2007 / 11 / 23
صدر عن الشيخ ياسر الحبيب البيان التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ”قُلْ: هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا! فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا، وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ“! (الأنعام: 150).
في مثل هذا اليوم الأسود - الثامن من شوال لسنة 1343 من الهجرة النبوية الشريفة - امتدّت يد الإجرام الوهابية السعودية إلى الأضرحة المقدّسة في البقيع الغرقد للأئمة الطاهرين والخلفاء الشرعيين من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، وهم الإمام الحسن المجتبى السبط الأكبر، والإمام علي بن الحسين زين العابدين السجاد، والإمام محمد بن علي الباقر، والإمام جعفر بن محمد الصادق، عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام.
فقام الوهابيون النواصب برعاية من آل سعود (عليهم اللعنة) بهدم تلك المراقد الطاهرة وتسويتها بالأرض استكمالا لجرائم السالفين، إذ أسف هؤلاء على فوات فرصة مشاركتهم في قتل آل محمد (عليهم السلام) فتتبّعوهم في قبورهم ليهدموها ويزيلوا آثارها!
وكانت ذريعتهم الكاذبة - ولا تزال - في ما أقدموا عليه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرّم البناء على قبور الأولياء لئلا يتخذهم المسلمون أربابا من دون الله تعالى ولئلا يشركوا معه أحدا من خلقه! سبحان الله! بل هو الكذب على رسول الله والتجرؤ على شرع الله، والمسلمون يعرفون كيف لا يعبدون سوى بارئهم وخالقهم، كما يلتزمون بما أمرهم الله سبحانه من التوجه إليه عبر وسيلته حيث قال عز من قائل: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ“. (المائدة: 35). وإن الوسيلة هم آل محمد بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلماء شيعة آل محمد طالما أثبتوا لهؤلاء الناصبة أن تعظيم مراقد أئمة الإسلام والصالحين إنما هو تعظيم لشعائر الله تبارك وتعالى، وأنه لا محذور شرعيا فيه، بل هو مستحب، إلا أن هؤلاء استشرى فيهم الحقد البكري العمري الأموي على محمد وأهل بيته (عليهم السلام) فاستمرّوا في غيّهم وجريمتهم إلى يومنا هذا، غير عابئين بمشاعر المسلمين كافة في أقطار الأرض!
فليأتوا بشهدائهم على أن الله تعالى حرّم بناء مراقد أوليائه.. إنما هي أهواء الذين لا يؤمنون بالكتاب، ولا يؤمنون بما ينتظرهم من عذاب الآخرة.. وهم بربّهم يعدلون!
ألا وإنهم هم الذين ارتكبوا الحرام بفعلهم هذا!
ألا وإنهم هم الذين كفروا بفعلهم هذا!
ألا وإنهم هم الذين أشركوا بفعلهم هذا!
قطعها الله من يد نجسة قذرة امتدت لتنتهك أعظم حرمة في دين الله.. حرمة محمد وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام..
أيها المؤمنون في كل مكان.. يا شيعة آل محمد وأنصارهم..
أصبح معلوما للجميع اليوم أن كل المحاولات التفاوضية التي بُذلت من أجل إعادة بناء المراقد المقدسة لأئمتنا الأربعة (عليهم السلام) في البقيع قد باءت بلا نتيجة، حيث بقت حكومة آل سعود على تعنّتها ووقاحتها. ورغم سعيها اليوم إلى تقليم أظافر من ربّتهم من الوهابيين بعدما انقلبوا عليها؛ إلا أنها ظلّت وفية وعلى عهدها في مناصبة العداء لآل محمد والبقاء على سيرة الأشياخ من آل حرب وأمية وأبي سفيان..
وها قد مرّ علينا أكثر من ثمانين سنة من تاريخ الجريمة النكراء، دون أن يُعاد الاعتبار لحرم الأئمة (عليهم السلام) في البقيع الغرقد، فيُعاد كما كان، حرما نورانيا شريفا عظيم البناء يرتاده المسلمون لزيارة أبناء نبيهم (صلوات الله عليهم) والابتهال إلى الله تحت قبابهم ودعائه بحقّهم ومنزلتهم عنده.
فاليوم آن أوان أن يسلك الأوفياء المخلصون الباقون على عهد الولاية لآل محمد (عليهم السلام) مسلكا آخر في التعامل مع هذه القضية التي تحلّ في رأس قائمة الأولويات الإسلامية في عصرنا هذا، ومن هنا ننادي جميع إخواننا المؤمنين وأخواتنا المؤمنات بضرورة القيام بالتالي:
(1) تشديد اعتبار يوم الثامن من شوال مناسبة مصيبة دينية لا تقل أهميتها عن مصيبة العاشر من محرم أو الثامن والعشرين من صفر أو الأيام العلوية أو الفاطمية، فيتشح فيها المؤمنون بالسواد، ويتوجهون إلى مجالس العزاء، ويطبعون الكتب والنشرات، وينصبون اللافتات، ويقيمون الندوات والمؤتمرات، وما إلى ذلك من وسائل لإحياء هذه المناسبة كل عام بحيث يشعر بها العالم كلّه ويعرف ماهية قضيتنا العادلة.
(2) تنظيم وتسيير المظاهرات الجماهيرية الاحتجاجية العظمى أمام سفارات النظام السعودي في مختلف بقاع العالم، والهتاف عاليا بشعارات الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) والثأر لهم ممن قتلهم وانتهك حرماتهم ودمّر آثارهم، حتى تكون لهجة القوة والتحدي للزمرة الوهابية الإجرامية وحماتها من آل سعود، وليعرفوا أننا لن نتساهل بعد اليوم في هذه القضية التي هي أهم عندنا من قضية القدس، فلئن كانت القدس قد شُرّفت بصخرة منها عرج النبي (صلى الله عليه وآله) منها إلى السماء، فإن بقيع المدينة المنورة شُرِّف بضمّه الأجساد الطاهرة الزاكية للأئمة من آل الرسول عليهم الصلاة والسلام. ولئن كانت القدس سليبة من اليهود - رغم أنهم ما هدموا فيها مسجدها! - فإن المدينة المنورة سليبة من أذنابهم النواصب الذين لم يُبقوا على شيء من الأضرحة والمقامات والمساجد والآثار إلا وهدموه! وقد كادوا - كما نقل التاريخ - يعتزمون أيضا هدم ضريح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لولا أن جماعة من المصريين تصدّت لهم آنذاك!
(3) القيام بتحرك فاعل من أجل تصعيد القضية بمختلف الوسائل، فتُصدر البيانات من كل جهة شيعية، وتُكتب المقالات في الصحف من كل قلم شيعي، وتُخصص البرامج التلفزيونية والإذاعية حول المناسبة من كل وسيلة إعلامية شيعية، وتُرسل الرسائل الاحتجاجية المليونية إلى مختلف المنظمات الدولية من كل فرد مكلّف شيعي، بل من كل نسمة شيعية، فإن السعي لإعادة تعمير بناء مراقد أئمتنا في البقيع هو اليوم واجب عين على كل مسلم.
(4) شحذ الهمم وتشمير السواعد لخرق الحواجز الموضوعة - من أمنية بشرية ومادية إسمنتية - التي تمنع وصول الجماهير المؤمنة إلى ضريح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى قبور الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في البقيع، وذلك عبر الاحتشاد في مواسم الحج والعمرة أو في غيرها، والاندفاع سلميا نحو تلك المواضع المقدّسة بكثافة جماهيرية. وإن قابل العدو بجلاوزته المؤمنين بالصدام المسلح، فعليهم بالمواصلة بلا ردٍّ بالمثل، ليشهد العالم الجريمة الحية، فإن ذلك لو استمرّ منا فسيهتز هذا النظام الناصبي كثيرا ولن يقدر على تحدّي إرادة الجماهير، وسيرضخ عاجلا أم آجلا لمطالبنا، سيما مع اشتداد الضغط الدولي عليه في الخارج. وللمؤمنين البشارة إن شاء الله.. فمن يسقط قتيلا في هذا فهو عند الله شهيد، ومن يسقط جريحا فله من الله الأجر العظيم، ولن يُلام فقيه إن أفتى بهذا، فإنه لا اشتراط لتطبيق قاعدة الضرر على ما فيه نصرة راجحة لأهل البيت (صلوات الله عليهم) وحفظ لحرماتهم وتشييد لمعالم ولايتهم. وههنا تظهر معادن الرجال والفرسان.. وههنا يولد أنصار الحسين من جديد.. الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.
(5) التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء المتواصل والمستمر لأن يعجّل فرج إمام زماننا المهدي المفدى (صلوات الله عليه وأرواحنا فدى تراب نعليه) وأن يوفقنا لأن نكون من شيعته الممهدين لظهوره، وأن يجعل على يدنا إعادة بناء مراقد آبائه الطاهرين عليهم الصلاة والسلام، فإن الشرف كل الشرف أن يتحدث العالم غدا عن أن هذا الإنجاز قد تحقق على يد شيعة هذه المرحلة الزمنية، وسيكون ذلك مفخرة لنا عند أبنائنا وأجيالنا اللاحقة، كما نفخر نحن اليوم بما صنعه آباؤنا وأجدادنا من الشيعة الأبرار في الدفاع عن ساداتنا الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام. كما ينبغي للمؤمنين أن يكثروا من الدعاء على الظالمين النواصب، سيما آل سعود وزعماء الوهابية، حتى يهلكهم الله كما أهلك فرعون ونمرود وأبا بكر وعمر عليهم لعائن الله. وكذلك ينبغي أن يستمر الابتهال إلى الله أن يوفق العاملين لهداية المضلَّلين من أبناء العامة إلى نور ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وأن يزيح عنهم الغشاوة التي ضربتها عليهم يد الإجرام الناصبي الوهابي، وأن يزيد الله ويبارك في هذا المد الشيعي المتنامي يوما بعد يوم في أرجاء المعمورة، حتى تعود الحجاز وجزيرة العرب إلى التوحيد والإسلام النقي وتتطهر من الكفر والشرك والضلال كما طهّرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
نسأل الله جل وعلا أن يهدي القابل للهداية، وأن ينتقم بعزّته من الصادّ عن الولاية، كما قال سبحانه: ”وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ؛ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ“؟! (الزمر: 37).
والحمد لله كما هو أهله أولا وآخرا.
ياســــــر الحبيــــــب - لنـدن