعٌ للوجوب وما لم تنتصب قرينة فلا ننتقل بمدلوله تجوزًا إلى الاستحباب وقد انتصبت القرينة في الخبر وهو كاشفٌ عن استعمال صيغة الأمر بنفسها في الاستحباب فحكمنا به على الجميع.
وعلى الرأي الثاني يُتوقف لأن لفظ الأمر موضوعٌ للأعم من الوجوب والاستحباب وهو مطلق الطلب فيحتاج تعيين أحدهما إلى قرينة. قد انتصبت القرينة على الاستحباب في الثلاثة الأول فحكمنا به وفقدناها في الأخير فتوقفنا.
وعلى الرأي الثالث يُحكم بالوجوب لأن لفظ الأمر مستعملٌ في الأمر النفسي الذي يحكم العقل معه باشتغال الذمة ولزوم الامتثال ما لم يرد الترخيص. قد انتصبت القرينة على الترخيص في الثلاثة الأول فحكمنا بالاستحباب وفقدناها في الأخير فحكمنا بالوجوب.
الشيخ الحبيب: هذا والوجه الذي عندنا هو الرأي الثاني.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.