7 رجب الأصب 1440
تعليقا على الحادث الإرهابي المروع الذي وقع في نيوزلندا هذا اليوم الجمعة 7 رجب 1440 والذي راح ضحيته نحو 50 مسلما ومثلهم من المصابين، صدر عن الشيخ ياسر الحبيب الموقف التالي:
● إنه يندد بأشد العبارات بهذه المذبحة التي يزيدها بشاعةً قيام بعض المجرمين بتصويرها في بث حي على وسائل التواصل حيث كان الضحايا يتساقطون في المسجد واحدا تلو الآخر دون أن يرف للقاتل جفن.
● هذه الهمجية الدموية تمثل دليلا بارزا على أن الانسلاخ عن الإنسانية إلى الوحشية والبهيمية ليس محصورا بالمناطق المتخلفة من العالم، فمهما بلغت بعض المناطق - كنيوزلندا - من الحضارة والمدنية والرقي فإنها ما لم تغير من سياساتها الباعثة على الصدام؛ وما لم تنتشل المجتمع من الغرق في المادية الأنانية، وما لم تعالج جذور النزعات الإجرامية على مستوى الوعي العام؛ فإنها ستبقى مرشحة لتخريج مزيد من الإرهابيين والقتلة.
● إن الحضارة التي تغض الطرف عن تنامي النزعات اليمينية المتطرفة أو تتسامح مع تحركات النازيين الجدد أو تستسلم للوجود والنشاط الوهابي؛ هي حضارة كاذبة حين تدعي الإنسانية. إن الحضارة الإنسانية الحقيقية تتطلب مواقف صارمة في مواجهة ووأد كل ما يحض على العنف والإرهاب.
● لا يمكن أن تكون السلطات في نيوزلندا غافلة عن نشاطات إرهابيي اليمين المتطرف إلى هذا الحد. إن القتلة كانوا ينشرون على وسائل التواصل عشرات البيانات والمقالات المعادية للمسلمين والمهاجرين، وآخرها كان قبل ساعات قليلة من تنفيذ المذبحة المروعة حيث وصفوا فيها المهاجرين بالغزاة وأشادوا بدونالد ترامب بوصفه «رمزا للهوية البيضاء المتجددة»!
إن تغاضي السلطات النيوزلندية وعدم تحركها العاجل منذ البداية يجعلها تتحمل جزءا من مسؤولية ما جرى، فيما يتحمل هذا المعتوه ترامب مسؤولية إذكائه هذه النزعات العنصرية على مستوى العالم.
● السيناتور الأسترالي فرايزر مانينغ هو مثال بارز في هذا الوقت على الانسلاخ من الإنسانية إلى البهيمية. إن مما يميز الإنسان عن الحيوان هو المشاعر والأحاسيس التي تجعله يتفاعل مع آلام الآخرين ويقدّرها حتى لو كان على طرف النقيض معهم، فلا تجد إنسانا حقيقيا بمعنى الكلمة يمكن أن يطلق لسانه أو يتصرف بما ينكأ جراح الآخرين ويزيد من آلامهم في وقت فجيعتهم.
عندما مرَّ بلال الحبشي - دون قصد - على قتلى اليهود الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله؛ وكانت بصحبة بلال امرأتان يهوديتان؛ قال الرسول صلى الله عليه وآله: «أ نُزِعَتْ منك الرحمة يا بلال حيث تمرُّ بامرأتيْن على قتلى رجالهما»؟!
هذا النبي العظيم الذي يفيض بالمشاعر الإنسانية حتى تجاه أعدائه يصفه هذا السيناتور الأخرق بالطاغية والعياذ بالله! ويصف دينه بالمعادل للفاشية! ويطلق تصريحاته الشائنة ضد المسلمين ويحمِّلهم مسؤولية ما جرى في نيوزلندا بينما دماؤهم في المساجد لم تجف بعد!
إنه حيوان بلا إحساس! وإلا لو كان إنسانا حقا لمنعته المشاعر الإنسانية عن إطلاق تصريحات تنكأ الجراح وتضاعف الآلام هكذا، ولتعاطف مع آهات الثكالى اللاتي فقدن أبناءهن ودموع الأطفال الذين فقدوا آبائهم، ولقدَّر - على الأقل - أن الوقت غير مناسب لإطلاق مثل هذه التصريحات.
هذا لو فرضنا أن رأيه في الدين الإسلامي صحيح، فكيف لو كان خاطئا؟ فإنه لم يميز بين الإسلام الذي أتى به رسول الله وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام، وبين الإسلام السياسي المصطنع الذي أتى به الحكام والسلاطين بدءا من انقلاب السقيفة الأسود.
● ننبه صناع القرار إلى أن عليهم تقدير خطورة انزلاق فئات المجتمع للعنف والعنف المضاد. أول خطوة مطلوبة هي الحزم تجاه النشاطات المتطرفة التي تلغي حق الآخر في الوجود والممارسة الدينية أو الثقافية.
● مع دعواتنا لجميع المسلمين وخاصة ذوي الضحايا منهم بأن يصلح الله بالهم ويجبر خواطرهم؛ فإننا نجدد دعوتهم إلى الرجوع إلى إسلام القرآن والعترة الطاهرة عليهم السلام، ونحذر من الاستجابة لدعوات الانتقام التي قد تثيرها الجماعات السلفية والوهابية المتطرفة لتجنيد مزيد من الشباب المسلم في الغرب.
● إن العنف والدم ههنا ليس هو الحل.
مكتب الشيخ الحبيب
أرض فدك الصغرى - 7 رجب 1440